الروح في القرآن

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
بسم الله الرحمن الرحيم


الروح في القرآن​




(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) الإسراء (85)
قال القرطبي : والروح : جسم لطيف ، أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم . وحقيقته إضافة خلق إلى خالق ، فالروح : خلق من خلقه أضافه إلى نفسه تشريفاً وتكريماً.
روى الترمذي
rhm.png
عن ابن عباس
anhma.png
قال : قالت قريش ليهود أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل. فقالوا سلوه عن الروح. قال فسألوه عن الروح فأنزل الله تعالى ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) قالوا أوتينا علما كثيرا أوتينا التوراة ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا فأنزلت ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر ) إلى آخر الآية قال هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه .
وروى البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْأَلُوهُ لَا يُسْمِعُكُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِمِ حَدِّثْنَا عَنْ الرُّوحِ فَقَامَ سَاعَةً يَنْظُرُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْيُ ثُمَّ قَالَ :
qos1.png
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
qos2.png

قال الطاهر بن عاشور:
"وأما ما روي في «صحيح البخاري» عن ابن مسعود أنه قال : «بينما أنا مع النبي في حرث بالمدينة إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح ، فسألوه عن الروح فأمسك النبي
slah.png
فلم يردّ عليهم شيئاً ، فعلمتُ أنه يوحى إليه ، فقمت مقامي ، فلما نزل الوحي قال :
qos1.png
ويسألونك عن الروح
qos2.png
الآية . فالجمع بينه وبين حديث ابن عباس المتقدم : أن اليهود لما سألوا النبي
slah.png
قد ظن النبي أنهم أقرب من قريش إلى فهم معنى الروح فانتظر أن ينزل عليه الوحي بما يجيبهم به أبين مما أجاب به قريشاً ، فكرر الله تعالى إنزال الآية التي نزلت بمكة أو أمره أن يتلوها عليهم ليعلم أنهم وقريشاً سواء في العجز عن إدراك هذه الحقيقة أو أن الجواب لا يتغير ."
وقال بن حجر
rhm.png
في فتح الباري:
"وَقَالَ الْأَكْثَر : سَأَلُوهُ عَنْ الرُّوح الَّتِي تَكُون بِهَا الْحَيَاة فِي الْجَسَد . وَقَالَ أَهْل النَّظَر : سَأَلُوهُ عَنْ كَيْفِيَّة مَسْلَك الرُّوح فِي الْبَدَن وَامْتِزَاجه بِهِ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اِسْتَأْثَرَ اللَّه بِعِلْمِهِ . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : الرَّاجِح أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ رُوح الْإِنْسَان لِأَنَّ الْيَهُود لَا تَعْتَرِف بِأَنَّ عِيسَى رُوح اللَّه وَلَا تَجْهَل أَنَّ جِبْرِيل مَلَك وَأَنَّ الْمَلَائِكَة أَرْوَاح . وَقَالَ الْإِمَام فَخْر الدِّين الرَّازِيُّ : الْمُخْتَار أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ الرُّوح الَّذِي هُوَ سَبَب الْحَيَاة ، وَأَنَّ الْجَوَاب وَقَعَ عَلَى أَحْسَن الْوُجُوه ، وَبَيَانه أَنَّ السُّؤَال عَنْ الرُّوح يُحْتَمَل عَنْ مَاهِيَّته وَهَلْ هِيَ مُتَحَيِّزَة أَمْ لَا ، وَهَلْ هِيَ حَالَّة فِي مُتَحَيِّز أَمْ لَا ، وَهَلْ هِيَ قَدِيمَة أَوْ حَادِثَة ، وَهَلْ تَبْقَى بَعْدَ اِنْفِصَالهَا مِنْ الْجَسَد أَوْ تَفْنَى ، وَمَا حَقِيقَة تَعْذِيبهَا وَتَنْعِيمهَا ، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتهَا . قَالَ : وَلَيْسَ فِي السُّؤَال مَا يُخَصِّصُ أَحَد هَذِهِ الْمَعَانِي ، إِلَّا أَنَّ الْأَظْهَر أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ الْمَاهِيَّة ، وَهَلْ الرُّوح قَدِيمَة أَوْ حَادِثَة وَالْجَوَاب يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا شَيْء مَوْجُود مُغَايِر لِلطَّبَائِعِ وَالْأَخْلَاط وَتَرْكِيبهَا ، فَهُوَ جَوْهَر بَسِيط مُجَرَّد لَا يَحْدُث إِلَّا بِمُحْدِثٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : " كُنْ " فَكَأَنَّهُ قَالَ : هِيَ مَوْجُودَة مُحْدَثَةٌ بِأَمْرِ اللَّه وَتَكْوِينِهِ ، وَلَهَا تَأْثِير فِي إِفَادَة الْحَيَاة لِلْجَسَدِ ، وَلَا يَلْزَم مِنْ عَدَم الْعِلْم بِكَيْفِيَّتِهَا الْمَخْصُوصَة نَفْيه . قَالَ : وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالْأَمْرِ فِي قَوْله : ( مِنْ أَمْر رَبِّي ) الْفِعْل ، كَقَوْلِهِ : ( وَمَا أَمْر فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ) أَيْ فِعْلُهُ فَيَكُون الْجَوَاب الرُّوح مِنْ فِعْل رَبِّي ، وَإِنْ كَانَ السُّؤَال هَلْ هِيَ قَدِيمَة أَوْ حَادِثَة فَيَكُون الْجَوَاب إِنَّهَا حَادِثَة . إِلَى أَنْ قَالَ : وَقَدْ سَكَتَ السَّلَف عَنْ الْبَحْث فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء وَالتَّعَمُّق فِيهَا ا ه .
وجاء في فتاوى بن تيمة
rhm.png
تعالى:
"سئل شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية - قدس الله روحه : - عن " الروح " هل هي قديمة أو مخلوقة ؟ وهل يبدع من يقول بقدمها أم لا ؟ وما قول أهل السنة فيها وما المراد بقوله
3za.png
:
qos1.png
قل الروح من أمر ربي
qos2.png
؟ هل المفوض إلى الله تعالى أمر ذاتها أو صفاتها أو مجموعهما ؟ بينوا ذلك من الكتاب والسنة .
الجواب
وأما قول السائل هل المفوض إلى الله أمر ذاتها أو صفاتها أو مجموعهما ؟ فليس هذا من خصائص الكلام في الروح ؛ بل لا يجوز لأحد أن يقفو ما ليس له به علم ولا يقول على الله ما لا يعلم . قال تعالى :
qos1.png
ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا
qos2.png
. وقال تعالى .
qos1.png
قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون
qos2.png
. وقال تعالى :
qos1.png
ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق
qos2.png
وقد قالت الملائكة لما قال لهم :
qos1.png
أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين
qos2.png
qos1.png
قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
qos2.png
وقد قال موسى للخضر :
qos1.png
هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا
qos2.png
وقال الخضر لموسى لما نقر العصفور في البحر : ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر . وليس في الكتاب والسنة أن المسلمين نهوا أن يتكلموا في الروح بما دل عليه الكتاب والسنة لا في ذاتها ولا في صفاتها وأما الكلام بغير علم فذلك محرم في كل شيء ولكن قد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أن
qos1.png
النبي
slah.png
كان في بعض سكك المدينة فقال بعضهم . سلوه عن الروح . وقال بعضهم لا تسألوه فيسمعكم ما تكرهون قال فسألوه وهو متكئ على العسيب فأنزل الله هذه الآية
qos2.png
. فبين بذلك أن ملك الرب عظيم وجنوده وصفة ذلك وقدرته أعظم من أن يحيط به الآدميون وهم لم يؤتوا من العلم إلا قليلا فلا يظن من يدعي العلم أنه يمكنه أن يعلم كل ما سئل عنه ولا كل ما في الوجود فما يعلم جنود ربك إلا هو ."​
 
أعلى