المعدن النفيـس والقلب الخسيـس

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!



هل رأيتم جُعلاً يدحرج ورداً ؟!

هل خبرتم النحلة تضع إلا عسلاً ؟!

هل سمعتم عن حمار حكيم أو نملة كسولة ؟!

هل تنامى إلى مسامعكم نبأ غزالة إصطادت أسداً أو حتى أرنباً ؟!

وهكذا تتجلى حكمـة الله عز وجل في جميع مخلوقاتـه حيث جعل لكل شيء ما يناسبـه

سُنـة لا تتبدل وحقيقـة نعيشها ونشاهدها ونعرفها جيداً في كل شيء حولنا

ولكننا كثيراً ما نغفل عن هذه الحقيقة وتطبيقها في المضغة التي بين صدورنا


579.gif


نعم يا أحباب .. المُضغـة التي أعتنىَ بها السابقون فأفلحوا

وأهملها الآخرون فتأخروا

إنها هذه القلوب ألوان وأصناف ومراتب

والله عز وجل أحكم الحاكمين وأعدل العادلين

لا يضع الأشياء إلا في موضعها اللائق بها .. وهذا العدل والحكمـة

لا يناقض جوده عز وجل ورحمتـه .. ولو رأى الناس رجلاً يصب الطيب في أماكن القاذورات

ويضع النجاسات في مواضع الطيب والنظافـة .. لعدوه من السفهاء وقدحوا في عقلـه


579.gif


وكذلك لو وضع حاكم العقوبـة موضع الإحسان والإحسان موضع العقوبـة

لعدوه سفيهاً ظالماً وقدحوا في حُكمـه .. وكما قال القائل :

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا .. مضر كوضع السيف في موضع الندى

ومن المعلوم أن القلوب منها القلب الشريف الزكي والقلب الخسيس الخبيث

والله عز وجل خلق الأضداد كما خلق الليل والنهار والبارد والحار

وهو أعلم بالقلوب الطيبة

التي تقبل الخير .. فليس من الحكمـة أن يُبذر القمح في الصخور والسباخ

وفاعل ذلك غير حكيم

فما الظن ببذر الإيمان والقرآن والتقوى و (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)


579.gif


قال أبن مسعود رضي الله عنـه : إن الله نظر في قلوب العباد

فرأى قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب الأرض فإختصـه برسالتـه

ثم نظر في قلوب العباد فرأى قلوب أصحابـه خير قلوب العباد فإختارهم لصحبتـه

وفي أثر بني إسرائيل أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام :

أتدري لم إخترتك لكلامي ؟ قال : لا يا رب. قال :

إني نظرت في قلوب العباد فلم أر فيها أخضع من قلبك لي


579.gif


وفي المقابل قال الله عز وجل :


(وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)

(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)


والناس تقول : كل إناء بالذي فيه ينضح

وكل إمرئٍ يولي الجميل محببٌ .. وكلُّ مكانٍ ينبتُ العز طيبُ

والمقصود أن الله سبحانـه أعلم بمواقع فضلـه ورحمتـه وتوفيقـه

ومن يصلح لها ومن لا يصلح وأن حكمتـه تأبى أن يضع ذلك عند غير أهلـه

كما تأبى أن يمنعه من يصلح لـه

ولو أن ملكاً من ملوك الدنيا جعل خاصتـه وحاشيتـه سفلـة الناس وأحقرهم

لقدح الناس في ملكـه وقالوا : لا يصلح للمُلك


579.gif


وفي الختام هذه دعوة للتأمُل والنظر بين الأضلع نظر العارف اللبيب لهذه المضغـة الصغيرة

التي بين جنبيك .. هل تصلح لتطير بك إلى أعلى الجنان ؟

أم أن الذنوب أقعدتها وقصقصت أجنحتها وأوهنت همتها فأخلدت إلى الأرض؟


579.gif


دمتــم بحفظ الله .. تقبلـوا إحتــرامي وتقديـري
مما تصفحت
 
أعلى