يا عِبَادِي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
2459075054_ab185968c1_o.gif

36.gif


"يا عِبَادِي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي"
35.gif

عن أبي ذَرٍّ عن النبي صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عن اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قال :
{يا عِبَادِي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فلا تَظَالَمُوا ،
يا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلا من هَدَيْتُهُ فاستهدوني أَهْدِكُمْ ،
يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلا من أَطْعَمْتُهُ فاستطعموني أُطْعِمْكُمْ ،
يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إلا من كَسَوْتُهُ فاستكسوني أَكْسُكُمْ ،
يا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وأنا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جميعًا فاستغفروني أَغْفِرْ لَكُمْ ،
يا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي ، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي ،
يا عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا على أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ما زَادَ ذلك في مُلْكِي شيئا ،
يا عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا على أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ما نَقَصَ ذلك من مُلْكِي شيئا ،
يا عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ ما نَقَصَ ذلك مِمَّا عِنْدِي إلا كما يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ،
يا عِبَادِي إنما هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ
}
الشرح
35.gif

بين يدينا أحد الأحاديث القدسية العظيمة ، التي يرويها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة جل وعلا ،
فتعال بنا نعيش مع هذا الحديث ، ونستظل بفيئه ، وننهل من عذبه الصافي .
لقد بدأ الحديث بإرساء قواعد العدل في النفوس ، وتحريم الظلم والعدوان ،
يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه :
( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ) ،
وحقيقة الظلم : وضع الشيء في غير موضعه ، وهذا مناف لكمال الله تعالى وعدله ،
فلذلك نزّه الله تعالى نفسه عن الظلم ؛
فقال : {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} ق : 29
وقال أيضا : {وَمَا اللَّـهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ } غافر : من 31
ولئن كان الله تعالى قد حرّم الظلم على نفسه ، فقد حرّمه على عباده ، وحذّرهم أن يقعوا فيه ؛
وما ذلك إلا لعواقبه الوخيمة على الأمم ، وآثاره المدمرة على المجتمعات ،
وما ظهر الظلم بين قوم إلا كان سببا في هلاكهم ، وتعجيل العقوبة عليهم ،
كما قال سبحانه في كتابه العزيز :
{وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}
هود : 102
ومن ثمّ كانت دعوة المظلوم عظيمة الشأن عند الله ، فإن أبواب السماء تفتح لها ، ويرفعها الله فوق الغمام يوم القيامة ،
بل إنه سبحانه وتعالى يقول لها : {وعزتي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ}
كما صح بذلك الحديث .
35.gif

ثم انتقل الحديث إلى بيان مظاهر افتقار الخلق إلى ربهم وحاجتهم إليه ، وذلك في قوله :
{يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم}
فبيّن أن الخليقة كلها ليس بيدها من الأمر شيء ، ولا تملك لنفسها و لا لغيرها حولا ولا قوة ، سواءٌ أكان ذلك في أمور معاشها أم معادها ،
وقد خاطبنا القرآن بمثل رائع يجسّد هذه الحقيقة ، حيث قال :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}
الحج : 73
أي : إذا أخذ الذباب شيئا من طعامهم ثم طار ، وحاولوا بكل عدتهم وعتادهم أن يخلصوا هذا الطعام منه ما استطاعوا أبدا ،
فإذا كان الخلق بمثل هذا الضعف والافتقار ، لزمهم أن يعتمدوا على الله في أمور دنياهم وآخرتهم ، وأن يفتقروا إليه في أمر معاشهم ومعادهم .
وليس افتقار العباد إلى ربهم مقصورا على الطعام والكساء ونحوهما ،
بل يشمل الافتقار إلى هداية الله جل وعلا ، ولهذا يدعو المسلم في كل ركعة بـ :
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} الفاتحة : 6
35.gif

ثم بيّن الله تعالى بعد ذلك حقيقة ابن آدم المجبولة على الخطأ ، فقال :
{يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم}
إنه توضيح للضعف البشري ، والقصور الذي يعتري الإنسان بين الحين والآخر ،
فيقارف الذنب تارة ، ويندم تارة أخرى ،
وهذه الحقيقة قد أشير إليها في أحاديث أخرى ، منها : ما رواه الإمام ابن ماجة بسند حسن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
{كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ , وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ}
فإذا كان الأمر كذلك فإن على الإنسان المسلم أن يتعهّد نفسه بالتوبة ، فيقلع عن ذنبه ، ويستغفر من معصيته ، ويندم على ما فرّط في جنب الله ،
35.gif

ثم يوظّف هذا الندم الذي يصيبه بأن يعزم على عدم تكرار هذا الذنب ،
فإذا قُدّر عليه الوقوع في الذنب مرة أخرى ، جدد التوبة والعهد ولم ييأس ،
ثقةً منه بأن له ربا يغفر الذنب ويقبل التوبة من عباده المخطئين .
35.gif

ثم بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عن ربّه – شيئا من مظاهر الكمال الذي يتصف به الله جل وعلا ،
مبتدئا بالإشارة إلى استغناء الله عن خلقه ، وعدم احتياجه لهم ، كما قال تعالى :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّـهِ وَاللَّـهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}
( فاطر : 15 )
فالله تعالى غني حميد ، لا تنفعه طاعة عباده ، ولا تضره معصيتهم ،
بل لو آمن من في الأرض جميعا ، وبلغوا أعلى مراتب الإيمان والتقوى ، لم يزد ذلك في ملك الله شيئا ،
ولو كفروا جميعا ، ما نقص من ملكه شيئا ،
لأن الله سبحانه وتعالى مستغن بذاته عن خلقه ، وإنما يعود أثر الطاعة أو المعصية على العبد نفسه ،
وقد جاء في القرآن الكريم ما يؤكد هذه الحقيقة ويوضحها ، قال الله عزوجل :
{قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ}
( الأنعام : 104 )
فمن عرف حجج الله وآمن بها واتبعها ، فقد بلغ الخير لنفسه ،
ومن تعامى عن معرفة الحق ، وآثر عليها ظلمات الغواية ، فعلى نفسه جنى ، وأوردها الردى .
وبالرغم من ذلك فإن نعم الله سبحانه مبثوثة للطائع والعاصي على السواء ، دون أن يجعل تلك المعاصي مانعا لهذا العطاء ،
وهذا من كرم الله تعالى وجوده ، وهي أيضا مظهر من مظاهر سعة ملك الله تعالى ،
فإن الله لو أعطى جميع الخلق ما يرغبون ، لم ينقص ذلك من ملكه شيئا يُذكر .
35.gif

ولما كانت الحكمة من الخلق هي الابتلاء والتكليف ،
بيّن سبحانه أن العباد محاسبون على أعمالهم ، ومسؤولون عن تصرفاتهم ،
فقد جعل الله لهم الدنيا دارا يزرعون فيها ، وجعل لهم الآخرة دارا يجنون فيها ما زرعوه ،
فإذا رأى العبد في صحيفته ما يسرّه ، فليعلم أن هذا محض فضل الله ومنّته ،
إذ لولا الله تعالى لما قام هذا العبد بما قام به من عمل صالح ،
وإن كانت الأخرى ، فعلى نفسها جنت براقش ، ولا يلومنّ العبد إلا نفسه .
35.gif

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!

تسعون فائدة في الحديث
"يا عِبَادِي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي"
35.gif

فوائد الحديث :
قوله صلى الله عليه وسلم :
"
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا
" ،
فيه فوائد كثيرة ومنها :
الفائدة الأولى
:
دل الحديث على أن الله يتكلم سبحانه وتعالى كما يشاء ، كلامًا يليق بجلاله وعظمته ،
كما هو منهج أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات ،
كما أن لفظ الحديث يرد على كل من نفى صفة الكلام عن الله متأولاً أو غير متأول ،
وذلك لصراحة قوله صلى الله عليه وسلم : "
قال الله
".
الفائدة الثانية
:
في الحديث مناداة الله لعباده ، وهذا من رحمته بهم ، وأنه أقرب لهم ،
وهذا مما يبعث السكينة في قلوب عباده المؤمنين .
الفائدة الثالثة
:
دل الحديث على أن جميع الخلق عباد الله شرعًا وقدرًا ،
أما المؤمنون فهم عباد الله الذين استجابوا لأمره،
وأما الكفار فهم مخاطبون أيضا بهذا الحديث لدخولهم تحت العبودية لله قهرًا.
الفائدة الرابعة
:
الحديث يدل على لطف الله بعباده ،
حيث بدأهم بالمناداة من غير سؤال منهم وبهذا يفرح المؤمنون.
الفائدة الخامسة
:
دل على أن صفة العبودية تشريف ؛
لأن مقتضى الخطاب أن يختار المنادي أحب الأسماء للسامع فيناديه بها ،
فالله اختار صفة "
يا عبادي
"
مما يدل على أن من دخل من العباد تحت هذه الصفة ؛
فقد شَرُف غاية الشرف ،
فإن العبودية لله تقتضي الخلاص مما سواه.
الفائدة السادسة
:
تقديم النداء "
يا عبادي
" دليل على أهمية ما بعده ،
فإن هذا المقصود من النداء ،
ولهذا فإن المؤمن يصغي سمعه لما يقال بعد النداء ، خاصة إذا كان من ربه ، كما في الحديث .
الفائدة السابعة
:
دل الحديث بلفظه الصريح على تحريم الظلم مطلقا ، وذلك من عدة أوجه :
أ- حرف التوكيد "إن
".
ب- ضمير المتكلم "الياء" في قوله "إني
".
ج- لفظ التحريم في قوله "حرمت
" وهو يفيد المنع أكثر من أي صيغة أخرى.
د- "أل" الجنسية في قوله "الظلم
" التي تفيد الاستغراق، فيشمل جميع أنواع الظلم.
هـ- تكرار لفظي "التحريم والظلم
"
في قوله : "
إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا

فنلاحظ تكرار "
حرمت ومحرما
"
وقوله: "
الظلم فلا تظالموا

ولا شك بأن هذا التكرار يفيد المنع بصورة أكبر .
و- ختم الجملة الأولى من الحديث بقوله : "فلا تظالموا
"
مع أن المعنى المراد فُهم مما سبقها في قوله :
"
إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما
".
فإن المعنى قد تم عند قوله "
محرما
"
لكنه أعاد المعنى المراد مرة أخرى بقوله: "
فلا تظالموا

وهذا أيضا يفيد المنع قوة .
الفائدة الثامنة
:
دل الحديث أن الله هو المشرع المُحِل المُحرِّم ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ،
فإن قوله تعالى : "
إني حرمت الظلم على نفسي
"
تدل على تحريم الله لما يشاء وبالمقابل تحليله لما يشاء .
الفائدة التاسعة
:
يؤخذ من الحديث أن من صيغ العزيمة على الطلب أو الترك أن يخبر الواحد عن نفسه ،
ويبدأ قبل غيره ،
ولهذا فإن الله أخبر عن نفسه قال : "
إني حرمت الظلم على نفسي
".
فمن أراد أن يأمر أمرًا ، أو ينهى عنه فليبدأ بنفسه قولا وعملا ، فإن ذلك أشد وقعًا .
الفائدة العاشرة
:
فيه إثبات النفس لله سبحانه وتعالى .
الفائدة الحادية عشرة
:
دل على عدم التلازم بين ما يحرمه الله على نفسه وما يحرمه علينا ، فقد :
أ-
يحرم على نفسه أمرًا ويحرمه أيضًا علينا كالظلم في هذا الحديث .
ب-
يحرم على نفسه أمرًا ولا يحرمه علينا كجميع النقائص من السنة والنوم وغيرها .
ج-
يبيح لنفسه أمرًا ويحرمه علينا كالكبر في حقه سبحانه وتعالى .
والظلم من النوع الأول ، ولهذا قال : "
وجعلته بينكم محرما
"
مما يدل على أن هناك أمورًا حرمها على نفسه لم يحرمها علينا ، والله أعلم .
الفائدة الثانية عشرة
:
قوله: "
فلا تظالموا
" يحتمل معنيين :
أ-
النهي عن البدء بالظلم ، أي أن يبدأ الإنسان أخاه بالظلم .
ب-
النهي عن الرد والانتقام بالظلم ، أي أن ينتقم الإنسان لنفسه بظلم غيره .
وكلا المعنيين مراد في الحديث ، فالظلم منهي عنه ابتداء واستدامة .
الفائدة الثالثة عشرة
:
يفهم من الحديث تحريم إنكار المنكر عن طريق ظلم صاحبه ،
ولا يسوغ لنا المنكر الذي يمارسه صاحبه أن نتعدى حدود الشرع فيه فنقع بالظلم .
الفائدة الرابعة عشرة
:
دل الحديث على أن الظلم لا مصلحة فيه البتة ،
ولهذا مُنع وحُرم تحريما مطلقا .
الفائدة الخامسة عشرة
:
قوله تعالى : "
وجعلته بينكم محرمًا
"
يفيد أن الإنسان عليه الاستسلام لحكم الله ، فلا يقدر على تبديله أو تغييره ،
وهذا كما أنه في الظلم فكذلك في سائر أحكام الله التي جعلها بيننا .
الفائدة السادسة عشرة
:
دل الحديث على أن الظلم لن يقع منه سبحانه وتعالى أبدًا، ولهذا لم يعد صيغة التحريم على نفسه كما أعادها في حق الناس.
فقد قال في حق الناس: "
وجعلته بينكم محرما
"
ثم أعاد التحريم مرة أخرى فقال : "
فلا تظالموا

أما في حق نفسه سبحانه وتعالى فقال : "
إني حرمت الظلم على نفسي
" ،
ولم يقل : فلن أظلم ،
مما يدل على أنه لن يظلم أبدًا فإنه إذا حرم شيئًا فلن يفعله ، بخلاف الناس فقد يحرم الله عليهم أمرًا فيفعلونه ،
فاقتضى أن تتكرر صيغة المنع في حقهم فقط .
الفائدة السابعة عشرة
:
لفظ الحديث في تحريم الظلم يؤيد مذهب أهل السنة والجماعة في معنى الظلم الذي حرمه الله على نفسه ،
وهو : أن الله قادر على الظلم لكنه حرمه على نفسه ؛ والتحريم والمنع يكون للشيء المقدور عليه ،
أما المستحيل والممتنع فغير مقدور عليه أصلا حتى تمنع منه النفس .
الفائدة الثامنة عشرة
:
الحديث رد على أصحاب وحدة الوجود ؛ لأن الحديث أثبت أن هناك ربًّا يحرم ،
وهناك عبادًا حُرم عليهم أيضًا الظلم ، فهما شيئان مختلفان رب وعبد .
35.gif

قوله صلى الله عليه وسلم : "
يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم
"
فيها فوائد ، منها :
الفائدة التاسعة عشرة
:
تكرار النداء في قوله : "
يا عبادي
" فيه زيادة عناية بعباده ورأفة ورحمة وشفقة عليهم ،
حيث تكرر النداء في الحديث تسع مرات ، وهو أمر يوحي لك بالمبالغة في ذلك .
الفائدة العشرون
:
قدم في الحديث الضلالة والهدى على الجوع والطعام ، والعري واللباس ،
فقال: "
كلكم ضال إلا من هديته
"
قبل قوله : "
كلكم جائع
"
وقوله : "
كلكم عار
" ذلك من باب تقديم الأهم ،
فالضلال أشد خطرًا من الجوع والعري ، والهداية أتم من الطعام واللباس .
وهذا يشعرنا بالاهتمام بالهداية أكثر من اهتمامنا بطعامنا ولباسنا ، وأن ندرك خطر الضلال أكثر من إدراكنا خطر الجوع والعري .
الفائدة الحادية والعشرون
:
دل الحديث على أن كل من لم يهده الله فهو ضال ،
ولهذا قال : "
كلكم ضال
" فلم يستثن من ذلك أحدًا .
الفائدة الثانية والعشرون
:
دل الحديث بصريح لفظه أن الله هو الهادي المضل ، وهذا من كماله سبحانه وتعالى .
الفائدة الثالثة والعشرون
:
دل الحديث على أن الهداية بيد الله لقوله : "
إلا من هديته
" فمنه تطلب ، وبه يستعان للحصول عليها ،
فعلى من طلبها أن يلتجئ لمالكها ويستجديه ويلح عليه ، فإنها فضل منه سبحانه ومنّة .
الفائدة الرابعة والعشرون
:
دل على عدم الاعتماد على النفس ،
وعدم الوثوق بالصفات الشخصية في تحصيل الهداية لأنها بيد الله يؤتيها الله من يشاء ،
ولهذا أسند الله الهداية إلى نفسه فقط فقال : "
فاستهدوني أهدكم

فلا يغتر الإنسان بما لديه من قدرات وذكاء ، بل إنك تجد في الواقع المرير من هو مفرط في الذكاء بعيد عن الهداية ، والأمر بيد الله وحده .
الفائدة الخامسة والعشرون
:
قوله : "
فاستهدوني أهدكم" ومثله "فاستطعموني أطعمكم" و"فاستكسوني أكسكم
"
كلها تفسير عملي لقولنا : "
لا حول ولا قوة إلا بالله
"
الذي يدل على أن الإنسان لا تحول له ، ولا قوة على التحول إلا بإعانة الله له ،
ومن ذلك هدايته والضروريات من حياته كطعامه ولباسه ،
وهذا يبين لنا ضرورة الارتباط بين المؤمن والحوقلة من خلال أمثلة الحديث المذكور .
الفائدة السادسة والعشرون
:
دل قوله : "
كلكم ضال
"
وقوله : "
كلكم جائع
"
وقوله : "
كلكم عار
"
على تساوي الخلق عند الله ، وأن التفاضل بينهم يكون على الأعمال التي يعملونها .
الفائدة السابعة والعشرون
:
يدل قوله : "
فاستهدوني أهدكم
" على تفاوت الناس في الهداية بناء على طلبهم إياها من الله ،
وعلى ما يعطيهم الله منها ، فليسع الإنسان إلى تحصيل أكبر قدر ممكن من الهداية ، خاصة وأن طريق طلبها واضح هو طلبها من الله .
الفائدة الثامنة والعشرون
:
دل على إثبات منهج أهل السنة والجماعة في قولهم :
إن الإيمان يزيد وينقص
، فإن الهداية تزيد وتنقص كما دل عليه هذا الحديث .
الفائدة التاسعة والعشرون
:
في هذا الجزء من الحديث فتح لباب التنافس في دروب الخير والأعمال الصالحة ؛
فإن قوله: "
فاستهدوني أهدكم
" تفتح باب طلب الهداية ، فمن شاء فليوسع ومن شاء فليقصر ،
وكذلك بقية الأعمال التي هي تطبيق عملي لهداية الله للإنسان ، فترى المجتمع يتفنن في تحصيل أنواع الأعمال الصالحات .
الفائدة الثلاثون
:
هذا الجزء من الحديث "
كلكم ضال إلا من هديته
"
يعطينا تصورًا حقيقيا عن معشر البشر الذين نخالطهم ،
فهم ضُلال إلا من هداه الله ، وجوعى إن لم يطعمهم الله ، وعراة إن لم يكسهم الله ،
وهذا التصور يفيد في معرفة التعامل مع الناس ، ويحدد لنا مقدار اعتمادنا عليهم في تحصيل المراد ،
كما يورث فينا العزة ونحن نتعامل مع قوم لا يملكون لأنفسهم طعامًا وكساء فضلا لغيرهم ،
فتجد المؤمن على هذا يعاملهم ويعرف قدرهم خوفا ورجاء .
الف
ائدة الحادية والثلاثون
:
في قوله: "
إلا من هديته
" بيان لفضل الرسل الكرام عليهم السلام ؛
لأن الله هدى بهم الناس ، وأخرجهم من الظلمات إلى النور ، فعلى أيديهم كانت هداية الناس ،
فكم لهم من الفضل علينا بعد الله ، ونحن لا ندرك ذلك حقيقة الإدراك ، فصل اللهم وسلم عليهم جميعا .
الفائدة الثانية والثلاثون
:
يدل الحديث على حاجة الإنسان إلى الهداية في كل لحظة من لحظات حياته ؛
لأن قوله : "
كلكم ضال إلا من هديته
" يفيد العموم في كل أوقات الإنسان ،
فهو ضال محتاج لهداية ربه ، وهذا يفيد تعلق المؤمن بربه دائمًا ، وهو سبحانه وتعالى أولى به .
الفائدة الثالثة والثلاثون
:
الله سبحانه وتعالى أمر بالدعاء ووعد بالإجابة ،
فقال : "
فاستهدوني أهدكم
" فهذا أمر ووعد، فلا عذر بعد ذلك للبطال.
35.gif

ثم قال صلى الله عليه وسلم :
"
يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم

وهذا فيه من الفوائد ما يلي :
الفائدة الرابعة والثلاثون
:
دل هذا الجزء من الحديث أن الإنسان ضال حتى عن أمور معاشه وملبسه إن لم يهده الله إليها وييسرها له ،
وهذا يبين عظم فاقة الإنسان لربه .
الفائدة الخامسة والثلاثون
:
يربي الحديث افتقار المؤمن لربه حتى في طعامه وشرابه وملبسه ،
فالإنسان جائع عارٍ إن لم يطعمه الله ويكسه .
الفائدة السادسة والثلاثون
:
دل الحديث بصريح عبارته أن الرزق من عند الله ،
فعلام يحزن الإنسان إن فاته نصيبه ؟!
الفائدة السابعة والثلاثون
:
الحديث يشعر بأن الله يقسم الأرزاق بين عباده ،
فيطعم هذا ويحرم هذا ، ويكسو بعض العباد ويعري آخرين ،
والمؤمن إن علم ذلك خرج من قلبه الحسد ، فعلام الحسد على شيء ليس للعبد فيه تصرف ،
وإنما المتصرف الله سبحانه وتعالى ، وبهذا أيضًا يزيد اليقين في قلبه برزق الله .
الفائدة الثامنة والثلاثون
:
في الحديث إظهار لمنَّة الله سبحانه وتعالى على خلقه في هدايته لهم وإطعامهم وكسوتهم ،
وهذه المنَّة لا حدود لها ، ويجب أن تقابل بالشكر .
الفائدة التاسعة والثلاثون
:
يربي الحديث المؤمن على التفكر في حياة نفسه ، من طعامه وشرابه ولباسه ،
وهذا من أعظم الأشغال التي ينبغي أن ينشغل بها المسلم .
الفائدة الأربعون
:
التفكر في معاني الحديث يطرد العجب والكبر من قلب المؤمن ،
فإذا كان لا يستطيع أن ينفع نفسه في أهم ضرورياته من الأكل واللباس ؛
فبماذا يفخر ويعجب ؟
الفائدة الحادية والأربعون
:
نص الحديث على الطعام في قوله : "
كلكم جائع إلا من أطعمته
"
ولم يذكر الشراب لأنه داخل في معنى الطعام ، فذكر أحدهما يغني عن الآخر .
الفائدة الثانية والأربعون
:
قُدم الطعام على الكساء في الحديث من باب تقديم الأهم بالنسبة للخلق ،
فالإنسان يصبر على العري إلا أنه يشق عليه الصبر على الجوع ،
فتناسق الحديث حسب اهتماماتنا .
الفائدة الثالثة والأربعون
:
دل هذا الجزء من الحديث على أن الله هو المطعم والكاسي سبحانه وتعالى ،
فكل طعام أو كساء رُزقه العبد فهو من ربه فليحمده عليه .
الفائدة الرابعة والأربعون
:
دل الحديث بالمقابل على أن من أصابه الجوع والعري فالله منعه ،
فعليه الرجوع وطلب الأمر من مصدره سبحانه وتعالى .
الفائدة الخامسة والأربعون
:
اقتصر في الحديث على الضروريات في الحياة من الطعام والكسوة لتعلق قلوب الناس بها أكثر من غيرها ،
ولأنه يدخل عليهم الضرر في فواتها أكثر مما يدخله الضرر في غيرها ،
وإلا فإن كل شيء بيد الله، والله معطيه أو مانعه .
الفائدة السادسة والأربعون
:
لم يرد في رواية مسلم ذكر للمال ، فلم يقل : وكلكم فقير إلا من أغنيته فاستغنوني أغنكم ،
والذي يظهر من السبب والله أعلم أن المال غير مقصود لذاته ،
وإنما يقصد للطعام والكسوة وضروريات الحياة ،
فاستغنى بذكر الغاية عن الوسيلة.
الفائدة السابعة والأربعون
:
أظهر الحديث ضعف الإنسان غاية الضعف؛ إذ لا يملك لنفسه هداية ولا طعامًا ولا كساء ،
فأي ضعف فوق هذا الضعف ، وهذا الذي يجعل الأمر محتما على الإنسان ألا يستقل بنفسه وإنما بغيره ،
ولا يوجد أقوى من أن يرتبط بربه ، كما أن الحديث أظهر حاجة الإنسان لربه ، وعدم استغنائه عنه طرفة عين حتى في ضرورياته التي لا بد له منها .
الفائدة الثامنة والأربعون
:
دل الحديث على أنه ما من نعمة دقت أو عظمت إلا هي من عند الله ،
وهذا يؤخذ من قوله : "
كلكم جائع إلا من أطعمته
" ،
ومعلوم أن الطعام متفاوت قلة وكثرة .
الفائدة التاسعة والأربعون
:
في الحديث دلالة على أن العري مذموم عند جميع البشر ،
يسعون لرفعه عن أنفسهم كما يسعون في رفع الجوع ،
وبهذا نرد على طائفة الطبائعيين الذين يرون أن من الطبيعة أن يبقى الإنسان عاريًا ،
وكفى بهذا الحديث ذمًّا لهم عند جميع البشر .
35.gif

تابع
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
تابع
تسعون فائدة في الحديث

"يا عِبَادِي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي"
35.gif

ثم قال صلى الله عليه وسلم :
"يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم
وفي هذا فوائد كثيرة منها :
الفائدة الخمسون :
مناسبة هذا الجزء من الحديث : "إنكم تخطئون بالليل والنهار"
لما سبق قبلها من قوله : "كلكم عار إلا من كسوته"
أنه لما ذكر العري الحسي ، ذكر بعدها العري المعنوي وهي الذنوب ، فتناسقت ألفاظ الحديث .
الفائدة الحادية والخمسون :
دل هذا الجزء من الحديث على كثرة خطأ بني آدم لقوله :
"إنكم تخطئون بالليل والنهار
وهذا أصل فيهم ، فلا يحق لأحد ادعاء الكمال .
الفائدة الثانية والخمسون :
دل هذا الجزء من الحديث على عظيم علم الله سبحانه وتعالى الذي لا تخفى عليه خافية ،
إذ إنه يحصي جميع خطايا بني آدم .
الفائدة الثالثة والخمسون :
دل قوله : "إنكم تخطئون بالليل والنهار"
على حلم الله سبحانه وتعالى الذي يرى خطايا بني آدم ولا يعاجلهم بالعقوبة .
الفائدة الرابعة والخمسون :
في الحديث رد على القدرية الذين يزعمون نفي تقدير الله للمعاصي ،
فالحديث صريح في أن الله علم ذنوب العباد وقدرها ؛
لقوله : "إنكم تخطئون بالليل والنهار".
الفائدة الخامسة والخمسون :
في الحديث فتح لباب الرجاء أمام المذنبين .
الفائدة السادسة والخمسون :
دل قوله : "وأنا أغفر الذنوب جميعًا"
على أن الله لا يتعاظمه ذنب أن يغفره ، فالحمد لله على مغفرة ربنا .
الفائدة السابعة والخمسون :
دل قوله : "فاستغفروني أغفر لكم"
على أن الإنسان لا غنى له عن الاستغفار ؛
لأن ذنوب العباد بالليل والنهار فلا يزيلها إلا الاستغفار ،
فالحمد لله الذي فتح لنا بابًا له .
الفائدة الثامنة والخمسون :
دل قوله : "إنكم تخطئون بالليل والنهار"
أن الله كتب على ابن آدم حظه من الذنوب مدرك ذلك لا محالة ،
فعلى الإنسان الاشتغال بالمجاهدة ، ومحاولة التقليل والإصلاح بعد الوقوع .
الفائدة التاسعة والخمسون :
دل الحديث على أن الله كتب علينا الذنوب ،
إلا أنه فتح بابًا لإزالتها ، فيعالج هذا بذاك .
الفائدة الستون :
هذا الجزء من الحديث : "إنكم تخطئون بالليل والنهار"
يربي في قلب المؤمن مراقبة الله ؛ لأن الله يعلم ذنوبه ويطلع عليها .
35.gif

ثم قال صلى الله عليه وسلم :
"يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني
وهذا فيه من الفوائد ما يلي :
الفائدة الحادية والستون :
مناسبة هذا الجزء من الحديث لما قبله أنه لما بيّن لهم نعمه على العباد ،
وأنه يطعمهم ويكسوهم ويهديهم ،
بيّن لهم في هذا الجزء من الحديث أنهم لن يصلوا إلى ضرره أو مصلحة تعود إليه ،
فقال : "إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني".
الفائدة الثانية والستون :
قدم الضر في هذا الجزء من الحديث على النفع ،
فقال : "لن تبلغوا ضري" ؛
لأن الغالب الحرص على دفع الضر قبل جلب النفع ، فجاء الحديث تمشيا مع الغالب ، والله أعلم .
الفائدة الثالثة والستون :
الملاحظ أنه في جملة نفي الضر عنه أكدها بقوله :
"إنكم لن تبلغوا ضري" ،
أما الجملة الثانية (ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني)
فخلت من التوكيد ، والذي يظهر أن ذلك لتمام بيان عجز البشر في جانب إنزال الضر بالله سبحانه وتعالى ،
فأكد هذا المعنى بحرف التوكيد "إنكم"، وفي ذلك من هوانهم وضعفهم ما فيه .
الفائدة الرابعة والستون :
دل الحديث بصريح لفظه عن استغناء الله عن خلقه تمامًا ،
وفي ذلك من عظمته وملكه ما يوجب التعلق به وحده .
الفائدة الخامسة والستون :
دل الحديث على أن الله هو الذي يُحَب لذاته ، وهذا لله وحده ،
فإن غيره يعطي لمصلحة ترجع إليه أو لدفع ضرر عنه ، وهذا يُنقِص قدر محبته ،
أما الله سبحانه وتعالى فيعطي الخلق لا لمصلحة ترجع إليه ، ولهذا يحبه المؤمن كل الحب وأخلصه .
35.gif

ثم قال :
"يا عبادي لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا ،
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئا
"
وفي ذلك من الفوائد ما يلي :
الفائدة السادسة والستون :
مناسبة هذا الجزء من الحديث لما سبق من قوله :
"إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني"
أن ما سبق فيه نفي النفع والضر مباشرة من الخلق لله سبحانه وتعالى ،
ثم بيّن بعدها نفي النفع غير المباشر ،
وإنما عن طريق أعمال العباد فاكتمل الكمال لله سبحانه وتعالى ،
فكأن المعنى أن الله يقول لعباده :
لن تبلغوا ضري أو نفعي مباشرة ، أو غير مباشرة وإنما بحسب تقواكم وفجوركم ، والله أعلم .
الفائدة السابعة والستون :
نسب التقوى والفجور في الحديث للقلب ،
مما يدل على أنه محلها ، فليهتم المؤمن بقلبه .
الفائدة الثامنة والستون :
قوله : "واحد" للتأكيد ؛
وهي أكمل حالة يكون عليها الناس ، أن يكونوا جميعًا على أتقى قلب رجل منهم ،
فإن حالات التقوى المتصورة بناء على الحديث :
أ- أن يكون بعض الخلق أتقياء .
ب- أن يكون كل الخلق أتقياء .
ج- أن يكونوا على قلب رجل تقي منهم .
د- أن يكونوا على أتقى قلب رجل منهم ، وهذه أكمل الحالات ،
فالحديث نفى زيادة ملك الله في هذه الحالة الأكمل ، فانتفاؤه في غيرها من باب أولى ،
وكذلك الأمر بالنسبة للفجور .
الفائدة التاسعة والستون :
دل قوله : "ما زاد ذلك في ملكي شيئًا"
على أن مُلْك الله بلغ منتهاه في العظمة والسعة ، فلا يزاد فيه شيء ، فسبحانه وتعالى .
الفائدة السبعون :
قوله : "شيئًا" نكرة في سياق نفي فتعم أي شيء ،
وهذا المنتهى في عظمة ملك الله ؛ إذ لا يزداد بمقدار أي شيء ولو كان متناهي الصغر .
الفائدة الحادية والسبعون :
قوله : "أولكم وآخركم"
يدخل فيه ما ذكر في الراويات الأخرى من قوله : "حيكم وميتكم"
وقوله : "ورطبكم ويابسكم" فعمت الروايات المخلوقات كلها فسبحان الله .
الفائدة الثانية والسبعون :
دل الحديث بصريحه على أن الله لا تنفعه طاعة الطائعين ، ولا تضره معصية العاصين ،
فمهما كان الخلق أتقياء لم يزد ذلك في ملك الله شيئا ،
ومهما كان الخلق فجارًا لم ينقص ذلك من ملك الله شيئا .
35.gif

ثم قال صلى الله عليه وسلم :
" ياعبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ؛
ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر

وفي ذلك من الفوائد ما يلي :
الفائدة الثالثة والسبعون :
مناسبة هذا الجزء من الحديث لما قبلها من قوله صلى الله عليه وسلم :
"لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا"
فقد يقال بأن الفجار لا يسألون الله ولذلك لا ينقص ما عند الله ،
فأتت هذه الجملة : "قاموا في صعيد واحد فسألوني"
لتزيل هذا اللبس، ولتبين لنا عظم ما عند الله مع سعة عطاياه .
الفائدة الرابعة والسبعون :
دل هذا الجزء من الحديث بمنطوقه على عظمة ما عند الله من عدة أوجه ، وهي :
أ- أن السائلين هم الخلق جميعًا أولهم وآخرهم لقوله: "أولكم وآخركم".
ب- أن من ضمن السائلين الجن أيضا لقوله: "وجنكم".
ج- أن هؤلاء السائلين جميعا قاموا في مكان واحد ،
فكانت حاجاتهم في وقت واحد ومكان واحد ،
ولا شك أن هذا أعظم في دلالته على ما عند الله مما لو كانوا متفرقين .
د- أن حاجات هؤلاء السائلين مختلفة متفرقة ،
وهذا أعظم في دلالته على ما عند الله مما لو كانت حاجاتهم متفقة .
هـ- أن الله أجاب هؤلاء السائلين كل فيما طلبه .
ومع كل هذا لم ينقص مما عند الله فسبحانه وتعالى ملكه .
الفائدة الخامسة والسبعون :
في الحديث ضرب الأمثال ، وهذا من وسائل التقريب .
الفائدة السادسة والسبعون :
قوله صلى الله عليه وسلم :
"كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر"
هذا التشبيه يدل على عظم ما عند الله مقارنة بما أعطى السائلين .
الفائدة السابعة والسبعون :
هذا التشبيه يدل على أن ما عند الله لا ينقص ولا ينفد ، وذلك من خلال ما يلي :
أ- البحر كمية هائلة من الماء لا حساب له .
ب- المخيط أداة صغيرة لا يعلق بها شيء .
ج- المخيط صقيل لا يعلق به ماء أصلاً .
فكانت النتيجة أن البحر لم ينقص أصلاً ، فما عند الله أعظم من البحر .
الفائدة الثامنة والسبعون :
تدل على كرم الله سبحانه وتعالى ؛ إذ يسأل عباده أن يسألوه ، ويعدهم بالإجابة .
الفائدة التاسعة والسبعون :
قوله : "فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي"
مرادف لقوله تعالى : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ}
الحجر: 21
35.gif

ثم قال صلى الله عليه وسلم :
"يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه
وفي ذلك من الفوائد الشيء الكثير ، ومنها :
الفائدة الثمانون :
في هذا الجزء من الحديث رد على الجبرية ؛ إذ نسب الأعمال للعباد ،
فقال : "إنما هي أعمالكم".
الفائدة الحادية والثمانون :
في قوله : "إنما هي أعمالكم" مع قوله : "فاستهدوني أهدكم"
تأصيل لمذهب أهل السنة والجماعة في باب القدر وهو :
أن الهداية والإضلال بيد الله ، والعبد له قدرة واختيار ، وعمله ينسب إليه ،
ولهذا نسب الأعمال إليهم فقال : "أعمالكم"
ولا يكون هذا إلا مع مباشرتها بقدرتهم واختيارهم .
الفائدة الثانية والثمانون :
قوله: "ثم أوفيكم إياها"
تحتمل الموافاة في الدنيا ، وتحتمل الموافاة في الآخرة ،
وعلى هذا ما يصيب الإنسان في الدنيا من سوء فبسبب أعماله ، فليحذر العبد المؤمن .
الفائدة الثالثة والثمانون :
على القول بأن الموافاة تكون في الدنيا ،
فإن حرف"ثم" في قوله : "أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها" يفيد التراخي ،
وعلى هذا قد يعمل الإنسان السوء ثم تتأخر موافاة الله له ،
وهذا يجعلنا لا نغتر بحلم الله عنا ، ولا نأمن من الاستدراج ،
وبالمقابل قد يعمل الإنسان الخير وتتأخر موافاة الله له ، وهذا يجعلنا نحتسب أجورنا عند الله في الآخرة .
الفائدة الرابعة والثمانون :
دل قوله : "أحصيها لكم"
على أن كل ما عمل الإنسان من عمل فهو مكتوب محفوظ عند الله ،
وعلى هذا كم من الذنوب نسيها الإنسان وهي مكتوبة عليه ؟ فلنلزم الاستغفار .
الفائدة الخامسة والثمانون :
في قوله : "أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها"
إظهار للعدل الذي اتصف الله به ، والذي تمثل هنا في موافاة كل عامل بما عمل ،
وهذا يرجح مذهب أهل السنة في تفسيرهم الظلم الذي تنزه الله عنه بأنه بخس إنسان من حسناته ،
أو أن يوضع عليه من أوزار غيره ، وهذا نفاه الله لعدله في قوله :
"إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ".
الفائدة السادسة والثمانون :
جمع الحديث أعمال القلوب الثلاثة ، وهي :
أ- المحبة : وهذا في جميع ألفاظ الحديث حيث إنها تزيد من محبة العبد لربه.
ب- الرجاء : وهذا في قوله: "وأنا أغفر الذنوب جميعا".
ج- الخوف : وهذا في قوله: "إنما هي أعمالكم أحصيها لكم".
وعلى هذه الثلاثة تدور بقية الأعمال القلبية.
الفائدة السابعة والثمانون :
دل قوله : "فمن وجد خيرًا فليحمد الله"
أن دخول الجنة يكون بفضل الله وحده ، وليس بمجرد الأعمال ،
فإن أعمال العباد لا تؤهل الإنسان لدخول الجنة ،
وإنما يدخلها المؤمنون بفضل الله ، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم :
"لن يدخل أحدًا عملُهُ الجنة ،
قالوا : ولا أنت يارسول الله ،
قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمته"
أخرجه البخاري (5349) ومسلم (2816).
الفائدة الثامنة والثمانون :
يدل الحديث على أن الجن مكلفون بعبادة الله سبحانه وتعالى كالإنس ،
وسيحاسبهم الله على أعمالهم ، كما في لفظ الحديث .
الفائدة التاسعة والثمانون :
يورث الحديث الحياء من الله سبحانه وتعالى ،
فمع غناه الكامل وعظمته إلا أنه ينادي عباده لدعائه واستغفاره .
الفائدة التسعون :
الحديث دليل على أن الله يحب مدح نفسه ، وهو أهل للمدح ، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم :
"ما من شخص أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه"
متفق عليه أخرجه البخاري (4358) و(4922) و(6968) ومسلم ( 2760).
35.gif

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
 
أعلى