أمة وسطا - أُولى القبلتين // الدكنور محمد هداية

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
برنامج امة وسطا

موضوع الحلقة : أولى القبلتين

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم .. بسم الله الرحمن الرحيم .. والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليما كثيرًا وبعد.
نعيش هذه الحلقة مع الأمة التي أرادها الله تبارك وتعالى أمة وسطا، مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم واسمحوا لنا أن نتوقف عند آية { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } ونتعلم أمرا في التلقي عن الله تبارك وتعالى أنه إذا قال الحق: { وَكَذَلِكَ} أو { َكَذَلِكَ} فهناك تشبيه، يعني وكذلك جعلناكم أمة وسطا، الكاف في قول الحق "كذلك" للتشبيه، التشبيه في وسطية الأمية .. بم؟ إذن لابد أن نرجع إلى الوراء أو إلى الخلف آية، لنأتي بما شبه الله وسطية الأمة، يعني وسطية الأمة شببها الله بأمر سبق في الآية السابقة على آية . على الآية التي قال فيه سبحانه وتعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً }، يجب أن نفهم الوسطية في أمة الإسلام، أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أمة الإسلام دين وديانة.
شبهها الله بأمر سبق أن أشار إليه سبحانه وتعالى في الآية السابقة عليها، فسنضطر للعودة آية في سورة البقرة لنقف على حقيقة التشبيه ونعرف الوسطية في الأمة شبهها الله بم؟ وأقامها علامة حتى نفهم كيف نكون نحن المسلمين لله على هذه الوسطية؟
البديع في القرآن، أن الأمر الذي شبهه الله به سبحانة وتعالى وسطية الأمة جاء في قضية من أخطر قضايا قرآننا وهي قضية تحويل القبلة. ولما بقول تحويل القبلة، مش من قبيل الصدفة أن القبلة أشار الله فيها تبارك وتعالى: { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} { فَوَلِّ وَجْهَكَ..} اللي إحنا أتكلمنا عليه في الحلقات السابقة{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ}
إذن سمت الإنسان وعقيدة الإنسان تتلخص في توجيه الوجه .. لم؟ لمن؟ للقبلة؟ لله؟ للدين.. هذه الكلمات تتلاقى كلها في العقيدة.. تتقابل في العقيدة، ولذلك علينا أن نفهم جيدا ما أنزله الله تبارك وتعالى لتصفية الخلاف بيننا نحن المسلمين لله تبارك وتعالى ولاؤلئك الذين كفروا بالله عز وجل، وتصفية الخلاف في قرآننا جاء على أبدع صور البيان على الإطلاق.
القضية تحويل القبلة، فالمسلمون في بداية الأمر صلوا في اتجاه بيت الله المسجد الأقصى، لكن إ ذا قلت "المسلمون" فأقصد المسلمين على عهد محمد صلى الله عليه وسلم .. هذه نقطة فاصلة في هذا الموضوع؛ لأن كثير منا يتكلم بأن تحويل القبلة .. تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، هذا التحويل إعادة إلى الأصل. لا تظن أن المسلمين على الإطلاق بدؤوا بالصلاة إلى المسجد الأقصى.. يعني إبراهيم عليه السلام.. كان يصلي إلى أي اتجاه؟ موسى .. عيسى.. كل الأنبياء السابقين على محمد، كانوا يصلون إلى المسجد الحرام، {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة}.
أما محمد وأتباعه فأراد الله تبارك وتعالى أن يبدؤوا الصلاة إلى المسجد الأقصى لأن الكعبة كانت في ذلك الحين مدنسة بالأصنام، ووضعهم الأصنام فيها استشعار منهم بحرمة هذا المكان، وأهمية هذا المكان، فوجههنا الله بداية إلى المسجد الأقصى، فلما يقول: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} هذا تحويل إعادة إلى الأصل. فأولى القبلتين للمسلمين عامة البيت الحرام، وأولى القبلتين لأمة محمد المسجد الأقصى. ليكون الكلام محددا .
لا يجب أن نطلق الكلام أولى القبلتين وثالث الحرمين على أن "المسجد الأقصى" أولى القبلتين هو أولى القبلتين لنا نحن أتباع محمد ... أما المسلمون من عهد آدم حتى محمد صلى الله عليه وسلم فلهم قبلة واحدة هي المسجد الحرام، هذا الكلام يجب أن نفهمه جيدًا ويجب أن يستقر في اعتقادنا نحن الذين أسلمنا لله تبارك وتعالى .
تصفية الخلاف بيننا وبينهم ساقه الله بطريقة مبدعة .. { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ } السين هنا تدل على أن هذا الأمر لم يحدث بعد .. وأرجو أن نفتح أذان القلوب لهذه الآية بالذات، هي من الآيات الحاكمة في قرآننا .. أقصد بالحاكمة أنها تدل على صدق رسالة محمد وأن الكلام من عند الله لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لو كان يأتي بالقرآن من عنده لا يستطيع أن يغامر هذه المغامرة ويقول سيقول السفهاء .. افترض أنهم لم يقولوا ذلك، يضيع الدين؟ قالوا عنه أنه كذاب وأنه مجنون وأنه ساحر وأنه وأنه ..... يجب أن نقف عند هذه الكلمات، لو كان محمد صلى الله عليه وسلم يأتي بالقرآن من عنده ما يغامر مثل هذه المغامرة، إنما قول الحق تبارك وتعالى { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ } أكبر دليل على أن المتكلم هو القادر، هو القدير هو علام الغيوب، هو المتحكم فيهم، هو الذي جعلهم يقولون، لو أنهم تدبروا الأمر لحظة لكان في استطاعتهم أن يضيعوا هذا الدين، القرآن يقولو سيقول السفهاء فيسكتوا هم .. لا يتكلمون في هذه القضية .. أين كلامك يا محمد؟ فين سيقول السفهاء؟ لكن لا .. الأمر ليس بيدهم، الأمر بيد علام الغيوب المهيمن على القلوب .
أقوى بكثير في رأيي من قول الحق تبارك وتعالى { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } هذه فيها قوة للسيطرة على قلوبهم من الله تبارك وتعالى، ساعة يقول { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } لو شهد واحد منهم أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله .. لكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولكنه ليس بكاذب هو لا يأتي بالكلام من عنده الكلام من عند القدير المقتدر سبحانه وتعالى .. المهيمن على قلوبهم، المسيطر على وجدانهم، ولذلك اسمعوا إلى هذه الآية وتدبروها .. {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ } لو عندهم ذرة عقل، ذرة فهم ما قالوا .. لكن المسألة ليست بأيديهم، المسألة حاكمة، الآية فاصلة .. {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (البقرة:142) اسمعوا وتدبروا وافهموا القرآن، السين إذا الواقعة لم تحدث بعد، هذا الأمر سيحدث فيما بعد .. انظر إلى عظمة التقدير الإلهي في إنصاف المسلمين في قضية قبل وقوعها، ساعة سيأمرنا الله تبارك تعالى، ـ خد بالك من سيأمرنا ـ ساعة سيأمرنا الله تبارك وتعالى بتحويل القبلة التي بدأنا نحن المسلمين لله على عهد محمد صلى الله عليه وسلم أن نصلي إليها، ويأمر بالتحويل إلى الأصل إلى المسجد الحرام سيقول السفهاء، بالله عليكم ساعة يقولون ألم يثبتوا بأيديهم وألسنتهم أنهم سفهاء، ساعة تسمع أنت سيقول السفيه، إذا كان عندك ذرة وعي لا تقل .. لا تتكلم .. لأنك ساعة تتكلم تحكم على نفسك بالسفه .. محمد صلى الله عليه وسلم يأتي بالقرآن يقول فيه سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها .. التي هي المسجد الأقصى، لما يقول المولى عز وجل فولي وجهك شطر المسجد الحرام، يعني الأمر لم يحدث، الأمر سيحدث، والفترة الزمنية قد تطول، وطالت بالفعل لأن الآيات تدل على أن هذه الآية {سيقول السفهاء} سبقت آية التحويل بفترة زمنية طويلة.
ومع ذلك عندما أمرنا الله تبارك وتعالى من تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام قالوا: { مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } إذن هم سفهاء حكمًا لله وتصديقا للقرآن { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} .. لماذا لم يسكتوا؟ لماذا تكلموا؟ لأن الذي قال سيقول السفهاء هو الله العالم، العليم، العلام الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، هو المهيمن، هو الذي له السيطرة الكاملة على خلقه سبحانه وتعالى، جل شأن الله وعز قدره وتقدست أسماؤه وتباركت كل الصفات التي هي له، سبحانه وتعالى عما يشركون ..
{ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} } ساعة سيقولون هذا يا محمد .. { قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } لأن الذي يتوجه إلى القبلة يتوجه إليها من أماكن متعددة، فمرة يكون في اتجاه الشرق وكل فروعه .. ومرة يكون في اتجاه الغرب وكل فروعه .. والآية من الآيات التي جمعت طباق الاستغراق .. قل لله المشرق والمغرب يعني لله كل شيء، لله المشرق والمغرب وما بينهما .
افهموا القرآن، تدبروا القرآن، ساعة تسمع طباق قد يقتصر الطباق على التضاد، لكن لما يكون الطباق لله .. يبقى طباق استغراق، لله المشرق ولله المغرب، فقط؟ لا .. لله المشرق والمغرب وما بينهما .. أسأل الله تبارك وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إن الله ولي ذلك والقادر عليه .. فاصل قصير ونعود لنواصل هذا الشرح وهذا التفسير فانتظرونا ..........................................
بسم الله الرحمن الرحيم .. سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (البقرة: من الآية142) يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} أرجو أن نفهم هذه الآية فهي تمهيد لشرح وسطية الأمة، ذكرت لحضراتكم ما يعرف عندنا نحن أهل اللغة بقول الحق تبارك وتعالى في بعض الآيات يذكر طباقا .. معروفا عندكم الطباق ذكر الشيء وضده، لكن إذا الذكر لله تبارك وتعالى فهناك استغراق المشرق والمغرب، قل لله المشرق والمغرب .. يعني إيه؟ يعني لله كل الاتجاهات .. المشرق والمغرب وما بينهما، الشمال والجنوب وما بينهما .. الاستغراق يشمل كل الاتجاهات.
فمثلا قول الحق تبارك وتعالى هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، إياك أن تفهم أنه هو الأول والآخر فقط، لا .. الأول والآخر وما بينهما، الظاهر والباطن وما بينهما، دون تشبيه أو تمثيل .. فأي ذكر لله سبحانه وتعالى فيه طباق غالبًا يكون طباق استغراق لله تبارك وتعالى المشرق والمغرب أي وما بينهما أي لله كل الاتجاهات، وأنا قلت لحضرتك اللي بيصلي في اتجاه البيت الحرام النهاردة مثلا من أمريكا غير من مصر غير من الأردن غير من العراق غير من سوريا، كل واحد بيروح في اتجاه القبلة يا إما مرة يكون في اتجاه الشرق ومرة في اتجاه الغرب مرة في اتجاه الشمال الشرقي، الجنوب الغربي، كل الاتجاهات .. ولذلك قل لله المشرق والمغرب له أن يأمر بما شاء وقت شاء أنى شاء كيف شاء .. له الأمر.
وهنا لابد أن نتوقف مع قضية مهمة جدًا .. وهي مسألة العلة في التكليف الإلهي .. إياك أن تقول لماذا أمرنا الله بكذا .. وهذا السؤال يأتي إلينا كثيرًا .. لا يُسأل عما يفعل سبحانه وتعالى، اسمع هذا المثال ولله المثل الأعلى حتى لا تقول واحد ها يسألك في القضية دي لماذا غير الله القبلة؟ أنت لما تقول السؤال بتسأل السؤال بتاعهم .. ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها .. إيه السبب؟ الإيمان لا يحتاج إلى بيان العلة، أنا أنفذ الأمر الإيماني من الله تبارك وتعالى .. ساعة أمر الله تبارك وتعالى بنهينا عن شرب الخمر، هو درج التحريم على أربعة مراحل، لاننكر ذلك، لكنه مرة واحدة قال: { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ } هذا تحريم .. ما تسألش لماذا .. لماذا حرم الله الخمر؟ يجيبك واحد يقول لك أصل الخمر فيه مساوئ ومضر بالصحة .. هذا تبيان للعلة .. لكن ساعة أمرك الله أنت لا تسأل لماذا؟ ولو مش فاهم سؤالي هاسألك سؤال .. الذي امتنع عن شرب الخمر بعد أن كان يشربه طاعة لله تبارك وتعالى .. بالقطع له أجر .. والذي امتنع عن شرب الخمر لأن الطبيب قاله لو شربت بق واحد بعد ذلك هاتموت، هل له أجر؟! . بالقطع لا .. هو امتنع مخافة الموت، والأول انقطع طاعة لله .
لذلك فالمثال الأول صاحبه له أجر، والمثال الثاني بالقطع ليس له أجر .. لأنه ما امتنع عن شرب الخمر إلا خوفًا على صحته، إلا طاعة للطبيب .. لا يستطيع هو أن يقول لنا أنا امتنعت طاعة لله .. طيب ما أنت كنت بتشرب لغاية الدكتور ما قالك أي كمية خمر بعد ذلك فيها هلاك لك .. فالذي توقف عند ذلك توقف مخافة الصحة أو مخافة المرض حرصا على صحته فليس له أجر .. الفرق بين الاثنين في مسألة العلة في التكليف أو في الأمر الإلهي إيمانا أنا بانفذ من غير ما اعرف العلة، أما حبًا في معرفة العلة فهذه قضية ثانية، يعني ممكن أنا إيمانا أتوقف وبعدين أبحث عن العلة، بس يجب أن أتوقف أولا طاعة لله .. حتى إذا لم أفهم العلة.
الذي يمتنع عن أكل لحم الخنزير لأن فيه كلوسترول عالي وفيه الدودة الشريطية وفيه كذا وكذا .. ده امتنع مخافة الصحة .. مخافة المرض حرصا على صحته، أما الذي امتنع عنه فورا دون أن يفهم العلة في التحريم فهو المؤمن الحق، هو الذي يخاف الله تبارك وتعالى .
ولازم نفرق هنا لأنه بتجيلنا أسألة غريبة، يعني حتى اليوم يأتي من يقول لك ما الحكمة من التحويل؟! .. ده أنت بذلك ستكون مثلهم هم سألوا ما ولاهم عن قبلتهم .. أما المسلمون فهم اتجهوا إلى المسجد الحرام فورا، ساعة أمرهم أن يتجهوا إلى المسجد الأقصى اتجهوا، وساعة أمرهم أن يتجهوا إلى المسجد الحرام اتجهوا دون أن يسألوا .. دون أن يعرفوا .. دون أن تكون هناك علة واضحة لهذا الأمر .. هو أمر من الله تبارك وتعالى .. نفذوه أولا طاعة لله فتوجهوا إلى المسجد الأقصى ونفذوه بعد ذلك طاعة لله فاتجهوا إلى المسجد الحرام.
إحنا النهاردة نبين العلة الإيمانية بنقول إن من المتصور أنه إذا كان اتجهوا في البداية للمسجد الحرام والكعبة مليئة بالأصنام وهو يقولون الكفار .. هي بيتنا وبيت أباءنا إلى آخر هذا الكلام فكيف أنا أتوجه إليها؟ .. كأني أسجد للأصنام ... فمن حكمة الحكيم سبحانه وتعالى أن وجه المسلمين في بداية الأمر إلى المسجد الأقصى .. ثم بعد أن انتهى وضع الأصنام في الكعبة والرسول عليه الصلاة والسلام يعني استطاع أن يجعل عابد الصنم هو الذي يهدم الصنم واختلف الوضع عند المسلمين أمر الله سبحانه وتعالى وتلبية لدعوة لم يدعها صلى الله عليه وسلم .. { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } لم يسأل الرسول هذا .. لأنه لو سأل لخالف الشرع .. هو أمرك أن تتوجه إلى المسجد الأقصى، فتتوجه إلى المسجد الأقصى، تتمنى لكن لا تسأل .. فيلبيك الله تبارك وتعالى ويستجيب لهذه الأمنية لرسول الله فنتحول مرة أخرى للمسجد الحرام الذي كان يصلي المسلمون من عهد آدم إلى عهد محمد إليه { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ }
القضية تتلخص في التنفيذ للأمر الإلهي دون البحث عن العلة، قد نفهم العلة بعد ذلك، بها ونعمة، وإلا فنحن مؤمنين .. هذا الاختصاص لابد أن يتم دون سؤال .. ولذلك لو أخذت بالك من التوصيف عن اللي ها يسألوا سفهاء . الذي يسأل لماذا يفعل الله كذا .. سفيه .. ومن هو السفيه؟ هو الأحمق .. السفيه الجاهل الجهول الذي لا يتدبر الأمر، لا يستوعب الحكم الإلهي، لا يبحث عن الدين الحق عن الإله الحق عن المنهج الحق، لذلك يقول ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها .. والله وصفهم بأنهم سفهاء، سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها .. لتصفية هذا الخلاف ولبيان الأمر برمته قل يا محمد صلى الله عليه وسلم .. { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } الاتجاهات كلها لله .. متسغرب أنت ليه يوجهني هنا مرة وهنا مرة أنت مستغرب ليه .. لله المشرق والمغرب يعني لهع كل الاتجاهات بطباق الاستغراق كما قلت .. لله المشرق والمغرب ..
اللي جاية بقى مبدعة .. { يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } .. يعني الصراط المستقيم كان في البداية أن أتجه إلى المسجد الأقصى، والصراط المستقيم الآن أن أتجه إلى المسجد الحرام، الصراط المستقيم هو التشبيه، { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } .. {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } فكأني بالله تبارك وتعالى يقول لنا الصراط المستقيم اساس الوسطية، الصراط المستقيم، اللي جاية دي مهمة جدا هو وسطية هذه الأمة .. فوسطية هذه الأمة تبنى على الصراط المستقيم، ما حدش فيكم واحنا بنقول الصراط المستقيم افتكر حاجة ... افتكر الصلاة .. ما إحنا نتكلم في موضوع القبلة، يعني قبلة يعني صلاة، صلاة يعني فاتحة الكتاب، طيب تعالوا كده نروح فاتحة الكتاب ونقف على أهم دعاء في هذه السورة .. اهدنا الصراط المستقيم .. ألم نقلها في اليوم والليلة سبعة عشر مرة .. دون النوافل، في الفروض نقوله 17 مرة دون النوافل .. اهدنا الصراط المستقيم .. ويحدد الله لنا في هذه السورة كنه الصراط المستقيم .. فالصراط المستقيم هو صراط الذين أنعمت يا ربنا عليهم .. غير المغضوب عليهم ولا الضالين .. الإفراط والتفريط .. والصراط هو الوسطية .. فهمنا أم لا ؟
اسمع مرة أخرى .. يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم التوقيع { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } .. باتجاهكم إلى الصراط المستقيم، أو باتباعكم الصراط المستقيم، والصراط المستقيم بتوقيع القرآن في سورة الصلاة الفاتحة هو صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين .. إحنا قلنا الوسطية عبارة عن إيه؟ أن تتوسط أمرين إفراط وتفريط .. أو تفريط وإفراط .. فالمسلمون المؤمنون المتبعون لهذا الرجل العظيم محمد صلى الله عليه وسلم العاملين بمنهج الله تبارك وتعالى في هذا الدين القيم على منهج الوسطية، يسألون الله تبارك وتعالى في كل صلاة في كل ركعة اهدنا الصراط المستقيم، ويحدد الله لهم صراط الذين أنعمت عليهم .. أي من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .. { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } من الذين غضب الله تبارك وتعالى عليهم لإفراطهم أو تفريطهم ولا الضالين الذين ضلوا البحث عن المنهج الحق ففرطوا .. وها نشرح إن شاء الله في الحلقة القادمة .. لكن من غير أن نسبق الأحداث .
إذن فالمؤمنين على الصراط المستقيم والصراط المستقيم هو الوسط بين مغضوب عليهم كفروا بنعمة الله وضالين لم يبحثوا، أو لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الإله الحق في حين أن هذا الدين الحنيف قائم على الوسطية، المنهج الدين المنهج الحق الدين القيم هذه هي أمة الوسط .. أمة وسط بين أمم فرطوا وأمم أفرطوا .. الإفراط والتفريط .
اسأل الله تبارك وتعالى أن نكون وبحق من أهل هذه الأمة التي وصفها الله تبارك وتعالى بالوسطية .. وأن يجعلنا من السائلين له اهدنا الصراط المستقيم .. الصراط الذي به نكون على الوسطية.
وعلى وعد بلقاء قادم .. أستودعكم الذي لا تضيع ودائعه، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته .
 
أعلى