أسلوب المشاكلة في القرآن الكريم

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
أسلوب المشاكلة في القرآن الكريم


المشاكلة

1.jpeg


في البلاغة ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقًا أو تقديرًا.


ففي القرآن الكريم صفات منسوبة إلى الله -عز وجل- وهو سبحانه وتعالى متنزه عنها، وتُخَرَّج تلك الصفات على أنها أتتْ وصفًا لله من قبيل المشاكلة، وليست منسوبة إليه -عز وجل- حقيقة؛ فصفة المكر والكيد كما جاء في قوله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ ) [الأنفال: آية 30] فالمكر والكيد سعي في بالفساد وعمل ينطوي على خداع واستعمال للحيلة والدهاء والتآمر، والله سبحانه وتعالى عن كل ذلك منزه وإنما جاءت الصفتان مسندتان إلى الله من قبيل المشاكلة، فالمقصود بمكر الله وكيده أنه سيجازي الماكرين من العالمين عقابًا من جنس عملهم وما يستحقونه من العذاب.

وكذلك قوله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا) [الشورى: 40] فإن الله وصف جزاء السيئة بالسيئة وهو في الحقيقة عكس ذلك وإنما هي قصاص وعدل وتقويم لازم وردع مناسب للمخالفين لأوامر الله، فوصف مجازاة المسيئين بالسيئة من قبيل المشاكلة لوقوعها في صحبة السيئة الأولى الحقيقية.

وقال تعالى: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) [البقرة: 15] فالله سبحانه وتعالى متنزه عن صفة الاستهزاء، وإنما يقصد بذلك أن الله سبحانه وتعالى سيجازي المستهزئين ويتولى عقابهم على قدر صنيعهم السيئ ويُلحق بهم الذل والصغار والتحقير.


2.jpeg



وقال تعالى على لسان عيسى عليه السلام: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) [المائدة: 116] فالله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء ويتعالى سبحانه أن تكون له نفس كنفوسنا ولكن ذكرت النفس الأخيرة منسوبة إلى الله مشاكله للنفس الأولى؛ فالمراد يعلم الله ما في نفسي ولا أعلم ما عند الله عز وجل.

وقوله تعالى : (وَقِيلَ اليَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ) [الجاثية: 34] إن إسناد صفة النسيان إلى الله في الآية من قبيل المشاكلة لأن الله سبحانه وتعالى منزه عن هذه الصفة بدليل قوله تعالى: (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ) [البقرة 255]

كذلك قوله تعالى: (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ) [التوبة: 79] فالله سبحانه وتعالى يستحيل أن تصدر منه صفة السخرية، وجزاء الساخرين منه عز وجل بما يناسب عملهم الشنيع يعتبر عدلا وردعا لهم، وإنما وصف هذا الجزاء بالسخرية لوقوعه في صحبة سخر الساخرين.

وقال الإمام السيوطي عند تفسير قوله تعالى: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ) [البقرة: 138] صبغة الله أي تطهير الله؛ لأن الإيمان يطهر النفوس، والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون أنه تطهير لهم، فَعُبّر عن الإيمان بصبغة الله للمشاكلة بهذه القرينة".
==========

المصادر:

3.jpeg



الإتقان في علوم القرآن
تفسير الرازي ( مفاتيح الغيب )
الكشاف
التدريبات اللغوية (الجزء الرابع ) عبد اللطيف أحمد الشويرف
==========
الدعوة الإسلامية
 
أعلى