قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اكن الكثير من الاحترام لدكتور محمد هداية واعتبره رمزا يقتدى به في طريقة توصيل العلم وشرح كل الامور التي تتعلق بديننا الحنيف
واحببت ان اشارككم بعض الدروس التي يلقيها
والتي تلامس القلوب المؤمنة بطريقة مباشرة
جزاه الله خيرا عنا


بسم الله الرحمن الرحيم


حلقات برنامج قصص القرآن

مع الدكتور محمد هداية

تقديم: محمد خالد

برنامج عرضه قناة الشارقة الفضائية في دورة برامجية سابقة مساء الإثنين الساعة السابعة بتوقيت مكة المكرمة . حلقات البرنامج كانت مسجلة وكان هناك حلقة مباشرة في الشهر للرد على أسئلة المشاهدين.



الحلقة الأولى:



 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة الأولى:

مقدمة

الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف


لماذا القصة في القرآن الكريم؟ وما هي عناصر تلك القصة؟ قديماً كتب في القصة القرآنية كثير من المفسرين وعلماء التاريخ. ومن المفسرين ومن علماء التاريخ من أطنب في تحليل القصة القرآنية ومنهم من أوجز القول فيها وربما أخلّ بالمعنى وربما من أطنب القول إعتمد على صنفين أو طريقتين من طرق البحث: الأولى أنه وقف وقفاً حرفساً محدداً عند الآية القرآنية لا يغادرها إلى غيرها. والصنف الثاني نقل ما صحّ وما لم يصحّ نقله فجاء بإسرائيليات مدسوسة في ثنايا تلك القصة. ولكن السؤال الوجيه الذي يطرح نفسه الآن: كيف ننقي القصة القرآنية من هذه الإسرائيليات؟ الناس في هذا على دربين: درب نقل نقلاً أعمى لم يُحقق ودرب آخر توقف ومحّص وأمعن النظر لينقي لنا القصة القرآنية مما علق بها من دسائس وشوائب.
وأول من كتب في موضوع القصص القرآني وهذه فئة ثالثة بمفردها أبو إسحق النيسابوري المعروف بإسم الثعلبي في عرائس المجالس. ولكن للأسف عرائس المجالس جاءت ملأى بالإسرائيليات مما قد يُدخل الدَخَن على هذا القصص القرآني وبالتالي على نفس المسلم. ثم أعمل العلماء جهدهم وفكرهم إلى أن وصلنا الآن بالقصص القرآني. في هذا البرنامج نحاول وضع برنامج محدد لننقي الإسرائيليات التي وردت في القصص القرآني ودرس هذه القصص والدروس المستفادة منها وأهداف كل قصة على حِدة.
لمّا كان لهذا الموضوع له من الأهمية الكبرى والقصوى في حياة كل مسلم لا سيما الإسرائيليات تؤثر سلباً أو إيجاباً في أحيان قليلة على مصادر الشريعة الإسلامية نستضيف واحداً ممن لهم باع طويل في القصة القرآنية وهو الدكتور محمد هداية.
وهذه الحلقة هي حلقة تمهيدية نتناول فيها منهج البرنامج.
========================
القصة القرآنية ظلمت ظلماً كبيراً حتى من بعض من أراد أن يصل بها إلى بر الأمان لأن الكثير خلط بين قصص القرآن وقصص الأنبياء. كتاب عرائس المجالس أساء إلى الإسلام إساءة بالغة وهذه الكتب خرجت بمضمون القصة عن حقيقتها. القرآن هذا النبع، هذا الفيض الإلهي يجب أن نقف أمامه على مُراد الله تبارك وتعالى فيه. الكثير من المسلمين الآن للأسف يريدون أن يكون الدين تابعاً لهم لا هم تابعون للدين بمعنى مثلاً لو تكلمنا في أي قصة في القرآن نجد أن الإسرائيليات نجحت أن تحكي القصة. القصة بلا شك حينما أنزلها الله تعالى قرآناً له مُراد ونحن مهما حاولنا أن نصل لمراده لا نستطيع لكننا نحاول. قصة أصحاب الكهف مثلاً لها هدف والحضور عادة أو الناس يريدون أن يعرفوا كم عددهم وما هي أسماؤهم وكل التفاصيل عنهم. وأذكر أني كنت أُحاضر مرة عن سورة يوسف فسألني أحدهم ما إسم إخوة يوسف؟ وأقول : ما المهم في معرفة الأسماء؟ الله تعالى قال في سورة يوسف عن قَصَص القرآن (نحن نقص عليك أحسن القصص) نفهم منها أنه سيعطينا تعالى طريقة مثلى تختلف حتى عن طريقة القرآن في القصص. قصة موسى u جاءت في أكثر من سورة بأكثر من صيغة وقد أخذ بعض المستشرقين (ونحن لا نذم كل المستشرقين) هذا الأمر على أنه تكرار للقصة في القرآن.
ما هي القصة؟
القصة هي لون من ألوان التوجيه ولون من ألوان التأثير. لأن كلمة قصة نسمعها الآن ويقولون عن فيلم سينمائي قصة فلان ولكنها من الخيال. لكن القصة يجب أن تكون من الواقع. كلمة قصة مأخوذة من قصّ الأثر ولا يمكن قصّ الأثر لأحد لم يمشِ. القصّاص قديماً كان يعرف تماماً علم قصّ الأثر ويميّز عدد السائرين ويميّز بين أثر رجل بدين أو أعرج أو غيره من آثاره في الرمال ويعرف أين اتّجهوا. المفروض أن القصة لا يمكن أن تُطلق إلا عن واقع (تتبّع) أم موسى قالت لأخته: (قالت لأخته قصّيه) قصّيه أي تتبعي أثره وإعرفي لنا أين هو؟ موسى u موجود وله حكاية وآثار. فكلمة قصة لا تُطلق إلا على واقع وليس من وحي الخيال. التي من وحي الخيال تسمى أسطورة.نحن نسهم في بعض الأحيان في توقيع كلام من أراد أن يهدم القرآن (قالوا أساطير الأولين) وهو ليس بأساطير إذا أردنا أن نقص قصة حضرناها لا يمكن أن نعطي القصة كما حصلت تماماً ولكن كل شخص حضرها يقصها بواقعه الشخصي وكل إنسان قد يرويها بحكم معرفته أو محبته أو كرهه لأحد أطراف القصة أو تعاطفك مع أحد أطراف القصة. لكن عندما يقص الحق تبارك وتعالى سيعطيك جميع المشاهد من منطقة إن صح التعبيرعلوية لأنه سبحانه عليم مهيمن وعلمه محيط. ولذلك في تعبير بعض الآيات في القرآن تصوير لبعض الآيات كأنها قصة قال تعالى في المنافقين (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) البقرة) هذه ليست قصة وإنما الآيات تجعلنا نشعر أننا في قصة نعيش في مشاهدها ولكنها ليست قصة وهي تصوير للإنذار والتحذير.
ما مقومات القصة في القرآن؟
القصة القرآنية تقوم على واقع قد حدث يشهد به بعض الكتب السالفة على القرآن قبل التحريف ويأتي القرآن ليحكي القصة ويحكيها محمد r وهذا من ألوان التأييد لمحمد r. قال تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)) الرسول r وُلِد في عام الفيل فكي فيحكي؟ ولكن الله تعالى يحكي له وكأنه رأى بعينيه بل هو الأفضل لأن الله تعالى المهيمن المحيط علمه بكل شيء هو الذي يحكي. كلمة فكأني بالله تعالى يقول إذا حكى الله تعالى فكأنك يا محمد قد رأيت بعينك وأفضل. (تر) هنا بمعنى علم رؤية يشرحها تركيبة (أرأيتكم) في القرآن وهي تركيبة من أصعب تراكيب القرآن الكريم وهي قضية لغوية كبيرة: الهمزة والفعل رأى والتاء والضمير. أي أخبروني إخبار من له علم دراية بالموضوع وهذا مستحيل إلا إذا أخذت القصة من المنبع: من المهيمن المحيط. القصة لها مقومات لا نقدر عليها. القرآن يروي لنا من عهد آدم u إلى بعثة محمد r وكان غيباً بالنسبة لمحمد r. عندما يحكي له قصة الوليد بن المغيرة المعاصر له يحكيها كأنها غيب عن الرسول r وعن جميع المسلمين لأنه يتحدث عن داخلية الوليد وما يفكر به الذي حتى لو رأيته لن تعلم فما في داخله وهذا لأنه سبحانه الخبير العليم. في قصة المجادِلة خولة بنت ثعلبة حينما ذهبت للرسول r كانت السيدة عائشة بجوار النبي r وخولة من أدبها كانت تشتكي زوجها للرسول r بصوت خافت ولم تسمعها السيدة عائشة ولما قال لها r ما أراك إلا وقد حرمت عليه إلتفتت عن الرسول r وشكت إلى الله تعالى حاجتها فنزلت الآية (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)) فبكت السيدة عائشة عندما سمعت قول الله تعالى وقالت: تبارك سمع الله، والله لقد كنت بجواررسول الله r فلم أسمع ما تقول وسمعها الله من فوق سبع سموات طباق. فهو السميع سبحانه ليس كسمعنا . عندما نستمع من السميع العليم الخبير فيكون من واقع قد لا تفكر أنت فيه.
مسألة تكرار القصة:
هو ليس تكراراً وإنما ملمح آخر في القصة. قصة آدم u جاءت في مطلع الكتاب لا القرآن ثم تعددت داخل الكتاب في قرآن كثير. وهناك فرق بين الكتاب والقرآن: الكتاب كل القرآن والقرآن بعض الكتاب. إقرأ هي أول ما نزل من القرآن وهذا مأخوذ من الكتاب. حينما أراد الله تعالى أن يكون لهذه الأمة رسالة وأن ُيبعث رسول الله r أنزل الكتاب إلى السماء الدنيا بالجمع الذي بين أيدينا الآن (الفاتحة – البقرة- آل عمران..) يؤخذ منه لكل واقعة قرآناً. عندما تسأل من جمع القرآن يقول الناس أن عثمان جمع المصحف أو أبو بكر لكن نقول لهم أن الله تعالى هو الذي جمع القرآن قبل إنزاله وما فعله أبو بكر وعثمان هو جمع على الجمع. حينما كان القرآن ينزل كان الرسول r ببشريته يتعجل بالقراءة ليحفظ فنزل قوله تعالى (لا تحرك لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه) هذا القرآن مجموع قبل أن ينزل لأنه جاء من جمع بدليل أن جبريل u كان يقول للرسول r هذه آية كذا في سورة كذا قبلها آية كذا وبعدها آية كذا. في سورة فصلت قال تعالى (حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)) كتاب جُزّيء مجموعه إلى قرآن ينزل بحسب الحادثة (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) الإسراء) الكتاب موجود يؤخذ منه القرآن بدليل: أول القرآن إقرأ وأول الكتاب الفاتحة (إقرأ في الجزء الثلاثين وليس في أول الجزء حتى). الجمع قضية وإن ترتيب نزول القرآن كان يناسب العصر. بالنسبة لنا هذا الجمع هو الذي يناسبنا. هذا الفكر يؤيد هذا الرأي من حيث أن القصص القرآني عندما يتعدد في بعض السور لا يعطيك معنى آخر وإنما يعطيك ملمحاً ثانياً وثالثاً ولكن لا تكرار في القصص القرآني.
ترتيب القصص في القرآن:
في القرآن أم في الكتاب؟ يجب التفريق بين اللفظين. أول قصة في القرآن هي قصة أصحاب الجنة (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة). قصص القرآن من واقع سورة يوسف التي جاءت في الكتاب (نحن نقص عليك أحسن القصص). ترتيب القصص في الكتاب جاء على ما ينفع الناس في هذا العصر. في البقرة أول إخبار عن آدم (الآية 30) وهذا عظيم الترتيب. هذه البداية التي تهم المسلم فالترتيب إعجاز. البقرة ترتيبها 87 من حيث التنزيل وعندما تكون الثانية في الكتاب فلهذا حكمة. (إنا بلوناهم) كانت على عهد الرسول r أهم من قصة آدم وهذا الترتيب يفيد أولويات العصر. لأن العجيب في القرآن أن مطلع الكتاب ومطلع القرآن يتفقان في كلمة (الجنة) التي سببت مشكلة بين الناس. ففي أول الكتاب قال تعالى (أُسكن أنت وزوجك الجنة) وفي أول القرآن قال تعالى (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة) هذا ليس صدفة ونفهم منها أن كلمة الجنة سيكون فيها مشكلة عند بعض الناس هل جنة آدم على الأرض أو هل هي في السماء، جنة الخلد؟
أهداف قصص القرآن:
نرجع بالتاريخ إلى القصة الكاملة في سورة يوسف. ماذا حصل من إخوة يوسف ليوسف؟ كادوا له وأصابوه. يوم أن ذهبوا إليه قال لهم (لا تثريب عليكم اليوم) سامحهم وتنازل عن حقه. والرسول r سامح أهل مكة (نفس القضية) ما فعله إخوة يوسف لا يقل عما فعله أهل مكة وما فعله يوسف مع إخوته لا يزيد عما فعله r مع أهل مكة. هذا يبين أن الرسول r أفاد من القصص لأن قصة يوسف كانت قبل فتح مكة بسنوات فلما حكيت له تأثر بها واستفاد منها وهو الأسوة ويجب أن نفعل مثله وهذا هدف القصة يجب أن تؤثر القصص فينا كما أثّرت بالرسول r. فكأني بالرسول r يريد أن يبين لنا كيف إستفاد فقال لأهل مكة عند الفتح: ما تظنون أني فاعل بكم؟ هم كانوا أذكى من إخوة يوسفل فقالوا: أخ كريم وإبن أخ كريم فقال r: إذهبوا فأنتم الطلقاء. محمد r نبي هذه الأمة واسوتنا جميعاً أفاد من قصة يوسف كمثال العفو عند المقدرة والتطبيق.
ترتيب سورة يوسف في النزول 54 وفتح مكة حصل بعد الهجرة بكثير لكنه تذكر يوسف فقال: إذهبوا فأنتم الطلقاء . إن لم تؤثر القصة بالمسلم فأين إسلامه؟. يقول تعالى (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) يوسف) العبرة أنه لما يقرأ المسلم يطبّق ويستفيد من القصة. ولا نسأل ما إسم إخوة يوسف وما عدد أصحاب الكهف وكم عاشوا وما إسم كلبهم وأين كان يجلس؟
لو ذكرنا الأسماء فهل سيخدم هذا القصة؟ كلا. لأن المهم هو هدف القصة وليس مكان القصة ولا من فيها. من عظيم هذا الكتاب أن معظم قصص القرآن ليس فيها أسماء إلا قصة واحدة حدد فيها الإسم قطعاً وهو إسم مريم إبنت عمران لأن هذه القصة لا تنفع بدون إسم مريم عليها السلام لأنه تعالى سيذكر إبنها (المسيح عيسى إبن مريم) ولو لم يذكر إسمها لقالت إحدى النساء أنا ولدت ولداً من غير أبّ. فعندما لا يذكر الأسماء لا نسأل عنها ولا يهمك أسماؤهم وإنما فقط نأخذ العبرة من القصة.
الغرض من تعدد مواضع القصة في سور القرآن الكريم:
الغرض أن تستقر القصة في ذهن القارئ ويثبت الهدف منها بأخذ أكثر من ملمح لأكثر من واقعة. قصة آدم في سورة البقرة تحدثت عن عدم الإقتراب من الشجرة وفي الأعراف وطه ذكرت وسوسة الشيطان وفي سورة أخرى ذكرت ملمحاً آخر وكل هذا لتثبيت أخذ الهدف والفائدة من القصة. لو ذكر القرآن قصة آدم كلها في سورة البقرة مثلاً سينساها القارئ عندما يصل إلى آخر الكتاب ولكن عندما تقرأ عنها في العديد من السور وتجدها في أكثر من مكان تبقى في بالك وعندما تعود للقراءة من جديد ختمة بعد ختمة تكون القصة في بالك والرسول r علّمنا في قراءة القرآن " خيرقارئ للقرآن الحالّ المرتح" الذي يبدأ ختمة بعد إنتهائه من ختمة.
سورة يوسف مقطوعة بمعنى أنها قصة حصلت بواقعها بنتيجتها حتى ينهيها المولى تعالى ونأخذ العبرة منها. وسورة يوسف ترد على سؤال لماذا قدّم الإخوة في آية سورة عبس (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)). في علم النفس يقولون أن أقرب إنسان لديك وأنت طفل صغير هو أخوك لأنه إذا كان الطفل عمره 3 سنوات مثلاً فهو بعيد بالنسبة لعمر أبيه لا يتفاهم معه ولكن أقرب واحد له هو أخوه والأخ لما يفِرّ من أخيه هذا شيء غير مُتصور فلما يحدث هذا الأمر ترد على ما حدث في سورة يوسف وإخوته وتجد الإخوة 11 كلٌ إختلف في طريقة تعامله مع يوسف بإختلاف شخصيته كما في قصة أصحاب الجنة (قال أوسطهم) هل هو أوسطهم عدداً أو سناً أو علماً حكمة وعقلاً؟ نقول هو أوسطهم رأيا الذي لا يتطرف يميناً أو شمالاًً.
من خلال القصص القرآني حاول بعض المستشرقون الولوج إلى مقاصد الشريعة الإسلامية فدسّوا فيها الإسرائيليات. ونحن سنتناول القصص من واقع القرآن بإتفاق أهل التفسير واللغة بعيداً عن أية حكايات أو إسرائيليات ومنهجنا بعيد تماماً عن أمرين: عن الإسرائيليات في القرآن وعن الضعيف والموضوع في الحديث وأنا لا أعتمد إلا على الكتاب والسنة الصحيحة والأحاديث المتفق على صحتها وإن كان عند احمد او الترمذي لأن عندنا في كل باب أحاديث صحيحة فلماذا نذهب للحديث الضعيف أو الموضوع؟ في باب الصلاة مثلاً عندنا أحاديث صحيحة كثيرة فلماذا نذهب للأحاديث الضعيفة والموضوعة؟
مقارنة القصة القرآنية بقصص العهد القديم والعهد الجديد؟
لا يمكنني أن أقطع فيها لأنه ليس بين أيدينا العهد القديم أو الجديد الصحيحين لأن العهد القديم حُرّف والعهد الجديد أُلّف ولو تكلمت عنهما لظلمتهما والكتاب الصحيح القرآن فنعتمد عليه ولو لم يتم التحريف في العهد القديم والعهد الجديد لوجدناهما متفقان مع القرآن. الكتاب والسنة الصحيحة هي مرجعنا والكلام في القصص لا يحتاج إلى العهد القديم أو العهد الجديد لأن الكتاب فيه ما يكفي.
هل تنفصل مقاصد القرآن ومقاصد القصة؟
إطلاقاً. القصة هي لون من ألوان الجذب والتأثير حتى يسمعها كل الناس بمستوياتهم المثقفين وغير المثقفين لكن لا نخرج بالقصة على أنها حكايات لكن نأخذ القصة من واقع القرآن كما قال القرآن. مثلاً في قصة آدم u (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) هل الخليفة آدم فقط أو آدم وذريته؟ بالطبع آدم وذريته والبعض قال آدم فقط خليفة. ثم قالوا آدم خليفة الله على الأرض وهذه قضية خطيرة شائكة ونحن سنفهم القرآن بإذن الله تعالى على أوسط ما قاله المفسرون.
وأنبّه أنه على الذي يريد أن يجتهد في القرآن عليه أن يكون حاصلاً أولاً على الأقل على إختصاص ليسانس في اللغة العربية ثم علم الأصول الذي يتناول علم التفسير وعلوم القرآن لكن بداية يجب المؤهل اللغوي.
الحروف المقطعة في أوائل بعض السور:
الحروف المقطعة في الكتاب قضية من أصعب القضايا وتفرض نفسها على كل من قرأ القرآن. هذا الكتاب الذي أنزله الله تبارك وتعالى على الرسول r تميّز منذ اللحظة الأولى بالحروف المقطعة. محمد r بإتفاق أهل زمانه وبإتفاق القرآن مع هذا الرأي رجلٌ أمّي. ما هي الأمية؟ الأمي هو الذي لا يكتب وإنما يقرأ. قال تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) الجمعة) وهذا أول تعريف أوجد المشكلة. كلمة (يتلو) تدل أنه يتلو عن سماع. القراءة ليست قراءة كتابة فقط وإنما قد تكون قراءة عن سماع. نحن تعودنا أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب وفي لسان العرب لإبن منظور يقول أن الأمي هو الذي لا يكتب. الرسول r قال: نحن أمة أمّية لا نكتب ولا نحسب" لكن نقرأ. وفي واقعنا أن أحسن من قرأ القرآن هم الأميين لأنه ليس في عقلهم إلا القرآن فالشيخ في الأرياف وفي الكتاتيب الذي يحفّظ الكتاب ليس في عقله إلا القرآن. لذا يجب قراءة القرآن على يد قارئ. الأميّ قرأ مرة (ألم) في أوائل سورة البقرة على أنها حروف مقطعة وقرأها في سورة الشرح (ألم). ولو كان الرسول r لا يقرأ ما أمره الله تعالى أن يقرأ.
بُثّت الحلقة بتاريخ 24/1/2006م
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة الثانية:

سؤال: نظرة عامة على الحروف المقطعة:

الحروف المقطعة في القرآن يجب أن نفهم مدلولها لا معناها. فالحرف ليس له عامة في ذاته. إذا سألك أحد ما معنى ألم؟ فسؤاله خطأ لأنه لا معنى للحروف وإنما لها مدلول. المفسرين اجتهدوا فيها وعندنا أكثر من 16 رأي ويعجبني رأي أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما قال: لا تبحث عن معناها ولم يكن يريد أن يلغي الإجتهاد لكنه لا يريد أن يوجه أنه خطأ أن تقول ما معناها؟ المعنى يعني ما معنى نقدّس؟ هذه كلمة يجوز أن يكون لها معنى بل مفروض أن يكون لها معنى أما أن تقول ما معنى النون في نقدّس؟ فهذا خطأ. الحرف له إسم وله مسمّى وأيّ حرف عندما أقول (ألف) هذا إسم و(أ، إي، أو) هذا المسمى لأنه سيدخل في كلمة. والأميّ هو الذي لا يعرف إسم الحرف لكن يعرف مسمّاه. قد تتحدث مع رجل أميّ في أي موضوع في الإقتصاد أو أي موضوع آخر ولكن لو سألناه أن يهجيء كلمة إقتصاد فلا يستطيع لأنه لا يعرف إسم الحرف. ونحن المتعلمون في نعمة لا نعرف قيمتها أو قدرها لأن المتعلم يعرف المسمى ويعرف الإسم أما الأمي فلا يعرف إسم الحرف. فهذه الحروف إذا نطق بها رسول الله r فقد تعلّم. هو r أميّ وتوصيفه إلى يوم القيامة أميّ والأمّية سُبّة في أي شخص إلا عنده r فهي شرف لأن هذا الرجل r أول ما تعلّم علّمه شديد القوى ذو مرة فاستوى. وقد سبق أن ضربت مثالاً في أمية الرسول r وهو مثال الورقات الثلاثة واحدة بيضاء وواحدة مكتوب عليها بالرصاص وأخرى مكتوب عليها بالحبر وطلبت منك أن تكتب على ورقة فستكتب على الورقة البيضاء أما التي كُتب عليها بالرصاص فهي مثل رجل تعلّم على يد معلّم ضعيف فسهل أن نمسح ما تعلمه الرجل منه تماماً كما نقولها في حياتنا اليومية (امسح كل ما تعرفه عن هذا الموضوع ولنبدأ من جديد) والتي كتبت بالحبر مستحيل أن تمسحها لتكتب عليها. ولو تعلم الرسول r على يد بشر كان سيكون عنده تشويش فلا يتلقّى القرآن كما لو كان أمياً. لهذا فالأمية شرف عند الرسول r. ليكون صفحة بيضاء في تلقي الوحي. الأمية هي صفحة بيضاء تجعل الرجل الأمي أحسن مَنْ يحفظ القرآن. هل كان الأنبياء كلهم أميون؟ كلا لكن الرسول r سيأخذ أثقل كتاب ويختلف عن سائر الكتب السابقة وهو مهيمن على جميع الكتب السابقة، فهو ثقيل، هو لغة ولذلك فهو محتاج لصفة خاصة في المتلقي r فالأمية شرف له r لأنه أول ما تعلم (إقرأ باسم ربك الذي خلق).
التعلّم والأمية: التعلّم هي اللغة. العلم بالأشياء معلومة طبيعية. يقولون أن الرسول استمع إلى الشعر؟ كلا الرسول r ما ثبت عنه أنه إستمع إلى شعر قبل الرسالة، استمع إلى الخنساء وحسان بن ثابت بعد البعثة. كان r ينزع إلى الغار ليتأمل (ولا نقول ليتعبد) ومن قال يتعبد فقد إتهم الرسول إتهاماً يجب الدفاع عنه. لأن في هذا إتهام للرسول. يتعبّد بم؟ صعوده r إلى الغار يشبه إبراهيم u عندما خرج يبحث عن الإله الحق (فلما جنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي) لم يكن عنده معطيات بدليل لما أفل قال: (لا أحب الآفلين) يقصد أن الإله الحق لا يتغير.
ما مفهوم (هذا ربي)؟ (هذا ربي) ظن أنه هو وكان يتمنى أن يجده. إبراهيم رفض الأصنام فخرج يبحث عن الإله الحق . التعبير القرآني يقول (فلما جن عليه الليل) أي أصبحت الظلمة شديدة فبان الكوكب قال هذا ربي لأنه كان في إطار البحث. ننظر في توقيع القرآن: هل هذه المرة الأولى التي يرى إبراهيم الكوكب؟ كلا. إبراهيم u رأى الكواكب قبلها عارضاً أما الآن فهو يراها باحثاً.
والرسول r كان يقضي الليالي ذوات العدد في الغار يبحث عن الإله الحق ويتأمل ولا نقول يتعبّد وإنما تأمل كما تأمل إبراهيم بحثاً عن الإله الحق. فكرة الإله كانت معروفة في ذلك الوقت لكن من هو الإله هذا ما لم يكن معروفاً. والرسول r لم يشرب الخمر أبداً وذلك بفطرته السليمة السوية. من المسلمين الآن من لا يشرب الخمر لا عن عبادة وإنما يستنكفها أو أنه ممنوع من الدكتور وهناك فرق بين من يرفض الخمر لأنها حرام ومنهم من يرفضها لأن الدكتور منعه وحذره أنه سيموت لو شربها.
الرسول r مصطفى من قِبَل الله تعالى أزلاً لأن كل أفعال الإله الحق أزلية. فكان r بفطرته السليمة السوية يرفض المجتمع الجاهلي كله بما فيه وما يحدث فيه وأبو بكر الصديق رضي الله عنه أول ما عُرِض عليه الإسلام قبِل بفطرته السليمة في الوقت الذي رفض صناديد قريش الإسلام.
(نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك) ستأخذ القصص من عند الله تعالى (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) جاءت الآية (نحن) ولم يقل (أنا). فمتى يقول (نحن) ومتى يقول (أنا)؟ في القرآن الكريم يختلف إستعمال (أنا) و(نحن): في قوله تعالى: (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني) عندما يكون هناك توحيد يذكر الإفراد (أنا) لكن عندما يذكر شيء فيه تعدد صفات يقول (نحن) هذه تحتاج لعدة صفات والقصة تحتاج لهيمنةوقدرة وعلم وعدد من الصفات فلا تنفع (أنا). في صلب التوحيد قال (إنني أنا الله) لأنه تعالى يريد موسى أن يوحّده هذه عبادة التوحيد ولا ينفع أن يقال معها (نحن الله). قال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون): الذكر يحتاج (نحن) لتعدد الصفات مع التوحيد (أنا). القصة تحتاج لعلم وقدرة وهيمنة وتوصيففي أكثر من ملمح فتحتاج إلى (نحن) لذلك قال تعالى (نحن نقص عليك). كل كلمة في القرآن الكريم حتى الحروف المقطعة تجد أنها عاشقة لمكانها لا ينفع أن تستبدل بغيرها.
الحكمة من الحروف المقطعة سنعرفها يوم القيامة ولو عرفنا كل معاني القرآن نقلل من شأنه ومن عظمة الكتاب أننا نبحث فيه ونستنبط منه ولكن يوم القيامة سنجده أعظم مما وصلنا إليه ومما نظن جميعاً وأن ما حققناه ما هو إلا جزء بسيط مما هو عليه حقاً.
سؤال: ما دلالة إستخدام (نقص)؟ ولماذا لم يستخدم كلمة العلم أو النبأ؟
نقص: هي من قصّ الأثر كما ذكرنا في الحلقة السابقة وسميت القصة لأنها من قص الأثر (وقالت لأخته قُصّيه) أي تتبعي أثره. الخطاب في الآية هو للرسول r (نحن نقص عليك)لأن الذي يقص هو الله تعالى وهو يقص على الرسول r حتى لا نأخذ نحن من غيره r. الذي فعله يوسف مع إخوته لما قُصّت على الرسول أفاد منه r في فتح مكة وفهم المغزى من القصة فطبّقها، نحن لا نروي حكاية ولكن نعطي ملمحاً من قصة يحكيها المهيمن سبحانه وتعالى، من لدن حكيم خبير حتى نقص أثر القصة.
سؤال: سمي القصص في سورة يوسف أحسن القصص وفي سورة الكهف (نحن نقص عليك نبأهم بالحق) فما دلالة أحسن القصص؟
من آية سورة الكهف (نبأهم بالحق) نفهم منها أن هناك قصص بالحق وأخرى ليست بالحق وهذا حصل عندنا من دخول الإسرائيليات وفكرة الإسرائيليات تشويش مصادر الشريعة لأنهم فشلوا في تحرف الكتاب فدخلوا بالإسرائيليات على التفسير بعد أن تأكدوا من أنهم لن يتمكنوا من تحريف القرآن . ونحن نرى في المساجد إذأ أخطأ الإمام في القراءة في الصلاة تجد المصلين كأنهم سيهجمون عليه لتصحيح خطئه. لما نزلت الآية (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون): هناك مادة للحفظ وسبيل للحفظ. القرآن لم يحرّف لأن الله تعالى تصدى بحفظه هذه مسلّم بها ولكن سبب هذا الحفظ أن هذا الكتاب حُفِظ في الصدور فلا يمكن تحريفه. الله تعالى أجرى تجربة عملية بالتوراة والإنجيل فحُرّف الأول وزُوّر الآخر، اما جاء الكتاب الأخير تصدى الله تعالى لحفظه ولهذا الحفظ سبب أنه يحفظ في الصدور. مادة الحفظ هي أن القرآن لما كان ينزل كان يُحفظ في الصدور ولو أراد أن يحرّف أحدهم يصحح له الحُفّاظ.
سؤال: ما دلالة الغافلين في قوله تعالى (وإن كنت من قبله لمن الغافلين)؟
(من قبله) تعمي قبل القرآن. (بما أوحينا إليك هذا القرآن). والغافلين: هي الأمي. غفِل يعني لم يهتم بأمر ما فغفل عنه وهذه ليست سُبّة كما يفهمها الناس ولكنها شرف للرسول r وهو r لم ينشغل بأمر إلا لمّا أوحى الله تعالى له به. الرسول r بفطرته السليمة لم ينشغل بأمر قصة سمعها من بشر وإنما ظلّ عل فطرته السليمة حتى أوحى الله تعالى إليه بالقرآن عن القصص الذي يُحكى ويروى قبل القرآن. القصص الذي كان يحكى ويروى قبل القرآن لم يشغل الرسول r باله بالسؤال عن الأمم السابقة لأنه مُعدٌ من قِبَل الله تعالى لتلقي الوحي. وهو r يقول: "من حُسن إلاسم المرء تركه ما لا يعنيه" هذه هي الغفلة فالشيء الذي لا تراه مهماً لا تشغل بالك به فما بالك برجل مُعدّ بالفطرة السليمة لتلقي الوحي. هو r مُعدٌ لدرجة أنه لم يشغل باله بشيء وهناك فرق بين تلقي الوحي من الله تعالى وبين سماع القصص من الناس.
(وإن كنت من قبله لمن الغافلين) أي : وإن كنت من قبله لمن الأميين الذين لم يتعلموا عن طريق البشر. وسورة النجم أنصفت الرسول r في هذه النقطة (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علّمه شديد القوى) تقابل قوله تعالى (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا). (لمن الغافلين) هذه مدح للرسول r والأمية كما قلنا في حقه وحده شرف دون غيره من البشر.
الأمية في حق البشر سُبّة لكن في حق الرسول r النبي الأمي هي الشرف الكبير الذي لا يدانيه شرف لأنه تعلّم أول ما تعلّم علّمه شديد القوى. وهو r يختلف عن غيره من الأميين (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) أنه r هو الوحيد الذي له هذا الشرف لأن باقي الأميين تعلموا على يديه r هو هذا الأميّ الذي علّم العلماء بهذا الكتاب العظيم.
سؤال: هل هناك دلالات وتوجيهات محددة لإختلاف التعبير القرآني (أحسن القصص) (نبأهم بالحق) (منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص )؟
طبعاً لأن قصّ هي تتبع الأثر والمفروض أن القصة يجب أن يكون لها أثر في الواقع ولا تكون من وحي الخيال وقلنا سابقاً أنه إذا كانت من وحي الخيال تسمى أسطورة. لكن عندما يقص عليك شيئاً حصل فهي قصة. هناك فرق بين التوصيف (أحسن القصص) والتوقيع (نبأهم بالحق). التوصيف هو أن تشرح صفة شيء لكن التوقيع أسمع التوصيف وأنفّذ .
(نحن نقص عليك نبأهم بالحق) تعني عندما تسمع منا يا محمد ستأخذ الحق ولو سمعت من غيرنا لن تأخذ الحق. فكلمة الحق تلفتنا إلى أنه طالما هناك حق هناك غير حق.
المُنصِف من اليهود تركوا التوراة المحرّفة واعتمد على القرآن في القصص. الرجل الذي زار الرسول r عندما مرض ابنه فوجد عنده ملائكة الموت فجلس الرسول r بجانبه بحنانه وعطفه وقال له: إشهد أنه لا إلا الله وأن محمداً رسول الله فنظر الولد إلى أبيه الذي قال له" أطِع أبا القاسم وهو نفسه لم يسلم. اليهود تركوا التوراة وأخذوا من القرآن بعض القصص لأنهم يعلمون أنها حُرّفت في كتبهم. ولذلك لما قال تعالى (نحن نقص عليك نبأهم بالحق) لفت نظرنا إلى أن هناك ما هو غير الحق وما من عند الله تعالى يأتي بالحق.
سؤال: بعض الآيات تزيد كلمة أو تنقص كلمة للقصة نفسها فهل إختلاف النظم له دلالة في القصة؟
الملمح. تجد قصة موسى في أكثر من سورة لكنها ليست كلها ملمحاً واحداً. وردت في سورة (فاقذفيه في التابوت) ووردت في سورة أخرى (فألقيه في اليم) وكل منهما ملمح مختلف عن الملمح الآخر. لو جمعت قصة موسى u في القرآن كله أو قصة آدم أو قصة نوح أوقصص الأنبياء نجد قصة واحدة فقط من القصص كله التي جاءت بالأسماء وهي قصة مريم إذ ورد ذكر إسمها (مريم ابنت عمران) وإسم ابنها (عيسى ابن مريم) لكن لم يذكر الأسماء في باقي القصص فلم يذكر إسم إخوة يوسف ولا أصحاب الكهف ولا من كان مع قارون ولا غيرهم لأن القصة في القرآن كما قلنا هي ليست قصة وإنما هي مدلول نسير عليه. فرعون مثلاً وصل العلماء على أنه رمسيس الثاني وهذا لا يهم لأن فرعون في الكتاب مقصود به كل حاكم ظالم وقارون يمثل كل من يعبد المال فلا يجب على المسلم الحق أن يقرأ عن فرعون وقارون وغيرهم ولا يستفيد. قصة سليمان مثلاً نقف عندها: سليمان u هيمن على الجنّ والهدهد أحاط بما لم يحط به سليمان على علمه وقوته (أحطت بما لم تحط به) وكذلك قصة موسى والعبد الصالح تمثل لنا أن موسى نبي يتعلم من العبد الصالح فالمولى عز وجل لا يريد أن يغترّ أحد بمعطيات الله تعالى له.
نضرب مثلاً الرجل الذي يصلي جيداً ويعبد جيداً وصادق وأمين ومتقي تأتي عليه لحظات من كثرة العبادة الحقّة يقع في غلطة لا يقع فيها كافر وهذه المعصية تأتي لأنه أصبح على ثقة أنه قريب من الله تعالى فغفل. إذن إياك أن تغتر أو تركن لإيمانك.
القرآن الكريم لفت نظرنا في القصص (سليمان والهدهد) حتى لا نغترّ بالمعطيات. فآدم u في القرآن مثال لكل بني آدم وموسى u مثال لطالب العلم لأنه مهما كاان عليه من العلم سيتعلم ممن هو أعلم منه وسليمان وغيرهم في القرآن الكريم هم أمثلة لشيء في قصص القرآن.
سؤال: الآيات تحتلف كثرة أو قلة لنفس القصة فهل لهذا الإختلاف دلالة من حيث كمّ الآيات؟
القصة واحد لها أكثر من ملمح. قصة آدم جاءت في أكثر من سورة لكنها لها ملامح. وقصة آدم لو أردنا أن نذكرها بإختصار فهي أن الله تعالى أمره أن لا يأكل من الشجرة فأكل منها فأُخرج من الجنة وهبط إلى الأرض بعد أن تاب الله تعال عليه. لكن هذه القصة لهاملامح متعددة في القرآن من أول إخبار عن آدم. قصو يوسف u لما قال ليعقوب (إذ قال يوسف لأبيه) (إذ) تعني: إذكر يا محمد r ساعة قال يوسف لأبيه كأن محمد r عاشها. يوسف قال لأبيه (يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) وقال يعقوب (يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك) إذن إخوة يوسف هنا مثال لكل إخوة حقدوا على أخيهم فإن لم نفد نحن المسلمين من هذه القصة فلا نكون قد فهمنا المقصود من القصة. يجب أن أحب إخوتي وأتلافى ما فعل إخوة يوسف بيوسف. وإخوة يوسف اجتمعوا أوجدوا لنفسهم المبررات (إذ قالوا ليوسف وأخوه لأحبّ إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال) ثم طرحوا حلولاً (أقتلوا يوسف أو إطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم) لأنهم كانوا مقتنعين بأن لهم مبرر (وتكونوا من بعده قوماً صالحين) وعملوا الحيلة فالله تعالى يأخذ يوسف من بينهم ويجعله عزيز مصر. القصة واحدة ولكن على مدار القصة هناك ملامح متعددة تعني أحداث مختلفة. عند آدم u مثلاً إذا أردنا الحديث عن قصته فلا يحسن أن نبدأ بقوله تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) وإنما يجب أن نرجع إلى الوراء آيتين من قوله تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم) أمواتاً هل تعني أنه لا يوجد خلق؟ ثم قال تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) هذه توحي بهذه. ستبدأ الدنيا والخلق ولا يمكن أن نقول أن الخلق بدأ من العدم لأن العدم غير مفترض في وجود الله تعالى.
سؤال: يختلف نهج الآية القرآنية من ترغيب وترهيب وترجي واستفهام وخبر وإنشاء وتمني وغيرها فهل لهذا دلالة وهل هو مقصود لذاته؟
أساس القرآن كتاب منهج. القضية في جزئية المنهج مهمة في أن (الرحمن علّم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان) هذا الترتيب من وجهة نظر الإنشاء البشري يكون خلق الإنسان أولاً لكن (علّم القرآن) أي علّم المنهج. لم يأت بشر إلا على منهج لذا تجد في القصة نفسها تحذير وترهيب وترغيب لأن الغرض من القصة التطبيق بعد سماع القصة وهذا حدث بيقين عند المسلمين الأوائل، الحقبة الأولى في الإسلام كانت كلها تطبيق. بدأ التطبيق يضعف ببعدنا عن رسول الله r لأننا ابتعدنا عن المنهج وعن التدبّر. المولى سبحانه وتعالى لم يأمرنا بالقراءة في القرآن كله وإنما أمرنا بالتدبر (أفلا يتدبرون القرآن ) وعكس التدبر (أم على قلوب أقفالها). عندما تقرأ القرآن فقط فلن تفيد لكن الإفادة الحقيقية تكون عند التدبر, ومن قرأ القرآن ولم يطبقه ما أفاد شيئاً.
سؤال: يقول بعض الناس وبعض المستشرقين أن القرآن عندما أهمل الأسماء في القرآن فكأن هذا دليل عجز؟
أذكر ما حدث خلال محاضرتي عن قصة يوسف فرفع أحدهم يده وسألني عن أسماء إخوة يوسف فقلت له ما عليك من أسمائهم وشرحت له الأمر وللحضور فاقتنع الجميع بحمد الله إلا هو فقال لي لو كنت تعرف أسماءهم لذكرتهم ولكن يبدو أنك لا تعرفهم فقلت له لا أنا أعرفهم هذه أسماؤهم وذكرتها له. لكن ما الفائدة؟ إتهام الناس شيء مسلّم به ونحن نعرف الأسماء لأننا تتبعنا واقع قصص القرآن مع كل ما هو موجود.
سؤال: يقول الناس عندما يذكر القرآن إسماً تجدون له مبرراً وعندما يُهمل إسماً تجدون له مبرراً وتقولون لا يهم فكيف نبرر ذلك؟
محمد r عندما بَشّر به عيسى u فقال (ومبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد) تلكأ بعضهم على هذه الكلمة وقالوا ننتظر أحمد. لكن هل عرف الناس أن هذا الرسول لأن ذكره من عهد آدم إلى يوم القيامة كان يجب أن يكون إسمه مشتقاً؟ الذي تدبّر عندما سمع قول عبيسى u (إسمه أحمد) قال في نفسه لماذا قال أحمد ولم يقل محمد؟ لأن عيسى u ما كان يستطيع أن يقول محمد لأن محمد إسم مفعول ومن عظمة الرسول r أن يُشتق إسمه. فهو r قبل الميلاد كان عند عيسى أحمد كأنب بعيسى عليه السلام يقول ومبشراً برسول يأتي من بعدي أحمد مني لرب الناس فإذا ولد الأحمد (إسمه أي صفته) فهو محمد.
في قوله تعالى (بئس الإسم الفسوق) فهل نسمي أحداً الفسوق؟ كلا لأن الإسم هو الصفة. الإسم في اللغة يشتمل على معنيين: إما على الذات أو الصفة. فلما تكلم عيسى u قبل محمد بـ 610 سنوات قال (ومبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد) إسمه أي صفته أحمد. لأنه لما ولد الرسول r سمي محمداً. إسم المفعول من الحمد. ومن عظمة هذا الرجل أنه قبل ميلاده أحمد وبعد ميلاده محمد ويوم القيامة محمود المنقلب وكلها إشتقاقات من الحمد.
سؤال: في القرآن الكريم في قوله تعالى في قصة نوح (يا بني اركب معنا) يقولون أن إسم إبن نوح سآو ونحن نقول سام وحام هما أبناء نوح والقرآن حجب هذا الإسم لماذا؟ ومن أين أتينا بإسمي سام وحام؟
سام وحام أهم إسمين ونوح عليه السلام لم يكن له ولد واحد وهما اللذين تفرعت منهما الذريّة. والذي يهم كنه القصة لا الأسماء. نوح يسمى آدم الثاني أو آدم الصغير لأنه بعد الطوفان بدأت الذرية بمن كان معه في السفينة والذي غرق لا يهم إسمه لأنه غرق, وطالما نحن نتمسك فيما لا يفيد ولا يعني نكون قد ضيعنا التعلم من هذا الكتاب.
بالتالي من الزمن الذي استغرقه أهل الكهف لا يهم وذكر العدد: (309) سنة نأخذ العبرة منها أنه مدّة. العرب يستعملون الألف والأعداد للدلالة على الكثرة (يود أحدهم أن يعمر ألف سنة) الألف تدل على الكثرة في وقتها. وكذلك قوله تعالى (إن تستغفر لهم سبعين مرة ) لا تعني الرقم 70 وإنما تعني الكثرة وكان r يقول لو أعلم أني لو استغفرت أكثر من سبعين يغفر الله لهم لاستغفرت. فالعدد 70 لا تعني الرقم وإنما الكثرة والتهويل. القرآن الكريم نزل بالمدلول اللغوي عند العرب. ويجب أن نأخذ هذا القرآن بما له وبما قال من لدن حكيم خبير كما قال ابراهيم u (إذا قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) هذا هو الإسلام نسلّم بالقصة كما هي في القرآن ولا نذهب لكتاب عرائس المجالس أو قصص الأنبياء لأن كلها إسرائيليات بعيدة عن لب القرآن. وتأويل القرآن يؤخذ من القرآن نفسه. وفي الحلقات القادمة سنبدأ بتناول القصص من واقع الكتاب بدءاً من سورة البقرة وإذا كان هناك حديث صحيح للرسول صلى الله عليه وسلم في أي قصة سنذكرها.
بُثّت الحلقة بتاريخ 30/1/2006
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة الثالثة
قصة آدم عليه السلام

هذه القصة لها من المقومات التي تجعل كل مسلم حق يتوقف عندها بالتدبر والتأمل وأخذ العبرة والإتّباع وإلى غير ذلك, لكن في الحقيقة يجب أن نقرأ القرآن بنظرة تدبرية أكثر مما نظن. عندما نريد أن نبدأ قصة آدم r لا نقول نبدأ من قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)) ولكن هناك آيتان قبلها يوضح الله تعالى كُنه الحق في الخلق (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)) هذه الآيات تتكلم عن الخلق. عندما تسمع كلمة (كيف) هي في اللغة للسؤال عن الحال لكن هل يسأل الله تعالى عن الحال؟! لا يمكن لأنه هو سبحانه وتعالى أعلم فلا بد أن لها هنا وقع. الذي يسأل الله تعالى (استفهام للتعجب) كيف يحدث هذا؟ الكفر بالله يستحيل مع تدبر الخلق. كيف يكفر إنسان بالله تعالى وهو يرى بعيني رأسه الموت؟! لما تتدبر الآيات (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم) أمواتاً قبل الخلق. في الآية موتان وحياتان (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) غافر): الموتة الأولى قبل خلق آدم ومعه الذريه (عالم الذرّ للذرية من ظهر آدم) وآدم ليس في عالم الذر لأنه خُلِق من تراب + ماء – طين – صلصال – حمأ مسنون – فخار – روح. ونحن هنا نصحح ما نسمعه ولا يليق: يقولون أننا خلقنا من عدم وهذا خطأ نحن خُلِقنا من تراب فيكف يقال من عدم؟ مرحلة العدم لا تجوز في وجود الحق تبارك وتعالى. العدك كمة يقصدون بها الموتة الأولى (كنتم أمواتاً) تراب لا حياة فيه لأننا من تراب "كلكم لآدم وآدم من تراب" الفترة لا تكون عدماً. هناك خطأين: أننا مخلوقين من عدم ونحن من تراب ومرحلة العدم غير منطقية في وجود الإله الحق. الله تعالى أزلي. أهل اليمن عندما ذهبوا إلى الرسول r في أدبهم قالوا يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين ونسألك عن أول هذا الأمر (أي نريد أن نعرف كيف تم الخلق؟ وكيف بدأت الحياة؟) الرسول r نهانا عن جزئية أن يطلق الإنسان العنان لنفسه فيسأل نفسه الله خلق كذا وكذا وكذا وكذا فمن خلق الله؟ قل حاشا لله. وهنا أسأل هل الله موجود؟ هذه كلمة يجب أن تُحذف من القاموس ويجب أن نقول الله واجب الوجود. لو قلت موجود سيكون هناك من أوجده وهذا الذي جعل إبراهيم u يقول لا أحب الآفلين لأن الإله لو تغيّر فله مُغيّر وهذا المُغيّر أولى بالعبادة. الله تبارك وتعالى واجب الوجود. قال الرسول r في جوابه على سؤال أهل اليمن: كان الله ولم يكن قبله شيء وكان عرشه على الماء. أي إجعل بداية تفكيرك الله تعالى. العدم مرحلة لا نفكر فيها لأنها ليست موجودة وغير منطقية. آدم لم يُخلق من عدم وإنما من تراب إذن من شيء موجود. الله تعالى حدد (إني خالق بشراً من طين) مع وجود الله تبارك وتعالى كل شيء ممكن. عندما يقول تعالى (إني خالق بشراً من طين) لم يقل من عدم فعلينا أن لا نعطي فرصة لأفكارنا أن تذهب في مكان غير صحيح.
الموتتان (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً) كنتم تعني موجودين، وكنتم أمواتاً (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (له) تفيد أن الشيء موجود أنت لا تراه هذا أمر آخر. الأشياء عند الله تعالى أزلية. طفل كان يناقش أحد الفلاسفة والفيلسوف يقول ربنا غير موجود فيقول أنا أرى المنضدة فهي موجودة وأرى الكرسي فهي موجودة فأين الله؟ فقال الطفل: أين عقلك؟ لو قال الفيلسوف غير موجود يكون مجنوناً، وأين روحك؟ يُستدل على الشيء بأثره لا بروايته.
الموت مخلوق قبل الحياة لتربص بكل حيّ حتى تتحقق الموتة الثانية (ثم يميتكم) البديع في أمر الإله الحق أنه خلق الموت وجعله يتربص بكل مخلوق حيّ حتى النبات والحيوان. الله تعالى حينما خلق كتب الفناء على جميع خلقه وأوجب الوجود لعظمة ذاته. ولو تدبرت القرآن لوجدت هذا المعنى (كل من عليها فان) وأوجب الوجود لعظمة ذاته (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)، كتب الموت على جميع البشر (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) وأردف (ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة). كلما كتب فرع الموت على مخلوق أوجب الوجود فوراً لعظمة ذاته: (كل شيء هالك إلا وجهه) كلما تسمع موت أو فناء أو هلاك إلا ويأتي بعدها ما يوجب الوجود لعظمة ذاته.
علاقة هذا بخلق آدم لأنه سيبدأ الخلق. هذه الآية واجبة الذكر (أحياكم) بخلق آدم (إني جاعل في الأرض خليفة). وقبل أن خلق تعالى آدم أعدّ الأرض لإستقباله (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)) خلق الله تعالى قبل آدم أرضاً تُقِلّ وسماء تُظِلّ إستعداداً لإستقباله. القضية في خلق آدم u (وإذ قال ربك للملائكة) أي أُذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة كأنها من قصص القرآن التي يسمعها الرسول r وحياً ولنا فيها العِبرة والأسوة يجب أن نقرأها لنفيد منها وبها.
عندما أقرأ القرآن لماذا قال تعالى للملائكة والجن كان موجوداً قبل آدم (والجان خلقناه من قبل من نار السموم)، لماذا الملائكة؟
لأن الملائكة سيكون لها مع الإنسانشؤون فمنهم المدبرات أمراً ومنهم الحفظة ومنهم أمين وحي السماء إلى الأرض ومعه التشريفة وملك الموت. الملائكة لها مع الإنسان شأن لذا كان الكلام من الله تعالى للملائكة خصوصاً لأنهم سيتعاملون مع الإنسان. يعض الناس يقول الولى تعالى إستشار الملائكة وهذا كلام عيب في حق المسلم الحق لأنه يجب أن يتمسك بالنص القرآني بصحيح التفسير.
(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة): آدم خُلِق للأرض وهذا أول إخبار عنه أنه في الأرض والجنة في الأرض لأنها لو كانت جنة الخلد ما خرج منها. كلمة خليفة: الآية تقول بوضوح (خليفة) هل هو آدم أو آدم وذريته؟ يجب أن نفهم أنه آدم والذرية. كلمة خليفة أسأل الله تعالى أن يرحم علماءنا الذين وقفوا على معاني الكلمات. خليفة لمن؟ يقال فيها كلمة كلمة ما يجب أن تُقال وهي "خليفة الله". إذا عرّفنا الخليفة لغة: قال الرازي: من يخلف غيره ويقوم مقامه بعد موته أو غيابه أو سفره أو إنتقاله من مكان لآخر وهذا لا يتحقق مع الله تعالى. كلما سمعت رب العالمين يحب أن تقول (ليس كمثله شيء). بعض الدعاة قال آدم خليفة الله كما أن أبو بكر خليفة الرسول r. هذا لا ينفع ويجب إعادة النظر فيه من المسلمين.
خليفة: تعني خليفة على رأس ذرية يخلف بعضها بعضاً ورحم الله تعالى الدكتور عبد الجليل عيسى عندما عرّف الكلمة خليفة (أي قوماً يخلف بعضهم بعضاً) لا يجوز أن يكون لله خليفة وهذا مستحيل. قال تعالى (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) خلائف أي يخلف بعضهم بعضاً. عندما قال الرازي عرّفوا الخليفة عرّفها من اللسان لإبن منظور وغيره ولا يجوز أن تطلق شيئاً على البشر وتطلقه على الله تعالى.
إذا أعربنا كلمة خليفة فهي مفعول به لإسم الفاعل الله. لم يقل الله تعالى خليفة لي. الخطأ الشائع يستقر في الأذهان. من قال خليفة لله؟ مفسّر واحد قالها والكل تبعه لكن أهل اللغة قالوا خليفة بمعنى ماذا؟ هل يخلف الجن الذين كانوا على الأرض قبله؟ قد نوافق عليه لكن أن يكون خليفة الله هذا لا يجوز لأنه تعالى (ليس كمثله شيء). الخليفة نتيجة عدم الهيمنة على كل الأمور. المهيمن هل يحتاج إلى خليفة؟! كلا. نأخذ النص القرآني كما هو. الشنقيطي فسّر القرآن بالقرآن واستخدم العديد من الآيات في تفسير هذه الآية. عندما يُنجب أحدهم مولوداً يقال (خلّف) في لغتنا، هذا في حق البشر لكن في حق الله تعالى فهي مستحيلة.
(قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ): أقرب خلق يعرف كُنه الإله الحق هم الملائكة. هل خليفة الله يُفسد؟ هل إذا فهمت الملائكة هذا المعنى هل تسأل الله تعالى هذا السؤال؟ (واستخلفكم) (مستخلفين) من قِبَل الله تعالى لكم يخلف بعضكم بعضاً. الذي لا يخلّف يقال له أبتر لأنه لا يُنجب ولأن الذرية انقطعت عنده فليس له خليفة.
(قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ): هل خليفة الله بالمعنى الذي يقال يُفسد؟ ما قالت الملائكة هذا إلا لأنها فهمت أن خليفة تعني يخلف بعضهم بعضاً. يستحيل أن المولى تعالى يكون مثلنا وعندما نسمع كلمة الله يجب أن نفهم أنه (ليس كمثله شيء). إذا دخلت مسجداً تجد على الجدران مكتوب: الله، محمد، أبو بكر، عمر، عثمان، هذا لا ينفع ولا يليق والله تعالى لا يوضع على قدم المساواة مع البشر. ومحمد r ما رضي بذلك. محمد r ليس كأحد الناس وليس كأبي بكر وإنما هو بشر يوحى إليه فهو في منزلة خاصة أعلى من البشر وهنا يجب أن نرسم الحدود. الله تعالى ليس كمثله شيء ومحمد r (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ).
من أين علمت الملائكة أن الخليفة سيفسد؟
بخبرتهم من الجنّ الذين كانوا على الأرض وأفسدوا في الأرض. والثابت أن هناك حرب بين الملائكة والجن طردت الملائكة الجن إلى جزائر البحور هذه إحدى الرواياتلكن الأهم ما دار في تفكير الملائكة أنهم كانوا يعتقدون أنهم أحسن الخلق (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) وهذه قضية تشير أنه يجب أن لا يغترّ المسلم الحق بإيمانه. عندما أخبر الله تعالى الملائكة بأنه سيخلق آدم قالوا مهما خلق الله تعالى من خلق فنحن أكرم الخلق فقال تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون). الله تعالى له الأمر وما قضى به يجب أن يكون نهائياً لا يناقش ولا يجادل. ولذلك لما عرض الأسماء عليهم الأسماء حصل لهم إفاقة ورجعوا إلى الحق. بعض العلماء أحسن إذ قال (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) هذه توبة إنابة. كلامهم يعني أنهم أولى بهذه الأرض لكن الله تعالى له شؤون في خلقه. وهنا يجب أن نفهم كنه الملائكة هم لا يستطيعون المعصية ولا يعرفون كيف يعصون أصلاً. لكن أيهما أفضل عند الله تعالى؟ المؤمن أو الملائكة؟ المؤمن لأنه مخيّر بين المعصية والطاعة لكنه خوفاً من الله تعالى وطاعة له لا يعصي وهذا سر قوله تعالى (كيف تكفرون بالله) (وإذ قال ربك) عرض تعالى في إبداع معجز للمتقين والمنافقين والكافرين قبل أن يخلق آدم في مطلع سورة البقرة (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) ذكر تعالى أوصاف المتقين في ثلاث آيات (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)) والكافرين في آيتان (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)) والمنافقين في ثلاثة عشر آية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)). دلالة هذه التصنيفات قبل ذكر خلق آدم تعني أنه من بني آدم إما أن يكونوا متقين أو كافرين أو منافقين وأصعبهم على البشر المنافقون لأن الكافر واضح في كفره لكن المنافق (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) ومع ذلك لا تخافهم (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) المنافق يجب أن يُستأصل من المجتمع.
آدم بذريته سيكونوا أحد ثلاثة أصناف وكلمة خليفة لا تعني آدم وحده وإنما آدم وذريته وكلما ذكر آدك نفهم معه ذريته (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) ولهذا قلنا هناك فرق بين القصة في القرآن والتصوير وقلنا سابقاً أن بعض الآيات تصور أحداثاً لكن ليست قصة.
من خًلِق قبلاً الجن أو الملائكة؟
لم يرد نص فيها ولكن عندنا نص أن الجن خلقوا قبل البشر (والجان خلقناه من قبل).
لماذا قال خليفة ولم يقل آدم؟
قلنا أن كلمة خليفة تعني آدم وذريته. الكلمة القرآنية صحيحة وتفسيراتنا نحن خطأ. هذه قاعدة أصولية. وأحياناً نقول لمذا قال الله تعالى كذا ولم يقل كذا؟ لكن هذا لإثبات عظمة اللفظ القرآني.
(أتجعل فيها من يفسد فيها) هذا تساؤول وليس إعتراضاً. ليس اعتراضاً لأن الملائكة طائعين لا يعصون. هذا استفهام له رصيد في الواقع وقد حصل مع الجن ثم عرفوا أن اختيار الله تعالى وما قضى به هو الصواب والصحيح والذي يجب أن يكون. لأن الله تعالى قال (إني أعلم ما لا تعلمون) المقصود بها أن سؤالهم كان نتيجة ما قالوه (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) أي نحن أكرم على الله من وجهة نظرهم أنهم أفضل من البشر. إن من البشر سيأتي الطائع المتقي الذي هو أفضل عند الله تعالى من الملائكة. الله تعالى عمل لهم تجربة عملية ليثبت أن علمه تعالى لا يناقش لأن ما أراده الله تعالى واقع لا محالة. (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)) علّم آدم ثم عرضهم على الملائكة (فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء) علم الله تعالى ما تقصد الملائكة فأفاقت الملائكة وقالت (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)) فكأن الله تعالى يريد أن يقول للملائكة أنهم لا يصلحون لهذه المهمة وآدم يصلح لهذه المهمة والله تعالى أدرى بخلقه وهنا وقفة مع الأسماء.
لمذا قال الأسماء؟
أسماء كل شيء لأنه أطلقها (الأسماء كلها) الأسماء والأفعال والحروف. لمذا اختيار الأسماء؟ لأن الفعل إسم والحرف إسم. إذا قلت إعرب جملة: يلعب محمد الكرة: يلعب فعل وكلمة فعل إسم (توصيف الفعل إسم وتوصيف الحرف إسم) وإختار تعالى الأسماء أي علّمه كل شيء، علّمه كل شيء وكل فعل له وقع. كل شيء تعلمه آدم، هل علّمه صاروخ وطائرة وغيرها؟ نعم باعتبار ما سيكون للذرية بدليل أننا لا نستغرب الكلمات الجديدة وستستحدث أسماء جديدة إلى يوم القيامة لأنها ستدخل على الفطرة.
عرضهم: دخل فيها الأسماء والأفعال وما سيستحدث. (فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) هؤلاء تستعمل للعاقل وغير العاقل لو المقصود غير العاقل لاستعمل (هذه). العاقل يجبّ غير العاقل لأنه أشمل فهم ما في خلد الملائكة فتابوا توبة الإنابة توبة عن توبة والذي عملها محمد r :" يا أيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مئة مرة"
لا نعرف من عندنا لا علم لنا إلا ما أذنت لنا به وأثبتوا له تعالى أنه العليم الحكيم. القضية هنا في الخلق نتوقف عندها كيف خلق الله تعالى آدم ومتى؟ خلقه بعد خلق كل شيء في حديث أبو هريرة قال : "أخذ رسول الله r بيدي وقال خلق الله عز وجل التُربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء (المكروه هو كل ما يكرهه الانسان) وخلق النور يوم الأربعاء وبثّ الدوابّ يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة في آخر ساعة من ساعات الجمعة من العصر إلى الليل". فيها تكريم لآدم لأنه خُلِق على تسخير الكون كله له. يعني آدم وذريته الكون كله مسخّر لهم بما فيه من أفلاك وأراضين وبحار (الآيات في القرآن كثيرة : سخر لكم..) هذا التسخير تكريم لآدم وذريته لكن أعلى التكريم أمر الله تعالى للملائكة بالسجود لآدم. أمر الله تعالى بالسجود هذا سجود تكريم وتحية وليس سجود عبادة لأن هذا لا يكون إلا لله رب العالمين. والله تعالى في محكم التنزيل جاء بالسجود في قصة يوسف (وخروا له سجدا) هذا تحقيق الرؤيا (إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) فالسجود قد يكون للتحية لكن من عهد رسول الله r لم يعد هكذا والسجود يكون فقط لله تعالى ورُفع هذا الأمر أي سجود التحية.
هل يساوي سجود الملائكة لآدم سجود إخو يوسف وابويه له؟
كلا لكن السجود كان وارداً قبل محمد r أما بعده فلا يوجد سجود إلا سجود العبادة لله تعالى. السجود هو عبارة عن فرع التسخير (سجود الملائكة) هم كخلق لهم تكريم خاص لكن لهم إتصال بشؤوننا. القرآن جاء إلينا عن طريق جبريل أمين وحي السماء . حتى الملائكة سُخرت لنا بالحفظة، مرافقي جبريل (تنزل الملائكة والروح) ، هذا التشريف للقرآن الذي نزل للبشر من عهد الرسول r الكون سُخر لآدم وبني آدم بما فيه الملائكة.
الأمر بالسجود كان للملائكة فقط فبأي صفة كان إبليس معهم؟
إبليس كان معهم ولم يكن منهم. هو يشمله الأمر لكنه لم يكن من الكلائكة طرفة عين. ونضرب مثالاً إذا كنت في فصل متفوقين وفيهم متخلف واحد فهل إذا أعطيت أمراً للفصل تعطيه للمتفوقين أو المتخلف؟ بالطبع للمتفوقين والمتخلف إما ينفذ الأمر أو لا. قيل في الإسرائيليات أن إبليس كان طاووس الملائكة وهذا كلام غير منضبط. الحوار بين الله تعالى والملائكة لم يكن في السماء وقلنا أن أول إخبار عن آدم في قوله تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) فهو مخلوق من الأرض وفي الأرض وللأرض. والملائكة نزلت لآدم في كل شيء.
إبليس واحد أو نوع؟
هو على رأس صنف وذريته تعمل مع بني آدم.
بُثّت الحلقة بتاريخ 6/2/2006م
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة الرابعة:
مراحل خلق آدم u:

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون
تطاول بعض المستشرقين على النص القرآني وادّعوا أن هناك تناقض في الآيات التي تحدثت عن خلق آدم ولو أنهم فهوا قليلاً أن هناك مراحل للخلق استعرضها الله تعالى في القرآن ليقوم المسلم الحق بإستعراض القرآن كله. نحن في رمضان نتسابق فر قراءة القرآن ثم نتركه بعد رمضان. في القرآن يذكر تعالى مرة أنه خلق آدم من طين مرة من تراب ومرة من صلصال ومرة من حمأ ومرة من ماء مهين. ولو فكرنا بأن التراب لو اختلط بماء يكون طيناً فإذا قلت أن آدم خُلِق من تراب فقد صدقت وإن قلت من ماء فقد صدقت لأن الله تعالى يقول (وجعلنا من الماء كل شيء حيّ) ولو قلت من طين فقد صدقت (خلط الماء بالتراب) ولو تركت التراب مع الماء فترة يصبح له رائحة ولو وضعته في الشمس يكون فخاراً. ومرحلة التسوية تكون عند مرحلة الفخار (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) أي أن السجود بدأ بعد نفخ الروح وكأني بالسجود لتكريم الإنسان لأنه أخذ من روح الله تبارك وتعالى ولم يأت الأمر بالسجود وهو فخار أو صلصال أو تراب، كأن السجود للروح. وهناك تعبيرات في الكتاب تحتاج لوقفات وكل واحد منا يشرح بما فتح الله تعالى عليه من فهم. في قوله تعالى (ونفخت فيه من روحي) التكريم لبني آدم جاء من الروح. والروح لها ست معاني في القرآن الكريم وهذا عظمة القرآن في المشترك اللفظي والذي يدرس اللغة العربية يعرف أن لكلمة الروح معاني كثيرة بإختلاف الآية التي وردت فيها.
(فإذا سويته) التسوية تأتي بعد مراحل الخلق. حاولنا أن نقف عند أي لغوي ليشرح لنا معنى كلمة الموت فلم نجد إلا أن الموت هو نقض الحياة وليس له تعريف وهذا عظمة الحياة وعظمة الموت. عندما نتكلم عن الموت فإننا نتكلم عن نقض الحياة وقد أجمع علماء اللغة أن الموت هو نقض الحياة. ولو نظرنا إلى سهم الحياة:
ماء + تراب ¬ طين لازب ¬ صلصال من حمأ مسنون ¬ صلصال من فخّار ¬ ينفخ الله تعالى الروح
وإذا نظرنا إلى سهم الموت لوجدنا أنه عكس سهم الحياة:
الروح ¬ صلصال من فخّار ¬ صلصال من حمأ مسنون ¬ طين لازب ¬ ماء + تراب
فالروح هي آخر ما يدخل في الجسد في مرحلة الخلق والحياة وهي أول ما يخرج من الجسد في مرحلة الموت أو نقض الحياة .
الكافر يتمنى أن يكون تراباً (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) هل تعني لم أخُلَق أو لم أُبعث؟ الإثنان متساويات ويدلان على أنه خائف من لقاء الله تعالى. لم يقل يا ليتني كنت صلصالاً أو ماء أو فخاراً أو حمأ لأنه هو لم يكن يريد أن يُبعث أو يُخلق منذ البداية وهذا يبين غباء الكافر. وبعض المفسرين يرون أنه يتمنى أن يكون تراباً لأن الحيوانات تحول إلى تراب يوم القيامة بعد أن يتم الحساب فيتمنى الكافر لو كان حيواناً ليتحول إلى تراب ولا يُعذّب. هذا الكافر كان عليه أن يؤمن بالخالق طالما أنه آمن بمراحل الخلق.
اختلف النصارى في خلق عيسى u فالمولى تعالى يردّ عليهم بآية لو فكروا فيها لأسلموا (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) كأني بالله تعالى يقول لهم أنهم لو كان لكم وقفة كان يجب أن تقفوا عند آدم لأن عيسى u وجد أماً تحمله أما آدم فلم يكن له أم وهذا أعجب وأولى. لكن هؤلاء تركوا آدم وناقشوا في عيسى. ولو لم يكن عيسى قد خُلٌِ بهذه الطريقة لقالوا أن الله تعالى عجز حاشاه. الخلق حقق فيه تعالى قدرته الرباعية في الخلق : الله تعالى خلق آدم من دون ذكر وأنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى (من آدم)، وخلق البشر جميعاً من ذكر وأنثى وبقي هناك نوع من الخلق وهو الخلق من أنثى بلا ذكر فكان عيسى ابن مريم وأمه وبهذا يثبت الله تعالى لعباده أن قدرته الرباعية على الخلق بكافة أشكاله مكتملة وقال تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) آل عمران) يضرب الله تعالى المثل في عيسى ثم تأتي الآية بعدها بخلق آدم من تراب وكأننا بالله تعالى يقول يا من حاججتم في خلق عيسى من أم بلا أب كان يجب أن تحتجوا على خلق آدم الذي خُلق بدون ذكر ولا أنثى فعيسى كان له أمٌ تحمله أما آدم فلا فإن لم تسألوا عن خلق آدم فلِمَ تسألون عن خلق عيسى؟ فالذي لا يستوقف في خلق آدم ويستوقف في خلق عيسى فكلامه مردود عليه والقادر على الخلق بلا ذكر وأنثى قادر على أن يخلق من أنثى بلا ذكر وقادر على أن يبعث الخلق من جديد يوم القيامة (كما بدأنا أول خلق نعيده).
ما دلالة كلمة الإنسان في قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ)؟
الإنسان هنا من عهد آدم أي بداية بآدم ولذا جاءت كلمة طين. قبل حواء والزواج كان هناك خلق من تراب، طين، يكون هناك بداية والبداية من طين ثم ما جاءت حواء تزوجوا فكان نطفة. الخلق نوعان: الأصل طين بإعتبار أبينا آدم ثم التزاوج.الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى قل: لو جئنا ببرميل كبير ووضعنا في نقطة حبر واحدة وحركناه فهل ينكر أحد أن هذه النقطة توزعت على كل محتوى البرميل؟ وهذا مثلنا كلنا من طين هذا أصلنا ولذا قال تعالى (من سلالة من طين) ثم التزاوج (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين).
آخر الخلق في السلالة ينتمي إلى آدم لأنه لولا السلالة لما أُنجبنا وهذا معنى كلمة خليفة (إني جاعل في الأرض خليفة) أي خليفة على رأس ذرية يخلف بعضها بعضاً وقال تعالى (ثم جعلناكم خلائف في الأرض) من آدم وحواء استمرت الخِلفة بين الناس.
ساعة نفخ الروح لم تكن مخلوقة وآدم كان مخلوقنا بهيأتنا وكان ضخم الجثة كما يقال ستون ذراعاً. ساعة الأمر بالسجود كانت حواء لم تُخلق بعد فالملائكة سجدت لآدم فقط كرمز البشر الآدمية.
مم خُلقت حواء؟
قيل من ضلع آدم والرسول r قال في حديثه " استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" شُرّاح الحديث قالوا أن معنى فاستوصوا بالنساء خيراً أي إقبلوه على عِوجه. الإعوجاج لا بد منه حتي يمشي البيت المسلم ويخفف من حدة الرجل فالبيت المسلم لا يمشي باللين فقط ولا بالشدة فقط. وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ونلاحظ كلمة أعوج على وزن أفعل التفضيل ولو كان الضلع مستقيماً لسقط القلب في الأحشاء ولهذا فإن غاية إستقامة الضلع إعوجاجه. وهذا الميزة في المرأة ولذلك قال تعالى (وجعل بينكم مودة ورحمة) المودة من المرأة والرحمة من الرجل ليُقام البيت المسلم.
لماذا خُلقت حواء؟
يقولون أنها خُلِقت لتؤنس وحشة آدم ولكن إذا تأملنا في سورة النساء في قوله تعالى (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)) البثّ هذا هو السبب وليس فقط لتونس وحشة آدم وإنما لتساعده ولتشاوره وقلت سابقاً أنه لو تشاور آدم وحواء لما أكلا من الشجرة. وهنا يجب أن نكرر أن الشيطان لم يوسوس إلى حواء (فوسوس إليه).
ماذا حدث بعد الأمر بالسجود؟ وهل إبليس من الملائكة؟ هل هو طاووس الملائكة؟
لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين كما قال الحسن البصري ومعظم المفسرين. هناك ثلاثة أنواع من الخلق: الملائكة وهي طائعة أبداً لا تعرف أن تعصي لأن هذه جبلتهم، والإنسان والجن وهم مخيّرون بين المعصية والطاعة وإبليس (يعصي).
إبليس أدخل نفسه في أوامر الملائكة للطاعة وعمل نفسه كأنه جِبلّة ملائكة فكلّف نفسه ما لم يكلّفه ولكنه كلما أمر الله تعالى الملائكة أمراً يُدخل نفسه معهم. لكن لما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود رفض بدليل قوله تعالى (ما منعك أن تسجد إذ أمرتك) كان يمكن لإبليس أن يقول لله تعالى لم تأمرني وإنما قال (أأسجد لمن خلقت طينا) لم يقل أنا لست من الملائكة لأن كل آيات القرآن تقول (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) ولكنه هو حشر نفسه مع الملائكة لأنه كان يُدخِل نفسه في أوامر الله تعالى للملائكة.
لِمَ يحاسبه الله تعالى وهو لم يكن من الملائكة والأمر بالسجود كان للملائكة؟
لأنه هو الذي كلّف نفسه مختاراً ولذا يحاسبه الله تعالى (إذ أمرتك) لأنه هو الذي أدخل نفسه في الأمر ورضي به. كان المفروض أن يقول أنه ليس من الملائكة ويدافع عن الأمر لكنه هو ردّ الأمر على الآمر. فالدرس المستفاد أن الملائكة ناقشوا الله تعالى (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) ثم تابوا توبة إنابة (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) ولو رضخ إبليس للأمر لانتهى الموقف. إبليس ليس من الملائكة وضيّعه كِبره (إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين) سنحت له فرصة أن يكون مع الستجدين فأبى (إن إبليس كان من الجنّ ففسق) أي خرج عن الطاعة وغلبت عليه جبلّته لأن أصل الجبلة تتحكم. ولهذا فالمتقين من بني آدم أفضل عند الله تعالى من الملائكة الطائعة لأن المؤمن الطائع يطيع بحب وخوف وطاعة لله تعالى بإراده وليس رغماً عنه.
ما سر العداوة بين إبليس وآدم؟
العداوة مسبقة بتكريم الله تعالى لآدم غار إبليس لأن عنده كِبر. الملائكة عندما نزعت في هذه الجزئية لكن جبلتهم غلبت عليهم بدليل أنهم تابوا بسرعة توبة إنابة لأنها غلطة صغيرة لكن جبلتهم نقية فقالوا (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) علّم الله تعالى آدم الأسماء وعرضها على الملائكة في تجربة عملية لهم. صحيح هي مرحلة من الإغترار ولكنها ليس كغرور ابليس بدليل أن الملائكة أنابت إلى الله أما إبليس فردّ الأمر على الآمر. المولى تعالى قال لإبليس (أستكبرت أم كنت من العالين) هذه الآية تدل على أن إبليس كأنه تهيّأ للسجود أو همّ بالسجود، بالطاعة التي كلّف نفسه بها ثم قال (أأسجد لمن خلقت طينا) فرفض السجود. ابليس قال (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) يدل على أنه قال سبب الإستكبار الذي منعه من السجود. وبدأت العداوة ثم قال (فأنظرني إلى يوم يبعثون) لأنه يريد أن يهرب من الموت كأنه هو سيبقى حياً إلى يوم القيامة لكن الله تعالى قال في ردّه (فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) والوقت المعلوم هو يوم موته ولم يقل إلى يوم القيامة. كل واحد فينا له وقت معلوم غير الوقت المعلوم الأكبر الذي هو يوم القيامة. الوقت المعلوم: قيامة كل جنّ لوحده وهو يريد أن يبقى ليوم يبعثون لكنه له وقت معلوم كما لكل واحد من بني آدم لأن كل منا له قرين من الجنّ.
هل إبيسل مخير أو مسير في ردّه؟
مخيّر بدليل أنه أطاع مع الملائكة كصيراً بدليل لما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود كان معهم.
هل يستحق الطرد لمجرد عدم السجود؟
هو طُرِد لأنه ردّ الأمر على الآمر. سجود الملائكة هو طاعة لله عز وجل قبل أن يكون سجوداً لآدم. موقف إبليس له شبيه معنا في الحج: الحجر تقبّله في مكة وترميه في منى طاعة لله تعالى فلا هو تكريم للحجر ولا إهانة للحجر. إبليس كان يجب أن يسجد حتى لو المخلوق من مادة أقل من الطين لأن الآمر هو الله تعالى. فسجود الملائكة لآدم هو في التوصيف طاعة الله وفي التوقيع تكريم لآدم. الطائع من المسلمين يقوم في البرد الشديد يتوضأ ويصلي طاعة لله تعالى كما في الحديث "إسباغ الوضوء على المكاره". وبعض المسلمين أخرجوا الإسلام عن مضمونه لأنهم يطيعون الحكمة بسؤالهم ما الحكمة من هذا الأمر أو من هذه العبادة؟ وعلينا أن ننفذ فقط أن الله تعالى هو الآمر. ومجرد الوقوف عند الأمر والنقاش فيه يُخرج عن طاعة الله تعالى.
(أستكبرت أم كنت من العالين): من العالين تعني أنه يتعالى بما ليس عنده كما فعل فرعون الذي ادّعى الألوهية (إن فرعون علا في الأرض) العالي يفعل شيئاً ليس عنده مقوماتها هذا رأي. والرأي الآخر أن العالين هم جماعة من الملائكة لم يُؤمروا بالسجود لآدم لأنهم حملة العرش لكن نقول لهؤلاء أن هذا كلام غير منضبط لأن الأمر شمل كل الملائكة بدليل قوله تعالى (إذ قال ربك للملائكة) (فسجد الملائكة) ولم يستثني. الإستكبار أو (أم كنت من العالين) هما من الإستكبار كما فعل فرعون فكان عقابه النار.
يقال في الكتب أن إبليس قرّبه الله تعالى فاطلع على العرش وعلى اللوح المحفوظ فرأى مكتوباً أن الكل سيسجد إلا واحد وغيره مما في الكتب من الإسرائيليات هذا كلام ليس له سند ولا أصل ولم يرد في الكتاب أو السنة. يجب أن تحقق الأحاديث بالسند والرواية والتحقيق موضوع صعب وهو وظيفة أهل العلم واللغة والفقه والتفسير والحديث وعلوم القرآن ومناهج تحقيق التراث ونسأل الله تعالى أن تُنقّى المكتبات الإسلامية من الشوائب مثل كتاب عرائس المجالس وغيره وهنا نذكر ما قدمه الشيخ الألباني في موسوعة الأحاديث الصحيحة وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) له تعني أن الشيء موجود عند الخالق الأعظم في قدرته وعلمه وغُيّبت عنا ولما يقول له كن فهذا حتى يظهر عندنا. له تدل على أنه موجود كما يقول لنا (كيف تكفرون وكنتم أمواتاً ثم أحياكم) كيف تكفرون السؤال هنا للتعجب وليس سؤالاً عن الحال. سأل رجل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كيف يحاسبنا الله تعالى في يوم واحد؟ فقال له الإمام علي: كما يرزقنا في وقت واحد. (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها)
الدروس المستفادة من مراحل خلق آدم: العصيان أول عصيان من إبليس أنه عصى الأمر.
خلق تعالى آدم ثم خلق حواء ثم تزوجا ولم يحص إنجاب في الجنة وسبق في علم الله تعالى أن يكون هناك إبتلاء. إبليس لا يعمل شيئاً على غير مراد الله تعالى. وسبق أن قلت أن اليهودي هو مسلم غصباً عنه (وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرها) المسلمون أسلموا طوعاً وغيرنا أسلم كرهاً لأنه لا يفعل شيئاً لم يقدّره الله تعالى له وهذا ما يجب فهمه أن كل ما يحصل هو على مراد الله تعالى.
الناي تسأل هل الإنسان مسير أو مخير؟
نحن مسيرون في أشياء ومخيّرون في أشياء. المولى تعالى ضرب لنا مثالاً في القرآن (إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم) أي مشيئتنا نحن ثم قال بعدها (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) إيمانك ليس شطارة منك وإنما بمشيئة الله تعالى. يأذن الله تعالى لنا بالطاعة لذا أهل الجنة يقولون بعد دخولهم الجنة (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). إرجاع الأمر إلى الله تعالى في كل شيء ولذا ليس من قبيل الصدفة أن تكون أول آية في القرآن الحمد لله. والحمد هو إطلاق الثناء على الذي أنعم علينا بالهداية.
يقال أن إبليس إسمه عزازيل؟
أياً كان إسمه فإن فعله أهمّ. ذكر في القرآن الشيطان وإبليس ومهما إسم وتوصيف من فعل (شطن).
هل رأى آدم أن إبليس رفض السجود له؟
للأسف نعم رأى المنظر والمفروض أن آدم لا يسمع كلام الشيطان, عدم سجود إبليس لآدم كان يجب أن يمتنع آدم عن سماع الشيطان وهذا ما نفعله نحن فما زلنا نقع في وساوس الشيطان فإذا لم تطعه تكون سعيداً.
رأى آدم وسمع ما حصل من إبليس ومع ذلك إستمع للوسوسة ولم لم يخلّصه الله تعالى ولم يسمع للشيطان؟ هذه واقعة في بعض بني آدم (إلا عبادك منهم المخلَصين) بالنسبة لآدم كان يجب أن يحص هذا لأن هذا أمر قدّره الله تعالى عليه. وفي الحديث عن الرسول r: "احتج آدم وموسى. فقال له موسى: يا آدم! أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة بذنبك. فقال له آدم: يا موسى! اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده. أتلومني على أمر قدره الله على قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى. فحج آدم موسى. فحج آدم موسى" ثلاثا. نحن مخلوقون للأرض والجنة التي أُخرِج منها آدم هي جنة تدريب ومراد الله تعالى أنه جاعله خليفة في الأرض والجنة جنة تدريب على المعصية وعلى التوبة حتى نأخذها ونذكرها عندما يحاول أن يوسوس لنا الشيطان.
بُثّت الحلقة بتاريخ 13/2/200
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة الخامسة:
الفائدة من القصص والهدف الأسمى أن نستعد ونأخذ طريقاً واضحاً لمعاداة إبليس لنا وكيف نرد عليه. وكيف يسلم الواحد منا من محاولاته المستمرة لإيقاعنا في المعاصي. عندما أنزل الله تعالى هذا الكتاب وهذا المنهج، في عرض المولى عز وجل (قصة آدم وقعت في أكثر من سورة (7 سور)) كانت ترتيب نزول السور في القرآن عندما كان قرآناً غير ترتيب الكتاب وقصة آدم بدأت في سورة ص حسب ترتيب التنزيل لكن لا تفيد أن تكون الأولى في ترتيب الكتاب. وآخر قصة وردت في قصة آدم u جاءت في سورة البقرة بحسب ترتيب التنزيل ولكنها أهم سورة في عرض الهدف. في سورة البقرة يخبرنا الله تعالى الهدف من القصة ومن الواقعة التي حصلت، من خلق آدم u وفي طريقة سجود الملائكة ورفض إبليس للسجود وسماع آدم لكلام إبليس. يحدد المولى تعالى لنا في سورة البقرة (قلنا اهبطوا منها جميعاً) هنا الطريقة التي سنحاسب فيها والتي تنفاعل مع بعض نحن البشر ومع الإله الحق في التلقّي عنه (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة) من ساعة ومن لحظة الخروج من الجنة إلى الدنيا أنت خارج على توجيه إلهي واضح (فمن تبع هداي) وفي سورة طه (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)) . نحن للأسف نأخذ الكلمة في القرآن دون أن نعلم توصيفها وتوقيعها. ما هو الضنك؟ الضنط هو الشدة وإن بدا حالك على ما يرام فأثرى الأثرياء يعيش في ضنك وإن كان لديه كل متاع الدنيا. الضنك هو الشِدّة المعنوية وليس الفقر إنما مع كل أسباب السعادة لا يشعر بها الإنسان فهو في ضنك.
أعمى: أعمى هنا هل هي أعمى بصر أو بصيرة؟ لما يسأل المولى عز وجل يوم القيامة (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)) يجب أن نفهم الكلمة. قال تعالى (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)) نسيه الله تعالى؟ سمعت البعض يسأل كيف ينساه الله تعالى؟ المولى لا ينسى حاشاه. لما يحشر الله تعالى الإنسان أعمى وقد كان بصيراً هذا يدل على قمة التذكّر لكنه تعالى نسيه من رحمته. فكلمة تُنسى تعني تُنسى من رحمة الله تبارك وتعالى. كل الألفاظ في الآيات تحتاج إلى شرح لأنها تتصف بكُنه الواقعة.
إبليس لما قال (رب بما أغويتني) الكثيرين يدافعون عن هذه القضية أن إبليس كان مجبراً على التصرف لكنها قدرة الخالق. هل الله تعالى يغوي الكل؟ الغواية هي جِبِلّة لكنها ليست إطلاقاً وليست فرضاً بدليل قوله تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) تخيّل إلهاً يقول هذا الكلام. نحن لا نفهم ولا نتلقى القرآن كما يجب وعلى مراد الله تعالى. هناك ألفاظ في القرآن الكريم تبيّن أن هذا الكتاب لا يمكن لأي أحد أن يتناوله!!. البعض يسأل هل يجب الوضوء عند قراءة القرآن؟ والبعض يردّ مندفعاً: أنه ليس ضرورياً. صحيح أنه يجوز قراءة القرآن بلا وضوء لكن هل سأفهمه كالمتوضيء؟ يجب الإستعداد للتلقي عند القراءة. الرسول r يعلّمنا أنه يا ليتنا نكون على وضوء دائماً. عندما نقرأ قوله تعالى (فألهمها فجورها وتقواها) يقولون الله تعالى ألهم النفوس الفجور فنسأله ما هو الإلهام؟ إلهام الفجور لو أخذنا اللفظ على ظاهره هل ألهم الله تعالى الفجور أو بيّنه؟ هو سبحانه وتعالى بيّن الفجور لنجتنبه وبيّن التقوى لنتّبعها. ألهمها: الإلهام يجب أن يُشرح والفجور يجب أن يُشرح. هل ألهم الإله الحق بالفجور بالمعنى الذي يقوله البعض؟ كلا. ألهمها أي بيّن لها. وقوله تعالى (وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة) أعطاه سبحانه وتعالى الطريقين والإنسان هو الذي اقتحم العقبة.
سؤال: ما الفرق بين هوى النفس والنفس الأمارة بالسوء ووسوسة الشيطان؟
النفس على الإطلاق أمارة بدليل قوله تعالى (إن النفس لأمارة بالسوء) فالنفس بإطلاقها أمارة لكن الذي يرحمه الله تعالى هو الذي ينتبه ألى تصنيف النفس وليس لتقسيم النفس كما يقولون (نفس أمارة بالسوء، نفس لوامة ونفس مطمئنة) وهذا تقسيم أرفضه تماماً لأن النفس المطمئنة لو اطمأنت في الدنيا لضاعت. النفس المطمئنة هي نتيجة النفس اللوامة بدليل قوله تعالى (يا أيها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك) إرجعي تدل على أن الكلام ساعة الموت تطمئن لأعمالها. يأني ساعة الموت فريقان من الملائكة كما في الحديث الصحيح الأوحد في هذا الباب أجمع أهل الجرح والتعديل على صحته
عن البراء بن عازب خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر، مرتين أو ثلاثا، (وفي رواية أعوذ بالله من عذاب القبر، ثلاث مرات) ثم قال : إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة؛ نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموتعليه السلام؛ حتى يجلس عند رأسه، فيقول : أيتها النفس الطيبة وفي رواية : المطمئنة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال : فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال : فيصعدون بها، فلا يمرونيعنيبها على ملأ من الملائكة؛إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب؟! فيقولون : فلان بن فلانبأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا -، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي به إلى المساء السابعة، فيقول اللهعز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض؛ فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال : فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له : من ربك؟! فيقول : ربي الله، فيقولان له : ما دينك؟! فيقول : ديني الإسلام، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟! فيقول : هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقولان له : وما علمك؟! فيقول : قرأت كتاب الله؛ فآمنت به وصدقت، فينادي مناد من السماء : أن قد صدق عبدي؛ فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال : فيأتيه من روحها وطيبها، فيفسح له في قبره مد بصره، قال : ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول : أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له : من أنت؟! فوجهك الوجه يجيء بالخير! فيقول : أنا عملك الصالح، فيقول : رب! أقم الساعة، رب! أقم الساعة؛ حتى أرجع إلى أهلي ومالي.قال : وإن العبد الكافر وفي رواية : الفاجر إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة؛ نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول : أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله، قال : فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يجعلوها في تلك المسوح، وتخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملإ من الملائكة؛ إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث؟! فيقولون : فلان بن فلانبأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا -، حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح لهثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} -، فيقول اللهعز وجل- : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحا-ثم قرأ : {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق}-، فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له : من ربك؟! فيقول : هاه هاه، لا أدري! فيقولان له : ما دينك؟! فيقول : هاه هاه، لا أدري! فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟! فيقول : هاه هاه لا أدري! فينادي مناد من السماء : أن كذب، فأفرشوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره؛ حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول : أبشر بالذي يسؤوك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول : من أنت؟! فوجهك الوجه يجيء بالشر! فيقول : أنا عملك الخبيث، فيقول : رب! لا تقم الساعة (إسناد الرواية الأولى صحيح وأما الأخرى ففيها يونس بن خباب وهو ضعيف) المحدّث: الألباني ، المصدر: مشكاة المصابيح رقم 1573
ساعة ما ينظر ملك الموت إلى المتوفي إما يطمئن الإنسان إذا كان من الصالحين في الدنيا الذي كانت نفسه لوامة في الدنيا أو لا يطمئن إذا كانت تفسه أمارة بالسوء في الدنيا. فالنفس الأمارة تأمرك بشيء لأنها تابعة لشهوة تقول لك إسرق مثلاً فإذا ترددت تبرر لك السرقة أو المعصية فإذا أصرّت الوسوسة على معصية بعينها فهي من النفس. لكن إذا لم تصر الوسوسة على معصية معينة فتكون من الشيطان لأن الشيطان لا يهمه نوع المعصية وإنما يتمنى أن يقع العبد في أي معصية ويتمنى أيضاً أن تكون الأخيرة على أمل أن يُقبض العبد على المعصية فالمهم عند الشيطان أن يعصي إبن آدم. أما إصرار الوسوسة على معصية بعينها فهي من النفس ودائماً غالباً ما تكون في شهوة.
مسالك الشيطان في غواية بني آدم تختلف صورها في القرآن فما هي هذه المسالك والطرق التي ينفذ بها إلى الإنسان؟
قضية المسالك تختلف عن قضية الطُرُق. هو يعمل شيئاً على رأس كل هذه الأمور وهي أنه يُنسي الإنسان إستحضار العقوبة على المعصية التي يوسوس بها لأنه لو إستحضر الإنسان العقوبة ساعة المعصية لا يعصي. لو إستحضرت عقوبة الزنا لا تزني لأنك ستستحضر الجلد والرجم والفضيحة أمام الناس وغيرها فتتوقف. لو إستحضرت معيّة الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار وعرفت أن الله تعالى يراك في كل شيء لا تعصي. نحن لا نستحضر معيّة الله تعالى ولا نعيش في واقع أن الله تعالى مطّلع علينا. إذا عصيت فأنت تستتر من الناس كلهم لكنك لا تستتر من الله تعالى. يقول تعالى يوم القيامة لمن إرتكب المعاصي أسأل الله تعالى أن لا نكون منهم: (عبدي لم جعلتني أهون الناظرين إليك؟ إستحييت من الناس جميعاً ولم تستح مني؟). إمرأة العزيز غلّقت الأبواب (غلّقت وليس أغلقت وقالت الأبواب وليس الباب) وحسبت حساب الناس واطمأنت بهذا الترتيب من تغليق الأبواب فقالت (هيت لك) لكنها لم تستحضر معيّة الله تعالى أما يوسف u فقال: (معاذ الله). كأني بيوسف u يقول: إذا كنت قد عملت حساب كل من يرى فلماذا جهلت أن الله تعالى يرى؟
سؤال: في الحوار بين الله تعالى وإبليس وآدم، الله تعالى يعلم بأن إبليس سيعصي وأخرجه من رحمته مع علمه بمعصيته، ردّ فعل إبليس كان عنيفاً بتحدّيه لأنه علم عظم العقوبة التي أنزلها الله تعالى عليه.
هل هناك إصرار من قِبل إبليس على إضلال بني آدم وما سبب هذا الإصرار؟
ساعة خلق الله تعالى آدم حصل مع إبليس مسألة حقد على خلق آدم بهذه الطريقة وأن المولى عز وجل كرّمه (ولقد كرّمنا بني آدم) قصار عنده حقد وغيرة وهذا الذي جعله يرفض السجود لأن السجود تتويج التكريم. هو عندما خلق الله تعالى آدم إستعرضه إبليس وقال لأجل شيء ما خُلِقت. الحق تعالى يقول (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) العبودية لله تعالى شرف كبيرما بعده شرف أما العبودية للناس فهي مسبّة. إبليس مشمول بالعبودية بدون تكريم أما آدم مكرّم. والمولى تعالى يقول (ولقد كرمنا بني آدم) كرّمه فعل ماضي والتكريم هو أن الله تعالى خلقه بهذه الطريقة. فالنيّة مسبقة عند إبليس بعدم السجود وكأن الأمر السجود كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير بالنسبةلإبليس هو حقد على آدم لأن الله تعالى خلقه على هذه الطريقة لكن أن يأمره أيضاً بالسجود له!. لو لم يشكله الأمر بالسجود لما فعل هذا لكن الأمر بالسجود شمل إبليس (ما منعك أن تسجد إذ أمرتك) وهو أي إبليس وافق أن الأمر شمله (أأسجد لمن خلقت طينا) وإلا كان عليه أن يعترض ويقول أنه ليس مشمولاً بالأمر. آدم مكرّم ويسجد له أيضا؟ هذه هي مشكلة إبليس.
البعض يقول أن إبليس وقع عنده غيرة كما حصل مع الملائكة فنقول له لا. الملائكة سألت لإستيضاح الحكمة والإستفسار لكنهم غير معترضين (أتجعل فيها من يفسد فيها) ومع ذلك قالوا (سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا). هل المولى تعالى وضّح رده لهذا الإستيضاح أم وافقتهم عليه بدليل أنه قال تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) فسؤالهم ليس استنكاراً وإنما إستضاحاً. بينما إستنكر الله تعالى على إبليس. سؤال الملائكة إستبيان للأمر وإستفهام غرضه الإستيضاح وليس للإستنكار. فلما وضّح المولى تعالى للملائكة الأمر أن هذا المخلوق هو الذي يصلح للأرض والملائكة لا يصلحون لأنهم يقولون (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك). الملائكة عندهم العبادة والطاعة المطلقة. وفي الحديث الشريف "كلٌ ميسّر لما خُلِق له" نفهم منه أن هناك جِبِلّة للخلق حتى الجماد ونحن نتصور أنه ليس فيه روح بمعنى الحياة. هو ليس فيه روح روح ولكن فيه قوام حياة (لازم معنى الروح) بدليل أن الزجاج إذا إنكسر يكون قد نقضت حياته ولم يعد صالحاً لأنه لا يمكن إعادته لما كان عليه. النبات فيه حياة والحيوان فيه حياة. الإنسان فيه روح وحياة. قال تعالى: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي) ولو قال (ونفخت فيه الروح) لما غار إبليس لكنه قال (من روحي) من روح الله رب العالمين هذا الذي جعل إبليس يغار أن نفخ الله تعالى في آدم من روحه.
مناط النكليف لدى إبليس كان يقتضي السجود لأن الأمر بالسجود شمله وهو مخلوق.
لأحتنكنّ ذريته): أحتنكنّ من حنك الدابة. لما تكون متوجهاً إلى مكان محسوب تضع اللجام في حنك الدابة حتى تكون تحت أمرك فأحتنك يعني أسيطر عليها سيطرة حتى تجعلها تفعل ما تريد. البعض يسأل كيف عرف إبليس اللغة العربية؟ ومن أين أتى بهذه الكلمة؟ أقول: هذا كلام إبليس (لأحتنكن) لكنه في القرآن حتى لو قال إبليس شيئاً آخر فالقرآن يصححه والله تعالى بقدرته يجعله يقول الألفاظ التي يجب أن يقولها والدليل أن الله تعالى علّم الأسماء كلها ونحن الذين علّمنا الله تعالى، الإصطفاءات باقية إلى واقعة تعليم الرسول r. علّم الله تعالى آدم الأسماء كلها هذه قضية ونحن تعلمنا بالسليقة ومحمد r علّمه شديد القوى.
أسئلة المشاهدين خلال الحلقة:
هل شاور آدم حواء؟
أنا سبق وقلت أنه لو تشاورا لما عصيا. ساعة يوسوس إليك الشيطان بقضية لو شاورت عقلي أو شاورت أحداً فلن أقع فيها لأنه سيمنعني من فعلها (لا خاب من إستشار). نحن نقص القصص حتى نأخذ العبرة: أول ما أمرهم الله تعالى وسوس الشيطان (إليه أو لهما) وحواء بريئة والكلام الذي يقال أنها هي التي جعلته يأكل من الشجرة كلام لا أصل له ولا سند وهو من الإسرائيليات. السيناريو هذا كان يجب أن يحصل لأن هذا في قضاء الله عز وجل أزلاً. الله تعالى خلق آدم للأرض (إني جاعل في الأرض خليفة) فالجنة كانت جنة تدريب على الطاعة وعلى المعصية وعلى التوبة. معصية آدم كان يجب أن يعملها بدليل الحديث الذي ذكرناه عن محاججة موسى لآدم: عن الرسول r: "احتج آدم وموسى. فقال له موسى: يا آدم! أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة بذنبك. فقال له آدم: يا موسى! اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده. أتلومني على أمر قدره الله على قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى. فحج آدم موسى. فحج آدم موسى" ثلاثا. فحجة آدم u كانت أبلغ من حجة موسىu.
سؤال: مِمَ خُلِقت حواء؟ من ضلع آدم أو من طين؟
(وخلق منها زوجها) (منها) في اللغة العربية تعني من جنس ما خُلِقت منه. يقولون من ضلع آدم. وحديث الرسول r يدخل في الإعتبار فنوفّق بين الرأيين. حديث الرسول هو مثال مجازي. آدم غير الناس والذين يقولون أن حواء خلقت من ضلع الرجل ويتحسسون أضلاعهم فيجدونها كاملة نقول له حواء خُلِقت من ضلع آدم وليس من ضلعك أنت وعلينا أن نسلّم للرأيين. لما قال الرسول r " استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" من ضلع أعوج لا ينفع أن أقول أنا ضلع معوج لأن غاية إستقامة الضلع أنه أعوج على وزن أفعل التفضيل لأنه لولا إعوجاج الضلع لسقط القلب في الأحشاء. وأحلى شيء في المرأة أنها من ضلع أعوج (أعوج شيء في الضلع أعلاه) حتى يقام البيت فللرجل الصرامة والقوة على الأبناء وللمرأة العطف والمحبة (وجعل بينكم مودة ورحمة) يقوم البيت على هاتين الدعامتين. إما من ضلع آدم بالمجاز أو من طين. منها قد تكون من نفس ما خُلِقت منه وجاء بها للتطابق فالمرأة نفس خلقة الرجل فقد يكون (منها) من التطابق.
سؤال: يقولون أن آدم u لما أخطأ نظر إلى العرش فقرأ (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وأقسم على الله تعالى بسيدنا محمد r . هل كان الكلام المكتوب على العرش باللغة العربية؟ وهل هذا يعني أن القرآن موجود منذ الأزل ثم أُنزِل على محمد r؟
لغة القرآن كانت أزلاً وكل شيء بالنسبة للإله الحق أزلي. وارد أن تكون أصل اللغات العربية ثم تفرعت منها اللغات واللهجات. وهذا يدل على قدرة الله تعالى زحكمته لأنه لو إختلفت اللغات فهناك مسلم أمريكي ويهودي عربي وغيرهم. لكن لا يوجد أصل في هذا الموضوع. وما زلنا نبحث عن سند. ما سمعنا أن آدم كان يقول الشعر!
سؤال: هل رأى آدم u ربه عندما خاطبه؟
ليس لهذا الكلام تأصيل وأي رد عليه سيكون بلا سند. الله تعالى غيب وهو من غيب الحاضر لأنه سبحانه وتعالى واجب الوجود. رؤية الله عز وجل نؤصلها من قضية موسى u عندما طلب الرؤية من الله تعالى (رب أرني أنظر إليك) فردّ الله تعالى عليه بواقع حال الإنسان وإختار تعالى أقوى مخلوقاته وهو الجبل حتى لايفهم موسى أن المسألة مستحيلة. وهناك فرق بين المستحيل والصعب. فقال تعالى (لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) المولى عز وجل تجلّى للجبل (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكّاً وخرّ موسى صعقا) موسى صعق لما رأى من رأى الله تعالى فإذن لن يتحمل, في هذه الآية نقطة خطيرة قال تعالى (لن تراني) ولم يقل لن أُرى يعني يمكن أن يراه غيره حتى لا ننفي رؤية الرسول r لربه ليلة العروج على إختلاف الآراء من أهل التفسير واللغة, وأنبّه أنه علينا أن نسكت عند النقاط التي ليس فيها نص ولا محل للإجتهاد فيها .

سؤال: ما معنى المشيئة في قوله تعالى (إنك لا تهتدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) هل هي مشيئة الله تعالى؟
سؤال: ما دلالة استخدام كلمة (أبويكم) في قوله تعالى (كما أخرج أبويكم)؟ وهل لو شاور آدم حواء ما وقع في المعصية؟
سؤال: ما هو تفسير قوله تعالى (ما كذب الفؤاد ما رأى) في سورة النجم؟
سؤال: قال تعالى (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات) لماذا جاءت صيغة الإفراد والمثنى والجمع في الآية؟
سؤال: ما هو تفسير الآية 57 في سورة الإسراء (وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها)؟
سؤال: ما هو سبب الإختلاف في ذكر إبليس في القرآن (إلا إبليس أبى واستكبر) (إلا إبليس لم يكن من الساجدين) (إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا) (إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه)؟
سؤال: لماذا يأمرنا إبليس بمعصية الله مع أنه أقرّ بالربوبية لله تعالى (رب)؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 20/2/2006
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

لحلقة السادسة:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) الكهف

نستعرض مراحل خلق آدم مرحلة مرحلة وكيف نفهم هذه المراحل؟ وهل إستغرقت هذه المراحل فترة زمنية أم لا؟
مراحل خلق آدم تعددت وكل مرحلة لها وصف ولها كُنه ولها مناط يعني كل مرحلة لها ضرورتها. الرسول r يوضح لنا في حديث صحيح " خُلقت الملائكة من نور وخُلق الجن ومن نار وخُلق آدم مما وُصِف لكم" :ان الرسول r يحيل خلق آدم إلى ما ورد في القرآن.و:انه r يريد أن يوضح أن مراحل خلق آدم كثيرة وبما أنها وردت في القرآن فلا داعي أن يتحدث عنها ويعيد ما جاء في القرآن. الله تعالى على مدار أكثر من سبع سور في القرآن يذكر قصة آدم u من حيث التوصيف وقد ورد ذكر آدم في سور آخرى وجاء فيها إشارات عن آدم وعن بين آدم. آدم ورد ذكره في القرآن 25 مرة والسور السبع تحدثت عن قصة خلق آدم وطريقة الخلق والأمر بالسجود وإعتراض إبليس. الكلام في البداية أن آدم أساه التراب وهذه أول مرحاة للخلق ثم فجأة تظهر كلمة الطين والكين لا يكون طيبناً إلا إذا أضيف الماء إلى التراب وهذا معنى قوله تعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حيّ) فلا نستغرب أنه جاء ذكر خلق آدم من طين. والطين نوعان ومرة يعبر القرآن بلفظ طين ومرة بلفظ طين لازب والفارق بين اللفظين هو عملية التخمير (تماماً كما في العجين الذي يحتاج للتخمير). الطين اللازب بعد فترة من صنع الطين (عملية تغيير من طين إلى طين لازب) ربما لم تتضح كثيراً عند المفسرين والذين توضح عنده مرحلة صلصال من حمأ مسنون وصلصال كالفخار. هذه المراحل مراحل نتخيلها من خلال القرآن لكنا نراها واقعاً في مسالأة الموت وقلنا أن الموت نقض الحياة فنجد الصلصال كالفخار مثل التمثال (سميّ صلصالاً لأنه لما تدق عليه يرنّ أو يصلصل) هي آخر مرحلة في الخلق قبل نفخ الروح كما في الحديث " وتركه الله ما شاء أن يتركه" وهذا حديث صحيح ولا ندخل في عدد السنوات وكم بقي في مرحلة الصاصال ولكن نفهم أن الله تعالى تركه ليستعرضه إبليس بهيئته قبل نفخ الروح. المولى سبحانه وتعالى قال (فإذا سويته) هذه مرحلة الصاصال كالفخار (ونفخت فيه من روحي) مرحلة نفخ الروح أي عندما يكون آدم (فقعوا له ساجدين) أي أن السجود يتم بعد نفخ الروح. الرسول r في حديث مسلم عن إستعراض إبليس لآدم هذه مسألة لها مناط ووافع عند إبليس وفي عداوته عندنا لأنه عرف خِلقتنا وعرف كيف يوقع ببني آدم وأوقع ظنّه علينا فهو قال لله تعالى (ولا تجد أكثرهم شاكرين) والعلماء أجمعوا أن هذه المسألة هو ألقى الظن علينا وحدثت فكيف عرف أننا لن نكون شاكرين؟ هذه واقعة (ولا تجد أكثرهم شاكرين): هناك آيتان في القرآن لو فهمناهما حقاً لا ننام (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) في سورة يوسف. الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ولكنه يطمئنه (ولا يؤمن أكثرهم بالله وهم مشركون) وإبليس يقول (ولا تجد أكثرهم شاكرين)فمن أين جاء بها؟ وكيف عرف؟ علماء اللغة والتحقيق قالوا درس حالتنا والحديث يقول أن إبليس دار حول آدم فلما وجده أجوفاً علم أنه لا يتمالك أي أن شهوته تغلبه (النساء، الطعام، المال) ويجب أن نستعد لهذا لأن إبليس إستعد للعداوة. الرسول r يقول أن إبليس إطمأن لما وجد آدم أجوفاً. وفي واية أنه قال للملائكة : لا ترهبوا لهذا. كأن الملائكة رهبت من هذا الخلق ولما أعلم الله تعالى الملائكة لم يكن قد خلق آدم ولذا لم يقل (سأجعل في الأرض خليفة) وإنما قال (إني جاعل في الأرض خليفة) لأن هذا ثابت عند الله تعالى وليس هناك مشورة في هذا الأمر فما عنده تعالى أزلي والله تعالى لم يكن يستأذن أو يستشير الملائكة في الخلق. لما وجد إبليس آدم أجوفاً قال للملائكة لا ترهبوا فقالوا لمَ؟ قال لأنه أجوف وربكم صمد فهو كأنه عمل مقارنة بين الصمد سبحانه وتعالى وبين الأجوف الذي تغلبه الشهوات. والرسول r قال : لأنه علم أنه خلق لا يتمالك. ولهذا يجب أن ننتبه أن طبيعة خلقنا معرّضة فعلينا أن نعتصم بالله تعالى فالتزيين مع الطبيعة موضوع خطير والشيطان يدخل منه.
قلنا عملية الخلق هي:
ماء + تراب ¬ طين لازب ¬ صلصال من حمأ مسنون ¬ صلصال من فخّار ¬ ينفخ الله تعالى الروح
يسأل البعض من أين دخلت الروح؟ في بعض الروايات أنها دخلت من الأنف فعطس آدم ونحن لا نعترض على هذا الكلام لأنه مقبول من الناحية العلمية لكن نسأل ماذا يفيد معرفة هذا الأمر؟ نحن نأخذه من باب المعرفة بالشيء.
فجأة تحول الصلصال إلى فخار بعد نفخ الروح إلى هيئة الحالة الآدمية. عندما يحتضر الإنسان ويؤتى بالطبيب جده في حالة ميؤوس منها يشكه بدبوس في رجله ويقول لمن حوله أمامه كذا وقت وهو لا يقول هذا بعلم قطعي وإنما إحتمالات لكنه هو كطبيب يجد أنه طالما المحتضر فقد الإحساس برجليه فهذا دليل أن هذا المكان خرجت منه الروح. وقلنا أن الروح تخرج من الجسد عكس ما دخلت إليه. وأول ما دخلت الروح في آدم إشتهى الطعام وفي بعض الروايات أنه عطس أولاً فأُمِر بالحمد فمشتته الملائكة وهذا كلام فيه خلاف وليس له سند في حديث الرسول r..
آدم أول ما نطق عرف الله تعالى لأن معرفة الله تعالى فطرة. الآية في سورة الكهف يجب أن نفهمها جيداً لأن الله تعالى لما جاء بالقصص في القرآن لم يكن المراج بها مجرد القصص وإنما هي للعبرة والإحتياط. الفسوق له مناط ونحن لماذا نفسق؟ ولماذا نخرج خارج الشريعة والسنة والخالق؟ متى يعصي إبن آدم؟ لماذا يبتعد عن المنهج؟ الذي يذهب لإرتكاب المعصية لا يسمع قرآن ولا يريد من أحد أن يذكره بالله تعالى ولا يريد أن يعيده أحد عن طريقه وهذه طبيعة الذي يريد المخالفة. فسق: أي خرج عن شرع الإله الحق وإبتعد عن الأوامر والنواهي ولا يريد من يذكره بالشريعة. ولهذا المسلم الواعي يلتصق بالجماعة لأن الرسول r يضرب لنا مثالا ويقلو يأكل الذئب من الغنم القاصية. وكذلك الشيطان يستفرد بالواحد لكنه لا يقوى على الجماعة لأن أحدهم يذكر الآخر ولذلك الجماعة في القرآن هي الأصل والخطاب في القرآن (يا أيها الذين آمنوا) (ولله على الناس) فالأصل في التوجيه الإلهي هو الجماعة لذا ننصح الشباب بإلتزام الجماعات.
الحق تبارك وتعالى يقول في سورة الكهف (بئس للظالمين بدلا) فما هو البدل؟ بدل عن الأصل والأصل هو الفطرة السليمة التي في الإنسان أعطاه إياها الله تعالى بالفطرة وهو الميثاق الذي أخذع تعالى علينا في عالم الذرّ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)) أقيمت علينا الحجة. الأصل أن نعرف الله تعالى. كوننا ننحرف عن الدين فهذا بئس البدل. آدم كان قبل عالم الذرّ لأن الله تعالى قال (من بني آدم). مناط هذه الآيات أفلاك ثلاثة: أولها فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله (ذلك الدين القيم) من قوامة هذا الدين أن الإله حق قادر على فطرته لكن لا أحد يستطيع أن يلعب في الفطرة (فطرة الله التي فطر الناس عليها) يمكن للعلماء أن يدخلوا المعمل ويعملوا طفل أنابيب لكن لا يمكن لأحد أن يغيّر الفطرة. فالفطرة الإنسانية لو تركت الطفل بدون توجيه فالمنطق يوحي له بالتوحيد. وثانياً: الله تعالى لا يعذّب إلا بعد إرسال الرسل (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) أقام علينا الحجة ولا يوجد أمة إلا وقد خلا فيها نذير. فمن تكليف رسول الله r (إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا) ولا توجد أمة على الأرض إلا وكان فيها نذير لأن القاعدة (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).
(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيه فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) بعض الشُرّاح قال كيف يأمر الله تعالى بالفسق؟
الفاء تفرّع. الكلام غير هذا. الله تعالى لا يأمرنا بالفحشاء (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي). قال تعالى (أمرنا مترفيها) أي أمرنا مترفيها بالتقوى ففسقوا هذه ردة فعل على ما أُمِروا به. وهناك قراءة (أمّرنا مترفيها) المسألة تخرج هنا عن مناط التكليف. قراءة حفص (أمرنا مترفيها) أي أمرهم بالتقوى ففسقوا.
آدم لما نفخت فيها الروح صار حيّاً فإبليس إستشاط ثم جاء الأمر بالسجود (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) الملائكة سجدت أما إبليس فردّ الأمر على الآمر بكفر وهذه قضية تحتاج منا لوقفة وعي. لم يرض أن يسجد لآدم وعداوته مستمرة لنا.فكيف نحن نستبدل ولاية الله تعالى بولاية الشيطان (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني) المولى تعالى هو الذي خلقنا ورزقنا وأمرنا بالعدل والإحسان ونهانا عن الفحشاء. ومن عظمة هذا الكتاب أنه في سورة الرحمن خلقنا كلنا على المنهج (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان). أي إنسان تعرض له وسوسة عليه أن يتوقف مع المنهج لو أعلم أن الله تعالى يراني وهل لو كنت في حضرة الرسول r هل أفعل المعصية؟ يب أن نفعّل صيغة الرقيب لله تعالى التي نتناساها ولو أعملنا صفة الرقيب لا يمكن أن نعصي أبداً فالذي يعصي عادة يستتر من الناس ولا يستتر من الله تعالى الرقيب. نحن نستتر من عيون الناس فأين عين الله تعالى وأين رقابته؟
لما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود ما معنى السجود؟ السجود سجود تكريم لآدم أولاً لأن فيه من روح الله تعالى. ثم إخضاع الكون كله بما فيه الملائكة لهذا المخلوق لأنه كما ذكرنا أنه في سورة البقرة وقبل إخبار الله تعالى ملائكته أنه جاعل في الأرض خليفة وردت آية خلق السموات والأرض وتهيئة الكون لآدم قبل خلقه. وفي حدث مسلم الذي رواه أبو هريرة: يقول
أبو هريرة ويباهي الصحابة على الحديث الذي قال فيه: "أخذ رسول الله r بيدي وقال خلق الله عز وجل التُربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء (المكروه هو كل ما يكرهه الانسان) وخلق النور يوم الأربعاء وبثّ فيها الدوابّ يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل".(أخرجه مسلم 2789). هذا يدل على أن آدم خُلِق بعد كل هذا وبعد أن هُيأت له جميع الأسباب وهذا أيضاً من عوامل حقد إبليس لأن هذا التكريم له أكثر من مناط وأكثر من واقعة. التمايز الذي قاله إبليس للخلق والميزة التي يراها هو أنه أحسن من آدم فمن أين أتى بهذه الخيرية؟ آدم وأبناؤه يتكلمون عن منهج ولا يشتغلون من عندهم أو من دماغهم لكن إبليس يعمل للا مناط ولا دليل. العداوة مسبقة لبني آدم. إبليس برر عدم سجوده لآدم لأنه يرى أنه خير من آدم (أنا خير منه) وهذا التبرير لن ينفع يوم القيامة (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) لا توجد أعذار يوم القيامة ولو كانت تنفع لنفعت إبليس (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) هل تجادل النفس وهي صالحة؟ كلا التي تجادل ستجادل في نقاط الضعف فنقول لهؤلاء إرجعوا لهذا في حياتكم حتى تصححوا.
هل كان يتصور إبليس أن الحجة تنطلي على الله تعالى؟
هو كان يتصور هذا تماماً كما تعطي لنفسك عذراً عندما تفعل شيئاً. (بما أغويتني) لا تدل على إجبار إبليس وإنما هي طبيعة خلقة: إبليس فيه روح حياة وليس روح من الله تعالى كبني آدم، والملائكة والجن ليس فيهم من روح الله. فقط آدم وبني آدم كرّمهم الله تعالى بهذا التكريم.
كُرّم آدم قبل أن يصنع شيئاً. هذا ما جعل إبليس يغير ويحقد على آدم. ولقد تميز بني آدم على كل الخلق (ولقد كرمنا بني آدم) فنحن مكرمون على كل الخلق والتكريم مفتوح. أعظم تكريم (ونفخت فيه من روحي) هل يكون فينا من روح الله ونعصي الإله؟ ولهذا فالعذاب شديد كما أن الجزاء كثير "إلا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة" فجزاء الطائع الجنة وجزاء العاصي النار.
ما الذي جعل إبليس يتمرد كل هذا التمرد ويرد الأمر على الآمر مع أنه كانه منعّماً؟
و جِبِلّته هكذا جعلته يفسق (كان من الجن ففسق) كونه فسق لأنه من الجن غلبت عليه الجبلة. كان إسمه إبليس في وقتها لأن القرآن حدد (إلا إبليس أبى وإستكبر) والشيطان من شطن وهذا وقع آخر للكلمة. الكلام لما تكلم على ذرية الشيطان هي تقوم بمهمته ولا يتخالفه.
يقول بعض المستشرقين في قوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القرى) أن الله تعالى يكره الرذائل ويجب ما يحصل في الكون يوافق مشئيته فلماذا سمح إبليس بهذا الحديث السافر والجمح وهو القادر على أن يمحقه؟
السؤال يدل على جهل المستشرقين باللغة والقرآن. أولاً الله تعالى لا يُسأل عما يفعل ولو أن الله تعالى لم يسمح بذلك لا يكون هناك كون. الكون قائم على مراد الله تعالى والمولى أراد هذا السيناريو كما حصل مع آدم في الجنة. آدم لما أخطأ لم يعرف أن يتوب فتلقى من ربه كلمات يعني على مراد الله تعالى وتاب الله تعالى عليه لما قال هذه الكلمات ولم يقل له أنا أعطيتك الكلمات فلن أتوب عليك. وقلنا أن حجة آدم أبلغ من حجة موسى فيما ذكرناه سابقاً عن حديث موسى وآدم. ما كتبه الله تعالى يتم على مراد الله ولا يقول أحد لو كان ولو. المهم إستخلاص العبرة من القصة.
هناك نعرة إسرائيلية أن أي مسلم سيعاقب يوم القيامة بذنب آدم والعكس وهذا كلام غير منضبط لأن القاعدة القرآنية (ألا تزر وازرة وزر أخرى) ومن الحديث " من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها" لا يُعفى من إتّبع السنة السيئة ويحاسب من سنّها فقط لأن كلٌ يحاسب لوحده. القرآن كتاب هداية للجميع لليهود والنصارى وعليه أن يراجعوا أنفسهم ويقفوا وقفة حق ونذكر الحديث الذي ذكرناه سابقاً عن اليهودي الذي قال لإبنه المحتضر أطع أبا القاسم وكان عليه أن يسلم هو أيضاً (من قبل أن يأتي يوم ) فالقاعدة القرآنية واحدة.
هل شهد آدم الحوار بين الله تعالى وإبليس؟
نعم رأة المشهد ورأى العداوة وقال له المولى تعالى (إن هذا عدو لك ولزوجك) وكان ينبغي أن يأخذ عداوة إبليس.
صدر أمر إلهي (يا آدم اسكن أنت وزوجك) الأمر واضح من الله تعالى والأمر ليس بعد الأكل ولكن عدم القُرب (لا تقربا) وفي كل الحدود تأتي الآيات (لا تقربوا) الرسول r يقول من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيها. لا تقرب أي لا تذهب قربها.
ألم يفطن آدم أن هذا إختبار إلهي؟
كلا. نحن نقع في المعصية لأننا ننسى العقوبة. العقوبة عندي أنا إبن آدم والعقوبة عند آدم أنه خالف أوامر الله تعالى ما كان يجب أن يخالفه. كلمة قال في القرآن تدل على أن الكلام ليس من عند محمد r وإنما ينقل عن رب العالمين. لما حرّم الرسول r الحرير على رجال الأمة هذا وحي من الله تعالى (وأطيعوا الرسول) له أن يحلل ويحرّم بوحي من الله تعالى (إن هو إلا وحي يوحى).
كيف خلاّ الله تعالى بين آدم وإبليس ليوسوس له؟ وهل كان يجري مجرى الدم في آدم؟
هي كانت وسوسة عن بعد والوسوسة ليست بحاجة إلى أن يدخل إبليس في الإنسان. الوسوسة عن بعد وهذه قدرة أعطاها الله تعالى لإبليس. لما قال r في الحديث أن إبليس يجري من إبن آدم مجرى الدم فهذا تعبير مجازي, ما هو مجرى الدم؟ الدم سماه العلماء سائل الحياة وكأن الرسول r يريد أن يقول طالما أنت على قيد الحياة فالوسوسة تشتغل وإبليس سيحاول. كلام الرسول r مجازي والكلام الذي نسمعه الآن عن اللبس والمس كلام فارغ. ولهذا إشتهاء آدم للطعام التي حصلت في أول خلقه عالجها الإسلام بالصيام حتى تتمكن من السيطرة على الشهوة.
ألم يرغب آدم شيئاً أول ما بُعِث؟
إشتهى الطعام وكانت الروح لم تصل بعد لجسمه كله وأراد أن يمد يده ليأكل. إبن آدم مبني على شهوات والإسلام عالجها بالصيام. قارن بين الإنسان الصائم وغير الصائم: في غير رمضان أنا صائم وتأتيني وسوسة أوقل لا ينفع أن آكل وأكذب وأعصي لأني صائم " يا معشر الشباب من إستطاع منكم الباءة فليزوج ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء" وجاء أي وقاية تقيه من كل شيء يقع فيه.
أكل آدم بإذن الله وتعالى (وكلا منها رغدا) والروح تدب في آدم إشتهى الطعام وهذه طبيعته. الرسول r عالج هذا الموضوع فكان عندما يعود إلى بيته ويسأل ماذا سنفطر فيقولون ليس عندنا طعام فيقول إني صائم.
أول أمر تلقاه آدم (إسكن) ثم قال تعالى (وكُلا) لم الأكل؟
الله تعالى أعطاه الكثير ومنعه من واحدة ولو كان بالعكس كان سيكون هناك برر إن أكل آدم. وقوعنا في المعاصي غير مبرر. لله المثل الأعلى وسأفترض أن الجنة فيها ألف شجرة والله تعالى نهى آدم عن 999 وسمح له بالأكا من واحدة فقط لو أكل آدم من الشجر المنهي عنه قد يكون هناك عذر مع أنه ما كان يجب أن يفعل هذا فما بالك بالإله الحق يقول له كل من كل الشجر إلا واحدة! كلن ينبغي أن يفهم أن هذا إبتلاء وهذا لكل لبني آدم: إذا جاءتك الوسوسة بعكسها فقل هذا إبتلاء ما دام إفعل ولا تفعل.
قبل أن يُحرِم الله تعالى وقبل أن يمنع (ولا تقربا هذه الشجرة) قال (فكلا من حيث شئتما رغداً ) لأن المنع في مقابل عطاءات الله تعالى لا شيء. لو تلقيت عن الله تعالى على مراد الله تعالى بالفطرة يكون المنع في عين العطاء: الكفيف في الدنيا مثلاً جزاؤه الجنة بحديث الرسول r فكم تستغرق الدنيا وكم تستغرق الآخرة؟ فهل هناك أجمل من هذا المنع؟ هذا عين العطاء.
آدم تلقى الأمر وحاول تنفيذه داخل الجنة وإبليس أبى إلا أن يُنفذ فكيف دخل إبليس إلى آدم؟
مدخل الوسوسة مفتوح بمعنى أنه يدرس كل واحد فينا ويعرف مداخله فقال لآدم وحواء (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) وهذه أشياء يريدها الإنسان: السلطة والبقاء، الخلود والملك، هذه هي الدنيا. بعض قصص القرآن قلنا لا يرد فيها أسماء الأشخاص ففرعون مثلاً هو إسم لكل ظالم وقارون وهكذا لأنه لا يهم ما اسمهم ولكن يهم أخذ العبرة.
مدخل الشيطان كان الشيء الذي يتمناه من هو غير فاهم. المسلم الحق لا يتقدم حتى للإمامة في الصلاة لأنه يعلم أنها أمانة عظيمة والحكم كذلك أمانة عظيمة وتكليف ومسؤولية وعبء على الحاكم والحاكم الذي يرضى عنه الله تعالى تسمع من رعيته كلاماً طيباً. لذا ندعو لهذا الحاكم أن يثبته الله تعالى على هذا ويعينه ونحن نفرح عندما نسمع بهكذا حكام ونسأل الله تعالى أن يثبت حكام المسلمين على الإيمان.
هل هناك فترة زمنية قضاها آدم قبل الوسوسة؟ لا دليل على هذا في القرآن. وإبليس يأخذك من معصية إلى معصية حتى تبقى في دوامة المعاصي.
ما الذي جعل إبليس يوسوس لآدم مع أنه كان في الجنة منعماً؟ إبليس طُرِد لأنه رفض السجود. وهذا كله على مراد الله تعالى . آدم كان طائعاً ولم يسأل ربه لماذا لا آكل من هذه الشجرة؟ وهو لم يكن يقصد المعصية. ولا يهمنا ما نوع الشجرة لكن يكفي أن الله تعالى نهاه عنها وآدم أطاع بفطرته السليمة لكن إبليس وسوس له.
وهل إستمرت الوسوسة كثيراً؟ كلا لأن القصة في القرآن جاءت: فوسوس، فأزلهما، فدلاّهما بغرور. الفاء هنا تفيد الترتيب والتعقيب. لم يترك لآدم فرصة التشاور مع حواء. الأكل كان سريعاً والنتيجة صعبة. لا بد أن نتريث عند الإقدام على معصية وعند الوسوسة سواء كانت من النفس أو من الشيطان. آدم كان يعرف أن الشيطان عدوه والله تعالى حذره منه إلا أن هذا قضاء الله سبحانه وتعالى فأكلا من الشجرة.
أين كان ذهن أبينا آدم حين صدر الأمر الإلهي (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى )؟
أعطاه إبليس مبرراً عكس هذا لأنه لو أكل من الشجرة سيكون ملكاً. (يتبع في الحلقة القادمة)
بُثّت الحلقة بتاريخ 27/2/2006م
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة السابعة:
وسوس إبليس لآدم u حينما قال له (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) مع أن الله تعالى ضمن لآدم الحياة الهنية في الجنة (إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى) فلِم تنازل آدم أو تناسى أو ترك كل هذا وإنصرف إلى وسوسة الشيطان؟ ما هو التقييم لهذا الموقف والدروس المستفادة منه؟
نحن لم نشتغل في الآيات ولكنا نأخذ العبرة وهذا واقع حال الإنسان إلى يوم القيامة. الذي سرق ألف جنيه الساعة الرابعة عصراً مثلاً لو سلك طريقاً غير السرقة كان سيأتيه المبلغ لأن الرزق لا يمكن أحد أن يأخذه منك ولو لم يسرق لكان أتاه المبلغ بالحلال. والرسول r يقول عن الرزق: "لو ركب إبن آدم الريح فراراً من رزقه لركب الروق البرق حتى يقع في فمه" فأنت يا آدم ضمن الله تعالى رزقه وقال (ما من دابة في الأرض إلى على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها) كل الدواب سواء على الأرض أو تحت الأرض حتى الدودة تحت الأرض لو قال (على) لا تشملها. (في) تشمل فوق وتحت الأرض كله ضَمِ، الله تعالى لها الرزق.
هل حجة إبليس كانت أقوى أم ما هو واقع الحال؟
الإنسان لا يرضى بما عنده وإذا نظرنا إلى جميع مشاكلنا في البيوت المسلمة فهي إما ناتجة عن أن الزوج لا يرضى أو الزوجة لا ترضى والمشكلة هي عدم الرضا. "إرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس". يجب أن نفهم ما هي قصة آدم في الدنيا. وما هو مفهومك للدنيا. وما في الدنيا بالنسبة لك هل هو ترف ومعازف؟ كلا يجب أن ترجع للخالق لتعرف منه أصل الحياة. حتى الآية لم نعرف أن نشرحها (وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون)العبادة ليست صلاة وصوم وحج وغيرها فقط وإنما من عبادة الله تعالى أن تذهب لعملك في الوقت المحدد وتنتج وتسعى وتعمل وتجتهد. وهناك في مجتمعاتنا إفراط وتفريط أحدهما يقول الصلاة أهم ويبقى في المسجد والآخر يقول أعمل ولا أعبد ونحن أمة وسط. الحجة عند إبليس لم تكن أقوى ولو فكرت دقيقة لكان آدم قال لإبليس: كُل أنت من الشجرة. ما هو الخُلد؟. أي نعمة يتعرّض لها الإنسان في الدنيا إما تفرقه أو يفارقها. الرسول r ياخّص هذه المسألة فيقول: " للانسان ثلاثة رفقاء في الدنيا مال وأهل وعمل المال لا يخرج من البيت والأهل يخرجون حاملين الميت إلى القبر لكن لا يدخلون معه القبر ولا يدخل معه القبر إلا العمل"
الحوار تحوّل من آدم إلى بني آدم. واقع الحال أنه ما كانت حجة إبليس أقوى ولكن المسألة مسألة جبِلّة، البشر مخلوقين على هذا إلا من رحم ربي لأن الإنسان الذي عنده قناعة تجده مرتاحاً أيّما راحة أما الذي ينظر ماذا عند هذا وماذا عند ذاك يتعب في حياته. 90% من المشاكل التي تُعرض علينا هي ناتجة من عدم الرضى وعدم القناعة. والباقي سوء فهم وغيره. الغالبية العظمى ليس عندهم قناعة. فهل من الصدفة أن أول آية في كتاب الله يوجهها لنا (الحمد لله رب العالمين) قل الحمد لله وهو سبحانه وتعالى قال (ولئن شكرتم لأزيدنّكم) وللأسف حالنا غير هذا إذا كان عند الإنسان وادي فهو يريد ثانياً. إبليس وجد آدم تربة خصبة لوسوسة في حين أننا لما تعلّمنا وتدبرنا وتفكرنا في القرآن وبحثنا وتعلمنا عن الرسول r يمكن أن نكتشف الوسوسة ونوقفها. فلا يجب أن نضيّع الأمانة التي معنا لأن الدنيا ستنتهي والنعمة ستزول ففارقها على طاعة ورضى وعلى مراد الله تعالى.
ماذا كان ينبغي على آدم أن يفعله ليتخلص من الموقف؟
آدم كان يجب أن يفعل هذا لأنه على مراد الله تعالى. أما بالنسبة لنا نحن نتعلم لما يُعرض علينا أو نضعه على ميزان لا إله إلا الله محمد رسول الله، هل يرضى الله تعالى بذلك؟ لما نسمع الوسوسة نفرّق إذا كانت من الشيطان أو من النفس ونعالج الوسوسة. كيف؟ لو عُرض على أحد السرقة يجب أن يبحث يجب أن يبحث لماذا عرضت عليه السرقة أو الزنا أو غيرها من المعاصي. إعمل مع نفسك فإذا فشلت تكلّم مع أحد ولا تترك نفسك وحدها. من تكبّر على واقع حاله بغروره في الإيمان أوقعه الله تعالى في براثن الشيطان لأنه لم يلجأ إلى الله تعالى. ومن إعتمد على عقله ضلّ. ذهب رجل إلى حكيم فقال إني أشكو مرض البُعد عن الله تعالى فقال له الحكيم: عليك بورق الإخلاص وعروق الصبر وعصير التواضع، ضع ذلك في إناء التقوى، صُبّ عليه ماء الخشية، أوقد عليه نار الحُزن (البكاء على الخطيئة)، صفّيه بمصفاة المراقبة، تناوله بكفّ الصِدق، واشربه من كأس الاستغفار، تمضمض بالورع، أبعِد نفسك عن الحِرص والطمع تُشفى من مرضك بإذن الله.
هذا الخليط من الصبر والتواضع والخشية والإخلاص والحزن وخاصة الصبر هو مناط كل نجاح وأي عيادة أو معاملة ناجحة محتاجة لصبر. الصلاة من غير صبر ى تنفع والحج من غير صبر لا ينفع. للأسف الآن إنعدم الإخلاص والورع والخشية والمراقبة وكل هذا بسبب البعد عن الله تعالى.
آدم أو بني آدم لم يشاوروا وكل يعتمد على عقله المليء بالأمراض والران على القلوب قد يجعل للشيطان طريقاً سهلاً لقلب الإنسان ليبعده عن الله تعالى. هل هناك مسالك للشيطان يدخل بها إلى الإنسان؟
نرى من أين قال الشيطان أنه سيأتي ونعمل عكسه: (ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) الأعراف) لم يذكر من فوقهم ولا من تحتهم لأن الفوقية محروسة بعناية الله تعالى والتحتية محروسة بالقيام والركوع والسجود. هاتان الجهتان ليس للشطان علاقة بهما فلو تمسكنا بعناية الله تعالى نبعد الشيطان عنا. (وما النصر إلا من عند الله) عندية النصر من الله تعالى فعنده النصر كله ومناط النصر من عندنا (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) نحن المقصرون ومن هنا هناك فرق بين من هو خارج من معية الله وبين من يجري لمعية الإنسان. الذي خرج لم يتعامل مع معية الله كما علمنا رسول الله r والآخر فهم فلجأ إلى الله تعالى. هذان يعطيانا الفكر السليم للخروج من النفس والشيطان. يُعرض عليك الأمر بالوسوسة فعليك أن تسأل نفسك هل هذا يقابل ما يرضي الله تعالى ورسوله؟ الذي ذهب للرسول r يستأذنه بالزنا فعالجه r بمنتهى الحكمة فقال له ترضاه لأمك، لأختك، لإبنتك والرجل يجيب كلا فيول له r كذلك الناس لا ترضاه ومسح على صدره وفيقول الرجل دخلت وكان الرسول r أبغض الناس إليّ وخرجت وهو أحبّ الناس إليّ. الرسول r إستفز منه مكامن الرجولة فعاد الرجل لأنه r أعطاه الحكمة من تحريم الزنا ففي الوقت الذي منعك الله تعالى أن تعتدي على الآخرين منع كل هؤلاء من الإعتداء عليك أيضاً. فالإسلام منهج ينبغي أن نعيشه. لا نسأل ما الحكمة من كذا وكذا لأنه إذا سألتها بالعبادة تنتفي العبادة.
الإنسان لما يقع في معصية الآن وتقول له عليك أن تفكر عندما تبدأ الوسوسة حتى لا تعمل المعصية فيقول لك ليس لدي وقت للتفكير أعصي ثم الله غفور رحيم. وهذا ما يريد الشيطان أن يسهّل المعصية ولكن علينا أن نكمل الآية فالله تعالى يقول: (نبّيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم).
من وسائل الغواية في القرآن (لأضلنّهم، لآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام، فليغيرن خلق الله) هذه أمثلة على وقائع تحدث آناء الليل وأطراف النهار. إنه قادر على أن يتحكم فيك لتخرق الناموس طاعة له وحده وهذه قمة وقاحة الشيطان لأننا إنفصلنا عن المنهج. حال بيننا وبين المنهج وأطرح سؤالاً: أين القرآن من المسلمين الآن؟ إما تجده في السيارة أو في المكتبة أو تحت الوسادة وبعضهم يشغّل القرآن في غرفة لاثة أيام ويخرج ونسي أن القرآن أنزله الله تعالى ليستمع إليه المسلم (فإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) بركة القرآن في قراءته وهذه عبادة فأن تقرأ قوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) عبادة.
ما ذكره إبليس في الآية هو نموذج لأشياء كثيرة تحدث وهذه نعمة رب العالمين لأنه يعلّمنا كيف نجتنب مداخل الشيطان.
عرفنا إضلال إبليس لآدم لكن كيف تكون مسألة تغيير خلق الله؟
هذا مثال. اليوم يتم تغيير خلق الله في البشر. والمثال في الآية ضرب للأنعام (فليبتكن آذان الأنعام) في الجاهلية لكن اليوم إنسحبت على البشر وعمليات التجميل التي تحصل اليوم والشفط والسحب والتكبير وغيره كله حرام لأن فيه غشٌ للناس. لماذا كل هذا؟ هذه تندرج تحت (فليغيرن خلق الله). بعض العمليات مشروطة بالضرورة ونحن للأسف تركنا تقاليدنا المحترمة. لا متعة في معصية وإن بدت لأن الدنيا مهما طالت محدودة.
ما يملك إبليس من قدرة ليقول هذا الكلام؟
إمتلك إبليس زمام عدم الرضا وأوقعه في نفس البشر. ترى إحداهن تنظر إلى غيرها وتريد أن تكون عيناها مثل تلك وهي ليست راضية بما عندها. علينا أن نرضى بما قسم الله تعالى لنا. إبليس إمتلك عدم الرضا الواقع في نفس الكل إلا من رحم ربي. فالذي يرضى يعيش مرتاحاً ويسعد في الدنيا والآخرة.
(لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضا) (إلا عبادك منهم المخلصين) هذه مقابل هذه. هو سيبدأ. هناك من البشر أبالسة أو أباليس. وقد سُئل الحسن البصري سؤالاً في منتهى الجمال: سُئل من أهون عليك شيطان الإنس أم شيطان الجن؟ فقال البصري شياطين الجن أسهل لأنه إذا استعذت بالله خنس أما شياطين الانس فهي لا تخنس. في الوقت الذي أخذ جنوداً من البشر معه إستخدمهم هو نفسه إستثنى جماعة منا (إلا عبادك منهم المخلصين) لأنه لا يقدر عليهم وجاء رد الله تعالى عليه (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان). فمن هم عباد الله؟ عباد الرحمن. الياء في عبادي للإنتساب إلى الله تعالى ويكون لنا شرف الانتساب لله تعالى وهنا يجب أن نفهم أننا لن نكون من عباد الله يوم القيامة إلا إذا كنا عباد الله في الدنيا. وإذا بحثنا في القرآن عن وصف لعباد الله لوجدناه في أواخر سورة الفرقان (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) عباد الرحمن هؤلاء من رحم الله وهم الناجون لأنهم يعملون على مدى اليوم والليلة. الذين يبيتون لربهم سجداً وقياما بينما الناس تنام وتبيت لنفسها وراحتها واستعداداً للعمل، هؤلاء قاموا الليل وسنامون سُجّداً أي طائعين وحالهم غريب جداً. عباد الرحمن هم عبادي الذين ليس لك عليهم سلطان. لو وعى المسلم المنهج يقول: مَنْ الشيطان؟ لكن بعمله.
ومن الملاحظ أن الشيطان يحاول أن يلهي المصلي فيبدأ المصلي بالتثاؤب عند قوله (إياك نعبد وإيام نستعين) وعند التشهد لأنه فيهما إعلان التوحيد. الرسول r علّمنا كيف ندخل في الصلاة وكيف نقرأ الفاتحة (الحديث القدسي عن الفاتحة) ويجب أن نعلم أم معظم النار من مستصغر الشرر ونحن للأسف نستهين بالأمولا والمسلم الواعي لا يستهين. ليس من قبيل الصدفة أن يقول تعالى في القرآن (فإذا قمتم إلى الصلاة فإغسلوا وجوهكم) حلاوة الوضوء وقيمته بانت في تشريع التيمم. الوضوء بالماء والتميمم بالتراب حتى يلفت نظرنا لقيمة الوضوء وهي أنك ذاهب للوقوف بين يدي الله تعالى. لمذا الوضوء؟ لأن الشيطان من نار والماء يطفيء النار. والذي يبقى على وضوء كما فعل بلال رضي الله عنه وكما جاء في الحديث يقفل المداخل على الشيطان. ونحن علينا أن نقفل مداخل الشيطان وأن نحشر أنفسنا مع (عبادي) وأسأله أن يجعلنا من عباده الصالحين وعباد الرحمن ونُطبّق مواضفاتهم ونطبقها على مراحل حتى لا نشق على النفس ونحاول أن نأخذ صفة كل أسبوع ونحاول أن نطبقها.
حينما قال إبليس (رب أغويتني) هل هذا إعتراف بالربوبية؟ وهل التحدي هو بينه وبين الله تعالى أم بينه وبين آدم؟
العداوة هي لآدم. إبليس كفر بعطاء الله تعالى حتى الجِبِلّة التي خلقه الله تعالى عليها هي من الله عز وجل وردّ الأمر على الآمر فليس له توبة. آدم لم يرد الأمر لكنه لم ينفّذ (وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) طه) لأنه لم يرد الأمر على الآمر . لا توبة للكفر فمن مات كافراً فهو في النار. إبليس أُمر بالسجود مرة واحدة وليست له توبة لأن عنده كِبر وجِبِلأّته هكذا. الرسول r يُقسم أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر لأنه من عمل الشيطان (أأسجد لمن خلقت طينا) (أنا خير منه) وعلى الإنسان أن يخفف الأنا حتى لا يضيع.
هل سبق هذا الحوار بين الله تعالى وإبليس حوارات أخرى؟
كلا هو إبتدعها بكِبره وعُجبه. كان الرسول r لا يتمايز في الجلسة وكان يدخل عليهم الرجل فيسأل من محمد بن عبد الله؟. من تواضع لله رفعه. إبليس يوقع المتكبرين بسهولة. الولاية في الدنيا تكون إما لله تعالى وإما للشيطان فإما أن نكون من أولياء الله تعالى أو من أولياء الشيطان. فلو صرنا من أوليائه نكون من شياطين الإنس وهو أخطر من شيطان الجن لأنه إنسان مثلك ويزين لك ويكون قد أصبح من جنود إبليس وتعبير شياطين الإنس خطير.
(وإستفزز من إستطعت منهم بصوتك وأجلِب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعِدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) ما دلالة ألفاظ هذه الآية؟
بصوتك: الوسوسة أصلها صوت الذهب وهو صوت محبب للنفس فليست من سبيل الصدفة أن تسمى وسوسة. من إستفزز إبليس من البشر يعينوه بأصواتهم.
إستفزز: أصبح مسيطراً تمام السيطرة على البشر. مسيطرة سيطرة السيّد للعبد بمعنى كلمة (فِزّ) كلمة تقال من السيد للعبد وليس العكس ولا يقولها إلا المسيطر. تقال من الأعلى للأدنى ونحن نستعملها في لغتنا العامية. إستفزز يعني أصبح الشيطان مسيطراً على إبن آدن سيطرة الآمر وبقية الآيات يصورها الحق على أنها معركة من إستعمال كلمة الخيل.
من إستطعت منهم: من رضي أن يكون عبداً للشيطان ضاع ولا يتذرع لأنه هناك من إستطاع. الترتيب منطقه أن المعركة تشتد: الذي لن يأتي بصوته أو بصوت جنوده سيأتيه بالخيل (كالمدد في المعركة) والمسألة تتصعد. الأول يحاول بالراحة ثم يزيد قطاعات الأسلحة في الحروب كأنها معركة قائمة يجب أن تنتهي لصالح أحد من المتحاربين إما له وإما لنا.
المعركة من طرف إبليس لأنه هو الذي يريد أن يحاربنا لأن عداوته لنا سابقة ونحن موقفنا دفاعي والدفاه ينتهي بالنصر لأنك ستهجم على الشيطان بأن لا تطيعه وهذه قمة النصر. تكون سعيداً إذا وسوس لك الشيطان فلم تسمع له.
كيف يشاركنا الشيطان الأموال والأولاد؟
يبدأ بالسرقة : هو الذي ضحك عليك فأخذت مالاً ليس لك حق فيه، أما الأولاد فهم أولاد الزنا. هذان متفشيان في مجتمعنا للأسف وهما من حدود الله تعالى. اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل والذي يضمن متى يموت فليفعل ما يشاء ثم يتوب قبل موته. أبو بكر رضي الله عنه كان يقول: لا آمن مكر ربي ولو كانت إحدى قدماي في الجنة فقال r: هذا كثير أنا لا آمن مكر الله أن يخرج النفس فلا يعود. الحرب عملها الشيطان على أمل أن يموت الإنسان على معصية أي معصية.
بماذا يعد الشيطان؟ يعدهم بالملك والخُلد وكل وعده كذب وغرور (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) وسماه الله تعالى (الغَرور) من نفس المادة (ولا يغرنكم بالله الغَرور) هو وهم وكذب.
وصفة لسدّ مسالك الشيطان:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله الذي لا يضر مع إسمه شيء في الأرض ولا في السماء ، آمنت بالله العظيم وكفرت بالجِبت والطاغوت وإستمسكت بالعروة الوثقى لا إنفصام لها والله سميع عليم. اللهم إحفظنا بحفظك وقنا مصارع السوء واسترنا بسترك الجميل الذي سترت به نفسك فلا تراك العيون.
بُثّت الحلقة بتاريخ 6/3/2006
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

لحلقة الثامنة:
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) الكهف)

سؤال: إبليس، الشيطان، من الجن، الجبت، الطاغوت: هل لهذه المفردات علاقة ببعضها؟
إبليس إسم هذا الملعون المطرود من رحمة الله تعالى وهي كلمة أعجمية لا إشتقاق لها أطلقها الله تعالى عليه.
الجنّ إسم الجنس كما أن جبريل u إسم الملك الوكل بنقي الوحي من السماء إلى الأرض وجنسه من الملائكة. إذن إبليس جنسه الجنّ. الفسوق هو الذي جعل كلمة شيطان لأنه تشيّطن أي إبتعد عن رحمة الله بعدم السجود وهذه كلمة عربية يمكن أن يُشتق منها (شطن). وفسق أي خرج كما يقال فسقت التمرة.
إبليس إسمه، شيطان صفته، جنسه الجنّ (إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) تدل على أنه لم يكن من الملائكة أبداً.
سؤال:لماذا وُجِد إبليس مع الملائكة؟
هو حضر معهم الأمر ولذلك قال تعالى (إذ أمرتك) الأمر شكله لحضوره. هذه عملت إشكال عند المفسرين ولكن الآية تشرحها (إلا إبليس كان من الجن) هو من الجن وليس من الملائكة ولم يكن من الملائكة طرفة عين كما يقول الحسن البصري. الذي سبب المشكلة الإستثناء بـ (إلا إبليس) لأن أهل التاريخ والتفسير الذين لم يدرسوا لغة لا يعرفون الإستثناء المنفصل. هناك إستثناء وإستثناء منفصل (كان موجوداً) لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه وهذا يعرفه أهل اللغة. وهذه المسألة ما زالت تسبب مشكلة لأن الناس تتصور أن إبليس كان طاووس الملائكة وقرّبه الله تعالى إليه وغيره وهذا كله من الإسرائيليات.
سؤال: لماذ وُجِد إبليس في حضرة الملائكة؟
أهل التحقيق قالوا: أن الأمر صادر للأعلى وهم الملائكة فيجب أن يشمل من دونهم وإبليس كان حاضراً من جنس الجنّ ولو سجد كان كل جني يطيع ويسجد ويشمله لازم معنى السجود. الملائكة سجدت مرة واحدة وسُخّرت لآدم بعد ذلك من قِبَل الله تعالى. نقل جبريل u للوحي من لازم معنى السجود. إذا الأمر صدر للأعلى فمن باب أولى يشمل الأدنى ثم المولى تعالى لما يعرض لنا شيئاً يجب أن نفهمه خلال السياق.
سؤال: إذا أمرتك، لماذا لم يقل: إذ أمرت الملائكة؟
ليؤكد أن الأمر يشمله ولو كان لا يشمله كان على إبليس أن يرد ويقول : أنا لست من الملائكة فطالما لم يرد فهذا يدل على أنه فهم أن الأمر شمله ولكنه ردّ الأمر على الآمر. غلطة آدم أعقبها توبة وغلطة إبليس أعقبها طرد ورجم ولعن ولا توبة له.
لم يرد في القرآن أي دليل على أن إبليس طلب التوبة من الله تعالى كما تقول الإسرائيليات. التوبة تأتي ممن أحس بالخطأ وأول شروط التوبة الندم. المولى تعالى يتوب عليك بأن تندم وهذه أول درجات قبول التوبة. أما التكبر والتعالي تضيّع الإنسان فلا تقبل له توبة (أستكبرت أم كنت من العالين) كلتاهما مصيبة. عدم سجود إبليس من وجهة نظره بناء على إستكبار وإستعلاء (أأسجد لمن خلقت طينا) يردّ الأمر على الآمر وهذا فيه وقاحة. ليس العيب أن تخطيء لكن يجب أن تشعر بالندم لخطئك لكن أن تستكبر وتستعلي لا يقبل منك توبة.
سؤال: ألم يرد في الكتب تاريخ قديم إبليس عن نزعته في الكِبر؟
كلا إبليس كان طائعاً. هذا موقف لحظي تصرّف بالكِبرعند لحظة خلق آدم. وهذا خطر البعض الذين يتعالون على الناس أساسها الكِبر وإرتفاع الأنا لديهم. والغرور من الغَرور أي الشيطان لذا قال r: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر". أول ما تشعر بالكِبر والإستعلاء عليك أن تقوم بعمل يخالف هذا الكِبر. ولنا في الرسول r الأسوة الحسنة لما عُرِف من تواضعه حتى كان الرجل يدخل مجلسه فيسأل من منكم محمد بن عبد الله؟ وكذلك الصحابة عرفوا بتواضعهم وفي التاريخ الحديث نذكر الشيخ محمد متولي الشعراوي عندما أصبح وزيراً خاف على نفسه الكِبر فذهب ونظّف المراحيض حتى يذِل نفسه. وهذا درس لنا أنه عندما يتسرب إليك الشيطان والنفس تضطرب فيجب أن أعمل عملاً يدنّي النفس لينزلها إلى مكانها الصحيح من التواضع.
سؤال: لماذا السجود تحديداً؟ ألا توجد وسيلة تكريم أخرى؟ ولماذا رفض إبليس السجود تحديداً؟
هو أمر من الله تعالى والسجود يعني الطاعة والخشوع. لازم معنى السجود أن تضع جبهتك على الأرض وساجد يعني خاضع طائع. لا يجوز التكريم بطريقة أخرى لأن الأمر جاء من الله تعالى (فسجد الملائكة) الفاء هنا تفيد التعقيب والترتيب لأن الكلائكة طائعين. أما إبليس فبدأ يرفض هذا السجود قبل أن يكون إكراماً لآدم طاعة لرب العالمين يقول r: إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد يعتزل إبليس ويبكي ويقول يا ويله (أي يا ويل إبليس) أُمِر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأُمِرت بالسجود فعصيت فلي النار". إذا كان هذا حال إبليس من سجدة ابن آدم سجدة التلاوة فما بالك بالصلاة؟ عندنا 34 سجدة في الفرائض فقط وإذا صلينا السنن المتفق عليها فهذه 20 سجدة أخرى ولو صليت في جوف الليل ركعتين يكون لديك 4 سجدات إضافية. هذا يجعل لإبليس يبكي ويعتزل ليل نهاروهذا بيان قيمة نعمة رب العالمين علينا بالسجود. مسألة السجود تلاحق إبليس إلى يوم القيامة.
سؤال: حقد إبليس على آدم وذريته ويضاف إليها رد الأمر على الآمر ثم التحدي السافر منه (لأحتنكنّ ذريته) هذه العداوة والحقد من إبليس كيف نتصدى لها وقد أوتي علينا قدرة (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) فهو له رجال وعدة وعيون وجنود؟
هناك معركة دائرة وله من الأعوان الكثير كأنه في جيش (مشاة، محمولين، فرسان) جيش كامل معه لينفّذ ما يريد. الذي يسرق الناس يريد أن يسرق كل الناس معه حتى لا يقال عنه سارق لوحده. وكذلك المرتشي فالذي يقع في معصية يريد الكل أن يكون مثله. إبليس سيدخل النار حتماً ويريدنا جميعاً معه والعجيب أنه ورد في القرآن (واتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة) لم يذكر الجنّ في الآية لأنه يجب أن تهتم بنفسك لأن إبليس سيدخل النار لا محالة وعلينا أن نتحصن ضد شياطين الإنس لأنهم أصعب. (معظم النار من مستصغر الشرر) السيطان بدأ بعدم السجود ثم الكِبر ثم الإغواء ثم بدأ يتفنن في إيقاع بني آدم. ولذلك لما إستعرض المولى تعالى قصة آدم في القرآن كانت درساً لنا حتى نتجنب الوقوع في الكحظور. يجب الإعتصام بالله ورسوله لأن الحلال بيّن والحرام بيّن.
مسألة أن السيطان أعدّ العدة لغواية بني آدم كان يحتاج إلى وقت. إبليس قال (رب أنظرني إلى يوم يبعثون) وقال (فأنظرني ) يقصد إنظاره إلى يوم القيامة أو يوم البعث وهذه نقطة إضافية يريد أن يزيدها لأنه يريد الخلود إلى يوم يبعثون. شجرة الخلد هو حلم إبليس ونسي أن كل مخلوق لله تعالى كتب الله عز وجل عليه الموت فالجن يموتون مثل بني آدم ولهم آجال. جاء الرد من الله تعالى على طلب إبليس (إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) معلوم لله تعالى وليس كما يريد الشيطان. من خبث الشيطان أن بعد القيامة ليس هناك موت فلو أجابه الله تعالى على هذا الإنظار سيكون له الخلد لأنه يعلم أن الموت نفسه سيموت فإذا ضمن هذه الإجابة لا يموت هو ويكون له الخلد ولكن هذه الصفة لا تكون إلا للحي الذي لا يموت. في سورة ص إجابة المولى تعالى على سؤال إبليس في سورة الأعراف. سورة ص هي أول سورة عرضت قصة آدم. (إلى يوم الوقت المعلوم) إجابة لطلب إبليس لكن بشروط الله تعالى لأنه كتب الموت على كل مخلوق وكل شيء على وجه الأرض ميت (كل شيء هالك إلا وجه) (كل من عليها فان). إبليس يريد أن يكون له الخلود. قال تعالى (وكان عرشه على الماء) وضع إبليس عرضه على البحر ليكون نِدّاً لله تعالى وهذا من كِبره. هو يريد أن يأخذ صفة من صفات الله تعالى.
سؤال: ما الدوافع الكامنة وراء هذا التكبر من قِبل إبليس لبني آدم؟
الكِبريأتي بمسألة غير واقعية بمعنى الإنسان الواقعي. الواقعية أمر يعيش عليه الإنسان الذي رضي عنه الله تعالى أنه مهما علا في منصبه يقول من أنا وأين أكون ممن سبقوني في الإيمان؟ هذا يعيش في واقعي فلا يتكبّر. المتكبر يتكبر بشيء لم يفعله هو فالمرأة الجميلة تتكبر بجمالها الذي ليس لها يد فيه والرجل الذي عنده سلطة يتكبر بشيء ليس له سلطة فيه لأن الله تعالى هو الذ وهبهم هذا الجمال وهذه السلطة. الكِبر يأتي على غير واقع. على ماذا يتكبر إبليس؟ الملائكة التي هي أعلى شأناً في الخِلقة أطاعت (فسجد الملائكة كلهم أجمعين). إبليس كأنه يعيب ويرد الأمر على الآمر بصنعته سبحانه وتعالى.
سؤال: هل كان إبليس وحده ساعة الحوار؟
إبليس كان وحيداُ ولكن لو سجد لسجدت ذريته لكنه رفض السجود فرفضت الذرية.
سؤال: من أين جاءت ذرية إبليس؟ هل هو يتناسل وينجب على عكس الملائكة؟
الملائكة كلهم كانوا حضوراً وإبليس كان وحيداً وآدم كان وحيداً وطائفة الجن كانت موجودة وقلنا لو سجد إبليس لسجدت الذرية لأن الفعل كان سنيسحب على الذرية. وفي الحديث الشريف عن الرسول r: عن أبي هريرة رضي الله عنه،عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. يعني: (لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها). 3152 صحيح البخاري. هذا الحديث الناس تفهمه خطأ. بنو إسرائيل إشتهروا بالبخل فكانوا لما يذبحوا يأكلوا من ذبائحهم ولا يفرقوا الزكاة مثل المسلمين فلما بدأوا يذبحون ولم يكن لهم وسائل حفظ اللحم فبخلوا ففسد اللحم أو خنز. أما قوله r ولولا حواء يقولون في الإسرائيليات أن حواء خانت آدم. هذا غير صحيح. الأنبياء وزوجاتهم معصومون عن الخيانة. إمرأتي نوح ولوط خانتاهما بمعنى عدم الطاعة وليس بمعنى الخيانة كما نفهمها اليوم. قال تعالى (يا نساء النبي لستن كأحد النساء) لأن خطأهم سيكون عظيماً لو أخطأوا. قمة الخيانة عدم الطاعة وإظهار الإيمان وإبطان الكفر. خيانة حواء أنه لم تصدّ آدم ولم تنصحه وترده على الأمر فالرسول r يريد أن يقول أنه في يد المرأة إصلاح الرجل. كأني بالرسول r يحدد أمراً في منتهى الإبداع. في حد جريمة الزنا (والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة) نجد أنه يقدّم الزانية على الزاني لأنه لو وعت المرأة لا يخطيء الرجل أبداً. البيت يقوم على التشاور والتدبر والمرأة لها دور وللأسف نحن في هذا الأمر بين إفراط وتفريط منهم يقول أنه ليس للمرأة أي دور ومنهم من يقول لها الدور الأوحد. نحن قلنا لو أردنا أن نُبرِيء أحداً نبريء حواء لأن الشيطان لم يرد أنه وسوسل لها (فوسوس إليه) حواء لم تكن وحدها وإنما كانت تابعة وكان يجب على آدم وحواء أن يتناصحا. آدم تلقى الكلمات لأنه مناط به المسألة. الرجل الذي يحمل والمرأة تحمل معه فيجب أن يتناصحا. الوسوسة إما تأتي للإثنين أو لواحد فيمها والكل يتحمل.
الرسول r كان يكلم الزوج يوصيه على الزوجة فيقول: (استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء) ويوصي المرأة بالزوج "لو كنت آمراً أحداً بالسجود لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عِظَم حقّه عليه" وقال تعالى (وجعل بينكم مودة ورحمة) المودة من المرأة والرحمة من الرجل قيُقام البيت.
سؤال: هل آدم أول مخلوق بشري؟ وهل سبقه جنس لآخر؟
هذه قضية فتحها الدكتور عبد الصبور شاهين في كتابه أبي آدم وسبق أن قلنا في لقاءات مع الدكتور أنه بشر يصيب ويُخطيء والناس للأسف حملت عليه. هو له الحق أن يجتهد فإذا أصاب المجتهد فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد والدكتور عبد الصبور قال أن أكتفي بنصف أجر. نحن لا نقطع رقبة من يخطيء أو نختلف معه في الرأي ولا أحد رأيه هو القاطع. قال الإمام مالك" كلٌ يؤخذ منه ويُردّ إلا صاحب هذه القبر". الإمام الشافعي صلّى في مسجد للحنفية بعد وفاة أبو حنيفة فلم يقنت فسألوه لم لم تقنت؟ فقال: كيف أقنت عند أبي حنيفة؟ هذا من إحترامه لأبي حنيفة. هو لم يغيّر مذهبه لكنه إحترم رأي الآخر.
النصوص القرآنية لا تقطع بأنه لم يسبق آدم أحد لكن ليس عندنا نص واضح لكنه إجتهاد في التلقّي. والذي فيه نصٌ إحتمالي يمكن أن يكون فيه آراء.
سؤال: إسم آدم وإسم حواء؟
آدم كلمة ليس لها إشتقاق أطلقها الله تعالى على أول الخلق. أما الحديث عن أنه سمي آدم لأنه آدم البشرة فهو حديث ضعيف. أما حواء فلم يرد ذكرها في القرآن وإنما ورد إسمها في حديث الرسول r الصحيح في البخاري (ولولا حواء). القرآن لم يسمها لأن الإسم ليس مهماً الأسماء ليس لها توصيف إلا في وقائع محددة مثل مريم بنت عمران وعيسى ابن مريم.
سؤال: عندما صدر الأمر الإلهي بالهبوط من الجنة كان الأمر موجه لآدم ورزوجه وإبليس كان قد طُرِد سابقاً. حينما نزلوا إلى الأرض ألم يوسوس الشيطان لآدم مرة ثانية؟
لم يثبت لنا وسوسة لآدم وحواء بعد النزول فكأننا بالقرآن يلفت نظرنا إلى أن هذا الآدم تعلّم ويجب أن نفعل مثله لأنه إستوعب الدرس ولم يعرض القرآن لنا وسوسة رٌفضت فنحن نعتبر أن هذا النبي تعلّم الدرس كما يجب وكذلك يجب أن تكون الذرية من بعده على نمط التلقي لآدم. لم يعرضها القرآن أبداً إستخلصنا أنه طالما لم يذكر أي وسوسة بعد النزول تدل على أنه إستفاد من الدرس ولكن تحوّل إلى الذرية بالنصيحة. مع بداية هابيل وقابيل إستجابة الذرية لإبليس. قابيل وهابيل أحدهما قتل الآخر فاستجاب للوسوسة والآخر لم يستجب وهذا يدل على أن المعصية ليست مكتوبة علينا (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك) كأنما يقول له أنا من فريق الصلاح وأنت من فريق الكفر.
(فطوعت له نفسه) إستخدم النفس ولم يقل إبليس أو الشيطان لأنه لولا النفس العاصية ما استطاع الشيطان أن ينفذ . أحياناً هو يُلهم ويوجّه الوسوسة ويترك النفس العاصية هي التي تعمل فعلينا أن نضبط النفس ونحوّلها إلى لوّامة عند ذلك لا يمكن للشيطان أن يوسوس.
الوسوسة لقابيل وهابيل بدأت بشهوة النساء وأكدها الرسول r وبدأت بعدم الرضى بما أعطاه ربه مع أنها قاعدة شرعية أن يتزوج كل منهما بأخته التي من غير بطن.
بُثّت الحلقة بتاريخ 13/3/2006
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة 9 (مباشر)

مفهوم الإسرائيليات في قَصص القرآن

الكلام كثير عن الإسرائيليات والنس بين معارض للكلام عنها وبين مؤيد. هدف كل مسلم لله رب العالمين أن تكون وقفته أمام الله تعالى يوم القيامة وقفة صدق ووقفة حق، وقفة يقدّم بها لرب العالمين ما باستطاعنه للإسلام. الإسلام ليس مسألة تكريم أو تشريف لصاحبه وإنما تكليف لأن المسلم يختلف عن أي مسلك في ديانة أخرى أنه مكلّف بتوصيل الرسالة الخاتمة إلى يوم القيامة. الإسلام كدين وديانة يختلف التديم به وفيه على كل الرسالات السابقة. فالسملم على عهد موسى u لم يكن مكلّفاً بالتبليغ لأن الرسالة كانت محددة بقومه فقط. كل مسلم منا عليه أن يقدّم شيئاً للإسلام. الإسلام يصلح ومصلح بفعل أهله لكل زمان ومكان.
الإسرائيليات من أخطر القضايا التي تعرض لها الإسلام. نرجع إلى عصر الرسول r حينما كان ينزل القرآن: كانت الآية تنزل والرسول r على قيد الحياة والصحابة الكران ولم يكن هناك مشاكل لأنهم كانو يرجعون للرسول r في كل صغيرة وكبيرة حتى ليهود حسدونا على هذه فقالوا: ما لهذا الرسول يعلّم أصحابه كل شيء حتى دخول الخلاء. حينما حُرّفت التوراة هدأ أصحاب التحريف وكذلك عندما حُرّف الإنجيل. أما مع القرآن فتعب المحرّفون فلما فشلوا في تحريف القرآن الذي تصدّى الله تعالى له بقوله (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فدخلوا في تفسير القرآن والأحاديث النبوية التي نعيش عليها ودسّوا في السُنّة كما دسّوا في التفسير, وفعلوا هذا بطريقة تناسب بعض قلوب المسلمين والمسلمون يحتاجون لرقائق فعملوا لهم حكايات وطريقة كما في (عرائس المجالس) هذا الكتاب كله دسائس وهذا الكتاب للأسف متوفر في المكتبات وبسعر زهيد.
وإذا نظرنا في بعض ما جاء في هذا الكتاب في باب خلق آدم لكشفنا ما فيه من الإسرائيليات التي دخلت في هذه القصة بشكل قد لا ينتبه إليه المسلم. في باب خلق آدم جاء في الكتاب ما معناه : قال المفسرون (دون تحديد من هم هؤلاء المفسرون!) أن الله لما خلق آدم أوحى إلى الأرض أني خالق خلقاً منهم من يطيعني ومنهم من يعصيني فمن أطاعني أدخلته الجنة ومن عصاني أدخلته النار. ثم طلب من جبريل أن ينزل إلى الأرض فيقبض قبضة منها للخلق فنزل فقالت له الأرض أعوذ بعزة الله الذي أرسلك أن تأخذ مني شيئاً فعاد جبريل ثم طلب من ميكائيل فحصل معه ما حصل مع جبريل ثم أرسل ملك الموت فقالت له الأرض ما قالته لجبريل وميكائيل فقبض من الأرض قبضة.
علينا أن نتعلم كيف نفكر. أولاً في هذا الكتاب جاء (قال المفسرون) هل يُعقل أن كل المفسرين قالوا نفس المعاني؟ فالمفسرون عادة يقولون بألفاظ مختلفة ومعاني متفقة. على الأقل كان يجب أن يقول بعض المفسرين صيانة لإحتمال. ثم هل يعقل أن الله تعالى يستأذن الأرض ولا ترضى والله تعالى قال في كتابه العزيز (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فصلت)؟ كيف يقول تعالى أن الأرض والسماء أتيتا طوعاً وهذا يكتب في كتابه عرائس المجالس أن الأرض لم ترضى أن يأذخ جبريل منها قبضة؟! ثم يرسل الله تعالى جبريل وميكائيل ويفشلا؟ والذي ينجح ملك الموت الذي هو غير مسؤول عن الحياة لأن قبضة الأرض هي للخلق والحياة. ثم ملك الموت أخذ قبضة من الأرض بكل أنواعها : من سهلها وجبلها وأسودها وأهمرها ولهذا إختلف الخلق بأطباعهم وهذا يعني حسب الكاتب أن الذي قصّر فهذا لأن طبيعته هكذا فتجعل العاصي راضياً عن معصيته وهذا مفهوم متناقض مع مفهوم القرآن والتفسير وما بُعِث به الرسول r بدليل لأن هناك تكليف (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) المقصر سيقول هذه طبيعتي هكذا وهذا ضد العقل والمنطق ونسأل أين سند الكلام الذي جاء به الثعلبي في كتابه؟ لا يمكن لمسلم أن يأخذ من خارج القرآن والسُنّة. هذه الكتب لا تذكر عادة السند.
يجب علينا أن نتقي التراث من هذه الكتب عن طريق لجان متخصصة لأنه ليست من تراث الإسلام.
كلمة إسرائيليات جمعٌ مفردها إسرائيلية فما معناها؟
هي حكاية حكاها أحد اليهود عن واقعة ما. إسرائيل هو صفيّ الله وهو يعقوب u والخطاب في القرآن (يا بني إسرائيل ) فالمقصود (يا بني يعقوب). هل سمع أي مسلم أن محمداً r أخذ عن اليهود أو من اليهود؟ عندما قال عمر بن الخطاب سمعت التوراة كذا غضب الرسول r وقال " لو كان موسى بين ظهرانينا ما وسعه إلا أن يتبعني" فالرسول r ما أخذ عن أحد وإنما (علّمه شديد القوى).
الإسرائيليات دخلت في التفسير والحديث بذكاء شديد لأن المزوّر يجب أن يكون ذكياً ونحن علينا أن نكون أذكى منه لأن مرجعيتنا هي الكتاب والسُنّة الصحيحة.
في سنة 41هـ كانت سنة وبال على الأمة بإنتهاء عصر الصحابة والتابعين. من يومها مرّ الكتاب والحديث بمرحلتين مرحلة الرواية والتدوين. مرحلة الطباعة أثّرت بشكل حدّث ولا حرج لأنه لو كتبت في رقعة بخط يدك فلو أدخل أحدهم عليها شيئاً أو صححها سيكون من السهل أن يظهر الفرق في الخط ويظهر التصحيح أو الزيادة لكن في الطباعة لا ينكشف التزوير ولهذا الأفضل عند تحقيق الكتب أن نرى الأصل في الكتاب المخطوط حتى تنكشف الزيادة أو الخطأ أو التزوير. والمحقق عليه أن يتّهم المزوّر حتى تثبت براءته وبراءته تأتي من أصل المخطوط فإن لم يوجد مخطوط لا يمكن كشف التزوير.
بُثّت الحلقة بتاريخ 20/3/2006
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة 10:
سؤال: لماذا تحدثت كثير من آيات القرآن الكريم عن قصة آدم r ومراحل خلق آدم من طين ومراحل خلق الإنسان من ذرية آدم ولم تفعل ذلك عن خلق الملائكة والجنّ مع أنهم سبقوا خلق آدم؟

أساس الخلق أو المنوط بالتكليف بدراسة القرآن الكريم ودراسة المنهج وإتباعه هو آدم وذريته فكان يجب التركيز على مراحل خلق آدم لأنها قضية تثبت صدق رسول الله r في تحمل الوحي بالقصص عن الرسالة وتجعلنا نحن نفهم دورنا في الحياة، لماذا خُلِقنا؟ قال تعالى (الرحمن علّم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان) الله تعالى يعرض في سورة الرحمن حقيقة الواقعة. بمفهومنا نحن كنا نقول خلق الإنسان يأتي قبل علّم القرآن لكن علينا أن نسأل أنفسنا لماذا خلق الله تعالى هذا الخلق؟ القرآن يجيب (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) إذن مناط العبادة هو القرآن ولذلك قدّمه تعالى على الخلق (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان) الله تعالى خلق الإنسان للعبادة والعبادة مناطها القرآن كأننا عندما ولدنا ولدنا على منهج والله سبحانه وتعالى ما ترك خلقاً سدى وإنما كل الخلق خُلِق على منهج والقرآن الكريم يمثل هذا المنهج قسورة الرحمن تعطي التعبير الحقيقي لكل بشر خُلِق. حتى آدم u قال له تعالى إفعل ولا تفعل هذا منهج يساوي عندنا القرآن الكريم. (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان) علّم القرآن قبل خلق الإنسان فكأن الإنسان خُلٌِ على منهج ثم علّمه البيان وليس لأحد أن يُنكر هذا لأن الله تعالى قال (وعلّم آدم الأسماء كلها) مناط علّمه البيان أنه علّم آدم الأسماء.
سؤال: لماذا قالت الملائكة سبحانك في الحوار مع الله تعالى؟
الملائكة توضيفهم أنه يسبّحون الله تعالى ولا يعصونه. وساعة سألوه وأثبت لهم تعالى قصور علمهم تابوا إلى الله تعالى توبة إنابة لا توبة عن معصية كأنهم شعروا أنهم أخطأوا لمجرد هذا الإستفسار. والتوبة أنواع:
توبة عن معصية مثالها توبة آدم u
توبة إنابة مثلها توبة الملائكة (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا). حتى لو لم تعص أو تخطيء إرجع إلى الله تعالى.
توبة عن نوبة مثالها محمد r "يا أيها الناس إستغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مئة مرة" فكان r توّاب كثير الرجوع إلى الله تعالى "أبوء إليك" وهذه هي التوبة التي يجب أن يعي الإنسان عليها. كلما فعلت شيئاً قل أستغفر الله."هنيئاً لمن تاب عن توبة". سواؤ فعلت معصية أو لم تفعل تب إلى الله تعالى لأنه سبحانه قال (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) المتطهر طاهر لكنه يتطهر.
الملائكة تابوا إلى اله تعالى توبة إنابة لمّا أفاقوا عند قوله تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) أجرى لهم تعالى تجربة عملية على مراده في الخلق لأنهم ليس عندهم مدارك العلم التي سيعملها البشر (وعلّم آدم الأسماء كلها) فوراً. (إني أعلم ما لا تعلمون وعلّم آدم الأسماء كلها) تجربة عملية على الفور.
سؤال: ما دلالة كلمة الأسماء هنا؟ ولم لم يقل الأفعال أو الحروف أو غيرها؟
لم يقل الأفعال والحروف والصفات لأنها كلها أسماء فاختار تعالى كلمة تعني الصفة (الأسماء). الإسم في اللغة يعني الصفة، توقيع اللفظ على الذات (بئس الإسم الفسوق) أي الصفة الفسوق (ولله الأسماء الحسنى) أي الصفات. الأسماء تعني الصفة.
سؤال: المنطق السياقي يقتضي أن يذكر خلق آدم قبل عملية تعليمه الأسماء لكنها لم تذرك في الآية؟
أنه تعالى قال في الآية الأولى (إني جاعل في الأرض خليفة) بهذه الكلمة (جاعل) إعتبره أنه خلق سبحانه لأن أمر الله تعالى واقع. ساعة قال تعالى (إني جاعل) إعتبر أمره (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون). عندما قال (إني جاعل) لم يكن آدم مخلوقاً في حينها والله تعالى لا يحتاج إلى زمن لأنه سبحانه هو خالق الزمن ومالكه وهو لا يحتاج لزمن لفعله تماماً مثل قصة الإسراء. عندما نقرأ قوله تعالى (كل يوم هو في شأنه) هل اليوم هو هذا المؤلف من 24 ساعة؟ كلا هذا اليوم سمّاه علماء اللغة (يوم الآن) لأنه في كل جزئ من جزئ من جزئ من الثانية هو في شأن سبحانه وتعالى. تماماً مثل قوله (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) و(في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) هذا بالنسبة لما نعدّه نحن وما نفعله نحن في ألف أو خمسين ألف سنة يفعله تعالى بكلمة كن فيكون في أقل من جزء الثانية. الله تعالى خلق آدم في لحظة بين (إني أعلم ما لا تعلمون وعلّم آدم الأسماء كلها) والرسول r قال (وتركه ما شاء) والبعض يقول أربعين سنة (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) ولو قال تعالى (خلق آدم وعلّم آدم) قد توحي أن الله تعالى كان يستشير الملائكة. الواو تفيد الترتيب والتعقيب ، فيها فترة لنا نحن لكن ليست عند الله تعالى لأنه لا يحتاج لزمن.
سؤال: لِمَ قال خليفة في بداية القصة (إني جاعل في الأرض خليفة) وقال (وعلّم آدم الأسماء كلها)؟ ألا يوحي هذا بالتناقض؟
عندما قال تعالى (إلا إبليس كان من الجن) لم يقل الشيطان لأن إبليس هو إسمه وصفته شيطان لأنه تشيطن وجنسه جِنّ. وكذلك خليفة تعبّر عن آدم كمرحلة في لحظة من لحظات الخلق فأعطانا تعالى توصيفه: خليفة أي ذرية يخلف بعضهم بعضاً. وآدم هو إسمه وكان جاهزاً عند الله سبحانه وتعالى.
في قصة يحي u قال تعالى (لم نجعل له من قبل سميّا) وفي قصة عيسى ذكر إسمه (عيسى ابن مريم) وفي قصة آدم u لم يعمل توطئة للإسم لم يقل سأسمّيه آدم أو إسمه آدم لأنه تعالى ساعة قال إني جاعل في الأرض خليفة لم يكن للإستشارة وإنما للإختيار لأنه تعالى عنده الإسم جاهز. يحيى u ساعة سمّاه الله تعالى يحيى (البشر يسمون أبناءهم يحيى ويموتون) لكن لما مات يحيى u مات شهيداً ليظل له من إسمه نصيب فهو قد مات شهيداً والله تعالى يقول (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) ويحيى u مات في سبيل الله.. لما يسمي الله تعالى يكون الإسم له مدار.
سؤال: (وعلم آدم الأسماء كلها) أي الصفات علّمه؟
نحن عندنا خطأ شائع لمن لم يدرس اللغة العربية ويقول هذه المسميات وهو يقصد بها الأسماء. وهناك فرق بين الإسم والمسمى: فالشيء الذي أكتب به مسمى وإسمه قلم فهناك فرق بين الأسماء والمسميات. لم يقل تعالى علّم آدم المسميات لأنه لا تُعلّم لأنها جامدة ولكن نطلق عليها أسماء فلما علّم آدم علّمه صفة الأشياء بحيث أن حتى الذي سيستجد يمكن أن تسمّوه مثلاً كلمة مجرّة وصاروخ ومركبة فضائية لم تكن موجودة في عهد آدم. علّمه تعالى الأسماء كلها أي كل الصفات حتى التي لم تكن في مدارك آدم ولكن علّمه بوصفه ممثلاً للجنس البشري الذي سيتعلم فالمعلِّم الأول هو الله تعالى: علّم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم. إبتداء بآدم. علّمه ما لم يعلم من عهد آدم u. الولد يولد أولاً ثم يحبو ثم يبدأ يقول بابا وماما ولا يمكن أن تقول له إلعب فيفهم لكن تأتي إليه بالكرة أولاً وتلعب بها أمامه ثم تقول له إلعب فالكرة هي الإسم وهي الصفة فأولاً تعطيه الصفة . والمولى تعالى علّم آدم الأسماء أولاً ثم الصفات ثم الأفعال ثم الحروف لذا إختار القرآن الأسماء ولو قال علّمه الكلام: الكلام فيه أسماء وصفات وأفعال فكيف يفهمها آدم؟ كذلك قوله تعالى (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) ثم أعطاكم مناط العلم (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) المسع جاء مفرداً والأبصار جمع فكلنا نسمع صوتاً لكن العين ترى أشكالاً وألواناً ومن زوايا مختلفة فتحتاج إلى جمع ، والأفئدة هي محل القلوب في البدن وليست هي القلوب بدليل قوله تعالى (وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كاذت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها). مناط العليم إذن: سمع وأبصار وأفئدة. (قليلاً ما تذكرون).
سؤال: علّم على وزن فعّل لم يقل أعلم وأخبر أو أنبأ فلماذا إختيار علّم؟
لأنه تعالى علّمه بالإلهام بالنسبة لآدم ليس بالإتصال أنه قال يا آدم هذا كتاب، هذا كذا. عندنا ملايين الأسماء والله تعالى علّمه الأسماء بالوحي بـ (كن فيكون) لأن المعلّم هو الله تعالى. لا يحتاج أن يقول أعلّم أو ألهم لأنه في أقل من جزء من ثانية أصبح آدم عالماً. الصفة توحي بطول الفترة الزمنية (علّم) قد تدل على وقت طويل لكن نحن لا تعلمه لأن الله سبحانه وتعالى بـ (كن فيكون) ، بالإلهام علّمه وقد فعلها مع رسول الله r في (إقرأ – ما أنا بقارئ أو ما أقرأ ثم قال: إقرأ بسم ربك الذي خلق) أعطاه مناط التعلّم في ثانية. لما خلق الله تعالى لم يخلقه عن عدم كما يقول البعض لأنه لا يوجد عدم مع الله تعالى. لما خلق خلق في ثانية فالذي خلق بعيداً عن الأسباب يعلّمك بعيداً عن الأسباب يا محمد r. فإقرأ بسم ربك. ولو كنا نحن الذين نقول لقلنا إقرأ بإسم ربك الذي علّم وإنما قال تعالى (بإسم ربك الذي خلق) فهو سيعلمك بالإلهام في ثانية.
الأسماء كلها): كلها تدل على التأكيد أن كل الأسماء حتى الذرية تتعلم بالذي تعلمه آدم u وهذا دليل كلمة خليفة.
(ثم عرضهم على الملائكة) لم يقل (عرضها)؟ لم يقل عرضها لأنه تعالى علّمه الأسماء التي تحتوي العاقل وغير العاقل فالتغليب يكون للعاقل عند الإطلاق فقال (ثم عرضهم) لما إختار الأسماء إختارها لأنها أكثر وأغلب . إذا قلنا ما إعراب يلعب؟ نقول فعل وكلمة فعل هي إسم كذلك (في) هو حرف وكلمة حرف هي إسم. الكلام الشمولي الأسماء كل شيء بما فيها الأفعال والرحوف والصفات لأنها كلها أسماء ولم يقل كلاماً. لما قال تعالى (وعلّم آدم الأسماء) آدم كان يسمع ويرى وله قلب. (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم) آدم هو من طين ونحن خلقنا من بطون أمهاتنا. إكتمل خلق آدم ويدل على ذلك قوله تعالى (وعلّم آدم الأسماء كلها) أي أن له سمع وحواس وبصر وله عقل ومنطق.
سؤال : ما الملمح الزمني في قوله تعالى (وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة)؟
(ثم) تدل على التعقيب والتراخي والزمن يعلمه الله تعالى وحده وعلّم فيها ملمح زمني فأيهما أطول؟ ثم عرضهم على الملائكة أطول كأن الملائكة التي عرض عليها الأسماء أخذت وقتاً أكثر من آدم مع أنه هو علّم آدم لم يأخذ وقتاً لكن العرض على الملائكة أخذ وقتاً أكثر. فكأن المولى عز وجل يريد أن يري الملائكة شيئاً يجعلهم يقولون بعده: سبحانك. (قال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) إستعمل هؤلاء لجمع العاقل حتى يغلّب العاقل على غير العاقل فيدخل غير العاقل بالعلم. (إن كنتم صادقين) هل الملائكة تكذب؟ هناك صدق يقابله الكذب من حيث التوصيف وهناك صدق يقابله خطأ (يعني أخطأتم في التقدير) هم لم يكذبوا لكن أخطأوا في قولهم (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) أي إن كنتم صادقين فيما توقعتموه وفي التقدير وهذا لا يقابله الكذب. (أنبئوني بأسماء هؤلاء) كأني بالله تعالى قدّرت الملائكة خطأ فتهيّأ لها أنه سيحصل وسيحصل إما من واقع مما سبق عى الأرض أو من حدس وتوقع وهم أخطأوا في الإثنين لأن الخلق الذي خلقه الله تعالى ينفع في كل الأحوال: التعليم والتلقين إن شاء يصلي وإن شاء لا وإن شاء يطيع وإن شاء يكفر وله الإختيار على خلاف الملائكة أنتم أيتها الملائكة لستم أهلاً لموضوع الخلافة وموضوع العلم والأرض ولو كنتم أهلاً له كما توقعتم أنبئوني.
(وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة) القياس يقتضي أن الله تعالى يجيب على الملائكة أن الخليفة لن يفسد في الأرض ولن يسفك ويجاريهم في كلامهم لكن الله تعالى لم يقل شيئاً فكيف نفسر هذا الوضع؟ لأن التجربة أفضل طريقة للتعلّم. القرآن يعلمنا وقال لرسوله r (أُدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) وأفضل شيء في النعلّم التجربة. علّم آدم الأسماء حتى يبين لهم أنه لما قال تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) أن هذا المخلقو يُصلِح للأرض بحكمتي وإرادتي وأما الملائكة فهم لا ينفعون لأنه سبحانه وتعالى له إرادة أخرى(إني أعلم ما لا تعلمون) بالتجربة العملية.
سؤال: (أنبئوني) إستخدم أنبئوني ولم يستخدم علّموني؟ لأنه سبحانه وتعالى يعلم ولو قال أعلموني هو لا يحتاج إلى هذا فهو العليم سبحانه ولا يحتاج. ولا يمكن أن يقول أخبروني لأنه تعالى لا يحتاج للخبر لأنه يعلمه. نبّؤني كأنهم أخذوا النبأ وسيقولونه لكن أنبئوني هم لم يتعلموا هذا الشيء. مثل الفرق بين نزّل وأنزل: لما تأتي الهمزة يكون الفعل لله تعالى ونزّل لجبريل u. (أنبؤني لم يقل نبّؤني لأنه ليس من عندهم وهم ردوا: لا علم لنا إلا ما علمتنا. هم من ذاتيتهم لا يعرفون ولو قال: نبؤني كأما توحي أنه علمهم وهو لم يعلمهم ولم يتعلموا فقالوا: نحن أخطأنا ولا نعرف إلا ما علمتنا (سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا) أي لا علم ذاتي، ذاتيتنا لا تعرف (إلا ما علمتنا) (إنك أنت العليم الحكيم) الله تعالى عرض الأسماء فقط. هناك أشياء لا تعلمها الملائكة ملمح الآية هنا : الملائكة لا تعلم الغيب. الملائكة في الآية (32-33) كما أن الجن لا يعلم الغيب وهذه تقفل الطريق على النصابين الجدد الذيين طوروا النصب يقولون للناس: أنا ليس معي جني ولكن معي ملك. وهذا نصب لأن شاهد الآية أن علم الملائكة لا يكون إلا من إذن علم الله تعالى وأنها لا تعلم الغيب.
سؤال: أين كانت الملائكة ساعة علّم الله تعالى آدم الأسماء؟ كانت موجودة لكن الله تعالى علّم آدم بالإلهام: كن فيكون، ثم عرضهم والعرض لا يعطي علماً هم يرون الأشياء ولكن لا يعرفونها.. هذه طبيعة البشر. البشر يعمل من الصفة مليون صفة ومن الأسماء مليون إسم وهو يقيس لأنه تعلم الأسماء كلها من الأول والعملية تتطور فالمُشتق يطلع منه آلآف المستقات وتطلق تسميات من باطن علم واحد.
سؤال: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت الحكيم العليم: إعترفت الملائكة بعلم الله تعالى: نحن خلق لنا كبيعة تختلف عن طبيعة غيرنا. بعد التجربة إعترفت الملائكة وسلّمت لله تعالى (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) بعدما قال آدم الأسماء، لم تقل الملائكة (سل آدم) لأن طبيعتهم ليست المجادلة ولم يقولوا نحن خير منه كما قال إبليس وجاء في الإسرائيليات. هذا الكلام ما قاله القرآن (أنبؤني قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) كلمة وردّ. ثم قال تعالى (يا آدم أنبئهم بأسمائهم) يعني أن الدرس المستفاد من هذه القصة: أكمل تجربتك وإن سلّم لك من يناقشك ولا تكتفي بأنه إقتنع ولكن عليك أن تستمر في التجربة وأجهز على من تناقشه لأن فيها: فضل الملائكة في التسليم فوراً وإستكمال التجربة للأخر حتى تبيّن أنك تعلمت فعلاً. (تجربة – مشاهدة – إستنتاج) هذا منهج تعليم.
(فلما أنبأهم بأسمائهم) لم يقل بأسمائها لأن غلّب العاقل لأن فيها العاقل وغير العاقل. أنبئهم يعني العلم الذي علّمه المولى لآدم جاء بنتيجة.
أنبأ لأنه تعلّم وأخذ المنهج من الله تعالى وليس بذاتيته. الله تعالى لما يعلّم الملائكة فلم يستطيعوا أن يتبئوا أما العلم لآدم فقال أنبئهم. (فلما أنبأهم) بكل الأشياء قالوا: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا وتابت الملائكة توبة إنابة.
سؤال: إني أعلم غيب السموات والأرض . لماذا الإصرار على الحوار مع الملائكة؟ في الإختيار والتقدير أن البشر ينفع للأرض والجن تنفع لمهمتها والملائكة تنفع لمهمتها ولا أحد ينفع أن يأخذ دور غيره. وتؤكد أن الملائكة لا تعلم الغيب. توقيع الآية أنه حتى لو دار في دماغ أو ذهن الملائكة الله تعالى بقدرته وحكمته وإحاطته وهيمنته (إني أعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) هذه الآية تؤكد أنهم كانوا يُبدون شيئاً ويكتمون شيئاً وهذا سر توبتهم توبة إنابة (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور).
يوم القيامة لما يقول (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) لا يقولها إلا عليم علاّم. ظاهر الأفعال تسجّله الملائكة (كتب، صلى، قرأ) ساعة صلّى هل سرح أو سهى في صلاته؟ هذه لا تعرفه الملائكة (يعلمون ما تفعلون) أهل التفسير إتفقوا أن الملائكة تعلم ظاهر الأمر أما ما تخفيه الصدور أبقاها تعالى لذاته (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور). آدم u شهد هذا الحوار بين الله تعالى والملائكة لأن هذا من تشريفه وتكريمه.
سؤال: الآية ليس فيها كلام عم إبليس وكيف وسوس لآدم وزوجه وليس فيها السجود؟ في سورة البقرة جانب من جوانب القصة وقصته كما ذكرنا سابقاً سبعة أوجه وملامح ولم يكن هناك ذكر سابق لزوجة آدم، متى جاءت زوجته؟ لن نضع ايدينا على القصة إلا بإنتهاء الملامح السبعة وكذلك قصة موسى u يجب أن تُقرأ كل الآيات التي تحكي القصة ولا نكتفي بجزء من القصة.
سؤال: المنطق البشري يقتضي أن يرد كلاماً عن مراحل الخلق والزوجة ثم السجود لكن لماذا بدأ القرآن الكريم بهذين الملمحين؟ أن تسلملمراد الله تعالى فيك. أنا آخذ المنهج من الله تعالى لأنه علم القرآن يعني المنهج (ذلك الكتاب) كل هذا الكلام لا يمر هكذا. المسلمون للأسف في عصرنا هذا يريدون أن يتبعهم الدين ولا يريدون أن يتبعوا دينهم ويقولون:.لماذا لم يقل كذا والمفروض أن يكون هكذا؟ نحن عندما نسمع القرآن كلام الله تعالى نتّبعه.
الدرس المستفاد من عدم ذكر حواء ومراحل خلقه وسجود إبليس له حتى نعي ونخضع لكلام الله عز وجل أياً كان الملمح . والبعض يسأل لم لم تأت القصة كلها في سورة واحدة كما وردت في قصة يوسف؟ لله تعالى الحكمة البالغة فلما نقرأ البقرة ثم نقرأ ص حتى نعود للبقرة وكذلك في الحجر والأعراف والكهف وكل واحدة فيها ملمح ليس في السورة الأخرى وسنظهر لماذا جاء كل محور في سورة محددة. الكهف إسم وصفته وملمح قضية (أصحاب الكهف تتحدث عن أصحاب الكهف ثم يذكر آدم في ملمح معين ولو قرأنا الملامح الستة غير الكهف نتساءل لماذا فعل إبليس كذا. الجواب في سورة الكهف (إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه).
بُثّت الحلقة بتاريخ 3/4/2006م
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة 11
(وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة)

سؤال : ما الوسائل والأهداف التي نستفيدها من قصة آدم؟ الصراع بين آدم وإبليس هو بطل من أبطال القصة لكن لم يرد ذكره في آيات سورة البقرة فكيف نفسّر هذا؟
القصة لم تكتمل ولن تكتمل إلا بإنتهاء الملامح السبعة في السور السبعة التي ذكرت فيها قصة آدم وهي: البقرة والأعراف والحجر والإسراء والكهف وطه وص. في سورة البقرة لم يذكر إبليس مع الملائكة وهذه تعطي ملمحاً آخراً إن إبليس كان مستوعباً للأمر كله الذي لم تستوعبه الملائكة فهو لم يتعترض في البداية ولم يستفسر كما فعلت الملائكة ولم يسأل ما سألته الملائكة لأنه فهم القصة. بعض المستشرقين يريدون أن يتكلم إبليس مع الملائكة والبديع أنه لم يرد ذكر إبليس إلا في الإعتراض مع السجود وهذا من بديع القرآن. لم يرد ذكر إبليس إلا ساعة أبى وإستكبر. هو كان مشمولاً بالأمر بالسجود بدليل (إذ أمرتك) لكن لم يشمله الكلام مع الملائكة ولم يتكلم معهم، هو ليس من الملائكة وساعة يذكر القرآن الكريم الملائكة يقصد الملائكة دون إبليس. المولى عز وجل قال (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)) الإستثناء يظهر عندما سأله (أستكبرت أم كنت من العالين) لو قال إبليس أما لست من الملائكة لكن برر عدم سجوده لكنه قال (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) فهذا يعني أن الأمر بالسجود كان له وهو لم يعترض. إذا صدر الأمر لمن هو أعلى يكون شاملاً الأدنى، فإبيلس كان حاضراً مع الملائكة ولم يبرئ نفسه وإنما ردّه يدل على أن الأمر شمله. فالأمر بالسجود على أنه أدنى من الأعلى المأمور أو الملائكة وهو لم يعترض وإنما قال (لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون) تعني أنه فهم أن الأمر شمله. فالدروس المستفادة حتى الآن هي الطاعة.
إعترفت الملائكة بالعلم المطلق لله تعالى (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) أما إبليس فظهر ساعة الأمر بالسجود فقط وساعة رفض السجود (إلا إبليس) ولم يظهر إلا عند توقيع رفضه وإعتراضه وإستكباره وتعاليه. كُفر إبليس هنا يبيّن مناط رد الأمر على الآمر وهذا إختلاف المعصية بين آدم وإبليس فمعصية آدم u أنه أطاع ثم عصى أما إبليس فعصى فوراً بردّ الأمر على الآمر وهذا أكبر أنواع الكفر ولذا تاب الله تعالى على آدم ولم يتب على إبليس كان من الكافرين وكان من الجِنّ ففسق عن أمر ربه. غلبت خِلقته عليه وهذا سر الفسوق لأن طبيعته أهّلته لذلك.
(إلا إبليس أبى) هذا ملمح و (إستكبر) هذا ملمح. (أبى) توصيفه أنه رفض السجود، إستكبر مناط أبى. بمعنى أنه رفض لأنه إستكبر وهذه جزئية يجب أن نقف عندها ونخلّص أنفسنا منها وهي الكِبر ومحمد r يخبرنا في الحديث الشريف :" والله لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرّة من الكِبر" . المشكلة أن البعض يدّعي أنه متواضع لكن عنده كِبر. الكِبر يُخرج من المِلّة ويُخرج من الجنة ويُخرج من طاعة الله. فالإستكبار هو الذي جعل إبليس يأبى السجود لآدم طاعة لله تعالى.
لماذا رفض إبليس السجود؟ لأن عنده كِبر ومتعالي وظنّ أن النار أفضل من الطين (أنا خيرٌ منه) ولا أدري من أين جاء بهذه الأفضلية؟ قال (أأسجد لمن خلقت طيناً) هو نسب الخلق لله تعالى ومع هذا إستعلى على الخالق الذي خلق وهو مخلوق. هذه عبرة لنا لأننا يجب أن نستعلي على الخالق ولا نستكبر لأننا مخلوقين. قارون قال (إنما أوتيته على علم) قال أوتيته أي نسب الإيتاء لله تعالى ومع هذا إستكبر. فعلينا أن نراجع أنفسنا لأنه لا جنّة مع كِبر، يجب علينا أن نتواضع لأنه ليس في يدنا شيء ولم نفعل شيئاً ولن نفعل إلا بفضل الله تعالى وإذنه وإرادته ومشيئته حتى إسلامنا هو بمشئيته (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله).
سؤال : عندما سألت الملائكة في بداية قصة آدم ذكر تعالى الحوار بالتفصيل لكن بعد صدر الأمر من الله تعالى بالسجود آدم لم يرد أنه حصل حوار لماذا؟
هذا يبيّن أن الملائكة رغم أنهم سألوا من قبل سؤال إستفسار وتدبّر سجدوا فوراً بمجرد صدر الأمر من الله تعالى بالسجود أما إبليس فهو الذي لم يرد أن سأل من قبل خلق آدم رفض السجود. الملائكة سألت وناقشت ومع ذلك أول ما صدر الأمر بالسجود إئتمروا وسجدوا وإبليس الذي لم يتكلم أبداً من قبل رفض وهذا يسيء إلى وقفه لأن عدم كلامه في البداية يدل على أنه مقتنع. وهذها درس لنا: إياكم والكِبر فقد تكون في أعلى درجات الإيمان فتزِلّ وتموت عليها وهذا درس آخر أن الإنسان المسلم الواعي قد يكون في أعلى درجات الإيمان فيزله الشيطان فيموت على أعلى درجات المعصية.
في سورة البقرة لم يرد ذكر للحوار بين الله تعالى وإبليس بعد الأمر بالسجود لأن ملمح قصة آدم u في سورة البقرة هو ملمح شمولي يهمنا فيه أن إبليس رفض السجود لنأخذ الملمح. فإياك أن تكون على درجة إبليس تكون طائعاً ثم تزل فتموت على معصية ثم يعطيك ملمحاً آخر: يا آدم إذا رفض السجود لك فكيف تسمع كلامه؟ (هذه سرعة إنتقال).
لم تُذكر حواء ولم يُذكر خلقها هنا في سورة البقرة لكن شملها الأمر بالدخول إلى الجنة والأكل. فهل صدر الأمر الإلهي لآدم أن لا يسمع ويرضخ لكلام إبليس؟ آدم علِم العداوة من إبليس. وقصة آدم واحدة مكتملة. في سورة البقرة صدّر الله تعالى السورة بهذه الملامح من قصة آدم للإيمان لأن الإيمان ليس معه لماذا؟ أسلِم ثم إسأل وهذا معنى الإسلام. الإسلام طاعة لأن الإله لا يخدع ولا يكذب حاشاه فهو الآمر.
هل هناك حكمة من تأخير ذكر حواء؟ هناك حكمة أنه لم يذكر إسمها مطلقاً في القرآن وجاءنا إسمها من الحديث الشريف وهذا ليعلمنا أن المسلم يأخذ من الكتال والسُنّة تماماً كما أخذنا ركعات الصلاة ومناسك الحج وغيرها من الرسول r من سُنته الصحيحة.
(قلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك) كلمة اسكن لها دلالة لأن العرب تسمي السكن للبيت الذي يكون فيه زوجان أما بيت العازب أو الأرمل فلا يقال له سكن هذا في اللغة. الزوج من آيات الله بدليل (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها) لم يطلق العرب كلمة سكن على بيت العازب أو الأرمل وإنما على البيت الذي فيه زوجان فالمرأة تسكن إلى زوجها وهو يسكن إليها وهي تسكن به وهو يسكن بها من السكينة. ومن الآيات أن جعل بينكم مودة ورحمة. المرأة والرجل كل منهما فرد وبعد العقد يقال زوج لكل منهما فنقول: محمد زوج خديجة وخديجة زوج محمد. وعندما نتكلم عن الإثنان نقول زوجان. الفرد بعد العقد يصبح زوجاً. لو قال اسكن أنت فقط لما استعل كلمة اسكن. السكن لا يكون إلا للإثنين.
سؤال : ما دلالة كلمة (وكُلا)؟:
الله تعالى أعطاهما المباح قبل الممنوع وهذه عطاءات الله تعالى. في غير القرآن كان يمكن أن يقول واسكن ولا تأكلا. لكنه تعالى منحه كل الشجر في الجنة ومنعه من شجرة واحدة وكلمة الجنة تعني الشجر الكثيف وربما لو كان المنع كان عن مئات الأشجار لكان لآدم عذراً لكن المنع كان عن شجرة واحدة والمباح كل باقي الشجر.
تحريم الخمر جاء في القرآن على أربعة مراحل تدل على أن المنع له حكمة فالذي يمتنع من تقلاء نفسه ثوابه أكبر من الذي يمتنع بعد صدور الحكم ولكل ثوابه. أحياناً المنع يكون لحكمة ولخوف على الشخص لكن لما يمنعك الله تعالى فهو يختبرك (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون). أول مرحلة من مراحل تحريم الخمر قوله تعالى (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) النحل) طالما جاء الوصف لما بعد الواو (رزقاً حسناً) فهي أفضل مما قبل الواو (سكراً) فالرزق الحسن أفضل من السكر إذن. والمرحلة الثانية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ (43) النساء) لأنهم كانوا يصلون العشاء ويسكرون ثم قبل الفجر يكونوا قد أفاقوا من السكر فيغتسلوا ويأتوا لصلاة الفجر وهم صاحون. والمرحلة الثالة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) البقرة) والمرحلة الأخيرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة ) وهذا نهي قاطع (فاجتنبوه) . فهل الذين إمتنعوا من أول مرحلة يتساون في الأجر مع الذين إمتنعوا بعد الرحلة الأخيرة؟ بالطبع لا صحيح لكل منهم أجره لكن أجر الذين إمتنعوا بداية أكبر لأنهم السابقون. فالمسألأة إذن ليست لمجرد المنع وإنما حكمة وإبتلاء ولهذا قال تعالى (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين).
(وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ) هي شجرة واحدة بدليل قوله تعالى (ولا تقربا هذه الشجرة) تدل على أنها واحدة وليست صنف شجر. وأوضح تعالى العلة في المنع (فتكونا من الظالمين) الظالمين لأنفسهم لأنه أبشع أنواع الظلم. لم يكن موجوداً غير آدم فظلم نفسه حتى تداركته رحمة الله تعالى. توبة آدم لم تأت من تلقاء نفسه (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) أخذ آدم الكلمات من الله تعالى لأنه سبحانه وتعالى أراد أن يشرّع التوبة لأنه توّاب.
نلاحظ أن إيقاع القصة في سورة البقرة متسارع وهذا الملمح الشمولي في السورة. المؤمن الواعي يقتنع من قراءة سورة البقرة ولا يسأل أسئلة غريبة وعندما يقرأ بقية ملامح القصة في السور الأخرى يزداد إيماناً ويترقى ويرضى بما قاله تعالى ويفهم ولا يهمه ما نوع الشجرة. المهم أنه مُنع عنها والإختبار إنما هو طاعة لله تعالى.
(فأزلّهما) إستخدم القرآن في القصة (ثم) و الواو والآن يستخدم الفاء لأن الشيطان لم يصبر عليهما وأطاعوه بسرعة. أزلّ للإثنين (آدم وزوجه) وهذا ينفي ما يقال زوراً عن حواء وما تورده الإسرائيليات وحواء منه براء. قال تعالى (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) تدل على أن القضية مناطها الرجل بدليل القرآن قال (فتلقى آدم من ربه كلمات) وحواء معه فقالا (ربنا ظلمنا أنفسنا) آدم تلقّى الكلمات وأعطاها لحواء فقالا هما الإثنان (ربنا ظلمنا أنفسنا).
(أزلّهما، فأخرجهما) دلالة على السرعة وهذه تدل على النتيجة المترتبة على التسرّع.. (فلا يخرجنكما) تدل على أنه سيحصل ما يخرجكما فلا تتبعاه وهو عدو لكما. هناك وسوسة وإخراج إلا من رحم الله تعالى بإستغفار وتوبة وعودة إلى الله تعالى وقلنا في الحلقة السابقة أن أفضل أنواع التوبة توبة محمد r وهي توبة عن توبة.
الجنة التي كان فيها آدم على أغلب الآراء أنها في الأرض. القرآن عربي والجنة لغوياً تكون بربوة والهبوط منها هبوط درجة لأنهما لم يسمعا كلام الله تعالى. إستعمل القرآن الكريم الجنة في عدة آيات على أنها في الأرض (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة) (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) الكهف) الجنة وردت في القرآن على جنة الأرض واستُعيت الجنة لجنة الخُلد. كل الجنان في الأرض كما ذكرت في القرآن واستعير الجنة الخلد لُغة. ولو أنها جنة السماء جنة الخلد لما كان آدم خرج منها وجنة الخلد نتيجة وجزاء على طاعة فكيف يدخلها آدم. الجنة أساسها الستر تجنّ من بداخلها أي تستره وهي على الأرض.
سؤال : صدر الأمر الإلهي لآدم وزوجه أن يسكنا الجنة ولم يصدر لإبليس فكيف دخل؟
الوسوسة هو صوت أساور الذهب في يد المرأة وهذا الصوت تسمعه من بعيد ولا يحتاج إبليس أن يدخل المكان ليوسوس وهذا من طبيعته وقدرة الله تعالى في خلق إبليس. (أقعدن لك صراطك المستقيم) لكنه إستثنى العباد المخلَصين ويقول تعالى (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) الحجر) عبادي هم عباد الرحمن (فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) بحثت في القرآن عن كلمة أضعها مكان الياء في عبادي فوجدت عباد الرحمن. وهنا نسأل لماذا إختار تعالى إسم الرحمن دون سائر أسمائه الحسنى ليبدأ به سورة الرحمن (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان)؟ الله تعالى خلق الإنسان للعبادة ومناطها القرآن ومن أظهر مظاهر الرحمن أن يقول إسم الرحمن ولم يقل القهار أو الجبار. هو سبحانه وتعالى سهّل المنهج بمُطلق الرحمة. ولفظ الرحمن لا يُطلق على مخلوق وإنما هو إسم خاص لله تعالى أما كلمة رحيم مثلاً فيمكن أن تكون للناس فقد وصف الرسول r بأنه (بالمؤمنين رؤوف رحيم).
(فأزلهما الشيطان) لم يقل إبليس للتشيطن لأن إسمه غير صفته غير جنسه. هو لم يرفض إلا لأنه تشيطن وإبتعد عن طاعة الله. ولا يمكن أن يقول طاغوت لأنه تشكل إبليس وغيره. وكلمة شياطين الإنس لا تُطلق إلا مع قرينة سياقية.
الشيطان إبتعد عن طاعة الله تعالى فلما تشيطن أصبح شيطاناً وما كان ذلك إلا لأنه كان من الجِنّ ففسق وهذه تساوي طلمة تشيطن.
سؤال: دخل آدم وزوجه الجنة وحدثت الوسوسة، هل أخذ هذا شكل صراع طويل؟ هل قضى آدم وقتاً طويلاً في الجنة؟
وردت هذه الأشياء لكن في غير سورة، في ورة الأعراف قال (وقاسمهما) ولم يقل أقسم لهما.
(فأزلهما) دلالة اللفظ أن الإثنين مع بعض في الفعل أبعدهم الشيطان عن طاعة الله سبحانه وتعالى. أزلّهما هي مناط وأخرجهما هي نتيجة. أحد الأفاظ يعطي ملمح كل جزئية: وسوس واقع، نوعها: أزلهما، قاسمهما، توصيف فعله لآدم ولنا هي وسوسة (فوسوس).
أزلّهما مناط (عنها) عن الطاعة، الجنة وبعض العلماء قالوا أزلهما عن رحمة الله تعالى والنتيجة في كل الأقوال واحدة وهي أنهم خرجوا. أخرجهما صوّرت إبليس على أنه الفاعل. الله تعالى أسكنهما الجنة وإبليس أخرجهما منها ولكن كل شيء بإرادة الله سبحانه وتعالى. وفي الحقيقة الذي أخرجهم من الجنة هم أنفسهم، صحيح أخرجهما الشيطان بوسوسة لكنهما إستجابا له وهذه الإستجابة كانت مناط نجاح الشيطان. هما أخرجا أنفسهما بطاعة الشيطان وتمّ ذلك على مراد الله تعالى لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى. لم يكن في وسع آدم أن يرفض وهذا ليس من باب التسيير الذي يحتج به البعض. توصيفه أنه سمع كرم الشيطان لكن هذا منتهي لعلم الله سبحانه وتعالى. الله تعالى من أسمائه الخبير فلا يحاسَب على خبرته.
في سورة البقرة جاء تحذير عظسم (فتكونا من الظالمين) والناس إلى الآن ما زالت تطيع إبليس على الرغم من أن تجربة آدم أمامنا.
علينا أن نتجنب الشيطان ومعصية الله تعالى فإذا عصينا علينا أن نبادر بالتوبة إلى الله تعالى ونلجأ إليه في أوقات الإجابة ونحن لديتا أحاديث كثيرة في هذا الباب " أن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده النهار ليتوب مسيء الليل" وحديث الثلث الأخير " حيث يتنزّل الله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه؟" الله تعالى يقترب منا ونحن نبتعد. أين الناس في الثلث الأخير من الليل؟!
أسأل الله تعالى أن يجلّي لنا حقائق القرآن ليجنّبنا معصية الشيطان.
بُثّت الحلقة بتاريخ 10/4/2006م
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة 12
ترتيب نزول الآيات كان يتّسق ويتفق مع زمانه أما ترتيب الكتاب فهو الذي يقابل ما نحن فيه مع زماننا. الشاهد على هذا الكلام أن سورة البقرة ترتيبها 87 في النزول والثانية بعد الفاتحة على رأس الكتاب. عندما نستعرض السور السبع التي وردت فيها قصة آدم u: البقرة، الأعراف، الحجر، الإسراء، الكهف، طه ، ص. نجد أن سورة الأعراف هي الثانية من حيث النزول والثالثة من حيث ترتيبها في الكتاب، سورة ص هي ترتيبها الأول من حيث نزول قصة آدم فيها وترتيبها السابعة في الكتاب. بلا شك هناك ما أراده الله سبحانه وتعالى بهذا الجمع. القضية أنه ساعة نعرض للقصة يتابع الناس معنا كما تقرأ بترتيب الكتاب ونحن قررنا أن نسير على ترتيب الكتاب وليس على ترتيب النزول حتى يسير الناس معنا وهم يقرأون القرآن بترتيب الكتاب. وسبحان الله تعالى فإن الآيات كلها إذا جمعتها من كل السور التي وردت فيها تجد أنها جاءت بأكثر من ملمح في كل قصة ففي سورة البقرة مثلاً كثير من الآيات التي لم تأت في القصة في سورة أخرى. ففي سورة البقرة ورد نص (إني جاعل في الأرض خليفة) هذا النص لم يرد في أية سورة أخرى ولم يتكرر جاء في سور أخرى (إني خالق بشراً من طين) وهذا ما تنفرد به القصة في سورة البقرة وهي على رأس الكتاب. وهنا يجب أن نوضح أنه لما نتكلم في هذا البرنامج عن القرآن نقصد به النزول وعندما نتكلم عن الكتاب نقصد به المصحف بترتيبه الذي بين أيدينا اليوم.
في سورة البقرة قال تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) وأتمنى أن أمحو من أذهان الناس آثار الإسرائيليات وأذكر أن أحدهم سألني مرة: هل الملائكة تتكلم؟ ووجدت من أسئلته ما يحتاج لوقفات. يجب أن نقول أننا نحن نأخذ القصص في القرآن حتى نأخذ العبرة والعظة منها. حتى من موقف إبليس ساعة حسد آدم ويجب أن نفهم ماذا حصل؟ لماذا لم يسجد إبليس لآدم كما أمره الله تعالى؟ لأن هذا واقع حال ويتكرر عندنا الآن. كثير من الناس يتكلم عن السحر ولكن لم يقف أحد عند الحسد وأصل قصة آدم كلها أنها مبنية على الحسد لأن إبليس لم يعجبه تكريم المولى لآدم فحسده ولما حسده وحتى يوقع الحسد فيه رأى زاوية الضعف في آدم. كما جاء في حديث رسول الله r أنه ساعة خلق الله آدم وتركه ما شاء الله أن يتركه (في الإسرائيليلت يقولون أربعين سنة) أخذ إبليس يستعرض هذه الجثة قبل نفخ الروح فعلِم أنه خلْق لا يتمالك أي عنده شهوة تُسهّل مهمة إبليس معه لأنه أجوف. لا يتمالك لغة تعني لا يملك نفسه عند الغضب، عند الشهوة وهذه حالات سيطرة إبليس علينا وهو يدخل من هذه المداخل: الغضب والشهوة. عرف إبليس نقطة ضعفنا ولذا فسيطرته سهلة وعلينا نحن أن نسد الثغرات لننجح في المعركة القائمة إلى يوم الدين بيننا وبين إبليس. ساعة فراق الدنيا هي الساعة التي يعرف الإنسان منا هل نجح في الإختبار مع إبليس وهذه هي اللحظة التي يبكي عليها العارفون ساعة فراق الدنيا إلى الدار الأبدية لذا نستعرض هذه القصة لنأخذ منها العِبر.
سؤال ما هي الملائكة؟ ذكر الله تعالى في القرآن خلق آدم والإنسان وخلق الجن لكن لم يذكر خلق الملائكة فجاء الحديث الشريف ليخبرنا عن خلقهم لحصول التكامل بين الكتاب والسُنة. قال رسول الله r:" خُلِقت الملائكة من نور وخُلِق الجن من نار وخُلق الإنسان مما وُصِف لكم" (مما وصف لكم) لأن مراحل خلق آدم تحدث عنها القرآن الكريم .وهذه حجة على الذي يرفض السُنة ونقول له من أين عرفت عدد ركعات كل صلاة إذن؟
سورة البقرة تعطينا جانباً من جوانب قصة آدم u وكل سورة وردت فيها القصة فيها لمحة جديدة ولا يوجد تكرار في القصة. قصة آدم جاءت في سبع سور وكل سورة فيها ملمح لم يأت في سورة أخرى. أحد رواة الإسرائيليات قال أن الله تعالى يستشير الملائكة لكن هذا غير صحيح لأن الله تعالى قال (إني جاعل) ولم يقل سأفعل أو يا ملائكتي أأخلِق؟ أو غيره وهذه الكلمة (إني جاعل) هذا قرار ولا تدل على إستشارة أو غيرها (إسم الفاعل جاعل يقع وقوع الثبوت) والله تعالى أمره (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كُن فيكون) هو سبحانه وتعالى لا يستشير. الشيء لم يكن موجوداً عندنا لكنه موجود عند الله تعالى بمجرد إرادته لهذا الشيء يوجد وكلمة (يقول له) تتعني كأن الشيء أمامه وإلا ما إستعمل الضمير (له) وقوله تعالى (كُن فيكون) تعني إظهر للخلق فهو موجود أصلاً (وليس من الكينونة) ولو لم يكن موجوداً لما اقل (له) فإذن كُن يعني إظهر للبشر أو لخلقي.
(إني جاعل في الأرض خليفة): سورة البقرة تكلمت عن واقعة لم تتكرر في باقي السور وهو ردّ الملائكة. تخيّل لو لم يأت ردّ الملائكة تكون الآية على النحو: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. جاء في البقرة ملمحاً جديداً أن الملائكة ردّت وفكّرت وتوقعت لكن لو لم تكن تكلمت لكانت القصة في سورة البقرة تكراراً لما ورد في غيرها من السور. كلام الملائكة يبيّن أن الآيات في هذه السورة ستتحدث عن ملمح لن يتكرر في سورة أخرى. فسورة البقرة هي الوحيدة التي جاء فيها ردّ الملائكة (قالوا).
(وإذ قال ربك للملائكة) : أي أُذكر يا محمد. الواو في (وإذ) متعلقة بذكر الواقعة كأنها إستئنافية ليذكر لنا الرسول r عبر الوحي هذه القصة. كأن الرسول r عندما تنزل الآيات سيقول بالنص (وإذ).
سؤال ما موقع هذه الآيات بالنسبة لما سبقها؟
عرض خلق الكون وكيف إستعدّ الكون لهذا لإستقبال هذا الجعل فكأنه يضيف إلى المؤمنين من تؤنبه نفسه (فكيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم.. ترجعون) نحن لم نعش لحظة الخلق ولكننا عشنا لحظة الموت ورأينا من يموت ودفنّاه فنأخذ من هذه شاهداً لتلك. يجب أن نعمل حساباً لقوله تعالى (ثم إليه ترجعون). (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) قبل خلق آدم. (وإذ) اذكر أنه بعد أن خلق الكون وأعدّه خلق آدم ولم يستشر. هناك ربط بين هذه الآية وما قبلها بالواو في (واذكر). اذكر يا محمد ساعة قال ربك للملائكة تبين أن الرسول r يستمد من هذه القصص صدق نبوته وصدقه في الوحي فهو لم يحضر هذه القصص ولم ير نوحاً وإبراهيم وموسى وعيس. قصص هؤلاء جاءت في التوراة والإنجيل وكان حري بهم أن يقولوا له صدقت. فالله تعالى يؤيد الرسول r بصدق القرآن الكريم.
(وإذ) أي اذكر وقل لهم حتى يصدقوك. (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) بالرصيد الموجود عند الشخص لمن يُتكلم عنه إما تصدقه أو تكذبه. فهل يعقل أن يغامر الرسول r بحكاية يكذّبوه فيها؟ هل سمعتم أن يهود المدينة قالوا للرسول r لم يحصل ما تقول؟ وهذا سيبقى حتى بعد وفاة الرسول r فالقرآن باقٍ بقوله (وإذ).
عندما سُئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه: يا أبا بكر هل عرفت ربك؟ قال نعم، قالوا بِمَ؟ قال عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي، فقالوا: كيف عرفته؟ قال: العجز عن الإدراك إدراك والبحث في ذات الله إشراك. هذه الجملة يجب أن تدعل كل بشر يسلم بها فعندما تعجز عن إثبات وجوده فقد أثبته. طالما أن اليهود لم يكذبوا الرسول r في واقعة من وقائع القصص فهذه غاية القصص. القصة التي يحكيها الرسول r لها واقع في التوراة والإنجيل وهو لا يعلم فهو صادق لذا قال تعالى (نحن نقص عليك أحسن القصص) لم يكن الرسول r قبل البعثة يقص قصصاً. هو r قًصّ عليه القصص ولم يكن هو الذي يتتبع القصص. (بما أوحينا إليك) القصص ضمن الوحي كقصة نوح وموسى وعيسى وغيرهم. عقاب المشركين يوم القيامة أنهم عندهم القصص في كتبهم ولكنهم كذبوا محمداً r عندما أخبرهم بها لذا فليس عبثاً أن جاء في الاتحة قوله تعالى (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) ثم تأتي سورة البقرة تتحدث عنهم. الرجل العاقل لا يضحك على نفسه فهم لديهم القصص في كتبهم لكنهم لم يصدقوا الرسول r.
سؤال ما دلالة إستعمال كلمة(ربك) بدل الله مثلاً؟
لأنه عندما قال إقرأ قال (إقرأ بسم ربك الذي خلق) وبسم الله جاءت على رأس كل السور تطبيقاً للقول. جاءت (ربك) لأجل موضوع العبودية.
سؤال (وإذ قال ربك للملائكة) هل الأمر صدر لجميع الملائكة؟
هناك رأيان في هذا بعض المفسرين قدامى ومحدثين قال أنه لبعض الملائكة المسخرين والمتصلين بخدمة الإنسان مثل المدبرات أمراً والحفظة وجبريل وإستدلوا على رأيهم بقوله تعالى في آية أخرى (أستكبرت أم كنت من العالين) قالوا: العالين هم الذين لم يشملهم الأمر وهم حملة العرش. والرأي الآخر الذي آخذ به أن قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة) يعني كل الملائكة لأنه لم يقل بعض أو قليل أو كثير فلا يوجد تبعيض وإنما قال للملائكة فلذا نميل إلى أن جميع الملائكة شملهم الأمر. أما كلمة العالين في الآية (أستكبرت أم كنت من العالين) فهي تعني العالين جمع عال أي المستكبرين بدليل قوله تعالى عن فرعون (إن فرعون لعالٍ في الأرض). وهذا الإختلاف بين العلماء شهدناه مع الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى ومع أستاذه الشيخ عبد الجليل تواب الذي قال: كل الملائكة والشيخ الشعراوي قال بعض الملائكة والشيخان لم يختلفا إلا في بعض الأمور القليلة جداً. نحن نختلف لكن تبقى اللغة هي الفاضل (وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً) اللغة لها وقع في الإستخدام قبل القرآن. نحن نرجح رأياً لكن لا نتعصّب لرأي ضد رأي. والمناقشة يجب أن تكون للإستفادة حتى لو إختلفنا. يجب علينا أن نقرأ القرآن ونطبقه ونستفيد منه.
(في الأرض) هذه الكلمة تحقق معنى كلمة الجنة التي قلنا أنها على الأرض وليست جنة الخلد لأن أول إستخدام لكلمة الجنة في القرآن (أصحاب الجنة) (جنتان). الأرض التي خلق آدم لها وخلق البشر لها وهي خُلٌِقت وأُعدّت لآدم. قال تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) فنحن لم نأت للسماء ولكن للأرض.
سؤال خليفة: لماذا لم يقل مخلوقاً أو آدم أو غيرها حتى لا تثير كلمة خليفة الجدل؟ خليفة لله أو خليفة يخلف بعضهم بعضاً
أن يكون لله تعالى خليفة فهذا كلام فارغ. عندما تسمع كلمة الله يجب أن تضعه على مدار ما جاء في القرآن (ليس كمثله شيء). خليفة سبق وذكرنا أنه لغةً هو الذي يخلف غيره ويقوم مقامه بعد موته أو سفره أو غيابه أو إنتقاله . وفي كل المعجم اللغوية كلمة خليفة على أنها عجز المخلوف إحتياجه إلى خليفة. فلان حاكم بلد فيها أطراف مترامية فيستخلف على بعض أجزائها خليفة لأن البشر ليسوا مهيمنين أما الله تعالى فهو المهيمن. الدكتور محمد المسيّر قال أن القول أنه خليفة لله هذا مستحيل.
كلمة خليفة، لنفترض أنهم قالوا خليفة عن الله فلمن تكون الفائدة؟ لله أو للخليفة؟ فائدة لله! فهل يعقل هذا الكلام ؟ وهل الله تعالى يحتاج لخليفة؟ كل البشر يحتاجون لخليفة فالموظف في عمله مثلاً يحتاج لخليفة يخلفه في عمله عندما يكون مسافراً أو بعيداً عن عمله. من يحتاج من؟ الخليفة يحتاج للمخلوف أو العكس؟ بالواقع الذي يقولونه من إعتبارهم أن خليفة تعني خليفة عن الله كأنهم يقولون أن الله تعالى حاشاه يحتاج لخليفة.
ردّ الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها أي يخلف بعضهم بعضاً فيحدث فساد. الملائكة هم أقدر الخلق على معرفة كُنه الإله الحق ولم أنهم فهموا أن المقصود خليفة عن الله فهل كانوا ليقولوا: أتجعل فيها من يفسد فيها؟ لا يمكن. الخلق هم الجنّ والملائكة والبشر والملائكة أعرفهم بكُنه الإله الحق وهناك من البشر من عرف قدر الإله الحق لكن الملائكة أقدر الخلق على فهم كُنه الإله الحق بدليل أنهم لا يعصون. خليفة الله كلمة مستحيلة. إنما خليفة تعني على رأي ذرية يخلف بعضهم بعضاً. ساعة مات آدم كان عنده خليفة وحتى الذي ليس لم يخلّف فهناك كثيرون غيره عندهم خليفة.
سؤال لماذا قال خليفة؟ هذه على مراد الله تعالى حتى نفتح هذا الحوار فيزداد معرفتنا بكُنه الإله الحق. خليفة لم تأت إلا في سورة البقرة حتتى تتميز هذه السورة وقد ورد في سور أخرى (بشراً من طين) وغيرها. هذه الكلمة (خليفة) لها مراد عند الله تعالى وليس من العبث ولا من قبيل الصدفة أن تأتي في سورة البقرة في أول القصص فهذه أول قصة. إذن يستحيل أن يكون لله تعالى خليفة.
(قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) هذا ليس إعتراضاً ولا مناقشة ولا إستنكاراً. هم قالوا في الحقيقة سمعاً وطاعة لكن غيرتهم على طاعة الله تعالى على أن يأتي خلق يُفسد أو يسفك الدماء. من أين علموا هذا؟ رد الله تعالى عليهم يبيّن من أين عرفوا؟ قال تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) تدل على أنهم يعلمون شيئاً. جاء إحتمالهم تعلمون أي عندهم علم إحتمالي وهم بنوا كلامهم على أحد أمرين: إما على خلق سبقنا في الأرض ونحن نخلفه، أو على أن طبيعة الأرض لهكذا أي الفساد وسفك الدماء. والإثنان إحتمالان تعجل فيهما الملائكة. وربما لأن الإنسان لا يتمالك كما أخبرنا الرسول r. إبليس فعل هذا الأمر في التوقع (ولا تجد أكثرهم شاكرين) من أين جاء بهذا؟ هذا ظنُ منه يحاول أن يفكر وأن يتوقع. القرآن يعبّر نفس التعبير ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين). فما قاله إبليس ظنُ منه وقع وليس علم يقين.
(أتجعل فيها من يفسد فيها) قول الملائكة هذا إستيضاح وتحقق من توقع لديهم. ولذلك لما يعرض القرآن الكريم أن الملائكة لا يعصون الله تدل على أنهم لم يُغضِبوا الله تعالى لكنه سبحانه عمل لهم تجربة عملية في قوله (إني أعلم ما لا تعلمون).
سؤال لماذا ذكرت الآية سفك الدماء بعد ذكر الفساد؟ سفك الدماء نوع من أنواع الفساد فلِمَ خصّه؟ السفك من أنواع الفساد لكن الفساد يتعدد. وأبرز واقعة وأول واقعة فساد حصلت على الأرض هي قتل قابيل لأخيه هابيل ولهذا صدق حدس الملائكة. نحن علينا عندما نتلو قوله تعالى (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) نقول سبحان الله هذا ما قرأناه في سورة البقرة (يسفك الدماء) وهكذا نستنبط ونحقق ونربط القرآن بعضه ببعض بطريقة موسوعية فالمولى تعالى لم يأمرنا بقراءة القرآن وإنما أمرنا بالتدبر (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) فالذي لا يتدبر كأن على قلبه قفل ولن يستفيد من القرآن.
لم يذكر في الآية الزنا أو السرقة لأن هذه كلها من الفساد. سفك الدماء هو أول واقعة على الأرض. يقول r في الحديث الشريف: "لا تقتل نفس ظلما، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل" (صحيح البخاري، كتاب الأنبياء) وقال تعالى (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) لأن قابيل علّم القتل. وعلينا أن نتفكر في قصة قابيل وهابيل ونرى الفرق بينهما فقابيل قال لأخيه لأقتلنّك أما هابيل فكان ردّه (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يد إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين) وهكذا هم الناس قسم يفعل وقسم لا يفعل وهذا هو التغاير في البشر. والمسلم هو الذي سلّم لهذا الكتاب فلا يفسد ولا يسفك الدماء والرسول r يقول: "المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده".
(ويسفك): إستعمل فعل يسفك بدل يقتل أو غيره ليدل على بشاعة الفعل. يسفك الدماء لتشمئز من اللفظ. يقال: الآدميّ بُنيان الربّ ملعونٌ من هدمه. فإذا كنت أنت قد بنيت جداراً وهدمه أحدهم تغضب فما بالك بخلق الله تعالى؟
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء): تكرر حرف الجر (فيها) مرتين مرة مع الأرض ومرة مع يفسد لكن لم يرد مع يسفك الدماء لأن سفك الدماء من الإفساد.
سؤال الآية (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) كأن الملائكة يقارنون بينهم وبين آدم؟ هذا الظاهر لكن في الحقيقة هم يغيرون على محارم الله تعالى فكأنهم يقولون: يا رب هل يكون في الأرض خلقٌ كخلق الملائكة؟ خلقٌ لا يعصي مثلنا؟. قيل في الإسرائيليات ـن الملائكة إعترضت. لكن في الحقيقة أن الملائكة طبيعتها الطاعة وليس عندهم حسد وإنما الحسد في إبليس. الجنّ مكلّف والبشر مكلّف والملائكة طائعون. (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) كأنهم يقولون نحن نسبح بحمدك فهلاّ يا رب العزة جئت إلى الأرض بمن يسبح ، وهذا إعتقاداً منهم أن الخلق الذي سيُخلق لن يسبح. خصائص المؤمن تنفي ما قاله الملائكة لأن المؤمن يقول (سبحانك) لله تعالى وحده. فحتى الكافر الذي سجد للقرآبين والأصنام لا يقولون لها (سبحانك) وإنما يقولوا هذا الكلمة لله تعالى وحجه ولهذا قال تعالى للملائكة (إني أعلم ما لا تعلمون).
أخصّ كلمة علّمنا إياها رسول الله r: "سُبوح قدّوس رب الملائكة والروح"، سبحان ربي الأعلى نقولها عند السجود، سبحان ربي العظيم نقولها في الركوع ولم نقل سبحان لغير الله تعالى. فلما قال تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) الملائكة تقول سبحانك ولا تعرف أن تقول غيرها لكن البشر يقولونها لله تعالى محده مع أنهم يمكن أن يقولوها لغيره سبحانه ولهذا فهم أفضل من الملائكة ولذلك قال تعالى للملائكة (إني أعلم ما لا تعلمون).
سؤال ذكرت الآية في قول الملائكة خصلتان فيهم (نسبح بحمدك ونقدس لك) مقابل خصلتان من البشر (يفسد فيها ويسفك الدماء). الملائكة يستعرضون الذي سيحصل في الخلق إزاء مثليتهم. هم أوعى الخلق بكُنه الإله الحق فكانوا يتمنون من وجهة نظرهم أن الذي سيكون على الأرض لا يعصي الله تعالى وهذا من غيرتهم على الإله الحق وأنه يجب أن لا يُعصى.
(ونحن نسبح لك ونقدس لك) ما هو التسبيح والتقديس؟ نحن عندما نسجد نقول: سبحان ربي الأعلة فالتسبيح هو التنزيه. والتقديس من القَدَس وهي لغة غريبة في الغة وتعني الدلو الذي تتم به الطهارة. نقدّس لك يعني نطهّر لا نُخطيء. لا يمكن أن نعصي الله تعالى ونحن نعلم صفة الرقيب. هذا الكلام عن الملائكة أما البشر فالذي يعيشها فيهم (صفة الرقيب) يخاف والذي لا يعيشها ينجح معه الشيطان بأن لا يستحضر هذه الصفة عند المعصية فيقع في المعصية. نغفل عن ذكر الله تعالى ونغفل عن موضوع التسبيح والتقديس فنقع في المعصية.
ساعة الحوار مع الملائكة لم يكن آدم قد خُلٌِ بعد بدليل قوله تعالى (إني جاعل).
سؤال المنطق أن يكون الرد من الله تعالى على قول الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) أن يكون : لن يفسد لكن الله تعالى قال: إني أعلم ما لا تعلمون فما دلالة هذا الرد؟ وكيف نربط بين السؤال والرد؟
رد الله تعالى على الملائكة يبين أنه تعالى لن ينزل عند رغبة الملائكة لأن المخلوق الذي سأخلقه سيكون على مراد الله تعالى وليس على مراد الملائكة. فالخِلأقة تمت على مراد الله سبحانه. حتى بعد المناقشة لأن الله تعالى إذا قضى أمراً لا يتبدل ولا يتغير. التغير من صفات البشر أما ما قضاه الله تعالى لا يناقش ومع ذلك المناقشة مفتوحة لأن الملائكة تدخلت في الكلام. والكلام (إني جاعل في الأرض خليفة) كان حتى تسجد الملائكة وليس للإستشارة لأنه (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) وقضاء الله تعالى لا يُرد والملائكة تدخلت بالسؤال فقال تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) تبيّن أن إراداته لن تتغير.
سؤال الملائكة مأمورون والجنّ مكلّفون وهما مخلوقين قبل الإنسان فلماذا خلق آدم؟ لأنه يختلف عن الجنّ المكلّف والملائكة المأمورين. فالبشر مكلّف لكنه يمكن أن يأخذ صفات الملائكة في مواطن (الطاعة العمياء) ويأخذ صفات الجن في مواطن أخرى (المعصية العمياء). أما الجنّ فصحيح أنهم مكلفون لكن الجن إما أن يكونوا عصاة وإما أن يكونوا طائعين ولا يمكن لأحدهم أن يكون هذا وهذا في وقت واحد كما عند البشر بدليل قوله تعالى (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك). أما البشر فيمكن أن يكون طائعاً في مواطن وعاصياً في مواطن. لأن البشر أغيار والواحد منهم فيه متناقضات كثيرة. فأحياناً ترى شخصاً في الكعبة يبكي ثم بعد أن ينتهي يكذب أو غيره. لذلك البشر أفضل من الملائكة ومن الجن. والإجابة (إني أعلم ما لا تعلمون) إجابة عالية جداً لو فكرنا فيها. كأني بالله تعالى يقول: إني أخلق خلقاً ليس في بالكم وما أقضي به لا يصل إليه أحد في التفكير.
سؤال تحدث القرآن عن خلق آدم لكن لم يتحدث في خلق الملائكة أو الجن وكأن خلق آدم سيكون له قضية فلماذا؟
علينا أن نرى أولاً كيف جاء تكليف كل من الملائكة والجن والبشر بالقرآن؟ الملائكة والجن لم يُكلّفوا بالإيمان بهذا القرآن كما كُلِّف البشر. قال تعالى (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان) لم يقل في الآية لِمَنْ علّم الله تعالى القرآن؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 24/4/2006
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

لحلقة 13
مسألة خلق حواء التي دار حولها كلام كثير من الإسرائيليات:

مسألة خلق حواء فيها كلام أرجو أن نقف فيه على عين الصواب. القرآن الكريم له أسلوبه المتميز. بعض حروف الجر في القرآن يأخذها الناس على معناها الظاهري، هذا المعنى الظاهري لا يوجه الإنسان الوجهة الصحيح لأن لغة القرآن تختلف عن لغة غير القرآن. إذا سمعنا جملة من القرآن لا يصح أن نفهمها على ظاهرها. وكذلك كلام رسول الله r. لأن محمد r ساعة قال له الملك: إقرأ بإسم ربك الذي خلق أصبح العلم الذي عنده ليس من ذاتيته r وإنما من عند الله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)) سورة النجم وضحت نقاطاً لو وضعنا يدنا عليها لفهمنا. فكلام رسول الله r ولغته وعلمه ليس كلام بشر عادي ولكنه وحي من الله تعالى.
في بعض الكتب قالوا سنأخذ خلق حواء من فم رسول الله r من الحديث: " حدثنا إسحاق بن نصر: حدثنا حسين الجعفي، عن زائدة، عن ميسرة، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وأن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا) (البخاري، كتاب باب الوصاة بالنساء). " والبعض يريدون أن يأخذوا الأمر من قوله تعالى (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) النساء) أخذوا (منها) على أنها من آدم u. فقالوا حواء خُلٌِت من ضلع آدم. لكن إذا أعملنا عقولنا وتلقينا الأمور على حقيقتها لا على ظاهرها. لما نسمع حديث الرسول r نسأل: هل تكلم الرسول r في خلق حواء أو في طبيعتها؟ الرسول r لم يوجه الحديث عن خلق حواء لكنه r يقول أن النساء طبيعتها كذا وكذا. وما دام r يتكلم عن طبيعتها لنتعلم. أولاً لغة العرب قبل نزول القرآن الكريم. العرب ماذا تعني كلمة ضلع عند العرب؟ ضلع يعني أعوج وإذا أُطلِقت على الأرض تكون ما انحنى منها أعوج. فهناك فرق بين الخلق والطبيعة. أعوج شيء في الضلع أعلاه لأنه يزداد عوجه في أعلاه في نهايته لأنه لو لم يكن كذلك لسقط القلب في الأحشاء. وسمي الضلع ضلعاً لإنحنائه. فحديث الرسول r الذي ذكرناه استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خُلِقٌِن من (ضلع) أي من طبيعة تختلف عن طبيعة الرجل. (فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج) وفي حديث (إنما المرأة كالضلع ان تقمها تكسرها وان تستمع بها تستمع وفيها عوج) فلا نفهم من كلمة أعوج أنه سُبّة. تخيل بيتاً فيه رجلان وبينهما أطفال لا يستقيم البيت، أما المرأة فهي تقيم البيت. ضلع أعوج: غاية إستقامته أنه أعوج. كل مخلوق له مهمة. غاية إستقامة الضلع أن يكون أعوجاً ليؤدي مهمته وكل شيء في الكون له مهمة. غاي إستقامته أن يكون أعوجاً (أعوج: على وزن أفعل التفضيل). وللأسف نسمع على المنابر المرأة مخلوقة من ضلع معوج، الرسول r لم يقل معوج وإنما قال أعوج (على وزن أفعل التفضيل) وهذا له وقع في اللغة. وهذه ليست سُبّّة. حديث الرسول r معناه: إحمدوا الله لأن الزوجة حنونة. لو نظرنا إلى الحياة الزوجية فلو شدّ الرجل تحنّ المرأة فيستقيم البيت.
من ضلع: (من) هنا ليست منّيّة الخلق وإنما هذا كلام مجازي يعني من طبيعة.
هناك فريقان من أهل التفسير أو الفقهاء أو العلماء منهم من قال (من ضلع) إستناداً إلى الآية (وخلق منها زوجها) والفريق الثاني كما نقول نحن يقولون ليست من ضلع آدم. الرازي رحمه الله قال ما قيمة أن تكون من ضلع آدم؟ القيمة أنها تكون من نفس طبيعة آدم. (منها) مجاز. نسأل سؤالاً منطقياً: هل عدد أضلع الرجل تختلف من أضلاع المرأة؟ كلا، كل منهما عنده 24 ضلعاً، هذه نقطة. والنقطة الثانية العلماء مصرين على أن الدليل هو هذه الآية: (وخلق منها زوجها). لننظر في قوله تعالى: (خُلِق الإنسان من عجل) فهل هناك مادة إسمها عجل خلق الإنسان منها؟ أو هل هذا مجاز؟ هذا مجاز. والمجاز ركن في اللغة العربية ومن أسرار جمالها. نقول: فلان كالشمس أو كالقمر هذا أسلوب مجازي، سولء بالإستعارة وغيرها. للأسف كثير يقف عند ظاهر اللفظ ويقولون قرأنا في سفر التكوين كذا. ولا يجب أن نأخذ من القرآن ثم نحققه من التوراة هذا لا يجوز والرسول r غضب من عمر بن الخطاب لما ذكر له أنه في التوراة كذا (لو كان موسى بين ظهرانينا ما وسعه إلا أن يتّبعني)..
إذن (خُلِق الإنسان من عجل) هذا مجاز. العجل المقصود في الآية من العجلة يعني إستعجال الشيء قبل أوانه ولما يكون الشيء قبل أوانه لا يكون منضبطاً. عليكم أن تكبحوا جماح العجلة والإستعجال عندكم واصبروا. المقصود هو المكنون الدلالي للكلمة. قال تعالى (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى) (رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) العمى هنا عمى البصيرة (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)، فكان رد الله تعالى (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى) هذا قمة التذكر أنك تحاسبه لكن المقصود في الآية أنك تُنسى من رحمته سبحانه وتعالى. نسيان رحمة التي هي أصل لله تبارك وتعالى في التعامل . يوم القيامة هذا الفريق يقول (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) هم إعترفوا أنهم كانوا يسمعوا ويعقلوا في الدنيا فإعترفوا بذنوبهم فسحقاً لأصحاب السعير. لذا المجاز مهم في القرآن الكريم ولا ينفع إنكاره وإلا كيف نفسّر قوله تعالى (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) يوسف) كلها مجازات لأنه لايقصد سؤال القرية والعير إنما أهل القرية.
(الله الذي خلقكم من ضعف) هل هناك مادة إسمها ضعف خُلِقنا منها؟ إذن قوله تعالى (خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها) ليست من نفس الزوج ولكن من جنسه، من طبيعته وليست من كوكب آخر. قوله تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) المنّيّة هنا تحتاج لوقفة لأنه ليس المقصود منهم أي من نفس الأميين.
إذن حواء خُلِقٌت مثل آدم u. قال تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) آل عمران ) كأني بالله تعالى يريد أن يخبرنا أنه يا من توقفتم في خلق عيسى كان الأحرى بكم أن تتوقفوا في خلق آدم الذي هو أصعب لأن عيسى وجد أماً تحمله أما آدم فخُلِق من دون أبوين فخلقه أصعب. فالذي سكت عن خلق آدم لماذا يعترض على خلق عيسى؟. والله تعالى يخبرنا أنه خلقه كآدم من تراب ثم قال له كن فيكون. كيف خلق الله تعالى عيسى بهذا الشكل؟ هذه من قدرة الله تعالى فقل الحمد له القادر، وكذلك حواء. ولو لم يخلق عيسى بهذا الشكل لقال المشككون لم يعرف المولى حاشاه أن يخلق بهذا الشكل. على المسلم الواعي أن يُسلّم لمنطق الله تعالى في قرآنه ويأخذ المعجزة ولا يحاسب الإله الحق على قدرته لأن هذا لا يصح.
يقولون أن حواء خلقت من ضلع والضلع شيء محسوس من يعتقد أنها خلقت من هذا الضلع الحسي والآية تخطّئهم إذن حواء خُلِِقت من نفس القيمة المعنوية وليست قيمة حسّية. لو سلّمنا بمنطق من يقولون أن حواء خلقت من الضلع نفسه نسأل هل خلقت من كل الضلع أو من جزء منه؟ بالنسبة لآدم جزء. لو آدم عُمِل من تراب فالتراب أعطى عظماً ولحماً وعروقاً ودماً ولما تُعمل حواء من ضلع فقط تكون ناقصة فكأنه عجز إلهي والعياذ بالله. وهذا خطأ لأنه تعالى قادر فالذي خلق آدم بهذه الطريقة ألا يخلق مئة آدم بهذه اطريقة؟ بالطبع نعم إذن فخلق حواء بهذه الطريقة. سكت القرآن الكريم عن الحديث عن خلق حواء لأنه أمر منطقي (ومن كل شيء خلقنا زوجين) عندما نقول آدم يعني آدم وحواء: ذكر وأنثى. ولهذا يجب أن نسكت عما سكت عنه القرآن. في قصة نوح لما نهى تعالى الحياة وأراد أن يبدأ الحياة من جديد على الأرض قال تعالى (قلنا احمل فيها من كل زوجين إثنين) ليكون هناك حياة (ذكر وأنثى من كل شيء، نبات، حيوان، بشر) ساعة قضى الله تبارك وتعالى خلق آدم لم يكن آدم وحده بدليل أن حواء ظهرت فجأة في قصة آدم في سورة البقرة لأنها كانت موجودة. (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كُن فيكون) ما سكت عنه القرآن نسكت عنه. (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) ساعة قضى الله تعالى أن يكون هناك بشر يجب أن يكون هناك زوجين.
والأمر للملائكة بالسجود كان آدم بوصفه ممثل للجنس البشري مثلما قال (يا أيها النبي إتق الله) ليس لشخصه r ولكن بوصفه زعيم للأمة. كذلك في قوله تعالى (إذا طلقتم النساء) يخاطب القرآن الرسول r على أنه زعيم الأمة. طالمنا أسلمنا جب أن نأخذ التوجيهات له على أساس أنه زعيم الأمة. قوله تعالى للرسول r (وأما اليتيم فلا تقهر) لا تعني أن الخطاب فقط للرسول وباقي الأمة تقهر اليتيم كلا، وإنما نأخذ التوجيهات لنا نحن أيضاً والخطاب في القرآن ليس لمحمد r فقط وإنما للبشر جميعاً.
إذا لاحظنا الخطاب في القرآن الكريم مرة (يا أيها الناس) ومرة (يا بني آدم) وغيرها ولكل نداء معناه. عندما يكون الخطاب لبني آدم فالمقصود به يا بني آدم الذي أخطأ وزيّن له الشيطان إنتبهوا، كأنه يريد جزئية من الحديث. نداء يا أيها الناس (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) نداء للكل بالإيمان وأول درجات الإيمان التقوى. لما قال يا أيها الناس جاء معها بلفظ الرب (ربكم) ولم يذكر الإله أو الله. فالربّ هو المربي وليس الإله الذي يُعبد ويعاقِب. كل كلمة لها وقعها في القرآن ودلالتها. (إتقوا الله) بعد أخذ تكاليف العبادة.
(من سلالة من طين): هنا منّية الخلق وهناك منية المجاز. الحرف واحد لكن هنا المعنى معنى الخلق. حروف الجر لها معاني مختلفة (معنى الحرف) وتحتاج إلى دراسات . في قوله تعالى (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) حرف الجر (من) هنا تعطي معنى (من) ومعنى (في) لأن المسلم يعمل حساب الصلاة من قبل وقتها ولا يفاجأ في وقتها يوم الجمعة. فإذا واعده أحد ساعة الصلاة يوم الجمعة يكون مستعداً لها ويجعل الموعد إما قبل الصلاة أو بعدها لأن موعد الصلاة موعد مسبق. فهذا من معنى (من يوم الجمعة).
(خلق منها زوجها): أي من نفسها، من جنسها من مثلية الجنس. ولذلك قال تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها) الحكمة (لتسكنوا إليها) أي من طبيعتكم حتى يمكنكم أن تسكنوا إليها.
(قلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة): دليل على أن آدم عرف حواء ورآها ورأته وما يقال في الإسرائيليات أن آدم جلس وحيداً فترة فشعر بالملل فخلق الله تعالى له حواء لتؤنسه وتسلّيه هذا كلام خطأ وهو غير منطقي ومن الإسرائيليات. الناس الآن تقول أن المرأة مُهانة وغيره. أكبر تكريم للمرأة حديث الرسول r (استوصوا بالنساء) وذكرنا أن قوله (خلقت من ضلع أعوج) أي هذه طبيعتها وليس خلقتها. طبيعتها متقلبة كما وصف الرسول r في حديث آخر : يُكثرن اللعن ويكفرن العشير. هي طبيعتها كذلك. قبل أن نقرأ القرآن إفتحوا المعجم وانظروا معنى كلمة الضلع: قلنا أن كلمة ضلع في العربية كلمة عادية جداً وكان العرب يسمون ما انحنى من الأرض ضلعاً، هذا لغة. والرسول r لما ذكر الحديث جاء بالكلمة إصطلاحاً. (إن استمتعت بها إستمتعن بهذا بهذا العِوج) جمال خلقتها بأفعل التفضيل (أعوج) . وقد وصفه الرسول r النساء بالقوارير في حديث رفقاً بالقوارير. وهذا مدح للمرأة والذي يفهم كلام الرسول r من الرجال يعيش مرتاحاً سعيداً لأن الرسول r لا يعطينا أشياء مبالغة ولا ناقصة أو زائدة أو غير منضبطة أو خطأ. الرسول r كان يتكلم عن طبيعة المرأة ليعرف الرجال ذلك. خلقت حواء من نفس، من تراب، ماء، طين، فخار، صلصال بدليل أنه لا توجد إمرأة مختلفة في خلقها عن خلق الرجل في شيء لا في اللحم ولا في العظم ولا في غيره. ولذا لا يجب أن نقول الجنس الآخر لأن المرأة والرجل مخلوقين من نفس الجنس هي الآخر من الجنس. (الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) أي من طبيعتها ومن ذات ما خلقت منه النفس الأولى التي هي نفس آدم u.
سؤال: لماذا صمت القرآن في الحديث عن خلق حواء مع أنه تكلم في خلق عيسى u حتى لا يثير مشكلة ويتكلم الناس فيه؟
المفروض أننا نمشي على مراد الله تعالى وليس العكس. ما هو معنى المراد؟ ساعة يقضي الله تعالى خلق شيء أو بداية شيء في خلق أي شيء يجب أن يكون زوجين. فعندما يكلمنا عن واحد يكون الثاني موجوداً. (إنما أمره إذا أراد شيئاً) (الشيء : ذكر وأنثى) أنثى النبات كذكر النبات وأنثى الحيوان كذكر الحيوان وأنثى البشر كذكر البشر. تخيل لو قال القرآن الكريم خلق آدم من تراب، حمأ، صلصال، ثم قال خلق حواء من تراب، حمأ، صلصال، لكان هناك تكراراً. خلق آدم إذن هو ممثل للجنس البشري ،خلق جنس.
من أين جئنا بإسم حواء؟
حواء سماها الرسول r في الحديث حواء " لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ". أول مرة ينطق r بإسم حواء ولم يرد ذكر هذا الإسم في القرآن أبداً. ما معنى حواء؟ إسم حواء قسم يقولون لأنه خلقت من شيء حيّ لكن هذا الكلام ليس له أصل، وإنما إسم حواء هو إسم أطلقه الله تعالى عليها. إسم آدم فيه أكثر من رأي أيضاً لكن ساعة سمي الله تبارك وتعالى تكون الحكمة عنده سبحانه. ولسنا مطالبين بمعرفة الحكمة وإلا نسأل ما معنى إبراهيم، نوح، لوط، هود؟ تميّز محمد r بإشتقاقات إسمه إسمه وله دلالات وإسمه إشتق منه إسم يناسب زمن المتكلم في عهد عيسى (أحمد) وإسم عندما ولد r (محمد) ويناسب بعد بعثته ويم القيامة.
نحن نميل إلى القول أن حواء إسم وخلقتها كخلقة آدم من تراب ولا يليق بذات الله تعالى أن تكون من ضلع وهو سبحانه قادر وقلنا أن الله تعالى إذا أراد شيئاً يكون زوجين وساعة كان آدم كانت حواء.
قد يكون أن حواء شهدت مشهد أمر الملائكة بالسجود مع آدم وقد لا يكون وليس عندنا دليل لا في القرآن ولا في السنة ولا يهمنا ذلك. حواء براء مما ينسبونه إليها في الإسرائيليات أنها هي التي زينت لآدم أن يأكل من الشجرة. وسبق أن قلنا أنه ما ورد في القرآن الكريم أن الشيكان وسوس لها أبداً وإنما الآيات وردت (فوسوس إليه) أو (لهما) ولم يقل وسوس لها أبداً. الإسرائيليات مليئة بهذا الموضوع وأنه إنفرد بها وهي التي أقنعت آدم وهذا كلام لا أساس له من الصحة. ويجب علينا أن لا نقرأ هذا الكلام ولا الكتب المليئة بهذا الكلام وإنما نقرأ التفسير الذي أجمع عليه علماء الأمة على أنه خالٍ من الإسرائيليات. وعلينا أن نعمل على وضع كتاب خالٍ من هذه الإسرائيليات.
تحدث القرآن الكريم والرسول r عن مراحل خلق وآدم ووصف آدم وذكر في الأحاديث أنه كان ستون ذراعاً وغيره ولم يرد وصف لحواء ربما لأنها كانت مثله وأكيد أنها كانت كذلك أو قد تقل عنه قليلاً ولا يهمنا أن نعرف هذه التفاصيل.
(وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها): الأمر جاء في الآية بالمثنى لكن في بداية الآية بالإفراد لآدم فلماذا لم يأت النداء بالمثنى إسكنا؟
الذي يعنينا من حواء أنها زوج، والزواج سنة الحياة أكدها الله تعالى في الإسلام وجعلها آية من آياته (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها) (واسكن أنت وزوجك). أول كلمة ظهرت مع حواء: الزوج والسكن، أنها زوج وسكن. قبل عقد الزواج تقول محمد وخديجة أما بعد العقد فتقول محمد زوج خديجة أو خديجة زوج محمد. والإثنان زوجان. الواحد منهم أصبح زوجاً مع أنه فرد لأنه بعد العقد يعبّر عن الآخر ويمثله وهذه التعبيرات في اللغة تجعلك تفكر في نقطة مهمة أن الذي يذهب مع زوجته إلى حفلة ينضبط لكن عليه أن ينتبه أنه زوج لو ذهب لوحده. أنت لوحدك أصبحت زوجاً بعد العقد ولست فرداً ولذا قال رسول الله r "إذا غاب عنها حفظته". ويقول تعالى (اسكن أنت وزوجك) لأنهما إرتبطا ببعض ومهما بعُدا فهما زوجان وهذا ينطبق علينا إلى يوم القيامة.
بعض الإسرائيليات تبيّن مدى خطأ آدم بالأكل من الشجرة وكأنه خطأ آدم لوحده وأنه سمع كلام حواء وهم مرادهم في هذا أن يهدموا العلاقة الزوجية لذا البعض يقول لغيره إياك أن تسمع كلام إمرأتك أُنظر ماذا حصل بآدم. لكن هذه العلاقة الزوجية بُنيت على الإثنين. بيت العازب يقال له بيت أما بيت المتزوج فيقال له سكن. الإسرائيليات تحاول أن تهدم ما بناه القرآن.
بدأت الإسرائيليات بمحاولة تحرف القرآن أولاً لكنه إستحال عليهم أولاً لأن الله تبارك تعالى حفظه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وثانياً لأنه حفظه في صدور المسلمين ونحن نرى في المسجد إذا أخطأ الإمام في قراءته تجد المصلين وراءه كأنما يريدون أن ينقضوا عليه. فلم تسكت محاولات الإسرائيليات فتكلموا في التفسير ونسبوا كلاماً للرسول r لم يحصل مثل الأحاديث الموضوعة. الإسرائيليات خطورتها أنها تحاول أن تفك عُرى الفهم الصحيح للقرآن الكريم وهذا أمر مقصود لذاته.
أين علماء الأمة من هذه الإسرئايليات؟
الشيخ الغزالي والشيخ الشعراوي والدكتور عبد الجليل عيسى رحمهم الله أشاروا إلى هذه الإسرائيليات في ا تفسير الطبري وما فيه من إسرائيليات ونحن نقول أنه كان على الشيخ الطبري وهو عالم أن يُنقّي وقد كتب في مقدمة كتابه في التفسير : قد يجد القارئ في هذا الكتاب ما تستشنعه النفس ولا يرتاح إليه الفؤاد، ونحن نسأل لماذا كتب هذا إذن؟ كان عليه أن ينقي. وقوله ايضاً في المقدمة " أديناه على نحو ما أُديّ إلينا" لا تبرّئه لأن الجملة الأولى في منتهى الخطورة. كان عليه أن ينقي خاصة أنه قريب العهد بالعهد الإسلامي الأول. كذلك تفسير ابن كثير فيه كثير من الإسرائيليات. لذا علينا أن نعمل على تنقية التراث من حيث التفسير والحديث الضعيف والموضوع من هذا الخبل الموجود في الأمة والذي ضيّعها. وهذا الأمر يحتاج إلى شجاعة وجرأة ونحتاج إلى مركز تحقيق التراث الإسلامي. الشيخ الألباني فعل ما عليه والناس للأسف يتحدثون عنه ويتمسكون بالأحاديث التي ضعّفها الألباني مثل حديث: العلماء ورثة الأنبياء، اطلبوا العلم ولو في الصين، أو الجنة تحت أقدام الأمهات وغيرها من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة. هذه أحاديث ما قالها رسول الله r. والعبرة عندنا هل قالها رسول اللهr أو لم يقلها؟
كذلك في قصة حواء يقولون لك الرسول r قال إنها من ضلع أعوج ولم يفهموا معنى الحديث وأنه كان يتكلم عن طبيعة المرأة. وفي الحديث الآخر" إذا كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" هذا للطاعة. والحديث "تنكح المرأة لأربع" هذه لإنجاح العلاقة الزوجية وليس لخلقتها، " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" الأحاديث منصبة على إنجاح العلاقة الزوجية بداية من خطبة المرأة والرسول r لا يعنيه إلا ما قاله القرآن الكريم (اسكن أنت وزوجك) والرسول r قال إسمها حواء.
(من) إذن منّيّة مجازية كما ذكرنا في الأمثلة السابقة (خلقكم من ضعف) أي على ضعف يولد المولود لا حول له ولا قوة، (خلق الإنسان من عجل). كل حروف القرآن الكريم تعني معنيين.
يجب أن يكون مدار فهمنا وعلمنا أن ما سكت عنه القرآن نسكت عنه ولا نحاول الذهاب للكتب الضعيفة لأجد مادة أتكلم فيها..
مجموعة الأوامر والنواهي في القرآن الكريم صدرت لآدم (إحذر، أسكن): قال تعالى(فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) فالأمر موجه للذي سيتعب ويشقى في الحياة فوجّه الله تعالى الكلام له ثم يوجهه هو لمن معه. وهذا تكريم للمرأة التي هي ليست مطالبة بالسعي هي تأكل وتشرب رغداً ولا تشقى وهذا كلام يجب أن نوجهه لمن يهاجم الإسلام على أنه أهان المرأة. القوامة تعني أن الرجل خادم لها وهذه حقيقة معنى القوامة وهذه ليست سُبّة للرجل وإنما هي من الرجولة. لما قال تعالى (فتشقى) فكأنما كلّفه الله تعالى لأنه هو الذي سيتعب فاسمع كلام الله تعالى: (من يتق الله يجعل له مخرجا) في أحلك الظروف والمواقف ويرزقه من حيث لا يحتسب.
الأمر صدر بالأكل للإثنين ثم لما هبط آدم من الجنة قال (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) ولم يقل حواء ولكن نعود للإية (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا) دليل على أن آدم أخذ الكلام الذي أوحى الله تعالى له به وقاله لحواء هيا نتوب. ويجب أن نفهم تكليف الرجل وليس كما قال البعض أن فيه تضييع لحقوق المرأة وتغييبها عن السياق أو الجزاء وسنناقش لاحقاً قول الرسول r: أكثر أهل النار النساء. ألم تستشعر أنه حتى الهمّ في الخطيئة حمله آدم وحواء معه، لكن هو الذي حمل الهمّ وصدق تعالى (فتشقى) يجب أن يكون لهذه الكلمة وقع. فقال تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) لما قال فتاب عليه لا تعني على آدم لوحده وإنما عليه وعلى حواء من باب تغليب الذكر على الأنثى كما في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا) تشمل المؤمنين والمؤمنات لكن غلّب الذكور فاستعمل جمع المذكر السالم لتغليب نوع الرجل المسؤول للتكليف أنه هو يأخذ الأمر ويقول لها أكرمنا الله تعالى وسنتوب.
يجب علينا أن نراجع أنفسنا إذا كانت بيوتنا سليمة يكن خيراً وإلا فيجب علينا أن نناقش لموضوع ونعود إلى الله تعالى وإلا سيكون الوبال في الآخرة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 1/5/2006
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة 14

(وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38))
إلقاء نظة عامة على الحوار الذي دار بين الله تعالى وآدم بعد مسألة السجود والأمر لآدم بالسكن في الجنة مع زوجه:
يجب إلقاء هذه النظرة لأسباب كثيرة جداً. كل كلمة في القرآن لآدم من بداية الخلق والحياة على الأرض لها وقع: نحن من سلّمنا على الأرض إن لم يكن للناس جميعاً. ساعة قال تعالى (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) ها توجيه من الله تعالى يجب أن أعرف مناط التوجيه والغرض منه. يجب أن أفهم أن ما وقع لآدم وحواء في الجنة مكتوب من الله تعالى لكن لم يعفيهم من المسؤولية، يجب أن نضع ضوابط. (بل إن الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) لا ينفع يوم القيامة أقول لم أكن أعرف أو أن الظروف لم تسمح لأن الفيصل يوم القيامة (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، والسؤال من الملائكة (ألم يأتكم نذير قالوا بلى) إذن (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) وليس لك مبررات لأن الشيطان ينجح مع البعض بأن يقول لهم إن الله غفور رحيم وهذا شيء مكتوب والناس كلها تقع في المعاصي فيقع الإنسان عندئذ في المعاصي نتيجة الظروف والإمكانيات. لذا أجرى الله تعالى هذه الآيات في قرآنه لتكون شاهداً علينا. آدم نفسه لم يقل: حصل ما حصل غصباً عني. صدر الأمر الإلهي (إهبط) خرج آدم وهبط نتيجة فِعل. صحيح هو مكتوب. وهنا يظهر السؤال الذي يطرحه الناس هل أنا مسير أو مخير؟ فنقول: أن الإنسان مسيّر فيما لا دخل له فيه، في القضاء الذي قضى الله تعالى به مثل مجيئك إلى الدنيا من غير رغبتك. لكنك مخيّر في إختيار الإسلام برغبتك. فلا تحاسب الله تعالى على سابق علمه لكني سأحاسب على عملي لذلك التوجيه الإلهي دائماً فيه جزئية بعدك عن القضية أو عن الخطأ أو عن مكمن الخطأ.
يقولون آدم كان مسيراً ويوجدون مبرراً لفعل الشيطان لكن هذا من غير واقع. الله تعالى خلق الشيطان على خلقته وطبيعته لمراد وحكمة. ساعة يوسوس الشيطان لعشرة هل كلهم يستجيبون له؟ كلا. حتى لو رفض منهم واحد فقط لزمت الحجة باقي الأشخاص. لو واحد يهودي أسلم أصبحت الحجة على كل اليهود.
المشكلة أن لا أحد يعجيه حاله ولا أحد يقول الحمد لله على عطاء الله. يجب أن نترك الأمور على طبيعتها ولله في خلقه شؤون.
أول الخلق آدم:
كان يجب أن يحصل لآدم ما حصل حتى نتعلّم منه وتبدأ الحياة. أول إخبار عن آدم (إني جاعل في الأرض خليفة) قال في الأرض ولم يقل في الجنة فلذا وجود آدم في الجنة (جنة التدريب) أفهمها على أنها مرحلة. ساعة إنتقل آدم إلى الأرض بدأ يشقى وبدأت الحياة. ننظر في الآية (اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة) لم يقل ولا تأكل من هذه الشجرة وإنما قال ولا تقربا وهذه صيانة إحتمال المولى تعالى لنا: لا تقرب فتقع في المحظور لأنه : من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيها".
علينا أن نأخذ كل تكليف من الله تعالى لنا ونطبقه بحذافيره لأنك لما تسمع كلام الله تعالى تسد المنافذ على الشيطان. البعض سيقول أنا أعرف ماذا أفعل لكنه لا يدري أن الشيطان يوقع أحياناً بعض الناس الصالحين ويدخل لهم من باب أنكم يجب أن تطلعوا على ما يحصل حتى تتمكنوا من نصح الناس بالإبتعاد عنه فيدخل الصالح مثلاً الخمارة ثم يوسوس له بأن عليه أن يذوق الخمورة ليعرف كيف يكون شعور شاربيها فيشرب فيكون قد وقع في المعصية وهو يظن أنه محصّن ويعرف ماذا يفعل. ساعة حرّم الله تعالى الزنا قال (ولا تقربوا الزنا) ولم يقل لا تزنوا، وساعة حرّم الخمر قال (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) لا تذهبوا ناحيته لأنكم لو ذهبتم ستقعون في المعصية وسترتكبون الإثم. الناس مشكلتها أنها تفهم الأمور على مرادها هي وليس على مراد الله تعالى. والبعض يقول أن الخمرة هي السائل المسكر فقط وهذا خطأ فالخمر هو كل ما يخامر العقل كالحشيش والأفيون وغيرها لأن نتيجتها واحدة لذلك نهى الرسول r عن كل مسكر ومُفتّر. نحن نجيد المناقشة في الدنيا ونبرر لكن علينا أن نفكر كيف سنجادل الله تعالى يوم القيامة (يوم تأت كل نفس تجادل عن نفسها).
(ولا تقربا هذه الشجرة) لكن آدم إقترب. كُل ما تشاء ولا تقرب. (وكُلا منها رغداً حيث شئتما) البداية كانت بالأمر بالأكل من حيث يشاءا ثم قال ولا تقربا هذه الشجرة. وسبق أن قلنا في مرة سابقة أنه قد يُعذر آدم لو كان الأمر الإلهي صدر بعدم الأكل من كل الشجر إلا واحدة وقد يكون له مبرر. لكن هذه الواقعة كان لا بد أن تتم على مراد الله تعالى.
آدم نسي في تلك الحظة (فنسي ولم نجد له عزما): لم يقل آدم عندما أمره الله تعالى بالسكن والأكل إلا من شجرة واحدة لم يقل له : لِمَ لا آكل من هذه الشجرة؟ لا يوجد في القرآن تعقيب من آدم على أمر الله تعالى لأن آدم كان مسلّماً تماماً لله تعالى لكنه نسي وهذا تحذير لنا جميعاً لأن الإنسان قد يكون مؤمناً جداً ولكنه ينسى. لذلك كلمة (فأزلهما) تناسب كلمة (فنسي) لأنها ليست معصية بتخطيط.
المعاصي نوعان: معصية مفاجئة لم يخطط لها من قبل وإنما حصلت فجأة كأن يُغرر بأحد بمعصية. وهناك معصية بتخطيط وهذه تكون مع سبق الإصرار والتصميم. والإثنان في النار لأن أقلّ النار نار. والخطأ خطورته أن يكوت الإنسان عليه وهذه أمنية الشيطان أن يكوت الإنسان على معصية ولو حصل هذا يكون العاضي في النار والعياذ بالله.
(كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)) المخطط والمدبر والذي وقع في المعصية حتى لو كان في أول النار فهو في النار وكذلك في الجنة فلا يستقل أحدٌ عملاً لأن أقلّ الجنة جنة. الشيطان قد يوسوس للإنسان ويمنعه من الصدقة بحجة أنها قليلة ولن تنفع فلا يتصدق الإنسان لأنه يستقلها لكن نقول: لا تحقرن من المعروف شيئاً وخف من المعصية مهما صغُرت. والروسل r يوصينا في الحديث الشريف: "إتقوا النار ولو بشق تمرة" معنى الحديث أنه لو كانت لديك تمرة واحدة فكل نصفها وتصدق بنصفها ولا تدري فقد تكون هذه الصدقة القليلة هي التي تحتاجها يوم القيامة لتدخل الجنة.
الشيطان يتمنى أن يُخطئ الإنسان ويموت على المعصية ولهذا على كل إنسان أن يفكر عندما يوسوس له الشيطان لأنه قد ينوي الإنسان فعل طاعة أو صدقة فيأتي الشيطان ويؤخره عن الطاعة ويمنّيه بطاعة أخرى كأن يقول له إذا أراد التصدق بصدقة قليلة إنتظر حتى يكون لديك مالالأص أكثر فتتصدق به فتتراكم الطاعات دون أن تفعلها ثم تستثقلها فيما بعد كالصلوات قد يوسوس الشيطان لأحد من النسا بأن ينتظر أن يعود لبيته ليصلي في مكان طاهر نظيف ثم عندما يصل البيت يوسوس له بأن يرتاح قليلاً ثم يصلي في المسجد جماعة وهكذا حتى تفوق أوقات الصلوات وتتراكم عليه فلا يصليها. وهكذا يبدأ الإنسان بترك الطاعات لأنها تراكمت وأصبح يستثقلها.
(وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) النزغ هو الوسوسة التي قلنا سابقاً أنها صوت الحلي المحبب للنفس والشيطان يوسوس دائماً لك بما تحبه.
ما دلالة اللفظ: (فأزلهما)؟
(فمن زحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز) زُحزح مبني للمجهول وأُدخل مبني للمجهول. الشيطان أزلّ أي زحزح في التعبير اللغوي العادي. عندما تزل أحداً تزحزحه. هذا معنى أزلّ: زحزح في القرآن. (فمن زحزح عن النار) يعني أنه كان سيذهب بعمله إلى النار. لكن الزحزحة عن النار تُدخله الجنة والزحزحة عن الحنة تدخله النار. إذا سمعت كلام الشيطان ستزلّ إلى النار وإذا سمعت كلام الله تعالى تزحزح عن النار.
(فأخرجهما مما كانا فيه): التوجيه الإلهي أنهما كانا في الجنة، في الراحة، في السعادة، فلما نسي آدم: الوقوع في المعصية نتيجة عدم الإصرار على الطاعة لأنك لست قوياً ولو كنت قوياً لا يمكن للشيطان أن يوقعك في معصية والشيطان نفسه إستثنى (إلا عبادك منهم المخلَصين) هؤلاء بشر يعني ليس مستحيلاً على بشر أن لا يطيع الشيطان والله تعالى أيّد هذا بقوله (وأن هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) هذا الكلام يقال للسحرة والدجالين لأن هناك أناس لن يقدر عليهم الشيطان.
(عبادي) قلنا هذه كلمة عظيمة وهذ ركبٌ علينا جميعاً أن نلحقه لأنها لا تقال إلا في توقيع وفي لحظة يبكي عليها العارفون (يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي).
(مما كانا فيه) أي الذي كانا فيه خير.
(فأخرجهما): تدل على السرعة ولم تتحديث الآيات عن الوقت الذي قضاه آدم وزوجه في الجنة. فمهما كانت المدة لا يهم لأن المهم النتيجة أنه خرج منها. لم يكن بإمكان آدم أن يبقى فيها لأن هذا الأمر على مراد الله تعالى. أما نحن فيمكننا أن نبقى في طاعة الله تعالى دائماً.آدم كان مثالاً حيّاً أمام أعيننا نتعلم منه. الآن السملم واليهودي والنصراني والمجوسي يموتون ويُدفنون ولا نرى حالهم لكن لنا في آدم مثال حيّ أمام أعيننا.
(فأخرجهما) لم يقل فأخرجهما الله أو غيره. لأن الله تعالى لا يُخرِج من النعيم وإنما سبحانه يُخرجك من النار. آدم وزوجه لم يخرجا بإرادتهما وإنما أخرجهما بالمعصية. (فأخرجهما) مترتبة على (فأزلهما). الشيطان هو الذي أزلهما وهو الذي أخرجهما وهذه تظهر في سورة طه (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) هو الذي أخرجهما لأنهما سمعا كلامه. التوقيع لنا نحن : إياك أن تسمع كلام الشيطان.
الشيطان قال (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملَكين أو تكونا من الخالدين) جاء بمغريات حتى يأكلا. لو آدم فكّر وقال لإبليس: لمَ لا تأكل منها أنت وتكون من الخالدين؟ هذا هو الدرس لنا نحن.
لما طرد إبليس من رحمة الله تعالى لعب لعبة فقال (فأنظرني إلى يوم يبعثون) يريد أن يفرّ ن الموت لأن ساعة تقوم الساعة لا يوجد موت. هو يريد أن يهرب من الموت لكن الرد جاء من الله تعالى (فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) سيكون لك يوم تموت فيه. ساعة خلق الله تعالى الكون خلق الموت قبل الحياة (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم) الموت متربص بكل حيّ. فلما قال الشيطان (إلى يوم يبعثون) جاء الرد (إلى يوم الوقت المعلوم) وليس إلى يوم يبعثون حيث لا موت. إبليس أغرى آدم بالملك والخلود وهما آفة البشرية إلى الآن.
إبليس قال (أن تكونا ملَكين) ولم يقل ملِكين: ملَكين يعني يكون عندك معطيات الملائكة. آدم نسي ولم يتذكر. وهناك أناس تخطئ أحياناً أخطاء ما كان يجب أن يقعول فيها فأين المنطق؟ المنطق مع الإيمان، مع التقوى، مع الإحسان. لكن آدم نسي وهي آفتنا نحن أيضاً. عندما يوسوس الشيطان يدخل إلى كل واحد فينا من مداخل مختلفة عن الآخر فيعطيك لذة الشهوة ويُنسيك العقوبة لأن تذكر العقوبة تجعلك ترتدع. لو أنك فكرت أنك قد تموت على معصية لا تذهب إليها. وكم من البشر فُضِح أمره على رؤوس الأشهاد لأنه مات على معصية في الدنيا. يجب أن نوجد حواراً مع الشيطان لأنه يريد أن ينسيك المعصية لكن عليك أن تذكرها دائماً لأنك قد تموت عليها وهذا وحده كفيل بأن يردعك عن القيام بالمعصية.
(إلا أن تكونا ملَكين) وفي آية أخرى (هل أدلك على شجرة الخلد ومُلك لا يبلى): هو يوسوس بشكل أو بآخر بالمغريات.: ستكون ملكاً وسيكون لديك سلطان ومال وجاه. أنت عليك إذا وسوس لك الشيطان بهذا أن تقول: الحمد لله على ما أنا فيه. فلا تنظر لمن هو فوقك وإنما انظر إلى من هو دونك واحمد الله على ما أنت فيه. كل إنسان له مداخل مختلفة. الشيطان لا يملّ والإنسان يستجيب. في كل غلطة عندما تدرسها سيكولوجياً: يأتي شخص ويقول لك أريد أن أعصي فتقول له: إذا أردت أن تفعل معصية إفعلها مع زوجتك فيقول لك لا يمكن أن أفعلها مع زوجتي فأنا أستحي من فعل هذا معها. فتقول: سبحان الله تستحي مع زوجتك ولا تستحي مع الله تعالى؟ هذا أمر غريب فعلاً. يجب أن يكون الإنسان واعياً دائماً.
ماذا ينبغي من بني آدم أن يفعلوا عندما يوسوس الشيطان لهم؟
يجب أن تجعل وسوسته لك إلى حوار. قل في نفسك كيف أعصي الإله؟ لو قال لك الله غفور رحيم قل له أكمِل الآية: وأن عذابي هو العذاب الأليم. فإن قال لك: إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك، قُل له : لمن يشاء. فعل تضمن أن يغفر الله لك؟
(فأزلهما، فأخرجهما، فتلقى) هذا فضل من رب العالمين على آدم وعلينا جميعاً وهي مشروعية التوبة إلى الله تعالى . قلنا أن التوبة تعني الرجوع، يعني آدم ساعة ما أزله الشيطان بعُد ثم تاب إلى الله أي عاد. لما فسرنا الإنابة قلنا هي العودة والرجوع بالتوبة فالإنابة أعمّ والرجوع بالتوبة لو لم يُعطي الله تعالى آدم الكلمات فهل كنا سنعرف كيف نتوب؟ ساعة عصى آدم الله تعالى لم يعرف أن يتوب حتى تلقّى من ربه كلمات فتاب عليه والله تواب رحيم لأنه تواب حتى من قبل خلق آدم.
الرسول r يقول: " يا أيها الناس إستغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مئة مرة" مم يتوب؟ هو قد غفر له لكنه يعلمك التوبة وأفضل التوبة توبة عن توبة.
سؤال: الله تعالى رزع في آدم وفي ذريته شهوة ما وهذا ما نعاني منه الآن. قد يتساءل سائل أليس هذا قسرٌ من الله تعالى أن يزيّن لنا هذه الأشياء ويمنعنا عنها؟
هذا الكلام يكون منضبطاً لو كنا جميعاً حالاً واحدة لكن ليس كل الناس تستجيب للتزيين. هذا الكلام قالته الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيه) لكن الرد من الله تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) سيكون منهم الصالحون والطائعون. من المسلمين من أمسك نفسه عن شهوة ما طاعة لله تعالى وقال: إني أُمسِك عن الشهوة طاعة لك يا رب. والمولى ضرب لنا أمثلة في القرآن (قل هل يستوي الأعمى والبصير) النقيضان لا يجتمعان. طوبى لمن عرض له الشيطانه وسوسة عن شهوة فأمسك نفسه عنها.
لماذا يوسوس الشيطان بهذه الأشياء تحديداً؟ هل لآدم منعة من أشياء كثيرة لديه زوجة وطعام وشراب؟
من الزناة أزواج عندهم زوجات لكن مع هذا يفعلون المعصية. لو المولى تعالى قال لآدم اترك كل الشجر ولا تأكل إلا من هذه الشجرة الواحدة لكانت القصة مبررة. نحن نتكلم كثيراً عن الزنا والسرقة لأنها سمة العصر. فالزنا سمة العصر وقد ضيّع الشباب وفسدت الأمة. والزنا والسرقة من حدود الله. فربما ونقول ربما نجد عذراً لمن يزني وليس له زوجة مع أنه لا عذر له لكن أن يزني من له زوجة فما هو مبرره؟ كذلك السارق قد لا يعاقب السارق الفقير الذي سرق ليأكل لكن هذا المليونير الذي يسرق ولديه كل هذه الأموال لماذا يسرق؟ إذن هؤلاء لا حد لشهواتهم. لما كلّم الشيطان آدم دخل له من مداخل لا تتوقف. في المقابل من الشباب من أحصنوا أنفسهم مرضاة لله تعالى ومن الفقراء من يرى المال الحرام أمامه مستباحاً ولا يمد يده إليه مرضاة لله تعالى. فضل الله تعالى أنه ساعة تُعرض المعصية على الإنسان عليه أن يفكر بروية أنه لو مات على هذه المعصية فماذا سيفعل؟ سيُبعث على نفس المعصية ويكون في النار ولهذا على من تعرض عليه المعصية أن يفكر ويناقش نفسه وليقل الحمد لله عندها يكن أغنى الناس.
الشيطان يغلب لأنه لا أحد يناقشه. ساعة ما تناقش المعصية فهذه بشرى خير. من ناقش الأمر مع نفسه قد يرجع لكن الذي لا يناقش يقع في المعصية.
(فأزلهما، فأخرجهما) تدل على أنه لم يكن هناك وقت للتفكير. الإسلام عمل لنا صلاة الإستخارة وما خاب من إستشار، لكن المشكلة أنك تستشير وأنت مكوّن رأي مسبق. البعض يصلي الإستخارة ولكن الناس تقول إستخرت ولم أر شيئاً لكن صلاة الإستخارة ليس لها علاقة برؤية. الإستخارة معناها أن تستخير المولى أن يوفقك للموضوع أو عكسه. منهم من يصلي الإستخارة وهو مكون رأي وهذا لا يليق بالهه تعالى. فهذا يكون كالذي يستشير صاحبه في أمر ويطلب رأيه فيقول له أنا قررت كذا. إذن لماذا تستشيره؟ عندما تصلي الإستخارة يجب أن تكون غير مكون رأي وقد دخل الشيطان في هذا فأفسده علينا. الشيطان يدخل أيضاً في إستشارة الشباب للكبير فيقول من هذا لأستشيره؟ وهذا من الكِبر وهو أخو النار بلا محالة والرسول r يقول: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر".
عندما يوسوس الشيطان يذكر الإنسان بآيات الرحمة والمغفرة فكيف يُخرِج الإنسان نفسه من الزخم الإبليسي في المعصية؟ بالإستماع للرسول r : البِرُّ حسن الخُلُق والإثم ما حاك في صدرك وخشيت أن يطّلع عليه الناس" عليك أن تفكر لو أنك عملت هذا العمل أمام الناس فهو حلال أما إذا عملته في السر فهو حرام. المؤمن لا يقبل الديّة في دينه. الضرورة شيء والمصلحة شيء آخر وصحيح أن الضرورات تبيح المحظورات ولكن في حدود. إذا كنت تضمن أن تعيش لتتوب من المعاصي فافعل ما تشاء. إضمن وافعل لكنك لت تضمن ولو ضمنت فقد أثمت وإياك أن تتكبر في ذلك فقد يأخذك الله تعالى قبل أن تتوب.
(إهبطوا) واو الجماعة تدل على آدم وذريته والشيطان وذريته. (منها) أي من الجنة والوسوسة لا تقتضي ولا تستلزم أن يكون الشيطان في الجنة ليوسوس.
الإسرائيليات تقول أن إبليس دخل الجنة مختبئاً داخل حيّة حتى لا يراه الله تعالى. فهل يعقل أن لا يراه الله تعالى داخل الحية؟! هذا كلام غريب يقولون لم يدخل الجنة حتى لا يراه الله لكنه اختبأ في بطن الحبة فهل لقدرة الله حدود بحيث لا يراه في بطن الحية؟ وهل وجوده في بطن الحية يعني أنه استتر من الله تعالى؟ هذا كلام لا يقبله عقل.
لما أمر الله تعالى آدم بدخول الجنة وأمره أن لا يأكل من الشجرة ونصحه أن لا يسمع كلام الشيطان فتجد في سورة البقرة (فأزلهما، فأخرجهما) والحمد لله على كلمة (فتلقى) لأنها هذه مشروعية التبوة.
سؤال: لما هبطوا إلى الأرض آدم وإبليس أعداء فهل حصل صراع بينهما على الأرض؟ هل ثبت أنه حصل صراع بين آدم وحواء من جهة وبين الشيطان من جهه؟ أم آدم توجّه إلى الله تعالى وعلّمه كيف يتوب؟ وإذا كان ربنا تعالى علّم آدم التوبة فلم ترك الشيطان؟
الشيطان كفر بالله تعالى ورد الأمر على الآمر أما آدم فقد عزمه ولم يكن قوياً (فنسي ولم نجد له عزما).
الكافر ليس له توبة إلا إذا عاد عن كفره. ساعة كفر الشيطان بالله خرج من رحمة الله تعالى أما البشر يعصون ويرجعون وهذا الرجوع الله تعالى يفرح بتوبة العبد وعندما قال تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) أراد أن يباهي الملائكة بهؤلاء البشر ساعة يتوبون. توبة الواحد منا يحقق قوله تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون).
إبليس كفر وليس له توبة. إيمان الكافر الآن إذا دخل في الإسلام شخص هذه في حد ذاتها توبة بمعنى رجوع إلى الله تعالى، إيمتن. هذه التوبة تجبّ ما قبلها فالتوبة عند المؤمن الحق تجبّ ما قبلها والإسلام يجُبّ ما قبله. ساعة يقول الإنسان أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله يكون من أهل الإيمان ولو كان في السبعين من عمره.
(فتلقى آدم من ربه كلمات) ما هي هذه الكلمات؟ وما المقصود بها؟
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. الكلمات لها وقع تبيّن عظمة العلاقة بين الرجل والمرأة. آدم هو الذي تلقى والإثنان قالا فيكون آدم قد أخبر زوجه. آدم قد يكون تلقى هذه الكلمات إما عن طريق الوحي أو بالإلهام.
(فتاب عليه) بوصفه ممثلاً للجنس البشري لأنها كانت مشروعية التوبة. الفاء غير مؤجلة أول ما تتوب تكتب مع التائبين (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) تمحى السيئات فوراً بفضل (الفاء). ساعة تاب الله تعالى على آدم هذا مثال لقبول التوبة ومشروعيتها إذا كان آدم تاب الله تعالى عليه فما بالك بأي شخص عادي بشرط أن يتوب (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).
بُثّت الحلقة بتاريخ 8/5/2006
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

لحلقة 15:
(وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38))
في البداية نؤكد للمشاهدين الذين قد يتساءلون أن قصة آدم u قد طالت أن قصة آدم u وردت في القرآن الكريم في سبع سور. والمناهج في القصص القرآني إختلفت بين عالم وآخر من حيث هل يُعرض للقصة بترتيب الأحداث أو بترتيب نزول القرآن أو بترتيب الكتاب كما هو منهجنا نحن. نحن قلنا نعرض السور لوحدها ثم نأخذ في حلقة أو حلقتين نأخذ الموضوع بالترتيب نعرضه ثم نأخذ جزءاً من القصة في البقرة وجزءاً من الأعراف وجزءاً من طه وجزءاً من الحجر وهكذا حتى تكون الصورة الكاملة. لكن هذا يكون بعد الأخذ بترتيب الكتاب الذي له وقع لأن ترتيب النزول اختلف عن ترتيب الكتاب. بالطبع ستطول القصة لكن عندما يرتكب أحد معصية يتذكر العِبرة من قصة آدم u. وآدم هو أبو البشر وعليه قامت البشرية وكفى بواقعة آدم u أن فيها مشروعية التوبة وأنه تعالى تفضّل على العالمين بمشروعية التوبة. ونسأل لماذا شرع الله التوبة؟ البعض يقول ليتوب العاصي هذا صحيح ولكن بالإضافة إلى توبة العاصي ينجو المجتمع منه وهذا موضوع كبير ويكفي كما قلنا أن تكون العبرة من قصة آدم u مشروعية التوبة. بالإضافة إلى مشروعية التوبة نحن نأخذ العبرة في تعامل الرجل مع المرأة وفي سماع كلام الله تعالى واتباعه وفي نسيان آدم وفي لم نجد له عزما وغيرها من المواقف التي وردت في القصة وكل وقفة في القصة لها معنى.
(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ): أزلهما عكس زحزح. هو حاول إخراجهما من الخير بدليل استعمال الضمير (عنها) عنها: تعني عن الجنة بمدلول الجنة. الجنة ليست غاية هنا وإنما الغاية في الحقيقة مدلول الجنة. كان يجب أن يحصل لآدم ما حصل على عكسنا نحن. لو لاحظنا التعبير القرآني في سورة البقرة وفي سورة طه آيتان فيهما بعض الإختلاف هما (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة) و (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) طه) الفرق في قوله (فمن تبع هداي) و(من اتبع هداي). ومرة يقول أن الذي يسمع الكلام لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومرة لا يضل ولا يشقى، (لا يضل) هذه جملة كبيرة جداً: من الذي يقول أن أيّ إنسان لا يخطيء؟ قالها تعالى بشرط أن يتّبع الهوى. نحن جُبِلنا على الخطأ وولدنا على الخطأ ثم التوبة " كل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون" التوبة عملت ليرجع المخطئ. لكن لا أحد يمكن أن يقول هذه الكلمة غير الله تعالى قالها الحق تبارك وتعالى حتى يبين لك أنك لست مجبولاً على المعصية وإنما باختيارك أنت لأنه سبحانه وتعالى رسم الطريق. آدم u رُسِم له طريق واحد : لا تأكل من هذه الشجرة حتى يخرج من الجنة، أما نحن فولدنا على المنهج بدليل قوله تعالى (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) القرآن قبل خلق الإنسان. الإنسان خُلٌِق على منهج.
إذا كان الله تعالى خلق آدم وأودعه وزوجه الجنة فلم يحرّم عليه؟ لأن هذا هو المنهج وهذه سنة الله تعالى أن تمشي على منهج. بنو آدم غير جنس الملائكة المجبولين على الطاعة وغير الجنّ المكلّفين ونحن وسط بينهما نأخذ من سمات هؤلاء ومن سمات هؤلاء. ولو سمع البشر كلام الله تعالى سيكون كأنه ملك ولو عصي سيكون كأنه جِنّ. المنهج وُضِع ولهذا قال تعالى (وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين) لا يزيدون ولا يُنقِصون لأنه ليس من حقهم وإذا جادل أحد يوم القيامة عما كتبه الملائكة يقال له (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) النور) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) النساء) في ذلك الموقع الجلود (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) فصلت) تتكلم وتقول (أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء).
الحكمة من خلق آدم (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ولله تعالى في خلقه شؤون. وحتى نكون أوادم بحق لا نقول لماذا فعل الله هذا؟ لا ترد الأمر على الآمر لأن هذا أخرج إبليس من رحمة الله تعالى فهو رد الأمر على الآمر. أما آدم فقال في البداية حاضر ولم يجادل ثم نسي وهذه هي الفطرة التي فطر عليها أما إبليس فردّ الأمر على الآمر لذلك لم يكن له توبة ولا مغفرة. آدم لم يناقش عند التكليف أما إبليس فناقش وردّ الأمر وهذا جواب على بعض المستشرقين الذين يقولون أن آدم أخطأ وإبليس أخطأ فكيف يتوب الله تعالى على آدم ويطرد إبليس. أما الملائكة فهم لم يناقشوا ولم يردوا الأمر على الآمر بسؤالهم (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) وقد سبق أن شرحنا معنى سؤالهم في حلقات سابقة.
ساعة قال إبليس هذا الكلام لم يكن قبله أبالسة وقالها بوازع كُنهه (إلا إبليس كان من الجن ففسق) لو فهمنا هذه الآية لعرفنا لماذا فعل هذا؟ هو جبلّته الإستكبار ونحن علينا أن نفرّق بين معصية السهو والنسيان والمعصية المفاجئة ومعصية ردّ الأمر على الآمر والاستكبار. غلطة إبليس هي رد الأمر على الآمر فهي معصية إستكبار وليس لها توبة ولا رجوع. نأخذ مثالاً: شخص لا يصلي فلما تسأله لم لا يصلي يشعر بالندم ويقول لك أريد أن أصلي ولكن خذ بيدي فهذا بمجرد أن يقول تبت إلى الله يقبل تعالى توبته. وآخر يقول ما الصلاة؟ ما هذه الحركات التي تقومون بها؟ وينكر الصلاة فهذا معصيته معصية إستكبار وهذا ليس له توبة وإنما عليه أن يؤمن أولاً ويخرج من حظيرة الإستكبار إلى حظيرة الإيمان بكل مناطه: التقوى والإحسان والإسلام والذي يكون في حظيرة الإستكبار يكون مع إبليس.
لو انتبهنا إلى آيتين في القرآن الكريم التي سبق وذكرناها في البقرة وطه نجد في الأولى (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) والثانية (فلا يضل ولا يشقى) وإذا راجعنا القرآن الكريم نجد أن أولياء الله هم الذين وُصِفوا بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. حتى لو أخطأت لا تقلق وإنما تُب إلى الله تعالى ولا تجعل المعصية تحصرك. أولياء الله هم الذين إستمعوا إلى كلام الله تعالى بحذافيره وإن ونسوا وإن أخطأوا. (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) المائدة) (فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) الأنعام) (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) الأعراف) (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) يونس) (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) الأحقاف) هذا توقيع بديع أن الذي يسمع الكلام بالإيمان ومناطه أو التقوى ومناطها لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. مقابل أولياء الله أولياء الشيطان المستكبرين. لا مانع من أن يأتي واحد من حظيرة الإستكبار إلى حظيرة الإيمان بنطق الشهادتين ويندم على فترة الكفر لأن رد الأمر على الآمر قمة الكفر، ويتوب إلى الله. إبليس بعدم سجوده لآدم لا يتّبع آدمي. والناس إما أن تكون من أولياء الله أو من أولياء الشيطان. ونقول لمن لا يؤدي العبادات على الأقل لا تعيب المناسك وإنما قُل ربي يهديني ولا ترد الأمر على الآمر.
هل الجن عليهم حافظين كراماً كاتبين؟ لا ليس عندنا دليل.
هل كان إبليس طائعاً؟ أو طاووس الملائكة كما يقولون؟
هذا كلام لا أساس له من الصحة وهو من الإسرائيليات المحضة. إبليس ليس له حافظين كراماً كاتبين أن معصيته في القمة فماذا سيكتب له الملك؟ هو في النار أصلاً لأنه استكبر وليس بعد الكفر كفر. هو يعترف بالألوهية والربوبية فيقول (فبعزتك) ويعترف أن الله تعالى خلقه وخلق آدم (خلقتني من نار وخلقته من طين) وكان عليه أن ينتبه لما يقول أن الله تعالى هو الذي خلق الخلق فكيف يرد الأمر عليه؟ آدم وحواء لم يسمعا كلام إبليس إلا بعد أن قاسمهما لأنهما لم يتوقعا أن يحلف أحد بالله تعالى كذباً.
صدر الأمر الإلهي عندما نسي آدم. إبليس عصى وطُرِد، وآدم نسي (ولقد عهدنا إلى آدم فنسي ولم نجد له عزما) فهل معصية آدم تستحق الطرد من الجنة وهي مجرد نسيان؟
لهذا السؤال إجابتين: الإجابة الأولى: لا نأخذ اللفظ القرآني على ظاهره. ليس كل نسيان نسيان يعني هناك نسيان بالمعنى العام الشائع وهناك نسيان له مدلول آخر. والكلمة في القرآن عاشقة لمكانها بمعنى وبمدلول قد يختلف عن المعنى الشائع. كيف؟ من عظمة هذا الكتاب أنه في نفس السورة حل مسكلة النسيان حتى نعرف الرد على هذا السؤال: قال تعالى (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) طه) عن آدم وقال (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) طه) النسيان هنا ليس النسيان الشائع وإنما بمعنى أهملتها وتركتها وكذلك اليوم تُهمل. فالنسيان إهمال وترك هنا. المعنى الشائع موضوع والمعنى القرآني موضوع آخر. المقصود بنسيان آدم تركه الأمر وإهماله مع أن إبليس حذّره فقال (ما نهاكما ربكما عن تلكما الشجرة) لكن لأن هناك نسيان إهمال لم ينتبه آدم حتى للفظ إبليس ولو إنتبه لكلامه لتذكر أن الله تعالى نهاه عن الشجرة. والإجابة الثانية : كان النسيان قبل محمد r له عقوبة ثم رُفِع الحرج عن أمة محمد r كرامة لرسول الله r كما في الحديث :" رُفِع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" لو نسيت نعطيك فرصة أخرى.
(اهبطوا): لم يقل تعالى إلى أين؟ لم يقل اهبطوا إلى كذا فهو ليس هبوط مكان وإنما هبوط مكانة وهبوط معنوي كما نقول فلان سقط من عيني هو لم يسقط فعلاً وإنما تعبير عن عدم كونه كمت توقعته. هذا تعبير مجازي كما يقول أحدهم وهو في الإسكندرية يقول أنا نازل مصر هو لن يهبط إلى مصر وإنما استبعاده للمسافة بين البلدين يقول أنه سينزل. هو على نفس الأرض لكنه استعمل ينزل بمعنى سينتقل إلى مكان بعيد. عندنا نزول مكان ونزول مكانة وهبوك مطان وهبوط مكانة.
اهبطوا وسنشرع لكم التوبة. في قوله تعالى (اهبطوا مصر) هل نفهم أنهم كانوا في الجنة؟ أو في مكان عالٍ؟ كلا وإنما هو هبوط مكانة. غهبطوا أي سنعطيكم ما تريدون لكن سنتقصون درجة لأنكم تناقشون كثيراً وتطلبون أشياء كثيرة. مناط الهبوط هو (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) ليدل على أن الهبوط معنوي بمعنى ستحصل على ما تريد لكن لو انتظرت لكنت حصلت على ما تريد لكن سؤالك الكثير واعتراضك سيجعلك تهبط مكانة.
قال اهبطوا ولم يقل اهبطا مع أنها وردت في آية أخرى؟ جاءت اهبطا في آية أخرى لما جاءت مثنى جاءت كفريقين: آدم وحواء فريق وإبليس والذرية فريق. هناك إختلاف في التركيب اللفظي في القرآن فتأتي اهبطوا واهبطا واهبطوا منها جميعا وهذا مرتبط بمقاصد الآيات وهذا سمت من سمات القصة القرآنية.
(بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) على من يعود الضمير في (بعضكم)؟
يجب أن تؤخذ الآية على مدارين في الفهم: إما بعض ذرية آدم وبعض ذرية إبليس ويكون التبعيض من الجنس، بعض هذا الجنس وبعض هذا الجنس. وإما أن تكون بني آدم نفسهم أعداء لبعض: من أسلم ومن كفر أعداء بطريقة واضحة لأن فريق منهم دعوي وفريق كافر وأمة محمد r أمة دعوية (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) والفريق الثاني يريد أن يقنع الفريق الأول أنه مخطيء. الكاذب يريد أن يكون كل الناس كذابين والسارق يريد أن يكون كل الناس سارقين ومن هنا العداوة. أعظم المخترعات جاءت بعد الحروب ن في الحرب كل فريق يريد أن ينتصر على الفريق الآخر فالصروخ الذي صعدوا فيه للقمر أصله كان معدّاً للحرب ثم استعملوه في الأقمار الصناعية والفضائيات واستفدنا منه. العداوة تولد خيراً ولو أنا مؤمن بالله تعالى لا آخذ العداوة كواقعة لكن آخذها كأصل وأحضر من هم في الفريق الثاني بدعوتي الحسنة (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).
هل نفهم من الآية أن الله تعالى قرر العداوة بين البشر والجن أو بين البشر والبشر؟
العداوة أصل سواء بين البشر والبشر أو البشر والجن بدليل (قلنا اهبطوا منها جميعا) هناك عداوة مسبقة بين الجن والبشر من ساعة أُمِر إبليس بالسجود آدم. وعداوة بين البشر والبشر بالإيمان والكفر. فالبعضية إما أن أكون مع أولياء الله أو أولياء الطاغوت والعياذ بالله.
(قلنا) وجاء في آية أخرى (قال). هنا يحكي الله تعالى عن واقعة وهناك يوقّع لك واقعة. (قال) جاءت بعد (قلنا). (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) يتكلم عن واقعة أزلهما الشيطان فالله تعالى يحكي عن نفسه. (قال) في واقعة. هنا يقررواقعة فقال (قلنا) كما قال (قلنا اسكن) في بداية السورة (وإذ قال ربك للملائكة) هنا أيضاً يحكي عن ذاته. لما يقول (قلنا) يقرر واقعة ولما يقول (قال) يكون يحكي حكاية. (قلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) تقرير واقعة آدم في الجنة.
(ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين): أي الموت. هناك حين أصغر وحين أكبر. موتي حينٌ أصغر أو قيامة صغرى ويوم القيامة حينٌ أكبر وقيامة كبرى.
تقرير العداوة أنشأها إبليس برفضه السجود والثانية عداوة ضمنية جاءت بإيمان وكفر لكن الفريق المؤمن لا يكره الكافر لأنه يريد أن يسحبه إلى حظيرة الإيمان لأن الدعوة ليست شخصية وإنما هي دعوة للإيمان بالله تعالى لذا لا يجب أن يكون هناك عداوة بين المؤمن والكافر. ولهذا على خطباء المساجد أن لا يرفعون أصواتهم ويغضبون ويهاجمون الناس الذين أتوا للمسجد في خطبهم لأن هؤلاء أتوا وهم أمامهم فإذا كان لا يجوز لهم أن يعنّفوا الكفار فما بالك بمن أتى إلى المسجد ليستمع وينصت ويصلي؟ علينا أن نلكم الناس بأسلوب طيّب. الرسول r لم يغضب لنفسه أبداً ما غضب r إلا لله تعالى لأنه نبيٌّ ورسول يفهم ونحن يجب أن نأخذ الفهم منه r. إبليس فهم أنه سيذهب إلى النار لأنه يكفر بعزّة هو يُقرِّها.
ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن: هل شاء الله تعالى المعصية في الأرض؟ وكيف نبرر (وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي)؟
نعم. المشئية شيء والأمر شيء آخر. لا يوجد شيء يحصل بعيداً عن مشيئة الله تعالى. الله تعالى شاء بمعصية إبليس لكن أعطاه الإختيار. نضرب مثلاً: عندك ولين وأنت خبير بهم تقول أريد أن أدّخر مالاً ليدخل أحد الولدين كلية الطب لأنك تعرف اجتهاده أما الثاني فتقول هو سيكون مهنياً وتمر الأيام ويدخل الأول كلية الطب والثاني مهني فأنت لم تجبر الأول على الدخول في كلية الطب أو الثاني على كونه مهنياً ولكنك من خبرتك بأولادك علمت حالهم. فكيف بالإله الحق الذي من أسمائه الخبير؟!
قال تعالى عن القرآن (إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) بالإختيار الذي خلقنا عليه لذا في الجنة يقول المؤمنون (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) مشيئة الرب مقدمة وسابقة ومهيمنة على مشيئة العبد. (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء). هناك فرق بين هداية الدلالة وهداية المعونة. هداية الدلالة أن تدل شخصاً على الطريق وهداية المعونة أن تأخذه معك وتوصله إلى المكان الذي يريد. الله تعالى أثبت الهداية المطلقة لنفسه (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) وأثبتها للرسول r (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) هداية محمد r هداية دلالة وهداية المعونة من الله تعالى.
إبليس ومن تبعه يستحق العذاب الذي أعدّه الله تعالى له لأنه (من اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) ومن لم يتبعه يكون عكس ذلك.
(بعضكم لبعض عدو): العداوة كلمة غير محببة لكنها في هذه الآية محببة.عكس العداوة لا تفرح. أن أكون عدو إبليس يكون خير ولو لم أكن عدوه لكنت في النار لذا قال تعالى (بعضكم لبعض عدو) ما قال كلكم لكلكم. فالذي لن يكون من بعض أولياء الله سيكون من بعض أولياء الشيطان فجاءت الآية (بعضكم لبعض عدو) صيانة إحتمال اللفظ القرآني أكبر من فكر فاسد لهذا لم يقل (كلكم لكلكم).
(لكم) الذي سيسمع الكلام أو الذي لا يسمع لن يُخلّد أحد الكل سيُكتب عليه الموت.
(ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين): مستقر إقامة تعيش في قصر، في بيت، في خيمة، في الشارع هذا مستقر. (ولكم في الأرض مستقر) مربوطة بـ (إني جاعل في الأرض خليفة) أي أننا خلقنا لهذه الأرض والجنة إنما كانت مرحلة إنتقالية للتدريب على المعصية وعلى الطاعة بالتوبة.
(إلى حين): القيامة الصغرى والكبرى.
(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه): هل تلقى آدم الكلمات بمجرد نزوله إلى الأرض؟
كلا، هو تلقاها قبل أن ينزل إلى الأرض. بعد (فتلقى) سيقول تعالى (قلنا اهبطوا منها جميعا) آدم تبا قبل أن ينزل إلى الأرض. (اهبطوا) الأولى هبوط مكانة والثانية (اهبطوا منها جميعا) هبوط مكان ولكن آدم خرج بتوبة.اهبطوا الأولى وردت حتى يبين لنا أنه لم يسمع الكلام فنزل درجة.
(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه): جاءت بعد معصية. الرجوع إلى الله تعالى لأن الأصل أنه كان في معية الله فالتوبة تعيده إلى هذه المعية. (آدم) المفروض أن يقال آدم وحواء والمنطق أن يقال فتاب آدملكنه في الحقيقة تلقى من ربه كلمات فتاب لأنه لم يعرف أن يتوب من تلقاء نفسه. هو كان في جنة التدريب وآدم وقف محتاراً لا يعرف ماذا يفعل بعد المعصية؟ هو أفاق بعد أن عرف معصيته أما نحن فقد عُلّمنا التوبة. من المؤكد أن الله تعالى علّمه من ضمن (وعلم آدم الأسماء كلها) علّمه كلمة التوبة لكنه لم يوقّعها لذا لا يجب أن يستكبر أحدنا إذا كان أستاذاً أو عالماً أن يسأل شخصاً عن أمر ما ويقول أنا فلان أستاذ أسأل فلاناً؟. كلمة (أنا) هي كلمة إبليس لذا قال الرسول r بثقة : " لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر" البعض يقول أعوذ بالله من كلمة أنا ويكررها على أساس أنها من باب الخشوع فنقول له هذه لا محل لها. لا مانع أن تقول أنا لكن لا تكن واقع استكبار عندك. قول (أنا) ليس حراماً كما يقول البعض إلا إذا أُطلِقت من باب الإستكبار والعُجب. لازم معناها حرام أما الكلمة (أنا) فليست حراماً. والبعض لا يقولها لكنه يقول معناها فيقول لك: هل تعلم مع من تتكلم؟ هذه أسوأ من (أنا) لأن فيها معصية واستكبار. وقد يقول آخر أنا فلان وليس فيها أي استكبار.
توسط آدم بين التلقي وربه، هل آدم فاعل أو مفعول؟
آدم مفعول لأنه أخذ. فجاء تعالى بفعل تلقى وأخذ أعطى الله لآدم كذا. آدم وقع عليه الفعل لكن من عظمة الإله الحق أن جعله هو الفاعل لأنه قد يكون أحدهم تلقى ولم يفعل. كلنا تلقى التوبة لكن كم واحد منا تاب؟ فالله تعالى أرجع الفضل للذي تاب.
إبليس لم يكن منوطاً بمسألة التوبة لذا قال تعالى (فتلقى آدم) الله تعالى هدى آدم ولم يهد إبليس لماذا؟
حينما نستكبر لا نتوب وإنما نؤمن ونخرج من ظائلة الكفر إلى الإيمان. لا توبة للكافر وإنما ‘لان إلسلام وإيمان ل. التوبة درجة جيدة لا يأخذها الكافر. الله تعالى علّم آدم الأسماء ولم يعلّمه التوقيع. وعلّمه التوبة لأنه يستحق التعليم لأنه لم يرد الأمر على الآمر. الذي يقول الحج وثنية كافر عليه أن يؤمن لأنه خرج من المِلّة ومن ولاية الله تبارك وتعالى إلى ولاية الشيطان لأنه يقلّده وقد رد الأمر على الآمر فعليه إن أراد أن يعود أن يغتسل ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فيفتح صفحة جديدة والإسلام يجبّ ما قبله فهل هناك أعظم من هذا؟ لكن عليه أن يسير من تلك اللحظة على المنهج (إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم) إفعل ولا تفعل وعفا الله عما سلف وعند جميع الفقعاء ليس عليه صلاة ولا صوم للفترة التي كان فيها كافراً مهما حصل حتى لو كان رأس الكفر. فرعون آمن ولم يُسلم لكن بعد فوات الأوان وعلينا أن نعود اليوم ونخاف. فرعون قال لموسى أغثني يا موسى سبعين مرة (والعدد سبعون يستعمله العرب للتهويل) فلم يستجب له فقال تعالى: يا موسى استغاث بك فرعون سبعين مرة فلم تُغثه وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة واحدة لوجدني سميعاً قريباً. أول صفة لله تعالى الرحمن الرحيم. فرعون لم يكن عنده ثقة بالله تعالى وقال (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) فجاء الرد من الله تعالى (آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) لذلك نقول من جاءك اليوم مسلماً فقل به صفحة بيضاء سيكون عليك تكليف الصلاة والصوم والحج من هذه اللحظة.
آدم غُفِر له (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) وعندنا (ولا تزر وازرة وزر أخرى) آدم لا يحاسب بمعصيتنا نحن ولا نحن نحاسب بمعصيته هو. وهل أعظم من قوله تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه). أما إبليس فله كِفل من آثام البشرية لأنه تنحرف بوسوسته فيأخذ كفلاً من معاصي الناس. أما آدم u فلا يأخذ كفلاً لأنه تاب والتوبة مشروعة لنا لكن المشكلة أن نبقى في المعصية. ووقت التوبة من قريب وليس كما يقول البعض أن وقتها مفتوح بدليل قوله تعالى (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) وهذه تكون عكس (آلآن) علينا أن لا نؤجل التوبة حتى لا نموت قبل أن نتوب.
قابيل يأخذ كفل قتل الناس لأنه (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) عكسها حلاوة التوبة (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) الذي يتوب تكون المصلحة للمجتمع كله وليس لنفسه فقط لأنه عندما تشرع التوبة ينجو العاصي وينجو مجتمعه، ولو لم تشرع التوبة لاستمر العاصي بالفساد. إستمرار العاصي على المعصية تتعب المؤمن لأن المؤمن أُمِر بأن يعفُ ويصفح حتى عمن ظلمك (ولا يأتل أولو الفضل والسعة) فلو عصى الرجل ولم يتب سيستمر على المعصية وسيظلم المؤمن ويعفو المؤمن عنه.
(إنه هو التواب الرحيم): بعض صفات الله أخذت تفعيلاً واحداً وبعضها فيه مفاعلة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 15/5/2006م
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

لقة 16:
مشروعية التوبة، أركانها وشروطها

(إنه هو التواب الرحيم):
إضافة الرحيم إلى التواب بهذه الطريقة تحتاج إلى تدبر. الله تعلى ساعة خلق آدم u وقبل أن يخلق آدم هو سبحانه التواب الرحيم. كل صفات الله تعالى أزلية فهو تواب قبل خلق آدم. نضرب مثلاً في صفة من صفات الله تعالى (غفار) هناك في القرآن غافر وغفور وغفار أما تواب فلا يوجد في القرآن تائب (لا يوجد صيغة فاعل) وإنما صيغة توّاب صفة مبالغة من الصفة نفسها. البديع في الأمر أن تواب تؤخذ على إحتمالين: تقول فلان أكول مثلاً له احتمالين إما أنه يأكل ثلاث وجبات لكن يأكل كميات كثيرة وإنما يأكل عشر مرات أو أكثر في اليوم، والاثنين يقال عليهما أكول. الله تعالى تواب لأن الواحد منا يخطيء ويتوب ويخطيء ويتوب أو تواب لأننا نحن كثيرون. المعين لذلك أنه رحيم. لأني لو كنت أخطيء وأتوب وأخطيء وأتوب فلو كان لديك شخص يعمل عندك وأخطأ مرة ثم تاب ثم أخطأ ثانية وتاب تقول له هذه آخر مرة ثم إذا أخطأ ثالثة تقول له انتهى الأمر أما الله تعالى فالعبد يخطيء ويتوب بما لا نهاية لذا فهو تواب رحيم لأنه رحيم تواب أخذت حقه الديمومة والاستمرار لأنه رحيم لا يرد توبة التائب.رحيم تعطي إطمئناناً أكثر للتائب. وباب التوبة مفتوح لم يُغلَق 24 ساعة ومن عظمة التوقيع يعلّمك رسول الله r في الحديث القدسي أن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده النهار ليتوب مسيء الليل. فلو سألت أحد الخطائين : إذا أخطأت في الليل فهل تنتظر إلى النهار لتتوب؟ كلا لأن الحديث يدل على أن الله تعالى يداه مبسوطتان ليل نهار ليتوب مسيئي الليل والنهار متى أخطأوا. وعندما يسأل الناس هل للتوبة وقت فيقول البعض أنه لا وقت للتوبة وهذا القول يجب أن يُفهم على أنه لا وقت للتوبة تعني سارع بها لا أنه لا وقت لها لأن التوبة كما جاءت في القرآن لها وقت كما في قوله تعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) النساء) (إنما) تدل على الحصر و(على الله) تدل على الإلزام وإن كان سبحانه وتعالى لا يُلزمه شيء. والحديث يدل على أن الله تعالى يده مبسوطة في الليل والنهار. ما الذي يضمن للعبد أن يحيا حتى يتوب ويغفر الله تعالى له والله تعالى قال في كتابه العزيز (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) فموعد التوبة هو المبادرة بها بعد وقوع المعصية فوراً لأنك لا تضمن عمرك. من قريب بمعنى بسرعة يبادر العاصي بعد المعصية فوراً لأنه لا يضمن عمره. وهناك حديث ضعيف في سنده لكن متنه سليم "هلك المسوفون" الذين يقولون سوف أصوم في رمضان القادم أو سأصلي بعد كذا لكن من يضمن عمره؟ لذا سمى الله تعالى نفسه التواب الرحيم لأن التواب فيها مفاعلة وهي صيغة مبالغة وعدد التوابين كبير من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة فكم شخص أذنب وتاب وكم مرة تاب هذا الشخص. وعلى كل خطاء أن لا يخاف أن يرجع إلى الله تعالى ويتوب مهما أذنب لأنه سبحانه تواب رحيم.
سؤال: هل يضيّق الله تعالى رزق العبد المخطيء؟
الرزق ضمنه الله تعالى لمن آمن ولمن كفر لكنه قد يضيّق على الإنسان بمعصيته. والتضييق ليس في كمّ الرزق الذي قُرّر لأن ما أقرّه الله تعالى أزلاً لن يقلّ لكن تُنزع البركة من الرزق. ذهب رجل الى الحسن البصري في مجلس علم فقال أجدبت السماء ولم تمطر فدلني ما أفعل فقال له الحسن البصري استغفر الله وأتاه آخر فسأله مسألة أخرى فقال استغفر الله وأتته امرأة فقالت أنا امرأة لا أُنجب فقال لها استغفري الله فتعجب أحدهم وسأله سألك كل واحد مسألة وقلت لهم جميعاً استغفروا الله فقال الحسن البصري أما سمعت قوله تعالى (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) نوح) فالاستغفار إذا فطنا إلى ما قاله r وحاولنا تطبيقه فقد كان r يستغفر بعد الصلاة وفي بداية ونهاية كل شيء. فالاستغفار والتوبة يسبب الرزق ولا يكون العبد في ضيق فما من دابة إلا على الله رزقها والكافر يعمل في الأرض فيأخذ حقه والله تعالى لا يضيع حق أحد من خلقه.
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) الطلاق) نحن قلبنا العقد الإيماني في هذه الآية. نحن للأسف في يومنا هذا نريد أن يكون لنا المخرج أولاً ثم نتقي الله تعالى. وهذا خطأ لأن الناس لم تعد تصبر. وهم حتى يريدون تعديل مفهوم الصبر. الصبر ليس له حدّ وإذا ضجر الصابر يضيع أجره لأن الصبر تحتاجه أول ما تشعر بالضجر. إذا كان شخص يقوم بما يرضي الله تعالى ثم يأتيه ابتلاء يصبر وينتظر حتى يأتيه المخرد لأن المخرج يأتي مع الصبر على مراد الله تعالى وليس على مراد الناس. الدين والمنهج وضع لنمشي وراءه لكن الناس الآن للأسف يريدون أن يتبعهم المنهج لا أن يتبعوه هم. كلام الله تعالى وقضاؤه لا يتبدّل ولا يتغيّر (ما يبدّل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) الله تعالى لا يظلم أحداً ولكن نحن ظلمنا أنفسنا بعدم الصبر.
سؤال: آدم نسي فعصى فنزل وابليس عصى فطُرِد. التوبة تمثلت لآدم فلماذا لم يتمثل جانب الخير لإبليس؟
ابليس لن يعود لأنه كفر وسبق أن قلنا أن هناك فرق بين معصية آدم ومعصية إبليس لأن معصية آدم معصية زلّة قدم ونسيان أما معصية إبليس فهي استكبار. يقول العلماء: رُبّ معصية خلّفت ذلاً وانكساراً خير من طاعة خلّفت استكباراً. مؤمن طائع إغترّ بإيمانه قد يقع في معصية كبرى لكن الذي عصى يخاف ويعيش مترقباً دائماً كي لا يقع في معصية أخرى فيجب علينا أن لا نأمن أنفسنا ولا نغتر بإيماننا.
آدم u لم يكن يعرف التوبة لكن الله تعالى علّمه التوبة. فما هي الطقوس التي أخذها آدم ليتوب إلى الله تعالى؟
لأنه أول معصية ولأنه بها شُرِ‘ت التوبة. آدم تلقى كلمات لما نسمع (فتلقى آدم من ربه كلمات) أفهم أن آدم لم يكن يعرف أن يتوب ينفسه. فلما تسمع (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) البقرة) آدم وزوجه يقولون كلاماً واحداً وهذا يدل على أن الكلام الذي تلقاه آدم وزوجه من مصدر واحد، آدم تلقى كلمات من ربه ثم علّمها حواء فقالاها معاً ولم يقل أحدهما كلمات غير الآخر. هما لم يعرفا أن يتوبا من أنفسهما فتلقى آدم من ربه كلمات وآدم الذي تلقّى لأنه هو الذي عليه التكاليف وهو الذي سيشقى (فتشقى) وتلقّى بوصفه زعيم البشرية.
(اهبطوا): بعدما تلقى آدم من ربه كلمات (فتاب عليه) تبين أن التوبة لا تُردّ فلا يقول أحد تبت إلى الله والتوبة لم تُقبل. الآية التي بعدها (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة) تشير إلى إمارات قبول التوبة لأن فيها تكليف آخر ومنهج توبة ومنهج بقاء في معيّة الله تعالى. هذا التكليف الذي نزل به آدم هو بداية نبوّته u. وأغلب العلماء يقولون أنه أخذ النبوة بعد التوبة لأن المنهج نبوة. قال تعالى (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) وفي آية أخرى (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) ومقابلها (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) طه) يبيّن أن هذا منهج.
(جميعاً): إذا كان البوط الأول على بعض الآراء هو لآدم وحواء فالهبوط هنا للكل آدم وحواء وإبليس. الهبوط الأول كان هبوط مكانة والثاني هبوط مكان. كل من عصى حتى من عصى وتاب يهبط منها لأن التقرير في البداية (إني جاعل في الأرض خليفة). قال تعالى: (جميعاً) هم ليسوا ثلاثة فقط لأن آدم ساعة ما خُلٌِ خلق من صلبه بنو آدم إلى يوم القيامة بدليل الآية (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) فآدم u لا يمثّل نفسه فقط وإنما يمثل نفسه وجنسه. وإبليس يمثل نفسه وجنسه. (اهبطا) في الآية الأولى تدل على مثنى الجمع وتعني فريقين آدم وذريته فريق وإبليس وذريته فريق. آدم هو أبو البشر على رأس الجنس وإبليس على رأس جنس الجنّ. آدم إسمه آدم وجنسه البشر وإبليس إسمه إبليس وصفته شيطان وجنسه الجنّ فهو على رأس الجنس.
سؤال: (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة): كيف يأتي الهدى بالتوبة؟
قرر المولى تعالى أنه سيكون في المنهج هدى. قرر التوبة قبل أن يقرر نزول الهدى لأن آية التوبة جاءت قبل آية الهدى والمنهج. هذا الترتيب جاء لأن الحياة من رحمة الله تعالى أنها بدأت بالمعصية ليشرع التوبة التي هي مناط كل فعل بشري. إذا أخطأ أحدهم وليس هناك توبة ماذا يفعل؟ لذا لم يقفل الباب حتى أمام من كفر. قال تعالى في آية (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة) وفي آية أخرى (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) طه) الذي يتبع الهدى لا يتعب وإن كان في شقاء هذا في معيّة الله والذي يُعرِض عن ذكر الله لو أراد أن يرجع يُقبل لذا التوبة جاءت أولاً.
سؤال: ما هي شروط التوبة وأركانها؟
أولاً هي مسألة تتسق بعملية ليس بكلام لا ينفع أن أقول تبت إلى الله وأنا جالس. يجب أن أرى ماذا فعلت أولاً ثم أستعظم الذنب واستكبره لأنه فعلت بهذا الفعل كارثة أنني استترت من الناس ولم أستتر من الله تعالى. لذا يجب أن نتفادى أن نسمع يوم القيامة قوله تعالى : عبدي لم جعلتني أهون الناظرين إليك إستحييت من الناس ولم تستحي مني. فالعاصي يخطط ويعمل حساب كل الناس ويخاف أن يروه لكنه لا يستتر من ربا العالمين الرقيب. هذه صقة نسيناها ونجح الشيطان في أن يجعلنا ننساها. الرقيب أنه عندما تقفل الأبواب وتستتر من الناس فهو يراك سبحانه. واقعة يوسف u مع إمرأة العزيز فيها درس وعبرة، هي غلّقت الأبواب وليس باباً واحداً وغلّقت العديد من الأقفال وليس واحداً ظنّاً منها بأنها بذلك تستتر عن الناس لكن يوسف u فقال (معاذ الله إنه ربي) وهذا هو الوعي. فيجب على الذي يريد التوبة أن يستعظم الذنب ويندم عليه ندماً شديداً لأنه عندما سيفعل هذا لو عرضت عليه معصية أخرى يرفض لأنه تعب حتى تاب. يجب أن تستحضر العظمة الإلهية أن المولى تعالى يراك على المعصية فتستعظم الذنب.
بعض جُهّال هذا الزمان يقولون لمن أذنب كثيراً: مم تتوب؟ أنت عملت ذنوباً كثيرة فيحاولون أن ييئسوه من التوبة ومن رحمة الله تعالى ومغفرته. والبعض يقولون إن عملت السوء بجهل فليس عليك توبة وإذا عملت ذنباً بعلم عندها تحتاج للتوبة وهذا خطأ كبير فالآية تقول (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) النساء) والجهل غير الجهالة. الجهل هو عدم العلم بالعقوبة أما الجهالة فهي العلم بالعقوبة لكن تفعلها سفهاً وحماقة. المنهج موجود لا يستطيع أحد أن يقول لم أقرأ القرآن ولم أعرف العقوبة لأن هذه بحد ذاتها مصيبة وعندها ستعاقب على كفرك لأن كفرك بالكتاب هو عدم قراءته. الجهالة يعلمون العقوبة ومع ذلك عملوا المعصية ومع ذلك لهم توبة. هم يقولون الذي يجهل يتوب الله عليه بدون أن يتوب هو أما الذي يعلم فلا توبة له وهذا خطأ كبير.
قد يخطيء الإنسان مرات ويتوب مرات ولا حدود لتوبته لأنه طالما تاب يتوب الله تعالى عليه مهما كرر المعصية وكرر التوبة لكن يجب أن ينتبه العاصي إلى أمر مهم وهو هل لديه وقت للتوبة؟ لا أحد يضمن متى ستكون نهايته فقد لا يكون لدى العاصي وقت ليتوب فيموت على المعصية وهذه أعلى أمنيات الشيطان فإياكم أن يمنعكم الشيطان أو أي من الناس عن التوبة وإياكم أن تستعظموا الذنب وفلا تتوبوا وتقولوا كيف يغفر الله تعالى لي ويتوب عليّ وقد فعلت هذا الذنب العظيم؟.
ومن شروط التوبة الإقرار بالمعصية والندم عليها والعودة إلى الله تعالى والتوبة باللسان والقلب والجوارح وليست التوبة كلمة تقال باللسان فقط لكن يجب أن يكون القلب مقرّاً لها وحزيناً عليها. هذا إذا كان الذنب في حق الله تعالى. أما إذا كان الذنب في حق أحد من الناس فيجب إضافة إلى شروط التوبة رد الحقوق إلى أصحابها إن أمكن كالحقوق المادية. أما في الأمور التي لا يمكن رد الحقوق فيها كحالات الزنا وغيرها فيلجأ العبد إلى الدعاء فيقول: اللهم إنك لك حقوقاً علي كثيرة ولعبادك علي حقوقاً كثيرة، فما كان بيني وبينك يا رب فاغفره لي وما كان بيني وبين عبادك فتحمّله عني" لكن بعد أن تتوب إذا استطعت أن ترد الحقوق لأصحابها فافعل. وعلينا أن لا ننسى حديث المفلس " حدثنا قتيبة بن سعيد وعلي بن حجر. قالا: حدثنا إسماعيل (وهو ابن جعفر) عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أتدرون ما المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال "إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته. فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه. ثم طرح في النار (صحيح مسلم) ". لا توبة للعاصي إلا برجوع المظالم إذا كان قادراً على ردها لأصحابها. أما في الزنا كما قلنا فيسأل العاصي ربه أن يتحمله عنه لأنه إذا أخبر أصحاب الحقوق يكون فيه خراب بيوت فنقول له تب ومصيرك إلى الله تعالى. مهما كانت المسألة صعبة أو معقدة نقول للعاصي تب أولاً وافعل ما يمكنك لتصحيح الخطأ دون الإضرار بحقوق الناس. هناك آراء تقول أنه يجب على العاصي أن يعلن عن معصيته ولكن نحن نقول كل مشكلة تُحلّ بحسب حالتها لأنه في الفقه تُدرس كل حالة لوحدها لكن نقول أنه لا شيء يمنع العاصي من التوبة. تُب أولاً وإذا كنت تستطيع إرجاع الحقوق أرجِعها وإذا لم تفعل فالله تعالى يتحملها عنك ويحاسبك.
وسبق أن تحدثنا عن توبة العاجز وقلنا لو أن هناك سارقاً شُلّت يده لسبب ما فامتنع عن السرقة فقال تبت إلى الله فيقول له بعضهم أنت تتوب لأنك عجزت وهذا خطأ لأن توبته تُحسب لأنه يتوب إلى الله العلاّم العليم المقتدر فيحاسبه بما سبق في علمه كُنه هذا الرجل ومن إحاطته بالعلم أنه سبحانه وتعالى علم ما كان وما يكون وما سوف يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون؟ فعلم سبحانه أن هذا العبد لو كان بعد هذا العجز قادراً هل سيسرق أم لا؟ فيحاسبه تعالى على ما سيكون منه لو صار قادراً لأن علمه تعالى محيط. فمثلاً الأخت التي تتحجب لأنها مصابة بمرض ما ثم بعد أن تشفى تخلع الحجاب فهذه لم تتب في المرة الأولى. أسأل الله تعالى أن تكون توبتنا توبة نصوحاً. والنصوح يقال نصُح العسل إذا لم يُغشّ من النحلة إلى يدك يدون أي غشّ فيه. وكذلك التوبة لا يكون فيها شائبة غش أو انفلات قلب ، توبة بصدق القلب والجوارح متحركة مع اللسان بالتوبة. عندما تقول تبت إلى الله باللسان جوارحك وقلبك يشارك اللسان التوبة.
سؤال: هل التوبة يمحو الله تعالى بها الخطيئة؟
هذا سؤال حيّر أهل التفسير. أخبرني الدكتور رمضان عبد التواب رحمه الله تعالى أن مستشرقاً قال لأهل اللغة غفر أي محى والله تعالى حاشاه يضحك عليكم ففتحوا المعجم ووجدوا أن غفر بمعنى ستر يعني الذنوب موجودة. فقلّبت القرآن فوجدت أنه من مصلحتنا أن غفر يعني ستر وليس محى. فقلت: أستغفر الله ستر إلى غاية ما أقول تبت إلى الله عندما تتبدل السيئة حسنة. فلو لم تكن مستورة لما بدلت حسنات. فمن مصلحتنا أن تكون مستورة.
قال تعالى (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان) هذه عملية التوبة ليست توبة باللسان والقلب. النتيجة (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) أفهم هذه الآية على مناطين: إما يبدّل سيئاتي التي فاتت حسنات لذا كان عمر رضي الله عنه يقول لأبي بكر حسناتي أكثر من حسناتك لأن سيئلتي كانت أكثر من سيئاتك والسيئات تبدل حسنات. أو يبدل سيئاتهم حسنات في المستقبل التي كانت ستكون سيئات ما داموا تابوا وصاروا في معية الله تعالى ستكون حسنات أو يكون المناطين مع بعضهما: السيئات القديمة تتبدل حسنات أو السيئات في المستقبل يكون حسنات. الرسول r يقول في الحديث الشريف " وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ". فإذا الرجل يأخذ حسنة لجماعه إمرأته لأنه عصم نفسه وعفّ زوجه فيأخذ حسنة على ذلك.
قال تعالى (إلا من تاب وآمن) هل الرجل الذي يقول أستغفر الله وأتوب نقول له آمن؟ نعم لأنه ساعة فعل المعصية خرج من الإيمان ليس خروجاً بكُفر بدليل الحديث عن رسول الله r ""لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن. ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن". مع أنه مع المؤمنين يصلي لكنه تخلى ساعة المعصية فليس مؤمناً لذا قال تعالى (إلا من تاب وآمن). نقول له جوّد إيمانك. يقترح أهل العلم أن يغتسل التائب غسله من الجنابة (الطهارة) لأن الله تعالى يحب المتطهرين. فلو أردت أن تتوب توبة صحيحة إغتسل غسلاً كغسل الجنابة وتوضأ وصلي ركعتين التوبة وقل: أستغفر الله، تبت إلى الله، ورجعت إلى الله وندمت على ما فعلت وعزمت عزماً أكيداً صادقاً أن لا أعصي الله إن شاء الله، آمنت بالله العظيم وكفرت بالجبت والطاغوت واستمسكت بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. هكذا تكون تبت وأنبت وأدركت التوبة وأنت على قيد الحياة.
سؤال: نربط الكلام عن التوبة بقصة آدم u: أواخر سورة الفرقان قدمت بعض الحالات الخاصة فما دلالة ربط التوبة بهذه الذنوب؟
الله تعالى ضرب أروع الأمثلة بهذه الآية بأكبر ثلاثة ذنوب (الزنا، الشرك، القتل) والتوبة ليست من هذه المعاصي فقط ولكن نستدل من الآية أن الله تعالى إذا قبل التوبة لهذه الذنوب العظيمة فمن باب أولى أن يقبل الذنوب الأصغر. الزنا، الشرك والقتل في آيات سورة الفرقان هي أمثلة. (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) مقابلهم (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)) يلقى نارين أثاما ويضاعف له لأن القاعجة القرآنية (ولمن خاف مقام ربه جنتان) يعني من لم يخف مقام ربه له نارين. فالذي فعل ذنباً من الذنوب الثلاثة يكون قد تجرّأ على الله تعالى ولم يخف مقامه فله نارين.
(إلا من تاب) هذه تنبهك لما لم تقله الآية أن الذي يضاعف له العذاب يكون لم يتب لأنه من تاب بالصيغة التي ذكرناها وعمل عملاً صالحاً وأهم عمل صالح أن لا يعود للذنب الذي فعله.
سؤال: آدم علّمه الله تعالى التوبة فهل حصل صراع بينه وبين إبليس على الأرض؟
هناك الثير من الأقوال من الإسرائيليات حول مكان هبوط آدم وحواء البعض يقول في الهند أو مكة أو غيرها وهذا كله كلام لا يفيد. لكن نسأل هل جاء إبليس لآدم مرة ثانية ووسوس له؟ لم يرد في القرآن الكريم وحتى لو حصل لكان آدم u عرف كيف يتعامل معه لأنه جرّب. لكن الشيطان لم يوسوس له أبداً لأنه أخذ النبوة وتعلّم درساً مهماً. تجمّد نشاط إبليس مع آدم لكنه يعمل مع الذرية. نحن علينا أن نطبق هذا الأمر أن إبليس لم يوسوس لآدم بعد هبوطه إلى الأرض وعلينا أن نتعلم من آدم u الذي أخذ الدرس واستوعبه وكان خطأه أصلاً خطأ نسيان وسكت القرآن عن ذلك يعلمنا أنه إذا تبنا إلى الله تعالى علينا أن نسدّ منافذ الشيطان. إبليس لا يتعرض للأنبياء لأنهم معصومون من وسوسة الشيطان.
بعد أن تنتهي قصة آدم في السور السبع التي ذكرت فيها جلءت قصة قابيل وهابيل (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) المائدة) ثم خاطب القرآن الكريم بني آدم (يا بني آدم) يعني اصحوا يا أبناء من المفروض أنكم استوعبتم درسه.
توجيه:
علينا أن نلتزم بما علمنا إياه رسولنا محمد r فقد كان يقول بعد كل صلاة: أستغفر الله ثلاث مرات ويقرأ آية الكرسي وقل يا أيها الكافرون والإخلاص والمعوذتين لأن هذه السور تعلّم التوحيد الذي يعلِّم التقوى ثم الإيمان ثم الإحسان ثم مطلق الإسلام ثم نتوب إلى الله تعالى بعد كل صلاة ويا حبذا أن تكون توبتنا عن توبة كما علمنا رسول الله r.
بُثّت الحلقة بتاريخ 22/5/2006م
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة 17 (مباشر)
في بداية الحلقة قرأ الأخ محمد خالد فاكساً ورد من أحد المشاهدين للبرنامج ونصه الحرفي هو التالي:
لماذا ترفض الإسرائيليات؟ ألم يقول الرسول (ص) حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج؟
فردّ الدكتور هداية: ذكرنا في بداية حلقات هذا البرنامج على مدى حلقتين أو ثلاث لماذا نرفض الإسرائيليات؟ أولاً المشاهد كتي (ألم يقول) والصحيح أن يقول (ألم يقل) وليس نقول ونحن لا نكتب أما إسم الرسول r (ص) وإنما نكتب صلى الله عليه وسلك أو عليه الصلاة والسلام. وجزى الله المشاهد الكريم كل خير لأنه سيجعلنا نجدد ما قلنا: لماذا نرفض الإسرائيليات وعلينا أن نجدد ما هي الإسرئيليات؟ الإسرئيليات كلمة إسلامية أراد بها علماء الإسلام أن يرفضوا كل ما عدا الإسلام سواء كان من كلام اليهود أو النصارى أو الرومان وهي تطلق على غير الإسرائيليين أي هي كلمة شاملة لكل من يتكلم من غير المسلمين. سبق وقلنا أن اليهود حاولوا تحريف القرآن كما حرّفوا التوراة وألّفوا الإنجيل فالفشل واضح لأن النصوص واضحة والله تبارك وتعالى تصدّى بحفظ هذا الكتاب وأوقع فيه شيئاً غير مسبوق أن هذا الكتاب يُحفظ في الصدور فما يُحرّف سيُردّ. فلا يشترط أن يكون مكتوباً لتردّه لكن بمجرد أن تكون حافظاً له ستردّ أي تحريف وسبق أن ذكرنا أن الإمام في الصلاة إذا أخطأ في القرآن يوشك المصلون خلفه أن ينقضوا عليه لأنه أخطأ في القرآة من غير قصد وليس لأنه حرّف لأن هذا قرآن. فلما عرفوا أنهم فشلوا في هذا ذهبوا إلى النفسير والحديثولم يتجهوا للقرآن لأنهم لم يقدروا عليه. فيأتوا للقصة القرآنية يحكون حكايا ما أنزل الله بها من سلطان. والسؤال يعجبني لماذا ترفض الإسرائيليات؟ أنت هل تأخذ من أعداء الدين تفسير الدين؟! تأخذ ممن حرفوا كتابهم تفسيراً لكتاب الله تبارك وتعالى؟ اليهود الذين يحزن المشاهد عليهم حرّفوا التوراة وألّفوا الإنجيل وحاولوا تحريف القرآن ففشلوا فذهبوا للتفسير والحديث ونحن عندنا بعض التفاسير ننصح الناس أن لا يقتربوا منها لأن غير المختصّ سيتعب معها لأننا نسمع في الفصة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر! كلاماً لا أعلم من أين أتوا به؟
القرآن حينما أنزله الله تعالى على رسول الله r لم ينزل معه تفسير لكن الرسول r كان يشرح بعض الآيات وباختصار شديد عندما يُسأل. والمفسرون بعد الرسول r اجتهدوا لكن بعض التفاسير أخذت من الإسرائيليات. أذكر آية في القرآن (يا أيها الذين آمنوا) الكلام موجه للمؤمنين (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) فاسق لم يقل كافر ولا يهودي. فاسق قيل فيها كلام كثير لكن بتحقيق معناها هو مجهول العدالة وفسق مأخوذة من فسق التمرة عن قشرتها، فسقه أي إنسلاخه عن العدالة أي خرج عن مألوف العادة. (إن جاءكم فاسق ننبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) فاسق يعني رجل دخل عليك أخبرك خيراً كبيراً (النبأ هو الخبر الكبير) وأنت لا تعرفه هل هو عادل أو غير عادل، هل هو صادق أو غير صادق؟ فما بالك برجل تعلم أنه يهودي كفر بكتابك وكفر برسولك وأطلق على رسولك أوصافاً عكس التي عندهم في التوراة وشوهوا الرسول r وتكلموا عنه بما لا يليق وحاولوا إفساد الدين آناء الليل وأطراف النهار فلماذا نأخذ منهم؟! (فتبينوا أن تصيبوا قوماً فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) إذا أخذت من غير الصادق ومن غير الصحيح ستندم لأنك يجب أن تتحرى الصدق فيمن يروي لك الخبر. الإسرائيليات كلها تأليف لا أساس لها من الصحة, ونسأل السائل كيف نفسّر كتاب الله؟ هل من الذين حرّفوا كتاب الله تعالى؟! لماذا تصدّى الله تعالى بحفظ هذا القرآن (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)؟ تصدى لهذا الكتاب بعدما ترك لهم التوراة والإنجيل وجرّبهم ماذا يفعل البشر إذا ترك لهم الكتاب. نحن لا نأخذ من الإسرائيليات ولن نعتمد في قصص القرآن ولا في التفسير إلا على الكتاب والسنّة الصحيحة لأنهم مثلما حاولوا أن يُدخلوا الإسرائيليات في التفسير فعلوه في الأحاديث الموضوعة والضعيفة. ورحِم الله الدكتور الذهبي على كتابه الإسرائيليات في الكتاب والحديث لأنه وضّح الأمر وهو يشرح كان منصفاً إلى حد بعيد فقال لا ينسحب رفضنا للإسرائيليات كُرهاً أو هجوماً على الصحابة الذين وردت على لسانهم هذه الأحاديث. الحديث الذي استشهد به الأخ صحيح "خذوا عن بني إسرائيل" لكنه لم يذكر الحديث كاملاُ وأخذ بنظام لا تقربوا الصلاة! لأن الحديث كاملاً يشهد لنا ويشهد عليه. والحديث في صحيح البخاري وهو صحيح متناً وسنداً. الحديث هو: قال: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد: أخبرنا الأوزاعي: حدثنا حسان بن عطية، عن أبي كبشة، عن عبد الله بن عمرو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ". الرسول r قال حدّثوا ولم يقل أُرووا. حدّثوا أي تكلموا عما فعلوه أي افضحوهم واعرضوا للناس أكاذيبهم وليس حدّثوهم بمعنى الرواية. حدّثوا اي بيّنوا عيوبهم وافضحوهم وحدّثوا بمعنى تكلموا وليس بمعنى إرووا عن بني إسرائيل. كلمة لا حرج في الحديث تفيد هذا المعنى أن يحدّثوا ويفضحوهم. فكيف نأخذ تفسير الدين ممن أراد تدمير الدين؟!
وقول السائل (ألم يقول) أظن أنها مقصودة ليُوحي لنا أنه لا يعرف العربية وأنه غير متخصص ولكن نقول أن الناس تعرفها سماعاً أنها ألم يقل لأنه إذا سمع (ألم يقول) تتأذى أذنه لأنها غير صحيحة. ثم نحن لا نكتب بعد إسم الرسول r (ص) فهذا لا يليق.
أسئلة وردت خلال الحلقة من المشاهدين:
سؤال: في نفسير ابن كثير لآية 128 في سورة آل عمران يذكر أن الرسول r دعا على البعض منهم الحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وصفوان ابن أمية فكيف نوفق بين هذا القول وأنه r ما كان يدعو حتى على اليهودي وإنما يدعو له؟ فهل كان r يدعو على أحد؟
أولاً نقول أن تفسير إبن كثير لو كان محققاً فهو جيّد. هناك خلاف كبير في هذا الأمر. علّمنا الرسول r أن نسأل الله تعالى لعدونا الهداية لأنه r ما كان لعّاناً ولا سبّاباً وإنما هو r الرحمة المهداة فلا يُعقل أن ينهى عن أمر ويأتيه والسيدة عائشة رضي الله عنها إحتارت كيف تصفه فقالت: كان خُلُقه القرآن وقالت كان قرآناً يمشي بين الناس. فيجب أن نفهم من هو رسول اللهr ؟ نحن للأسف أسأنا إليه قبل الآخرين لأننا لم نعرف أن نشرح عنه للآخرين. هو r (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) والتعبير القرآني (وإنك لعلى خلق عظيم) استعمال حرف الجر على يدل على أن الرسول r كان يمتطي الخلق العظيم يعطي معنى الإستعلاء فهو أعظم بكثير مما هو في أذهاننا حتى نحن المسلمين.
سؤال: سألت إحدى المشاهدات عن بعض الكتب التي تتناول قصص القرآن تريد أن تتأكد من خلوّها من الإسرائيليات والكتب هي: قصص الأنبياء للحافظ تحقيق عبد الحيّ الفرماوي وكتاب أحسن القصص وضعه علي فكري؟
أي كتاب محقق يؤخذ منه لأن التحقيق يُخرِج الإسرائيليات ويرفضها وما حققه عبد الحيّ الفرماوي نأخذ به أما الكتاب الآخر فلم أسمع به. أفضل كتاب في قصص القرآن كتاب كتبه الدكتور صلاح الخالدي وهو أردني الجنسية وكتاب إبن كثير بتحقيق أي عالم من العلماء وبالأخص تحقيق الفرماوي.
سؤال: ما هو منهجنا من فتنة خلق القرآن؟
قضية خلق القرآن هذا موضوع من أهم الموضوعات في العصر الحديث لأن الجميع يقلّب هذه الفتنة دون أن ندري. مثلاً حديث "إقرأوا يس لموتاكم" كلما أقرأه أتذكر الإمام أحمد بن حنبل. لا يمكن أن يكون القرآن مخلوق. خلق القرآن: إذا تحقق في القرآن كلمة خلق، كل مخلوق يموت له بداية ونهاية والقرآن يخرج عن هذا لأنه كلام الله تعالى باقٍ ببقاء الله بدليل أنه بعد موت الخلائق ينادي تعالى بالقرآن (لمن المُلك اليوم). هذه القضية مرفوضة لأنه إذا قلنا بخلق القرآن فكل مخلوق هالك: النبات والحيوان والإنسان أي مخلوق يموت أو يهلك أو يفنى وكله يدور حول معنى الموت. الموت لم نعلم كيف نعرّفه سوى أنه نقض الحياة لكن كلما ذكر تعالى أمراً من الثلاث أوجب الوجود لعظمته (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة) كتب تعالى الهلاك على كل مخلوق (كل شيء هالك) وأوجب الوجوب لعظمة ذاته (إلا وجهه) وكتب الفناء على كل من على الأرض (كل من عليها فان) وأوجب الوجوب لعظمة ذاته (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام). رفضها الإمام إبن حنبل وهو على حق كل الحق. في العصر الحديث تقلّب هذه القصة بشكل مختلف. في الحديث الموضوع "لكل شيء قلب وقلب القرآن يس، فاقرأوا يس لموتاكم" هذا حديث موضوع باطل من حيث السند ومن حيث المتن ولا يمكن أن يكون الرسول r قد قال هذا الأمر فلا يُعقل أن يقول الرسول r قضية يفهمها ابن حنبل ولا يفهمها الرسول r. فهذا باطل والحديث باطل متناً وسنداً. لكل شيء قلب أي جعل القرآن شيء يعني هالك فهذا باطل. الذي يجب أن يستقر في عقيدة المسلم أن القرآن كلام الله باقٍ ببقاء الله.
سؤال: مشاهد آخر يتحقق من بعض الكتب عن قصص القرآن والكتب هي: قصص القرآن للأطفال لمصطفى وهبه وكتاب قصص الناس لأحمد جاد وكتاب السيرة النبوية للسيد أمين الحسن ووصايا الرسول لنجوى عبد العزيز؟
هذه الكتب جميعاً لم أطّلع عليها.
سؤال: هل للحيوانات أرواح وكيف نستدل على ذلك؟
الحيوان فيه قوام حياة أو فيه حركة أو فيه شيء يدل على الحياة لكن الروح خاصة بالإنسان بدليل قوله تعالى (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي) فالروح من دعائم تكريم الإنسان وليست للحيوانات أرواح وإنما فيها قوام حياة.
سؤال: مشاهد يسأل عن كتب للدكتور هداية؟
في شهر 8 هذا العام إن شاء الله سيكون هناك كتب للدكتور في المكتبات.
سؤال: ماذا عن أكل طعام أهل الكتاب؟ ومن هم أهل الكتاب؟
أهل الكتاب كلمة حق يراد بها باطل. أهل الكتاب هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى قبل تحريف الكتاب لكن الكلمة الآن تطلق على الموجودين منهم. نأكل منهم ونشرب من باب التقرّب الذي يقود إلى شرح الدين لأني لما أرفض التعامل مع اليهودي والنصراني كيف يُسلم؟ وهذه من أساليب الدعوة نحن أمة دعوية فلا نهاجم أحداً ولا نشتم أحداً ونحن مكلّفون بالحديث (بلّغوا عني ولو آية) فنحن أمة دعوية إلى يوم الدين. ويجب أن نتعامل معهم لنعرض دين الله تعالى. المقصود بطعام أهل الكتاب الطعام الحلال لا الحرام وما نأكله عندهم هو مما أُحِلّ لنا فالحرام حرام والحلال حلال لكن نحن نتعامل معهم.
سؤال: مشاهدة تسأل عن كتاب القصص في القرآن للدكتور محمد بكر اسماعيل وكتاب الأمثال في القرآن لنفس المؤلف؟
يجيب الدكتور هداية أن كل كتب الدكتور رحمه الله تعالى في الفقه والتفسير يؤخذ منها.
سؤال: هل صحيح أنه لو لم يعص آدم لكان في الجنة وهل المعصية كانت سبباً لنزوله إلى الأرض؟
ما حدث لآدم حدث بقضاء الله وقدره وهو عظة وعبرة والهبوط قلنا أنه هبوط مكانة.
سؤال: في إحدى الحلقات ذكر الدكتور هداية حديث أن الله تعالى يتنزل في الثلث الأخير من الليل فكيف نفهم تنزّل الله تعالى ضمن ليس كمثله شيء وهو السميع العليم؟
الله تعالى يتنزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل هذا الحديث صحيح والكلام مجازي فحينما نسمع كلمة الله، الغفار، أو أي صفة من صفات الله تعالى نأخذ القاعدة القرآنية: ليس كمثله شيء. لا يتنزّل كتنزلنا ولا يجلس كجلوسنا وليس له يد كأيدينا "كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك" يد الله تعالى هي القدرة. كلما نسمع إسم الله سبحانه وتعالى أو صفة من صفاته يذهب فكرنا أنه ليس كمثله شيء. (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى؟ الإستواء معلوم والكيف مجهول. الرسول r نهى عن أن يستدرج الشيطان الإنسان في فكره فيقول الله خلق الأرض لغاية ما يصل معه من خلق الله؟ هنا توقف التفكير والفلسفة الكاذبة. سُئل أبو بكر الصديق هل عرفت ربك؟ قال نعم عرفته فسأله السائل سؤالين: بم عرفت ربك؟ فأجاب أبو بكر: عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي، فسأله السائل فقال: فكيف عرفته؟ قال العجز عن الإدراك ادراك والبحث في ذات الله إشراك. أي طالما عجزت عن أن تنفي وجوده تكون بذلك أثبت وجوده وكونك تتحدث في كُنه الإله فهو إشراك.
عندما نسمع قوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) هذا قربٌ معنوي وليس قرباً مادياً.
سؤال: آيات التوبة في سورة الأعراف صحيح أن الحكمة راجعة لله تعالى لكن لماذا لم ترد آيات التوبة في سورة البقرة رغم أن فيها شُرِعت التوبة؟ وهل من العبث أن يشرع الله تعالى التوبة في سورة البقرة ويستفيض في ذكر بني إسرائيل وقصتهم مع موسى u ولم يعطينا ملامح عن توبتهم على رغم معاصيهم؟
أولاً بنو إسرائيل لم يتوبوا. وعلينا أن نتعلم أدب السؤال فلا نقول لماذا قال كذا ولماذا لم يقل كذا ولكن نسأل ونقول ما الحكمة؟ المولى عز وجل في كل واقعة من وقائع قصة آدم u في القرآن (البقرة، الأعراف، الحجر، الكهف، طه، ص) كل عرض في سورة يعطي ملمحاً أو أكثر. في سورة البقرة التي ترتيبها في النزول 87 وهي أول سورة مدنية وترتيبها في الكتاب 2 بعد الفاتحة. الحق تبارك وتعالى يقول في ختام قصة آدم (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) كأني بالله تعالى يريد أن يقول طالما ستنزل إلى الأرض وتخرج من الجنة (وقلنا أنه جنة تدريب على الحياة المليئة بالمعاصي وبالتوبة) فليس من سبيل الصدفة أن يختم القصة بآيات التوبة. النبوءة جاءته بعد المعصية لأن معصية آدم ليست معصية في القمة وهو نزل إلى الأرض تائباً. وليس من التكرار أن نقول الله تعالى أعطاه الكلمات ليتوب بها لأنه لما عصى لم يعرف أن يتوب من نفسه وهذا درس مستفاد. نحن الآن ليس لنا حجة لأن عندنا آيات التوبة. ليس البأس أن تذنب لكن البأس أن لا تتوب والتوبة قلنا أنه ليس لها وقت وأفضل وقتها أن تتوب وأنت في مجلس المعصية.
سؤال: آدم كان يتكلم وفي الكتب التاريخية يقولون أن الإنسان في العصر الحجري كان يتكلم بالإشارات؟
آدم كان يتكلم بكلمات التوبة (ربنا ظلمنا أنفسنا) وهو تكلم بالعربية. نحن نأخذ منهجنا من الكتاب والسُنّة الصحيحة ولا نعتمد على الكتب التاريخية .
سؤال: ما هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه؟
أغلب الآراء أنها (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين).
سؤال: في تفسير الجلالين للسيوطي يقول في تفسير آية سورة البقرة (إني جاعل في الأرض خليفة) أنه خليفة تخلفني؟ وهل نأخذ من تفسير الجلالين؟
سبق أن قلنا أنه لا يمكن لآدم أن يكون خليفة عن الله. ويجب أن أطلع على الكتاب لأعلق على السؤال.
سؤال: إذا كانت الجنة في الأرض فكيف يكون إخراج آدم منها مناط عقاب؟
الجنة عند أهل التفسير قسم قال أنها جنة المأوى في السماء وقسم قال لا يمكن أن تكون جنة المأوى لأنها ستكون جنة الخُلد التي لا يخرج منها أحد وإنما هي في الأرض. نحن رجّحنا رأياً على رأي وقلنا أن أول إستخدام لكلمة جنة في القرآن جاء (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة) ثم جاءت في قوله تعالى (فلولا إذ دخلت جنتك) و (جنتان عن يمين وشمال) كل كلمة جنة كانت أرضاً وكلمة اهبطوا سبق وذكرنا أنه تدل على هبوط مكانة ومنزلة كما في قوله (اهبطوا مصرا) هذا تفسير لغوي ونحن اخترنا رأياً على رأي. الأقرب عند أهل اللغة وأهل التفسير بإجماع أن الجنة كانت بستاناً على الأرض وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله أنها جنة التدريب وقلنا أنها جنة التدريب على المعصية وعلى التوبة. كيف أتعامل في هذه الدينا؟ أنا لست من الملائكة بحيث لا أعصي أبداً ولست من الأبالسة فلا أتوب إنما أنا أُخطيء وأتوب والله تعالى يغفر الذنوب جميعاً. خروج آدم من الجنة ليس عقاباً بدليل حديث موسى وآدم عليهما السلام: موسى u لما حاجّ آدم u في هذا الأمر قال له آدم u:أتحاسبني على أمر قدّره الله عليّ؟ وأخبر النبي r فقال: فحجّ آدم موسى أي كانت حجته أبلغ.
(إني جاعل في الأرض خليفة) جاعل تعطي معنى التحويل لأن فعل جعل في أفعال التحويل، كأنه سيوجده في مكان ويُخرِجه إلى مكان آخر ولهذا لم يقل إني خالق في الأرض وإنما قال إني جاعل في الأرض لأنه جاء بعدها (اهبطوا منها جميعاً) وهذا يدل على التحويل..
سؤال: في سورة طه الآية 123 (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا) الكلام موجه لآدم وحواء وإبليس، فمن هو المقصود في كلمة يأتينّكم في الآية (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)) ؟
المقصود بها الإنس والجنّ.
أسئلة ودرت خلال الحلقة ولم يجب عنها لكن الدكتور وعد بالإجابة عليها خلال الحلقات القادمة:
سؤال: ما هو تفسير الآية (فيسبوا الله عدوا بغير علم)؟
سؤال: هل صحيح أن أهل السنة يؤمنون بالمهدي المنتظر؟ وهل عذاب القبر موجود أم لا وهناك اختلاف كبير في هذا الأمر بين العلماء؟
سؤال: الله تعالى خلق الإنسان لعبادته فما الحكمة من ترك إبليس يوسوس لعباده؟
سؤال: مشاهدة تطلب اسم كتاب تفسير للقرآن يكون سهلاً وميسّراً وكتاب للأحاديث الصحيحة.
سؤال: آيات السجدة هل وجبت أثناء نزول القرآن؟
سؤال: هل أسماء السور في القرآن نزل بها جبريل أم سُمّيت بعد ذلك؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 29/5/2006
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة 18:
تكملة موضع الإسرائيليات:

الفاكس الذي وصلنا الأسبوع الماضي من أحد المشاهدين حول موضوع الإسرائيليات يدل على أن قضية الإسرائيليات تُطرح بين الناس ويجب علينا نحن أن نذكّر بالمنهج. يجب أن نرى أولاً: لماذا الإسرائيليات وكيف بدأت ولماذا لها هذا الرواج رغم تحذيرات بعض العلماء؟
ساعة أراد اليهود هدم الدين كان لهم منجاً وهو عدم اليأس وكان عندهم خطة وغاية يريدون الوصول إليها. تحريف القرآن مستحيل فتركوه ودخلوا في التفسير, أنت تسمع قصة ما فيبدأوا هم يستغلون أن القرآن يتكلم عن القصة بطريقة خاصة جداً فيفردوا لك بعض الحكايات التي تتمناها النفس البشرية التي تقرأ القرآن على حرف. السرد القرآني في سورة يوسف في منتهى الإبداع فيقول لك هل أخبرك ما أسماء إخوة يوسف؟ هذه نقاط تحبها النفس البشرية فلو تجردت وأخذت المنهج القرآني فقط فهذا هو الصواب لأنه ماذا يهمني أن أعرف ما إسم إخوة يوسف طالما لم يذكرها القرآن الكريم؟ يجب أن أرضى بما جاء به القرآن الكريم حتى لو لم أفهمه أسلّم إيماناً لله تبارك وتعالى. على سبيل المثال قصة مواقع النجوم في قوله تعالى (فلا أقسم بمواقع النجوم) هذا الموضوع تركنا فيه المحكّ اللغوي في الكلمة وستمسكنا في العصر الحديث بمواقع النجوم من الناحية العلمية. وهنا أسأل سؤالاً: الرجل الجاهلي الأول الذي لا يعرف شيئاً وعاش في عصر النبوة وسمع الآية هل فهم ما فهمه علماء الفلك اليوم؟ بالطبع لا. لكن أيهما أعلى إيماناً؟ بالتأكيد الرجل الأول الجاهلي لأنه أخذها وهو لم يفهمها وهذا منتهى التسليم لله تعالى. الكهرباء مثلاً هل عندما أستخدمها أحتاج أن أعرف ما عرفه إديسون أو أفهم كيف تعمل؟ لا وإنما يهمني أن أستخدمها فقط. هل يهمني كرجل مسلم مؤمن مسلّم لله تعالى وللرسول r أن أعرف مواقع النجوم أو يهمني نفي القسم في الآية؟ إذا اشتغلنا في نفي القسم (لا أقسم) بدل مواقع النجوم لوجدنا أن هذا القسم منفي وهذه صيغة جديدة على المسمع اللغوي لأنه عادة نسمع القسم (والضحى، والليل) وغيرها إنما الفسم في الآية هو قسم منفي لكن هذا لم يوقفهم ليسألوا فيه؟ ولو اشتغلنا فيها تعطينا ملمحاً وهو أن المقسَم عليه كانت أشياء لا تستحق القسم. في القسم المنفي (لا أقسم بالخنّس) بعد نفي القسم المقسم عليه شيء ما كان يحتاج لقسم لأنه واضح ثابت فينفي القسم كأننا بالله تبارك وتعالى يخبرنا أن نفي القسم على شيء ما كان يستحق القسم لكن جحود الإنسان جعله بدل ما يأتي بالقسم إحتاج لنفي القسم. نحن نفعله في اللغة العربية العامية بدون أن نشعر فنقول (والله ولا لك عليّ يمين). كان يجب أن نقف عليها في القسم المنفي لكن نتركها ونعلّق على مواقع النجوم؟!. الذي عاش في العصر القديم ولم يدرس علم الفلك أو غيره وسمع قوله تعالى (فلا أقسم بمواقع النجوم) وبعد هذا القسم المنفي أكّد الله تعالى القسم في قوله (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) وهذا القسم الصريح أعظم من المنفي. لكن أن نبحث في أمور لا تهمنا هذا نهانا القرآن الكريم عنه.
مثال آخر في توجيه القرآن توجيهاً صريحاُ بعدم أخذ الإسرائيليات ما قاله عبد الله بن مسعود يقول عن اليهود أنهم أضلوا أنفسهم فكيف سيهدوننا نحن؟ لا نأخذ من اليهود وهم حرّفوا كتاب الله تعالى فكيف أسألهم عن كتاب الله؟ حرّفوا التوراة وألّفوا الإنجيل. في قصة أصحاب الكهف حينما عرض القرآن لعددهم (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)) قال للرسول r (وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) الضمير (فيهم) يعود على أصحاب الكهف أما الضمير منهم فيعود على بني إسرائيل. (فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا) يعني حتى لو فكّرت فيها فلا تطلق العنان لنفسك. من حقك أن تسأل لكن عُد إلى رشدك تجد أنه ليس مهماً أن تعرف عدد أصحاب الكهف. وإذا أحببت أن تعرف لا تستفت فيهم منهم أحداً أي أحد وكلمة (أحداً) تأكيد لأنهم كلهم مثل بعض أي لا تستفت ولا واحد منهم. لا تأخذ بعد كلام الله تعالى من أحد. هذا توجيه المولى عز وجل. والتاريخ يعيد نفسهفالذين يحاولون الآن الجري وراء الإسرائيليات نذكرهم أن عمر بن الخطاب فعلها وساعة فعلها تهيأ له أنه سيُفرِح الرسول r لكن الرسول r غضب غضباً شديداً واحمرّت جبهته الشريفة عمر بن الخطاب وقع على ناس يتكلمون في قصة من قصص القرآن وعمر فرِح بمطابقة كلامهم مع القرآن فذهب إلى الرسول r وأخبره فقال له r غاضباً "أ متهوّكون فيها يا ابن الخطّاب؟" ناداه بابن الخطاب وليس باسمه وهذه اعدة العرب عند الغضب. فحتى لو طابقت الرواية ما جاء في القرآن نرفضها ونقول طالما طابقت القرآن فخذها من القرآن وانتهى الأمر. ومعنى رد الرسول r على عمر أنه هل إيمانك إيمان حيرة تريد ما يثبتك من خارج الإسلام؟ ويقول r: " لقد جئتكم بها بيضاء ناصعة لو كان موسى بين ظهرانينا ما وسعه إلا أن يتبعني" وللأسف بعض الدعاة ينسحب كرههم لليهود على موسى u ولكن الإيمان بموسى شرط للإيمان بالرسول r. فلو جاء القول من موسى u ومن محمد r نأخذ من محمد r لأن القضية واضحة. هؤلاء اليهود أضلوا أنفسهم فهل سيهدوننا نحن؟ وبإجتماع أهل التفسير أن قوله تعالى (غير المغضوب عليهم) المقصود بهم اليهود وهذه لم يختلف فيها أهل التفسير لأنهم ضلّوا رسالتين النصرانية والإسلام، هنا ألّفوا وهنا أرادوا التحريف فلم يفلحوا فزوروا الحديث ومنهم جاءت الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
هم كانوا متربصين بالمسلمين كإبليس لا يهمد ولا يرتاح ولا ينسون العداوة. ولو تملكوا الآن واستطاعوا لقضوا على هذا الدين فكيف نسلّم لهم ونعطيهم فرصة أن يهدموا العقيدة؟.
سؤال: ما الذي يضير المسلم أن يعرف مثلاً أسماء إخوة يوسف أو وصف الملائكة أو غيرها مما جاء في الإسرائيليات؟
الذي يضير أنه يأخذ من غير القرآن والسنة الصحيحة. الرسول r وجّه في قضية عمر بن الخطاب (لا تستفتوهم، لا تسألوهم، لا تبحثوا عن شيء عندهم لأنهم يمكن أن يقولوا لكم صدقاً فتكذبوه أو يقولوا لكم ضلالاً فتتبعوه، قد تصدق الباطل وتكذب الحق فلا تصدقوهم وهذه تعليمات الرسول r. الأخ الذي أرسل بالفاكس قلب القضية وجاء بجزء من الحديث كما ذكرنا في الحلقة السابقة. تعليمات الرسول r " بلغوا عني ولو آية وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" لو أراد أن يقول إرووا لقالها وما كان ليقل ولا حرج. ثم قال r : من كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النار" وقوله r بلّغوا أي إنشروا ما أقوله. ولو كنا مأمورين بالأخذ من بني إسرائيل لقال r : إرووا عن بني إسرائيل وقوله (ولا حرج) تعني أن تفضحهم ماذا فعلوا بالإسلام وكيف كذبوا على الرسول r واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً وحرّفوا. فعلوه رغم أنهم أُمروا بذلك (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة) هذا مثل خطير: الحماؤ حتى أفضل منهم (إن هم كالأنعام بل هم أضل) الحمار عليه أن يحمل أحمالاً وليس علماً لكن هذا مثل خطير ضربه القرآن (حُملوا، ثم لم يحملوها) أُمروا بحملها ولم ينفذوا ولم يحسنوا فكيف آخذ منهم؟
في الفاكس أيضاً تعليق للمشاهد على موضوع أن آدم ليس خليفة الله واستشهد أن ابن كثير قال أنه خليفة الله؟
أحياناً يُنسب للشخص قول لكنه لم يقله ويكفي أن تشكك فيه بأمر حتى تشكك الناس في كل شيء عنه. أصحح للأخ السائل لأن إبن كثير لم يقلها وهذا كتاب قصص القرآن المحقق لإبن كثير في شرح الآية (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)) قال كما جاء في نص الكتاب: أعلم بما يريد أن يخلق من آدم وذريته الذين يخلف بعضهم بعضاً أو آدم على رأس ذرية يخلف بعضها بعضاً (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ (165) الانعام) (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) النمل). وفي الهامش كتب المحقق : هذا تصريح بفساد ذاك القول أن الإنسان خليفة لله في الآرض كما يهرف بهذا القصاصون. وأصل موضوع أن آدم خليفة الله في الأرض هذه بدأت بغلطة من أحد العلماء فمشي الناس وراءه ولم يصححوا له.
كلمة خليفة بالتحقيق اللغوي هي واقعة في شأن البشر أنا إذا قيلت عن الله تعالى فموضوع مستحيل. المولى تعالى يقول (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) لم يقل (لي) فمن أين أتوا بها؟ الرازي قال: الخليفة من يخلف غيره ويقوم مقامه. هذا كلام منطقي في حق البشر فرجل مسافر مثلاً يأتي بشخص آخر يخلفه في مكانه وفي عمله حتى يعود من إجازته مثلاًفالخليفة لا يجلس مكان المخلوف إلا إذا سافر أو مرض أو غاب ولكن هذا لا يتحقق مع الله تعالى حاشاه. وكلمة خليفة قد تعني أن رئيس الدولة إذا كانت دولته مترامية الأطراف يمكنه أن يجعل على جزء منها خليفة في محافظة من المحافظات ليقوم مقامه وهذا لا يتحقق في شأن الله تعالى. خليفة ليس لها علاقة بالله تعالى ولكن لها علاقة بنا لأن آدم يموت وإذا مات يُخلف. (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) مريم) بالتسكين أي يعمل أموراً غير منضبطة. الخلَف مثل السلَف أما الخلْف بالتسكين فهي تعي أسوأ مما قبل.
سؤال: لم الإصرار على خليفة الله؟
حتى لا يقول أحد أنه مخطيء فقط. الشيخ عبد الجليل عيسى حسمها حسماً قاطعاً حتى أنه لا يذكر ما قيل بعد أن ينتهي بحثه وإنما يذكر النتيجة كما قال إبن كثير في قصص القرآن أنه على رأس ذرية يخلف بعضها بعضاً. ونحن في العامية نقول لمن رزق بولد أنه خلّف أي جاءه خليفة وهذا من شأن البشر لكن لا تصح في ذات الله تبارك وتعالى. وأنا لن أمل من تكرار هذا الكلام وكلما ذكره أحد سأردّ عليه وأشرحها من جديد.
القرآن يقول (إني جاعل في الأرض خليفة) لماذا لا نأخذ كلمة جاعل ونبحث فيها وفي معناها؟ وأسأل من أخصّ الخلق بمعرفة ذات الله تعالى؟ الملائكة فهل يعقل أن تفهم الملائكة أنه خليفة عن الله وتقول لله تعالى يفسد فيها ويسفك الدماء؟!. هذا مستحيل في حق الله تبارك وتعالى. كلما تذكر كلمة الله أو صفة من صفاته يجب أن نضعها على مدار ليس كمثله شيء.
وللأسف البعض يقولون أن آدم خليفة الله في الأرض كما كان الصدّيق خليفة للرسول r. شبّه هذا الرجل وهو عالم وداعية شبه الصدّيق بآدم u وشبّم محمداً r بالذات الإلهية حاشاه. هذا الكلام خطير وخطورته في مكمن العقيدة. لا تقل خليفة عن الله لأن هذا كلام لأناس لا تفهم ما تقول. لا إبن كثير قالها ولا محقق كتاب قصص القرآن ولا يقبلها أحد من أهل اللغة.
كلمة جاعل: لم يقل خالق مع أنه وردت في مواضع أخرى في القرآن الكريم (إني خالق بشراً من طين) فلماذا جاءت جاعل في سورة البقرة؟
الفعل جعل يفيد الحوّل. إسم الفاعل منه يعطي نفس الدلالة. جاعل أولاً تأتي بمعنى قاطع في أمري وتأخذ ملمحاً آخر صحيح هو في الأرض لكن لن يبدأ في الأرض. هو بدأ في الجنة وكلمة (في الأرض) في الآية تحكم واقع حال مراد الله تبارك وتعالى في القصة. وقد وردت أسئلة في الحلقة السابقة لماذا بدأنا في الجنة طالما أننا خُلٌِنا للأرض؟ نحن نقول الله تعالى لا يُسأل عما يفعل ولماذا بدأنا في الجنة لكن قد نسأل عن الحكمة ونحاول الوصول إليها على إستحياء. في السابق كانوا ينددون بما فعل آدم وكأنه شخص منفلت عن قضاء الله تعالى وقدره ولكنه u نبيّ. وقصة معصية آدم التي يتحدثون عنها إنتهت في لحظة والقرآن الكريم وضع قاعدة أصولية (أن لا تزر وازرة وزر أخرى) إذا أخطأ والدي لا أتحمل أنا وزره ولا هو يتحمل ذنبي إذا أخطأت أنا. نسأل كم استمرت معصية آدم؟ الفاء في قوله تعالى (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)) تدل على الترتيب والتعقيب. نحن لما نقابل آدم u يوم القيامة يجب أن نشكره لأنه بمعصيته شُرِعت التوبة. البعض يسأل لم لم يعص آدم لما خرجنا من الجنة فأقول لهم من قال أننا نحن خُلِقنا للجنة؟ آدم جاء في الجنة ولكن أول إخبار عنه في القرآن (إني جاعل في الأرض خليفة) فوجوده في الجنة مرحلة إنتقالية لحكمة يجب أن نسجد لله تعالى شاكرين لأنه لولاها لما شرعت التوبة. هل كان يمكن لآدم أن لا يقع عليه قضاء الله؟ كلا ولولا المعصية لما شرعت التوبة. ولولا المعصية لما كانت بدأت الوسوسة وكيف تبدأ؟ يجب أن نسلّم لمراد الله تعالى في القصة ونأخذ العبرة. الناس تقول لو لم يعصي آدم ربه ما خرجنا من الجنة. وما يقوله البعض أنه ما كنا خرجنا هذا غير صحيح لأننا لم نُخلَق في الجنة وآدم ليس مخلوقاً للجنة . والقصة فيها حكمة أن الذي لا يسمع كلام الله تعالى سيهبط، سينزل. والقصة كانت يجب أن تحصل على مراد الله تعالى لكن نأخذ العبرة أنه إذا عصيت الله تعالى ستأخذ عقاباً وما حصل لآدم ليس عقاباً وإنما جريان القضاء والقدر.
(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) توبة آدم حصلت لكنه لم تأخذ حيّزاً كبيراً لأن التوبة من الله توبتان كم في قوله تعالى (ثم تاب عليهم ليتوبوا) توبة الهداية هي أن يعطيك تعالى فكرة التوبة. كل منا يعصي ويخطيء ولكن لولا رحمة الله تعالى علينا لما نزعنا إلى التوبة بدليل أنه إذا شخصان فعلا نفس المعصية أحدهم يتوب والآخر لا وهذا من فضل الله تعالى ونذكر دعاء أهل الجنة في الجنة لم يقولوا الحمد لله الذي تاب علينا أو قبل توبتنا وإنما دعاؤهم (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). القرآن كله (إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) حتى لما أتوب وأفرح بتوبتي أقول الحمد لله الذي وجّهني لها وشرعها.
سؤال: ما الحكمة من استعمال كلمة خليفة؟ ولم يستعمل كلمة خلائف أو خلفاء مثلاً مع أنها وردت في آيات أخرى؟
أول الخلق مفرد (إني جاعل في الأرض خليفة) وآدم أول الخلق. وهذه قضية ثانية أبو البشر وهناك من يشتم الدكتور عبد الصبور شاهين على كتابه أبي آدم والمحقق للأسف شتم الدكتور وما كان يجب أن يحصل هذا بين العلماء. وما قاله الدكتور عبد الصبور شاهين فيه كثير من الأشياء الصحيحة وفيه خطأ وهو اجتهد وقال في لقاء استضفته فيه أنه يقبل بنصف أجر. لكن أن أشتم أستاذاً وعو عالم لغة وله أيادي بيضاء على الدعوة وهو من البقية الصالحة من علمائنا فهل نترك كل ما فعله الرجل ونمسك له غلطة واحدة؟! نحن لسنا بوابين جنة ونار ولكن هذا دأب بعض الناس وقد أختلف مع الدكتور عبد الصبور في طرحه ولكني أقبل يده في كل حال.
(أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) جاءت بالإفراد أيضاً بوصف آدم أبو البشر.
سؤال: هل كان هناك خلق قبل آدم؟ والقرآن الكريم استخدم كلمة البشر والناس والبرية.
الخلق قبل آدم قصة لا تعنينا والتسلسل يستحيل عقلاً لأنه لو أخبرتني أن لآدم أب سأسأل من أبوه وهكذا إلى أن نصل إلى بداية الخلق ويجب أن نقف عند نقطة فلماذا لا نجعلها عند آدم وانتهى الأمر؟ آدم أول الخلق الذي جئنا منه ولا يسبقه خلق مثلنا. قد يكون هناك مخلوقات أخرى لا يعلمها إلا الله تعالى لكنه لم يخبرنا بها فليس لنا علاقة بهم. ونقول للذي يريد أن يجتهد أن يجتهد في النص لا مع النص.
وما قالته الملائكةأفهمه أنا أن طبيعة الذي سيكون في الأرض سيفسد والجنّ فعل ذلك قبل البشر وانتهى الأمر. هذا الكتاب إيماني وعلينا أن نسلّم ولا نقول لماذا قال كذا ولم يقل كذا؟ والله تعالى لا يُسأل عما يفعل والبديع في القرآن الكريم أن الجمل متّسقة بطريقة لأننا لما ننتقل إلى سورة أخرى سنجد ألفاظاً جديدة ستظهر.
سؤال: لماذا تفرّدت آيات سورة البقرة بمجموعة ملامح لم ترد في سورة أخرى ؟
لأنه لو أن عشرة أشخاص رأوا حادثة ما ثم طلبت منهم أن يخبروك بما رأوا فكل واحدة سيروي القصة من زاويته هو لكن عندما يخبرنا الله تعالى بالقصة فهم العليم الحكيم الخبير المهيمن ولهذا الحق تبارك وتعالى في بعض آيات القرآن يطلق لفظاً معجزاً لرسول الله r الذي وُلِد في عام الفيل (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) كيف يرى ما حدث وهو r وُلِد في عام الفيل؟ لكن الذي سيخبره هو رب العالمين المهيمن وثم يحكي لك حكاية في أكثر من سورة ولما تجمع كل الملامح لتجد القصة متكاملة.
سؤال: سورة البقرة تناولت حوار الله تعالى مع الملائكة وحوار الله تعالى مع آدم ثم تحذير آدم من إبليس وردّ الملائكة على الله تعالى والفساد وسفك الدماء فلماذا جاء هذا الوصفان (الإفساد وسفك الدماء) في سورة البقرة تحديداً؟ أما باقي سورة القرآن الست التي فيها قصة آدم نجد فيها ملامح أخرى لم ترد في سورة البقرة؟ علماً أن سورة البقرة هي 87 من حيث التنزيل ولكنها الثانية من حيث الترتيب؟
في سورة البقرة أعطانا الله تبارك وتعالى الملامح العامة (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) وأعطانا رد الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) وأهطانا جزئية هامة لم ترد في أية سورة (وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة الحكيم) هذا ملمح في منتهى الخطورة ثم أعطى أمر الله تعالى للملائكة بالسجود وظهرت حواء في الأمر بالسكن (اسكن أنت وزوجك الجنة) ثم الملامح العامة (فوسوس لهما) (فأزلهما) بطريقة إجمالية ثم مشروعية التوبة (فتلقى آدم من ربه كلمات). الحوار مع إبليس تفصيل للمجمل لذا لم يرد في سورة البقرة. القرآن يأتي بالمجمل أولاً ثم يفصّله في باقي السور. ساعة ما يخطيء أحدنا المهم عنده التوبة لكن لا يهمني كيف تمّت وفي سورة النساء قال تعالى (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) أي بعد المعصية مباشرة وأنا أقول يا ليت التوبة تكون في مجلس المعصية نفسه لأنك لا تضمن أن تخرج منه حياً. لذا جاءت التوبة في سورة البقرة وتحققت بسرعة (فتاب عليه). وفي سورة التوبة (ثم تاب عليهم ليتوبوا) فالتوبة توبة دلالة ثم يتب فيقبلها. لم يقل في الآية أنه تاب مرة ثانية وهذا دليل أنه أول ما وجّهك للتوبة تاب عليك.
سؤال: ما دلالة استخدام الصفتين الإفساد وسفك الدماء تحديداً؟
أول معصية على الأرض سفك الدماء حين قتل قابيل أخاه هابيل. بدأت الحياة من ذرية آدم فأول غلطة كانت سفك دماء. والملائكة لما قالتها (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) سفك الدماء جزء الفساد أي تفصيل فالإجمالي أي الفساد يأتي أولاً. الفساد لا يكون سفك دماء فقط وإنما هناك فساد آخر. سفك الدماء لتعظيم المعصية وفي سورة الفرقان جاء قتل النفس مباشرة بعد الشرك بالله (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)) لأن القتل خطير لأنه نقض للحياة التي هي لله عز وجل.
( من يفسد فيها) هذا ليس إعتراضاً وإنما سؤال من الملائكة للإستعلام والإستفهام وليس عيباً أن أستفهم لأنه لو كان عيباً لما ذكره القرآن لأنه يعرض الواقعة حتى نستفيد منها.
سؤال: قول الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) آدم بالقطع عُلّم الأسماء كلها وعلم هذه اشياء وعلّمها إلى إبنائه وهم عاصروه وكانوا حديثي عهد بما حصل معه وتعلموا منه فأين كان عقل قابيل؟ وهل الشيطان يعمل بالإنسان لهذه الدرجة؟
رُبّ قاريء للقرآن والقرآن يلعنه. هذه القضية تخيف أنت تضع كل ما تفعله على ميزان لا إله إلا الله محمد رسول الله. قابيل كان قريب عهد بآدم وأول ما بدأت الحياة خالف أمره أما أخوه هابيل فلم يفعل (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) المائدة) واحد أخطأ والثاني لم يخطيء، واحد يؤثر فيه الكلام وغيره لا وهذا يحدث دائماً لأنه طالما يوجد دنيا طالما هناك فساد. ونسأل هنا أيهما جاء أولاً قتل النفس أو مخالفة المنهج؟ مخالفة المنهج جاء أولاً لأن قابيل رفض الزواج من أخته التي أحلها له الله تعالى. هذا الفساد لأن كل مخالفة منهج يأتي عليك بالفساد لذا القرآن صارم في تعليماته (تلك حدود الله فلا تقربوها) يجب أن نلتزم المنهج.
سؤال: (وإذ قال ربك للملائكة) الحوار مع الرسول r ثم جاء قوله تعالى (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك) فلماذا تغيّر صيغة الخطاب في (قلنا)؟
لأن هذه داخل الواقعة.
سؤال: هل هناك دلالة لعدم الكلام عن حواء؟
الدلالة أن الله تعالى إذا أراد أمراً فيه خلق يجعل الذكر والأنثى فساعة يخلق النبات يكون ذكر وأنثى أي زوجين، حيوان زوجين، إنسان زوجين فلا داعي لتكرار الكلام عنها. خلقها هو خلق آدم لأنه الزوج ولا داعي للكلام عنها لأنه سيكون تكراراً وسيعيد الكلام خلقها من صلصال من حمأ مسنون نفس الحكاية.
سؤال: هل هناك فترة زمنية محددة بين دخول آدم الجنة وبين نسيان آدم أمر الله تعالى له؟
المدة غير معروفة. والبعض ممن يشتغلون بالإعجاز العددي في القرآن عن طريق ربط أرقام الآيات والسور ونحوها نقول له هل علّمنا رسول الله r هذا. فهذه إذن مخالفة للمنهج. نحن عندنا حرف الفاء الذي يفيد الترتيب والتغقيب وحرف ثم يفيد الترتيب والتراخي وتعطي فترة لكن كم؟ لا نعرف.
(فتكونا من الظالمين) أعطاهم النتيجة والظلم أبشع أنواعه هو ظلم النفس. (فأزلهما) الفاء للسرعة وأنا آخذ من وجود الفاء أن الشيطان لا يتركك أبداً وإنما يبادر للوسوسة مباشرة. مجرد أن ينوي الإنسان الصيام مثلاً يأتيه الشيطان دون أن يترك له فترة ليتمتع بالعبادة. الفاء ملمحها خطير ولذا نقول للناس وأنتم في الصلاة أُذكروا هذا الأمر. علينا أن نذكر أنه من حام حول الحمى وقع فيها فالشيطان يستدرج الإنسان. وطالما قال تعالى لا تقرب فعليك أن تسمع التعليمات ولا تقرب. لا تحتاج معرفة كم سنة وغيرها لأن الشيطان لن يترك الإنسان لأنه بمجرد أن يراه يعمل شراً يتركه وأول ما يراه يعمل خيراً يوقعه.
بُثّت الحلقة بتاريخ 5/6/2006م
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة 19

نظرة عامة على قصة آدم u في آيات سورة البقرة

سؤال: في قول الله تعالى للرسول r وهو يقص عليه القصص هناك خلاف بين قوله تعالى(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)) والآية التي بعدها (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)) فما دلالة هذا الإختلاف؟
قد يظن البعض أن هناك تكرار بين قوله تعالى (قلنا) ثم (قلنا) لكن يجب أن نفرّق بين قضاء الله تبارك وتعالى بالهبوط وبين أمر الله تعالى بالهبوط. القضاء مسألة أزلية لذا لما جاءت (قلنا) في الآية الأولى جاءت بعد (فأزلهما الشيطان) حتى تبين أن الذي لا يسمع كلام الله عز وجل سيهبط وينزل درجة وهذا ليس عقاباً بالمعنى الذي عند الناس ولكن هذا قضاء لأن آدم مخلوق للأرض لكنه ملمح يتحقق في بني آدم أن الذي يخرج عن المنهج لا يبقى في النعمة التي هو فيها. حتى الذين قالوا أن الجنة كانت في الأرض نقول أنها لم يكن فيها تعب ولا جهد ولا مشقة (إن اك ألا تجوع فيها ولا تعرى) هذه مسألة أنت لن تعيش في النعيم الذي سيكون في القيامة لأنها جنة دنيا من غير تعب لذا قال تعالى (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) رغم أأنك تعيش في الجنة لكنك لا تتعب وهي ليست كجنة الآخرة والنعيم الأبدي. (فأزلهما الشيطان) (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو) لم يكن هناك إبليس بعد. والبعضية هنا اختُلِلإ فيها فمنهم من قال المقصود بين آدم بعضهم عدو بعض وآخرون قالوا إبليس معهم في هذا الهبوط ونحن نحب أن نخرج من هذا الخلاف فنقول أن الضمائر في القرآن على أساس أنهما يمثلان الذرية فآدم يخاطَب بالجمع على أنه أبو البشر ونزوله نزول للكل. وهذا كلام محتمل من حيث اللغة وأنا أقول أن البعض هنا من الكُلّ والبعض الثانية من الكل. هما اثنان آدم وحواء أو ثلاثة مع إبليس لكن بعضهم لا يمثل واحداً أمام واحد لكن باعتبار الذرية ولو كان المقصود آدم وحواء تُصلح (بعضكم لبعض عدو) الجمع متّسق فآدم وحواء تصلح وآدم وحواء وإبليس تصلح. إبليس طُرِد من رحمة الله تعالى ساعة عصى لكنه لم يُطرد من الجنة. إبليس كان مع آدم وحواء في الوسوسة وإبليس لا يحتاج أن يدخل جسم الإنسان حتى يويوس له وهذا من الإسرائيليات. نسأل: هل يُجبر إبليس أحداً على المعصية؟ كلا لأنه يوسوس من بعيد، هو مطرود من رحمة الله تعالى قبل الوسوسة ومع ذلك وسوس لأن الوسوسة من خصائصه وهو مخلوق لها.
عندنا حديث في منتهى الإبداع "كلٌ ميسّر لما خُلق له" طبيعة إبليس هكذا يوسوس. (فأزلهما الشيطان) بتعبير آخر فوسوس إليه وهناك ملامح كثيرة للقصة لكن الخلاصة أنه أزلهما ولما أزلهما أخرجهما من الجنة ونسي آدم وآدم يمثل الجنس البشري كله وهذا واقع إلى اليوم. المعصية تتم بالنسيان وعدم المبالاة بالمنهج. (فأزلهما الشيطان فأخرجهما مما كان فيه) جنة الدنيا لكن ليس فيها شقاء كانوا في نعيم وأقل النعيم نعيم. صحيح هي ليست جنة الخلد لكنها جنة متاح لك فيها ما تطلب. (فأخرجهما مما كانا فيه) لما حذّر المولى تبارك وتعالى آدم (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) الخروج الأول هو القضاء أن الذي يخطيء يجب أن يهبط أو ينزل. وهذا التعبير يحتاج إلى وقفة. ساعة سمع آدم الله تعالى في أمره له بالهبوط (قلنا اهبطوا .. إلى حين) (فتلقى) لم يكن قد هبط بعد وهنا الوقفة بدليل (اهبطوا) الثانية. فتلقي التوبة كان في الجنة قبل أن يهبط.
الأول (فأزلهما) اهبطوا الأولى لأنهما عصيا ولم يهبط آدم قبل أن يتوب ثم (قلنا اهبطوا منها جميعاً) أي نفّذوا الأمر. فالأمر الأول أمر بالقضاء لكن آدم لا يريد أن يخرج من الجنة إلا والله تعالى راض عنه ويتوب الله تعالى عليه. هذا الفرق بين المعصيتين: معصية آدم ومعصية إبليس الذي رد الأمر على الآمر.
(فازلهما – فأخرجهما – فقلنا – فتلقى) لم ينفّذ ليس عن معصية لكن لا يخرج إلا بعد أن يرضى الله تعالى عنه ويتوب عليه. فتلقى تعبير جميل جداً.
سؤال: (فتلقى آدم من ربه كلمات) ما دلالة إستخدام لفظ الربّ بدل الله أو منا؟
لأن في لفظ الرب رحمة شديدة. لفظ الجلالة الله فيه رهبة والرب الذي رباك رحمك لذا نقول الحمد لله رب العالمين فنحن دائماً نلجأ لعطاء الربوبية لأن كلمة الله كلمة مفزعة لمن فهمها. لذا من عرِف الله خافه. قبل أن يخلق آدم سمى الله تعالى نفسه التواب (إنه هو التواب الرحيم) التواب أولاً من أجل آدم وذريته.
(فأزلهما) سبب كل ما يأتي بعدها أنهم سمعموا كلام إبليس وإبليس نجح في أن يزلهم. (فأخرجهما) نتيجة الزِلّة الإخراج من الرحمة ومن النعيم الذي كانوا فيه (فأخرجهما مما كانا فيه) ثم (وقلنا).
سؤال: توالي النداءات مع أفعال الشيطان (فأزلهما فأخرجهما) لم يقل (فقلنا) وإنما (وقلنا) والواو فيها تراخي فهل لهذا دلالة؟
حتى تعيش الذي فعلته كن من رحمة الله تعالى (فتلقى).
(فأخرجهما) هو خروج حسّي وليس الهبوط. هذا هبوط مكانة وهو خروج رحمة: إنزل واتعب نتيجة فعلك. تركه قليلاً ليرى نتيجة عمله وهذه دلالة (وقلنا) ثم عند التوبة (فتلقى) التوقيع: فأزلهما – فأخرجهما – فتلقى. لكن هناك توصيف: أخرجهما يقابلها اهبطوا فقال (وقلنا) على التراخي لكي تشعر بما فعلته فتدرك الذنب. قرار الخروج الحسي جاء مع كلمة (فأزلهما) لذا التعبير قوي (فأزلهما – فأخرجهما) من ساعة ما سمعوا كلام إبليس فهما خارج الرحمة ولذلك تكررت اهبطوا مرتين مرة قضاء ومرة أمر. آدم لم يخرج إلا وهو راضٍ لله تبارك وتعالى، هو لم يتب من ذاته لكنه تلقّى وهذه تعطي إحساساً أنه كان محتاراً لأنه أخطأ لكنه لم يعرف أن يتوب.
سؤال: نفس الموقف حدث مع قابيل ولكنه لم يُلهَم التوبة؟
كل من يبعد عن المنهج يلزمه منهج. كان قابيل سيعلم التوبة لكن هنا قضيته وهو أنّب نفسه كيف أنه لم يعرف أن يدفن أخاه وأرسل الله تعالى الغراب لأنها كانت أول سابقة قتل على الأرض. أرسل الله تعالى الغراب فيقول قابيل لنفسه: أنا أعرف أن أخطيء لكن لا أعرف كيف أواري خطأي وأصلحه.
سؤال: (فتلقى آدم من ربه كلمات) عاد القرآن إلى الفاء مرة أخرى فما الدلالة؟
هذا توقيع محدد (فأزلهما - فأخرجهما - فتلقى- فتاب) تدل على أن رحمة الله تعالى قريبة وصدق الله تعالى (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) التوبة على الله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) بالأخص التوبة.
سؤال: ما دلالة (إنه هو التواب الرحيم) مع سياق الآيات؟
دلالتها (فتلقى) لأنه من غيرها لم يتب آدم ولولا التواب ما تاب آدم. لذا قلنا أن الهداية هدايتين: هداية دلالة وهداية معونة. لهذا (إنه هو التواب الرحيم). إذا تبت وأنبت إلى الله تعالى فابقَ هناك ولا تعد لذا الإنابة أهم من التوبة وفي قوله تعالى في سورة الروم (منيبين إليه) أي حالهم إنابة، إذا ذهبت للتوبة فابق هناك ولا تعد.
سؤال: الآية الثانية (قلنا اهبطوا منها جميعا): فأزلهما – فأخرجهما – وقلنا – فتلقى- فتاب – قلنا (بدون واو ولا فاء) فما الدلالة؟
هنا القرآن أعاد الأمر هنا للتنفيذ. والملمح الزمني هنا ليس له أهمية. من (اهبطوا) الأولى تدل أنه نازل لكن إستبعاده رحمة من الله تعالى لأنه سمح له بالتوبة. كان يمكن أن يموت العاصي على المعصية وكونه تعالى يتركه حتى يتوب هذا الرحيم وليس التواب.
سؤال: ما دلالة إختلاف صدر الآيتين؟
هنا توصيف الهبوط أنك لمّا تنزل الأرض هناك لك مدة زمنية محددة وبداية ونهاية أنت وذريتك (ولكم فيها مستقر ومتاع إلى حين). أما الثانية (جميعاً) هذا توقيع التوصيف أنه لما أُنزلك لن أتركك وسيكون هناك منهج.
سؤال: في الآية الثانية ورد (فإما يأتينكم من هدى) ولم ترد في الثانية فما دلالة هذا؟
سيأتيك منهج وليس من سبيل الصدفة أن بد الفاتحة في مطلع القرآن (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) توقيع الهدى لأنك تكون متّقياً لتستفيد من الكتاب وطوبى لمن طبّق ولمن عمل.
سؤال: (ما دلالة (إما) في الآية (فإما يأتينكم مني هدى)؟
تحتمل أنه ساعة ما يأتيك نفّذ لأنه هناك من يأتيه المنهج ولا ينفّذ.
سؤال: كيف نربط (بعضكم لبعض عدو) و(يأتينكم مني هدى)؟
العداوة أصل الحياة ولولا العداوة ما كانت الإختراعات والإكتشافات والتنافس. وعلينا أن نأخذ العداوة من باب التنافس. هناك عداوة بين البشر وما يحص في بلاد المسلمين الآن خير مثال على ذلك وهناك عداوة بيننا وبين الشيطان والعداوتان قائمتان. لو نظرنا إلى الدول نجد أن نجاح الإكتشافات بعد المعارك وتقدم الدول بعد الصدامات. يجب أن نأخذ العداوة بالمعنى الجيد لا المعنى السيء. وكلمة الإرهاب يتحدثون عنها بشكل خاطيءز الإرهاب يمنع الإجرام ويمنع الإعتداء. يجب أن يقال على ما يجري الآن إجراماً وليس إرهاباً فعندما أقتل شخصاً هذا إجرام وليس إرهاب. الإرهاب مطلوب لأنه إعداد للنفس يرهب عدوه فلا يعتدي عليه فيمنع الإعتداء، قال تعالى (وأعدوا لهم ما ساتطعتم) الإسلام لا يريد قتالاً وإنما يرد أن يمنع القتال بالإرهاب. عندما ترهب عدوك تحيفه وتمنع العداوة ويعيش الناس بسلام. أما القتل فهو إجرام وهذا ضد الإسلام تماماً. المسلمون لا يوافقون على إراقة الدماء بأية صورة من صوره ونحن ضد الإجرام والقتل لأننا نحن أمة دعوية والذي يحدث في دول الإسلام من قتل وإجرام حرامٌ حرام والإسلام منه براء هذا ليس إرهاباً وإنما إجرام لأن الإرهاب يمنع الإعتداءات.
سؤال: إستخدم القرآن (وقلنا) و (قلنا) و(اهبطوا) و(اهبطوا) هذا الإتحاد في اللفظ ألا يقابله اختلاف وتصح دلالة الآية؟ مثلاً تأتي اهبطوا في الآية الأولى وانزلوا مثلاً في الثانية؟ ولم الإصرار على توحيد اللفظ؟
لأن النزول يدل على المكان فقط والهبوط يدل على المكان والمكانة. (اهبطوا مصر) نزلوا مكان ومكانة. لذا ألفاظ القرآن عميقة وشاملة ولهذا جاء مع القرآن أنزل ونزّل وتنزيل وهذه سنشرحها في حلقات قادمة إن شاء الله وكما قال الشيخ الشعراوي رحمه الله الكلمة عاشقة لمكانها في القرآن.
سؤال: (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو) وفي الثانية (اهبطوا منها) فما دلالة الإختلاف؟
لم يقل تعالى في الأولى (منها) لأن هذه هبوط مكانة لأنه ساعة سمع آدم وحواء كلام الشيطان هبطا هبوط مكانة قبل هبوط مكان بعدم اتباعهما المنهج. (جميعاً) يدخل الشيطان معهم (فإما يأتينكم مني هدى) يدخل الشيطان أيضاً لأن القرآن هو للعالمين جميعاً الإنس والجن بدليل قوله تعالى (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك) على لسان الجن.
سؤال: (فإما يأتينكم مني هدى) ما المراد بالهدى في الآية؟
المراد بالهدى المنهج، الرسالات، الديانات وليس الأديان كما يقول البعض. لا يجب أن نقول أديان لأنه ليس هناك إلا دين واحد هو الإسلام بدليل قوله تعالى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) الشورى) .لم يقل أديان. هناك فرق بين الديانة والدين فالديانة هي الرسالة والدين هو شرع الله تعالى لكل الرسالات (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، آية 19 آل عمران) وهو الشرع العام من عهد آدم u إلى أن تقوم الساعة. ولا يوجد جمع لهذه الكلمة فالدين واحد. والثابت أن هناك دين واحد من عهد آدم u إلى أن تقوم الساعة (إن الدين عند الله الإسلام) فالديانات تعددت وكلها دينها الاسلام فالمسيحية ديانة دينها الاسلام وكتابها الانجيل واليهودية ديانة دينها الاسلام وكتابها التوراة ومن عظمة الحق تبارك وتعالى أنه لما أراد أن يختتم الرسالات سمّى الديانة الخاتمة باسم الشرع العام وهو الاسلام ودين محمد هو ديانة محمد هو الاسلام. المنهج يختلف لكن الشرع واحد فكل رسالة شرعها الإسلام ودينها الإسلام.
(فإما يأتينكم مني هدى) الشيطان داخل معه لكنه لن يتوب أما ذريته فمنهم من أسلم.
سؤال: (فمن تبع هداي) هذا هدى الله تعالى فهل هناك هدى آخر؟
نعم كل من يعبد غير الله إتخذ إلهه هواه لأن الهوى دين ومن يعمل تمثالاً مثلاً ثم يعبده أو يأكله. خالد بن الوليد كان يسجد للعُزّى ولما أسلم طلب منه الرسول r أن يكسّر الصنم بيده حتى لا يرجع له ثانية وتكسير خالد للصنم يختلف عن تكسير إبراهيم u لأصنام قومه بدليل أنهم عادوا إليها لأنهم لم يطموها بأنفسهم وإنما حطمها إبراهيم لذا جاء قوله تعالى (ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) الأنبياء).
سؤال: (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ما دلالة إستخدام الجمع بعد الإفراد؟
كان إفراداً (قمن تبع) ثم جاء الجمع (عليهم ولا هم يحزنون) لأن الإسلام مع الجماعة ولأن الشيطان ذئب والذئب لا يأكل إلا الشريدة الوحيدة. فالشيطان يستدرج الإنسان لوحده لذا علينا أن نلزم الجماعة حتى يصعب على الشيطان إستدراجنا.
سؤال: ما دلالة (هم) في الآية (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)؟
أي هم أنفسهم. الذي لا تخاف عليه لا تحزن عليه. إذا مات أحد أول ما نسأل: هل كان يصلي؟ هل كان يصوم؟ هل كان يزكي؟ فإذا كان كذلك نقول هنيئاً له هو في الجنة إن شاء الله وهذا لا نحزن عليه لأنه متقي. والعكس صحيح. (لا خوف عليهم) لأنهم حتى لو عصوا يتوبوا ويستغفروا وينيبوا ويصلّوا ويعتمروا وغيرها فمجموع حالهم (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) طالما سيرتهم مع الله ورسوله r فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
سؤال: ما دلالة استخدام الخوف والحزن تحديداً في الآية (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وفي الآية (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) فصلت) ؟ وما دلالة تقديم الخوف على الحزن؟
لما نرى حال الإنسان بين الدنيا والآخرة فهل سنرى في الجنة إنساناً لم يكن متقياً في الدنيا؟ كلا. وجود المتقي في الجنة وارد وأوجب. الذي لم يتق في الدنيا موقفه يوم القيامة يحزن وهذا الحزن الحقيقي لأن حزن الدنيا ليس حزناًُ. يقول علماء النفس أن الناس عندما يبكون على موت أحدهم يكونون في الأصل يبكون على حالهم وليس على الميت لأنهم يتخيلون أنهم مكان الميت لذا الحزن الحقيق حزن النتيجة في الآخرة لذا يجب أن نتبع: فمن تبع هداي فلا خوف عليهم في الدنيا ولا هم يحزنون يوم القيامة. هذا مثل فعل الشرط وجواب الشرط. لذا كل آيات الإيمان: إعمل، إعملوا، عملوا لا يوجد نتائج بلا عمل وليس الإيمان بالتمني.
سؤال: هل الآية (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)) هي عكس (فمن تبع هداي)؟
هذا المقابل للهدى. هناك قاعدتين لكل شيء في الدنيا مثل الزواج يقوم على قاعدتين (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) والمعروف والإحسان من قواعد الإسلام: الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان. والناس للأسف لا تفعل ذلك لذا لا نرى نتائج لأن الكِبر دخل في نفوسنا. التوجيه الإلهي عندما خرج آدم من الجنة إلى الدنيا (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) طه) النسيان هنا ليس نسيان من الذاكرة وإنما نسيان رحمة وإحمال من رحمة الله تعالى التي هي مناط يوم القيامة.
سؤال: هبط آدم وحواء إلى الأرض مع المنهج فهل كُلِف بالنبوة بعد التوبة؟ وهل وسوس الشيطان لآدم وحواء بعد هبوطهما إلى الأرض؟
هناك إختلاف هل آدم نبي أو رسول؟ لكن المتفق عليه أنه نبي بعد التوبة. نحن عندنا القرآن وأعظم رسول ويجب أن يؤخذ منا وكان ابن مسعود يسأل مَنْ يأخذ مِن مَنْ؟. آدم وحواء سمعا كلام الشيطان لأنه قاسمهما أي جعلهما شريكان له في القسم. ونحن لدينا منهج يقفل المسالك على الشيطان. نحن ليس عندنا أي مصدر ولا حديث أنه بمجرد هبوط آدم وحواء إلى الأرض وسوس لهما الشيطان. توبة آدم كانت توبة نصوحاً ونحن نريد أن نتوب مثل توبة آدم.
سؤال: أول ذنب على الأرض وأول معصية معصية قابيل وهي فساد عام بخروج عن المنهج وسفك الدماء. أقول أن علينا أن نصلي ركعتين شكراً لله تعالى أننا جئنا من أبوين مسلمين ونشكر تعالى على نعمة الإسلام.
بُثّت الحلقة بتاريخ 12/6/2
 
أعلى