قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة 20
قصة آدم u في آيات سورة الأعراف:

الملامح الموجودة في آيات سورة الأعراف مقارنة بما ورد في سورة البقرة:

سؤال: ما الذي يلفت النظر إلى هذه الآيات في سورة الأعراف التي تناولت قصة خلق آدم؟
ننظر نظرة عامة إلى مطلع الآيات في سورة الأعراف مقارنة بما تناولناه في سورة البقرة لأن القرآن كلٌ لا يتجزّأ ووجود القصة في سبع سور ليس على سبيل الصدفة، إنما لذلك حكمة نرجو من الله تعالى أن نقف على مراد الله تعالى منها. سورة البقرة في الآية 30 استمعنا فجأة إلى قول الحق تبارك وتعالى (وإذ قلنا للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)، نحن لا نحب منهج الأخذ بآية محددة ولكن نحب أن نمضي في القرآن فلما نصل إلى الآية 30 يكون ما قبلها الآيات 27 و28 لها دلالة عرضها الله تعالى. الله سبحانه وتعالى يتكلم في الآيتين السابقتين على آية الخلق (إني جاعل في الأرض خليفة) (كيف تكفرون بالله) ثم (هو الذي خلق لكم) إذن تكلم عن تهيأة الأرض قبل خلق آدم بإعداد الكون لاستقبال آدم. وقلنا (الكون) لأنه تعالى قال (ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن) لما ننظر إلى الأرض بدون سماء تكون النظرة مقطوعة بلا قيمة فهل تتخيل أرضاً بلا مطر؟! كيف تُنبِت؟ الآية جاءت مكتملة. (لكم) باعتبار الجنس البشري كله. (ثم استوى إلى السماء) أيضاً لأجلكم، (فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم) ثم قال تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) هنا في سورة البقرة تكلم عن إعداد الكون لخلق آدم ثم تكلم عن الخلق. لما نأتي لسورة الأعراف نجد تناسق القرآن من حيث (ولقد مكناكم في الأرض) مباشرة قبل الآية (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ثم تكلم عن آدم بصفته ممثل الجنس البشري وتكلم في هذه الآية عن الجنس البشري ككل وآدم مثال ونموذج. الآية قبلها فيها روعة الأداء (ولقد مكناكم) إذا كنت أنت المُمكَّن فمنْ الممكِّن؟ الله تبارك وتعالى. (مكناكم) كلمة عظيمة وهنا يتكلم أيضاً قبل الخلق، هذه مقابل (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) مكانها الآية الثانية (وجعلنا لكم فيها معايش).
سؤال: الخطاب هنا موجه للجنس البشري قبل أن يوجد وقد يقول قائل أنه كان من المنطقي أن تأتي خلقكم ثم صوركم ثم بعدها مكناكم فما دلالة تقديم مكناكم؟
لأن القرآن الآن سابق وقع الذي تقوله. كون القرآن في يدك فأنت موجود فيذكّرك بالقدرة وليس بترتيب الخلق. فمن قدرة الله تعالى أنه مكّنك قبل أن يخلق، مكنك قبل أن تأتي، كل شيء جاهز قبل أن تأتي. (مكناكم) تعطي هذا الملمح: التمكين قبل الخلق (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش) كل واحد له معيشة، معيشة لكل فرد (معايش تناسب الجمع (لكم)). المعيشة جاءت من العيش، في نصر يقولون على الخبر عيش وفي شرق آسيا يقولون على الأرز عيش لأنهما قوام المعيشة عندهم. سيختلف الناس في مدار العيش لأن العيش عند كل فرد مختلف فالذي يعطي قوام معيشة عندك تسميه عيشاً.
سؤال: ما دلالة تنكير معايش؟
لو كانت معرّفة محددة لاستوى الكل لكن عندك الفقير والغني والغني قد يصبح فقيراً والعكس. فلا تكون معايش محددة أبداً فهناك أغنياء يصبحون فقراء وفقراء يصبحون أغنياء وهناك أناس في الوسط دائماً.
(قليلاً ما تشكرون): هذا مناط كل ما جاء سابقاً. (قليلاً ما تشكرون) هذه القضية. لم يقل (وقليل منكم الشكور) حتى تشتغل في كل جزء منها. (قليلاً ما تشكرون) هل أنا أشكر قليلاً أو هل هناك مجموعة قليلة تشكر؟ (قليلاً ما تشكرون) واقع الحال شكر قليل من البشر. كيف؟ الرسول r يعلمنا أن نبدأ شربة الماء ببسم الله وننتهي بالحمد لله (ثلاث مرات لأن الشرب يكون على ثلاث دفعات) هل العدد مناط القضية أو مناط القضية أن تشكر 3 مرات في شربة الماء الواحدة؟ أحياناً تكون شربة الماء الواحدة قليلة فكيف أشكر ثلاث مرات؟ هو يلفت النظر أن كل شيء مما يبدو لك أنه نعمة يحتاج الشكر على جزئياته. واحد يقول بسم الله أول الأكل ويقول الحمد لله عند نهايته وآخر يسمي الله عند الأكل من كل صنف ويقول الحمد لله في آخره وقليل من يقول بسم الله عند كل لقمة والحمد لله في نهايتها فهؤلاء القلة شاكرة في قلبها على كل نعمة لأنهم وقع في قلوبهم قوله تعالى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) فكأنهم جزّءوا النعمة حتى يبينوا قيمة المنعِم سبحانه وتعالى. أحد العلماء قال لو شربت الماء على ثلاث دفعات وسميّت الله وحمدته في كل مرة فإنك لن تعصي الله تعالى طالما شربة الماء في جوفك لأن جزيئات تكوينك التي تأتي مما سميت عليه وحمدت لا تدخل النار. (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) يوم القيامة تظهر هذه الزيادة، في الدنيا يبسمل ويحمد والزيادة تكون في الآخرة فالدنيا ممر للآخرة وهذا حمّاد يأخذ الزيادة في الآخرة. لو عاش أحدهم في نعيم الدنيا هل يأخذ أكثر من طاقته؟ لو دخلت قصراً فيه 19 غرفة فهل يمكن للإنسان أن ينام فيها كلها؟ كلا إنما سينام في غرفة واحدة وعلى سرير واحد محدد المساحة. فالإنسان الواعي الفاهم يريد النعيم الحقيقي لذا (ولقد مكناكم في الأرض) أُنظر إلى الممكنين في الأرض يعطوك إيحاء بالملك والقوة والجبروت والسلطان والواعي هو الذي يعزف عن كل هذا التمكين ويأخذ التمكين في الدين. الكافر عنده نعيم هو يسعى إليه ووصل إليه والنعيم يتحقق فيه أمران إما أن تتركه أنت بموتك أو يتركك وتفتقر. يقول الشاعر:
وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها قد خرج منها بغير القطن والكفن
القيمة الحقيقية أن يأخذ التمكين ويستفيد منه. هناك بون شاسع بين إثنان ممكنان أحدهما استأثر به والآخر إتقى الله تعالى فيه. فالواعي يأخذ كلمة التمكين قبل الخلق ويفهمها. لما نذهب لسورة الرحمن (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان) المنطق أن الخلق قبل التعليم لكن الله تعالى يعلمنا أن القرآن مثال لكل منهج. جاء الإنسان على المنهج، حتى آدم u جاء على منهج (ولا تقربا هذه الشجرة) لا الناهية تبيّن منهجاً: كُل مما تشاء إلا هذه الشجرة. هل نطبق القرآن أو لا؟ كل الكتب السماوية مناهج. الذين حرفوا التوراة وألّفوا الإنجيل والذين لم يقرأوا القرآن ماذا فعلوا بالمناهج التي جاءتهم؟ هذا يبين أن التمكين في الأرض عندما يكون في أخصّ النِعم وهو الإسلام هو الذي أريده وأحارب لأجله.
سؤال: التمكين الذي ذكرته نصبو إليه لكن في الآية الكريمة يبدو التمكين في الأمور الحياتية المعيشية من حيث الرزق والمأكل والمشرب.
الرزق ليس مالاً فقط وإنما هو صحة وعلم وأخلاق وطباع وهذا كله رزق. الصحة رزق لكن نحن ننظر إلى الرزق على أنه مال فقط. لكن لو أعطيتك مليارات وسلبت منك صحتك فكيف تردّها؟ عليك أن تحمد الله تعالى دائماً والذي يبدو في ضيق عليه أن يحمد الله تعالى لأن كلمة الحمد لله تقال عند الكرب فتفرجه وتقال عند الخير فتزيده. ومهما كنت متضايقاً إستمر على الحمد لأن الغد قد يكون أصعب وقد يفك الكرب و قد لا يُفكّ. حتى لما ننظر في حال المسلمين الآن الذي لا يفرح علينا أن نحمد الله تعالى. (ولقد مكناكم) كلمة عالية وانظر إلى الذين كانوا ممكنين في الأرض واليوم يحاكمون! هذه أمثلة حتى نفيق ونفهم.
(وقليلاً ما تشكرون) أحياناً النعمة تُنسي الإنسان الشكر وأحياناً الغرور ينسي الإنسان الشكر علينا أن ننظر إلى قصة قارون في القرآن وسبق أن ذكرنا أن قصص القرآن ليس فقط مجرد حكايات وإنما هي للعبرة والموعظة. قارون مثال على كل غني جاحد هو بدأ أولاً بدليل قوله تعالى (فبغى عليهم) هو الذي بغى أولاً ومع أنه كان عنده كل شيء حتى أن مفاتيح خزائنه كانت تنوء بالعصبة فما بالك بالخزائن! وكان عليه أن يشكر الله تعالى على نعمه عليه إلا أنه إغترّ ونسب النعم إلى نفسه (إنما أوتيته على علم عندي) فكان الرد من الله تعالى مباشرة على غروره (فخسفنا به وبداره الأرض) فالله تعالى أتى به آية لنا للعبرة حتى نبتعد عن الغرور ليل نهار وعن غرور الحياة الدنيا، الغرور لعنة فعلى الإنسان أن يتبرأ منها. علينا أن نستفيد من قصص القرآن وإلا فما الفائدة منها إذن؟ الله تعالى مكّن قارون في الأرض لكنه لم يشكر فخسف به وبداره الأرض. من أخص دعاء عمر بن الخطاب: اللهم اجعلني مع القليل لأنه فهم قوله تعالى (وقليل من عبادي الشكور). لو أننا فهمنا توقيع بعض الآيات في القرآن الكريم لن ننام. لما وجّه الله تعالى خطابه إلى الرسول r المكلّف بالرسالة قال (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ثم يقول له (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) الله تعالى يخبره أنه سيعمل على حسب طاقته ولكن قليل من الناس سيؤمنون. ثم تأتي سورة يوسف وفيها قوله تعالى (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) يعني قلة قليلة (قليلاً ما تشكرون) لأن الجنة للشاكر الذي اعترف بنعمة الله تعالى عليه والنعمة بدأت بالتمكين وليس من الخلق ومن بديع التوقيع القرآن أن التمكين ورد قبل الخلق في آية سورة الأعراف. وضع الله تعالى لنا الأسباب في الأرض قبل أن يخلق آدم.
(ولقد خلقناكم ثم صورناكم) التصوير هو الذي يحدد الخلق. خلقناكم الأولى هو القرار بالخلق والقضاء بالخلق، وصدق تعالى في قوله (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) والتصوير مباشرة. (ثم) في الآية من القضاء بالخلق الذي فجأة ظهور آدم وذريته ملأت الأرض. آدم أخذه كمثال. الخلق قضاء الله هنا بالخلق والتصوير هو وقوع الخلق (التصوير هو تطبيق القضاء) والقدر هو توقيع القضاء. الله تبارك وتعالى لا يحتاج فترة زمنية لتنفيذ شيء لأنه سبق أن قلنا في قوله (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) قلنا أن (له) تعني أن الشيء موجود ويخاطبه. كُن هذه ليظهر لنا نحن والصورة تكون بالنسبة لنا نحن. أصل خلقة الأشياء موجودة في الأزل وليس لنا أن نسأل كم استغرق هذا. (ثم) كل تصوير تنفيذ لقضاء الله تعالى في الأزل. الفرق بين كُن فيكون كقضاء ووقوع القدر على البشر، هناك من تحمل ولا يتم الحمل أو يموت الحمل هذه إجراء العملية عند البشر. (ثم) هذه وقوع قضاء الله تبارك وتعالى على مراده سبحانه وتعالى.
سؤال: مسألة القلة، هل القلة تعود على القلة من البشر التي تشكر أو أن شكرهم هو القليل؟
تعني الإثنان معاً والتعبير بهذه الطريقة تعطي الملمحين. (ما) في (قليلاً ما تشكرون) بالحال شكرنا قليل بالنسبة لنعم الله تبارك وتعالى وعدد الشاكرين قليل بالنسبة للخلق.
سؤال: ما الفرق بين الشكر والحمد وما دلالة استخدام تشكرون في الآية.
الحمد هو إعلان الثناء لله تعالى سواء بالنعمة أو بالنقمة، في السراء والضراء. الحمد لله قلنا أنها كلمة مزدوجة الأداء تقال عند الكرب فتفرجه وتقال عند الخير فتزيده. لكن الشكر لا يكون إلا على النعمة. لما أصبِر على المصيبة يكون الحمد خلف الصبر أما الشكر فلا يكون إلا على النعمة. التمكين نعمة لذا استخدم تعالى الشكر (ولقد مكناكم في الأرض ) يعطي ظاهر النعم والمفروض أن تشكر على العطاء فقط والحمد يكون على المنع والعطاء. مقدمة الآية كلها عطاء (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش) لأن هذا عطاء يستوجب شكر دائم كثير جاءت (تشكرون). إنما الحمد قد يكون المنع في حد ذاته عطاء.كما قال شقيق البلخي لتلميذه الذي قال: نحن قوم إذا أعطينا شكرنا وإن مُنِعنا صبرنا، فقال هكذا تصنع كلاب بلخ، قال فماذا تصنعون يا إمام؟ قال: نحن قوم إذا أُعطينا صبرنا وإن مُنِعنا شكرنا فما منعك إلا ليعطيك فإن المنع عين العطاء. هذا رجل فهِم أن أصل المنع من الله تعالى لأنه سبحانه وتعالى دائم فعله عطاء وساعة يمنع فهو عطاء. الرجل الذي يسكت في المصيبة الكبيرة سكوته دلالة على إنه إما أن يكون فاهماً جداً إذا تكلم فهو حكيم أولا يفهم شيئاً أبداً. لما قال في الآيتين (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) القليل هم الذين فهموا القضية ولذلك قال الحكيم: من كفر بالله إن كان عاقلاً، إن كان واعياً، إن كان محقاً فليخرج من تحت سمائه ولينأى بعيداً عن أرضه، وكما في الحديث القدسي (فليخرج من تحت سمائي وليبحث عن رب سواي. فكُن واعياً لأنك لن تستطيع.
(ولقد مكناكم) لجنس البشر مؤمنهم وكافرهم وهذا يدل على مطلق العدالة الإلهية. التمكين قبل الكلام عن العقيدة وقبل الخلق. أسعد الناس في الدنيا الكافر لأنه بدون منهج ولا شيء واله تعالى يعطيه لأنه أخذ بالأسباب والله تعالى عادل يعطي من أخذ بالأسباب. وهذا جزاؤه كبير جداً إما في النعيم وإما في الجحيم لأنه لا أسباب هنا هو إيمان مطلق. لما تجد الناس ساجدين في المساجد كلهم مثل بعضهم لا تميّز بين غنيهم وفقيرهم ولذلك توحيد الملابس في الحج له مغزى كبير حتى لا يتميز أحد عن أحد. هكذا هو الدين أما في الدنيا فهناك تميز وتمايز.
سؤال: ما الحكمة من تصدير آيات خلق آدم في سورة البقرة والآعراف بمسألة خلق الأرض وجعلها مستعدة لاستقبال آدم؟
حتى لا يحتج أو يتصور الإنسان يوم القيامة أنه ولِد في مكان ليس مهيأً أو ليس عنده أسباب نعيم. أنت ممكَّن في الأرض على إختلاف الممكَّن. لما نجد دولة فيها مجاعة هل هذا سبب للخروج من دين الله؟ والعكس إذا رأيت دولة مليئة بالنعم فهل هذا سبب في دخولها دين الله؟ تجد من هؤلاء أناس مؤمنين وكفرة ومن هؤلاء مؤمنين وكفرة، لا النعيم صنع الإيمان ولا سوء الحال صنعت الكفر أنت ممكّن في الأرض لأنه أين أسبابك أنت للمعيشة؟ حتى على أضيق نطاق لا تعرف أن تعملها (دورة الماء، دورة الحياة، دورة الأكسجين) الله تعالى يتدخل فيها.
سؤال: (ولقد مكناكم) (ولقد خلقناكم) ما دلالة (لقد)؟
للتحقيق وتوقيع الأمر وقد استقر ذهناً في سورة البقرة، قرأت البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنعام، قرأت الحواشي المكملة لتوقيع الصورة في الذهن ثم يؤكد لك حتى إذا كنت تزعزعت في الطريق أو نسيت أفِق لذا كررها سبع مرات في البقرة، الأعراف، الحجر، الإسراء، الكهف، طه، ص حتى لما رأيناها حسب ترتيب النزول وجدنا ص أولاً. على مدار سواء ترتيب النزول أو ترتيب الجمع هو يذكرك دائماً بموضوع سجود الملائكة ورفض إبليس السجود لآدم. وما زلنا إلى الآن بنفس القضية وما زال الناس يسألون بعد كل هذا التكرار هل إبليس من الملائكة او من الجن؟ فالتذكير إذن له حكمة، سبع مرات على مدار القرآن في سور متفرقة بملامح مختلفة. في آية قال تعالى (وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) وجاء بملمح ردّ الملائكة في سورة البقرة ولم يرد هذا الملمح في سورة أخرى، بينما السجود ورد في أكثر من موضع ومرة ورد (إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) ومرة ( أبى أن يكون مع الساجدين) مع اختلاف اللفظ لكن المعنى واحد وهو أنه لم يسجد.
سؤال: قال تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) ما دلالة الإفراد في السجود (اسجدوا لآدم) بعد الجمع (خلقناكم، صورناكم)؟ هل لأن آدم كان موجوداً لوحده والأمر جاء بالسجود له؟
ما هو السجود؟ السجود ها هو للتحية؟ للتعظيم؟ للعبادة؟ بعض المفسرين يقولون أن سجود الملائكة عبادة كما تكلموا في موضوع أن الجنة في السماء وغيرها ولكن نقول لهم كيف يكون سجود الملائكة لآدم عبادة؟ هذا كلام غير منضبط ومضطرب. في حديث الرسول r: "لو كنت آمراً أحداً بالسجود لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها" نفهم من (لو) و(غير الله) من الحديث أن السجود لا يكون إلا لله تعالى. السجود في قصة يوسف u كان سجود تحية وكان هذا موجوداً في ذلك الزمان لكن السجود نٌسِخ ببعثة الرسول r. فالمعنى العام للسجود إذن هو الخضوع. السجود هذا أمر عظيم وتستكبره وأنت تقرأ لأن ممثل الجنس البشري يجب أن يكون فيه الصلاح المطلق ولا ينفع أن تسجد الملائكة لطالح وصالح مع بعض فيأخذ الله تعالى مثالاً صالحاً لذا آدم هو الأب الأكبر الأصيل كنا يقال في اللغة، الأب المستمد منه كل الآباء فيما بعد. يجب أن يكون السجود محترم حتى يتحقق فيه التعظيم. كل الملائكة في خدمة آدم فكيف تسجد الملائكة لطالح إذا جاء الأمر بالجمع (لكم)؟. موضوع السجود سجدوا له قبل أن يعصي وهو نقيّ ونأخذ من هذا المثال فطالما أنت نقيّ الملائكة تسجد لك ومسخرة لك لكن عندما تعصي تهبط منزلة. هذا المعنى الذي نريد أن نفهمه ويفهمه أبناؤنا أنه بصفائك ونقائك الكون كله مسخّر وإذا عصيت تخرج خارجاً.
سؤال: آدم قيل له (وقلنا اهبطوا) ثم (اهبطا) آدم لم يرض أن يخرج من الله تعالى إلا بعد أن يرضى الله تعالى عنه ويتوب عليه. وهكذا علينا أن نفهم أبناءنا أنه عليهم أن يرضوا آباءهم وأمهاتهم أو أي شخص آخر إذا عصوهم قبل أن يخرجوا.
سؤال: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا) استخدمت (ثم) مرتين ثم الفاء في (فاسجدوا) فما الدلالة؟
استخدمت الفاء مع تنفيذ الملائكة للأمر بالسجود، لأنهم لم يتراخوا وإنما نفذوا مباشرة ولا يفيد السؤال كم استغرقت المدة قبل سجود الملائكة أو غيرها لأنه لا فائدة منها ونقول للذي يشتغل بالإعجاز العددي نسأل الله تعالى أن ينصرف عن هذه الأمور ويشتغل بتفسير القرآن لأن هذا تضييع للوقت فالبعض يقول أنه يحمعون أرقام الآيات وقد وصلوا إلى أن آدم عاش في الجنة 118 سنة وهذا تضييع للةقت فلماذا يجمعون أرقام الآيات مثلاً ولا يضربونها أو يقسمونها؟ نقول لهؤلاء لو كان هذا علماً فهل قصّر رسول الله r في التبليغ؟ ولو أن الرسول r قصّر قيد أنملة ما كان نزل قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) هذا الكلام في الإعجاز العددي كله اجتهادات وتضييع وقت وروسل الله r قال: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها" والبعض من هؤلاء يقولون أن آدم نسي لأن بقي في الجنة 118 سنة وهذا كلام فارغ. العلّة جاءت في القرآن (ولقد عهدنا إلى آدم فنسي ولم نجد له عزما).
سؤال: هل يجوز أن نبحث في المدة التي قضاها آدم في الجنة؟
نسأل هل يهمنا معرفة هذا الأمر؟ فلو جلس آدم في الجنة 117 سنة وستة أشهر أو سنة واحدة أو مئة سنة لا يهمنا، نحن ننتبه فقط إلى حرف (ثم) والفاء لنعلم الناس سرعة استجابة الملائكة للأمر بالسجود. نستفيد أنه علينا أن نسرع في الإستجابة ونأخذ خاصية من خصائص الملائكة (سارعوا إلى مغفرة من ربكم). إما أن تكون مع الملائكة وإما أن تكون مع إبليس لعنة الله عليه. نحن لا يهمنا كم عاش آدم u في الجنة لأنه لا يؤثر علينا ولا يقدم ولا يؤخر إنما العمل هو الذي يهم فقط أن العمل هو المناط.
سؤال: هلى هناك دلالة معينة في أرقام السور التي تحدثت عن بداية آدم في سورة البقرة (الآية 30) وفي الأعراف (الآية 11)؟
إياكم أن تقولوا هذا هذا الترقيم للآيات هو للحصر والدراسة فقط ولو كان لها حكمة لكان رقم آيات الخلق 1. من استجاب لله تعالى راضياً بقضائه وقدره . أحدهم قال أنه وصل لمعرفة من هو فرعون موسى لكن ماذا يفيدنا معرفة هذا؟ المهم في قصة فرعون أنه رمز لكل حاكم ظالم ويهمني من القصة موضوع تعالي فرعون فقط أياً كان اسمه. نحن نأخذ ما جاء في الكتاب والسُنّة. الحكمة من الفاء في (فسجدوا) هو سرعة استجابة الملائكة لأمر الله تعالى لهم بالسجود. الملائكة لم تفكر وإنما الله تبارك وتعالى أمر فسجدت الملائكة. أما إبليس توقف وفكر ولم يسجد وهذا نستفيد منه أنه إذا سمعنا المؤذن يقول الله أكبر لا نفكر وإنما نقوم إلى الصلاة فوراً لأن الشيطان سيوسوس لك حتى تؤخر الصلاة. عندما تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح قم للصلاة فوراً. وكما نقول دائماً لمن يؤخرون صلاة العشاء بحجة أن وقتها مفتوح نكرر هل المؤذن لصلاة العشاء يقول شيئاً آخر غير حي على الصلاة؟ أو يقول حي على الصلاة لكن خذ وقتك؟! الصلاة وقتها مباشرة بعد الأذان وسنتطرق في الحلقة القادمة لهذا الأمر ونشرح قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) الصيام كُتِب على المسلمين ومه هذا جاء النداء في الآية بـ (يا أيها الذين آمنوا) فما الحكمة من هذا النداء؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 19/6/2006م
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة 21
تابع قصة آدم u من آيات سورة الأعراف:
توقفنا في الحلقة السابقة عند السؤال حول النداء بـ يا أيها الذين آمنوا في آية الصيام في سورة البقرة لنشرح قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) الصيام كُتِب على المسلمين ومع هذا جاء النداء في الآية بـ (يا أيها الذين آمنوا) فما الحكمة من هذا النداء؟
مسألة هل إبليس من الملائكة أو غيرهم هذا أمر تكلمنا فيه كثيراً والبعض يقول أن إبليس هو طاووس الملائكة أو عظيم الملائكة. هذا اللفظ أُطلِق على إبليس لأنه كلّف نفسه ما لم يكلّفه الله تعالى. الجنس البشري والجنّ جنس مخيّر من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. ليس عندنا أن شخصاً يعمل سيئاً رغماً عنه هذا غير مقبول. الملائكة جنسٌ جُبِلوا على الطاعة فلما يأتي واحد من جنس الإحتيار يضع نفسه مع جنس الطاعة يكون قد كلّف نفسع فوق ما كلفه الله تعالى هكذا فعل إبليس. لماذا سُمي طاووس الملائكة؟ ليس معنى طاووس الملائكة أنهم منهم ولكن أصبح أعلى من الملائكة لأنه تفوّق على الجنس، هو يستطيع أن يرفض ويستطيع أن يختار لكن سلّم نفسه للطاعة وكان مع الملائكة يطيع الله أبداً لذا شمله الأمر بالسجود.
مرة يقول (إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين) ومرة (من الساجدين) إذن غير مأمور ثم يقول (ما منعك أن تسجد إذ أمرتك). (ما منعك أن تسجد إذا أمرتك) أي شمله الأمر بالسجود فلماذا لم يردّ ويقول : أنا لست من الملائكة المأمورين بالسجود وأنا من الجنّ وكان الأمر إنتهى عند ذلك لكن كونه ردّ على الله تبارك وتعالى بأنه ما سجد إلا لأنه أعلى من آدم إذن يكون قد فهِم أن الأمر شمله.
عندنا تعبيران (ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك) و (ما منعك أن تسجد). (ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك) قال (أنا خير منه) الأمر شمله وإلا لقال أنا لست من الملائكة. وقد يقول قائل ألا يدعم قوله تعالى (إذ أمرتك) أنه من الملائكة؟ نقول كلا لأن الله تبارك وتعالى قال في موضع آخر (إلا إبليس كان من الجن ففسق) وهذه الآية تثبت أنه لم يكن من الملائكة. الأمر شمله لأنه حضر مع الملائكة هو حضر الأمر معهم ولكنه ليس منهم.
سؤال: قال تعالى (لم يكن من الساجدين) إذا كان إبليس مغايراً للملائكة فلم لم يقل (معهم)؟
لو كان معهم لسجد لكنه ولو لم يكن منهم. هو الوحيد الذي لم يسجد (لم يكن من الساجدين) الساجدين سجدوا وهو خرج. لا يُفهم من الآية ما قاله بعض المفسرين أن الملائكة لم تسجد كلها بدليل (أستكبرت أم كنت من العالين) هؤلاء العالين بأمر من الله تعالى وليس بمزاجهم، فرعون علا. التوقيع اللغوي شيء وتصورنا موضوع آخر.
مثال "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إقام الصلاة إيتاء الزكاة حج البيت وصوم رمضان"والمفروض أن الذي يصوم هو مسلم لأنه حتى يكون مسلماً يصوم فالخمس هي قواعد الإسلام ومع هذا نادى الله تعالى بـ (يا أيها الذين آمنوا) كأنه تخفيف إلهي بالإيمان وكأني بالله تبارك وتعالى يقول الذي يصوم سينتقل من حظيرة الإسلام إلأى حظيرة الإيمان وهذا إستحباب وتخفيف إلهي بالنداء ولذلك هذه الآيات في سورة البقرة فيها تخفيفات غريبة تختلف عن كل العبادات: قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا) ولم يقل يا أيها الذين أسلموا، ثم قال تعالى (كُتِب عليكم الصيام) بنى الفعل لمجهول فيه تخفيف بإضمار إسم الله تعالى لأن كلمة (الله) تخيف لأن الله تعالى يريد من عباده أن يصوموا بإستحباب وليس خوفاً، ثم يرينا المثلية أننا لسنا بِدعاً في الصوم وإنما من قبلنا صام وهم ليسوا من أمة محمد r فما بالنا بأمة محمد r؟ (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)، ثم الغاية (لعلّكم تتقون) ستكون متقياً وليس مسلماً مؤمناً فقط والكتاب هدى للمتقين فالصيام يأخذك للتقوى ويجعلك تأخذ هدي الكتاب فعليك أن تلحق نفسك وتصوم فالعملية كلها (أياماً معدودات).
إبليس وضع نفسه في الطاعة من أجل هذه التخفيفات ونحن نُدخِل أنفسنا مع المؤمنين وإبليس أدخل نفسه مع الملائكة بالطاعة. بعد ذلك يقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا) الصيام والنفقة كلها مثل بعض، لأنك أدخلت نفسك في حظيرة الإيمان فتقوم بالصيام والزكاة لأن المال يكشف الناس وكل العبادات كذلك. إبليس فعل هذا وذهب مع الملائكة في الطاعات لكن في السجود رفض (فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس) هذا إستثناء الحضور في السجود وليس إستثناء الجنس.
(ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)) (لم يكن) فعل الكينونة معناه فلان لم يكن كما أراد أي خرج عنهم لأنه ليس منهم. هم طبيعتهم غلبت فسجدوا وطبيعته غلبت فرفض السجود (إلا إبليس كان من الجن ففسق). الكينونة تهمنا، إبليس طبيعته أنه مخيّر ولأن الأمر شمله كان يجب أن يسجد ولكن طبيعته ليست مبرراً لعدم السجود.
سؤال: البشرية تنحرف بوسوسة إبليس والجن كانوا موجودين قبل آدم فمن الذي كان يوسوس للجنّ؟
الطبيعة لذا في يد إبن آدم أن يكون طاووس الملائكة وأن يعلو على الملائكة إذا أطاع وهو مخيّر. يمكن لإبن آدم أن يرتقي لحالة الملائكية تماماً كما يحصل في حالة الصيام. الجنّ مخيّرون وإبليس لم يكن يوسوس لهم ولم يكن هناك وسوسة قبل آدم u لأن الجنّ مخيرون بطبيعتهم (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك) بطبيعتهم هم مخلوقون على هذا. إبليس رقّى نفسه ووضع نفسه مع الملائكة فلما صدر لهم الأمر بالسجود وضع نفسه معهم، غار من آدم وحسده ثم قال (أنا خيرٌ منه). هناك من الجنّ من آمن إيماناً مطلقاً بمحمد r واستوعبوا القرآن. أول جنس يطيع أو يعصي الله تعالى هو إبليس ومعصيته كما سماها الشيخ الشعراوي رحمه الله معصية قمّة على الإطلاق لأنه ردّ الأمر على الآمر أما آدم u فلم يرفض الأمر لكنه نسي مع أن الله تعالى حذّره من هذا الأمر بالذات. التوقيع القرآني في أوائل سورة البقرة (إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) (كان) فعل ماضي ناقص، هل رأيت ملكاً من الكافرين؟ إبليس لم يكن من الملائكة طرفة عين بحسب كلام الحسن البصري لأن الطبيعة مختلفة هو من نار والملائكة من نور.
(ما منعك ألا تسجد) في الإسرائيليات يقولون أن إبليس قرأ في اللوح المحفوظ أن الملائكة كلهم سيسجدون إلا واحداً لكن هذا الكلام لا نأخذ به وإبن مسعود رضي الله عنه قال أن بني إسرائيل ضلّوا أنفسهم فهل نتّبعهم نحن؟ إبليس لم يقرأ في اللوح المحفوظ ولم ير أنه سيكون هناك واحد لا يسجد. هو كان مع الملائكة وشمله الأمر ولم يرد على الله تعالى بأنه ليس من الملائكة لأنه فهِم أن الأمر شمله كواحد ممثل للجنس. هو بعدم سجوده لآدم عصى وهناك فريق من الجن تبعه وفريق لم يتبعه. ساعة شمله الأمر بالسجود كان وحده، هوشمله الأمر بالحضور، حضور الأمر مع الملائكة فعصى. لكن لما سُئل (ما منعك ألا تسجد) وفي آية (أن تسجد) قوله تعالى (إذ أمرتك) حتى فهِم أن الأمر شمله. يقول تعالى (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) (ألاّ) عبارة عن (أن) و (لا) مثل أشهد ألا إله إلا الله (أنّ ولا). ما منعك من السجود؟ ماذا نفهم إذا قلت ما منعك أن تسجد؟ أنه تهيّأ للسجود ثم منعه شيء، همّ أو تهيّأ للفعل ثم امتنع أو مُنِع؟ هل هناك مانع منعك فأنت ممنوع؟ أو هو إمتناع منك أنت؟ (ما منعك أن تسجد) إما المانع يكون حاجة ذاتية فيك فتكون ممتنعاً أو خارجية فتكون ممنوعاً. إبليس هو ممتنع. الآية تقول (ما منعك ألا تسجد) إذا كان المانع من خارج إبليس يكون مُنِع ويكون هو ممنوع. الكلمة تبيّن أن الأمر شمله بإجابته. إجابته تبيّن أن الأمر شمله وأن المانع داخلي وليس خارجياً ليقيم الله تبارك وتعالى عليه الحجة. لو المانع خارجي لكان ممنوعاً (يكون مهيّأ لكن يمنعه مانع). إما إمتنعت أنت أو مُنِ‘ت. السؤال هنا حتى يُظهر المولى تعالى أن المنع ذاتي (إستكباره) لذا توقيع البقرة بديع (إلا إبليس أبى واستكبر) هذا المنع، فإذن المنع ذاتي من عنده إستكباراً وداخلياً جعلته لم يسجد. السؤال هنا لإظهار ما حصل. لو قيل يا إبليس ما منعك ألا تسجد كان بإمكانه أن يبرئ ساحته لكنه لم يقل هذا وإنما أجاب وإجابته تدل على أن المانع ذاتي عنده وأن المانع هو إستكبار منه وأنه فكّر تفكيراً خاطئاً فقال (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) ظنّاً منه أن الطين أسوأ من النار وهذا قياس فاسد لأنه لولا الطين لما كانت النار فالشجرة تأتي من الطين (الذي خلق لكم من الشجر الأخضر ناراً) أصل النار الطين. إنفكاك الجهة يعلمنا أن كلٌ ميسّر لما خُلِق له فإذا شملك الأمر بالسجود لا تقيس وإنما اسجد أو برّئ ساحتك.
سؤال: هل هذا الموقف يتناسب مع ماضي إبليس المشرق أنه كلّف نفسه ما لم يكلّفه الله تبارك وتعالى؟
هذه هي العظة من القصة. لا إله إلا الله اللهم استرنا فوق الأرض واسترنا تحت الأرض، إبليس خلقٌ إرتقى بنفسه فوق الملائكة ثم عصى وكذلك هناك من المسلمين من يكون متقياً ويصوم ويصلي ثم ينحرف فجأة ويعصي في لحظة. قد تكون هذه زلة أو وسوسة أو شيطان وقد تكون معصية كبيرة ويهزأ من المصلين والمتقين فيكون بذلك مثل إبليس. فالذي يهديه الله تعالى عليه أن يلزم الهدى والتقى لأن القضية بمنتهى الخطورة ولا تستكبر على شيء أو تغترّ بطاعتك لأنه قد يكون قال هذا غروراً فأوقعه إبليس في معصية.
سؤال: أين كان إبليس عند قوله تعالى للملائكة (إني جاعل في الأرض خليفة)؟
هو سمع هذا الكلام ولم يعترض. هو له دوره في وقوع الحسد لآدم. يبدو أن ردّه فيه رصيد قديم من ساعة ما قال تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) ففكر أن آدم مفضّل على الملائكة الذين أنا ارتقيت فوقهم والله تعالى خلقه بيديه وكرّمه لذا أدخل إبليس نفسه في قيلسه هو وهذا هو الحسد. والحسد هو تمني زوال النعمة عن الغير. الساحر الماهر يسخّر جنّاً كما يقولون وحتى يكون كافراً في قمة الكفر يُسخَّر له من غير أن يُسخِّر هو ألف جنّ ليوقعوا له الحسد، فالحاسد يحسد والجنّ يساهم من عنده من غير تسخير. الحسد أقوى من السحر لذا علمنا تبارك وتعالى في القرآن الكريم (ومن شر حاسد إذا حسد) علّمنا أن نستعيذ من شر حاسد إذا حسد. إذا وقع الحسد فكبِّر على المحسود أربعاً لأنه يُطوَّع له جن. الرجل المجند في الجيش إذا كان متطوعاً فإنه يخدمك بشكل أفضل من الذي المجنّد المُجبر المسخَّر وكذلك المتطوع من الجنّ هو الذي يكسر حاجة المحسود التي حُسِد عليها.
سؤال: (إلا إبليس) حتى هذه اللحظة كان إسمه إبليس فما دلالة الأسماء: إبليس، شيطان، غَرور، طاغوت، جنّ؟
الغَرور والطاغوت صفة فتقول رجلٌ طاغوت.إبليس إسمه الذي ذكره القرآن الكريم (إلا إبليس) والجنّ جنسه (إلا إبليس كان من الجن) والشيطان صفته لما تشيطن (شطن لغاية ما أصبح شيطاناً) وهذه صفة فظيعة تطلقها على رجل لعوب ونحن نطلقها على بعض الإنس لأنه يتعبك وشطن عن كل منهج لله تبارك وتعالى وعن كل نصيحة من الدعاة.
سؤال: هل حقد إبليس على آدم جعله يفسد في طاعة الله تعالى مع أنه رآها بعينه؟
نعم بدليل ساعة يحسد إبن آدم لابن آدم يتطوع هو لتوقيع الحسد. إبليس تضايق من بني آدم لأمر لم يفعله آدم ولا بنو آدم.
سؤال: ألم يعلم إبليس مثواه إذا عصى الله تبارك وتعالى؟
نهم والبشر كذلك يعلم مثواه إن عصى ومع هذا يذهب للمعصية بقدميه ويخطط لها. هذه قضية يجب أن ننجو منها. هناك علماء آراؤهم صارمة ويعجبني الرأي الصارم يقولون لا تسأل عن المعصية بتخطيط لأنه حتى القانون الوضعي يشدد العقوبة على سبق الإصرار والترصّد. فلو تسبب أحدٌ في حادثة أسامحه لأنه ما قصد الأذى إنما إذا ذهب واشترى مسدساً أو سُمّاً ودسّه لي أو انتظرني في مكان ليقتلني فهذا لا يمكن مسامحته. فالمعصية عن تخطيط حتى المشرِّع الوضعي يشدد لها العقوبة. إبليس هو يخطط بدليل (ما منعك أن تسجد) ما منعك أن تسجد كأنه تهيّأ للسجود ولو بفعل ماضٍ منه بطاعته مع الملائكة بما أنه كان يطيع قبل ذلك كان المفروض أن يطيع هذه المرة أيضاً. لم يسموه طاووس الملائكة إلا لأنه صار أعلى من الملائكة لأنه ليس من جنسهم وهو يفعل مثلهم. أضرب مثالاً تطبيقياً إذا كنت أستاذاً ولديك فصل من المتفوقين وفصل آخر من المتخلفين وفي يوم دخلت فصل المتفوقين فوجدت الأول على صف المتخلفين جالساً في صف المتفوقين فلن تعيده إلى صفه بل تقول أبقيه لأرى إن كان بإمكانه أن يبقى معهم وتدعه لعله يرتقي. ثم تأمر فصل المتفوقين أمراً فهل توجه النداء للمتفوقين أو المتخلفين؟ بالتأكيد الأمر سيكون للمتفوقين وسيشمل هذا الأول من صف المتخلفين لأنه جالس معهم في الفصل لأن النداء سيكون للغالبية والأكثرية وهذا الأمر سيكون فرصة الأول من المتخلفين أن يكون من المتفوقين ويندرج تحتهم. ولهذا فهي رحمةٌ من الرحيم أن ترك إبليس مع الملائكة. وهذا يعلمنا أن الأمر شمله بدليل كما ذكرنا سابقاً أنه لم يرد ويقول أنا لست من الملائكة فكيف أسجد؟ أو لو قال أنا من الجن وأنت يا ربي أمرت الملائكة، مجرّد أنه تلكّأ في الإستجابة وحاجج الله تعالى فسق.
(إذ أمرتك) الأمر صدر من الله تعالى وكرم الله تعالى ونحن بكثرة الأسئلة سنكون مثل إبليس. عندما يوقع تعالى الكلام يقول (إلا إبليس كان من الجن ففسق) ويقول (إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين) إبليس كان لديه فرصة أن يكون معهم لكنه لن يكون منهم أبداً. جاءتني فرصة أن أكون مع المتفوقين لكن لن أكون منهم أبداً. الأمر بالسجود شمل إبليس بوجوده، بالحضور في الأمر فهو مستثنى من تنفيذ الأمر وليس من الجنس.
إبليس قال: (أنا خير منه) والملائكة قالت (ونحن نسبح بحمدك) وبعض الناس يقولون أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا وهذا كلام فارغ، قل أنا لكن لا تتكبر كالذي يقول هل تعلم مع من تتكلم؟ وهل تعلم من أنا؟ باستكبار وهذا هو المنهي عنه. الرسول r في الحديث الذي نهى فيه أن يطرق أحد باب أخيه المسلم فإذا سأله من يقول أنا لأن الذي في البيت لا يعرف الصوت ولا يرى من في الباب وإنما على الطارق أن يقول له أنا فلان ويسمي نفسه ليتعرف عليه من في البيت. الملائكة قال (ونحن نسبح بحمدك) بضمير التعظيم وهذا ليس عيباً إنما العيب أن أستكبر لذا قال تعالى في الرد على إبليس (أستكبرت أم كنت من العالين) وبعض المفسرين قالوا أن العالين هم الذين لم يشملهم الأمر وهذا كلام نردّه.
(خلقتني من نار) إبليس يعطي عِلّة عدم السجود فهو مقتنع بأن الأمر بالسجود شمله أيضاً وأن من حقه عدم السجود. البعض يقولون ماذا لو لم يسجد إبليس ولم يرد الأمر على الآمر؟ وقد يتسرب لبعض المسلمين أن الله تعالى لا يحتاج إلأى صلاتهم فلم يصلّون؟ والرسول r يقول : "إذا بُليتم فاستتروا" فإذا تكلم الناس عن الصلاة مثلاً وكان بين الجالسين شخص لا يصلي فعليه أن يسكت ولا يتباهى بأنه لا يصلّي على الأقل يبقى صامتاً ساكتاً ويقول عسى الله أن يهديني لأنه لو تباهى بعدم صلاته فهو يثبت أنه رافض الإيمان أي يُعلن الكفر.
إبليس يُعلن الكفر ومع هذا يقول أنه خلق من خلق الله بدليل (خلقتني) لم يقل خُلِقت من نار وهذا هو مناط وجوب الطاعة فالذي خلقه ليس له مثيل وما كان يجب أن يرد كلامه وإنما كان يجب أن يسمع كلامه. عدم سماع إبليس كلام الله تعالى وأمره دليل على أن هذا قضاء الله تعالى وقدره لكن إبليس ليس مسيّراً بدليل أنه لو سجد لكانت القضية انتهت وكان من الطائعين وكان سيكون مع الساجدين وهذا تكريم لكنه رفضه.
سؤال: لِمَ لم يُخرِج الله تعالى إبليس من زمرة الملائكة كعقاب له؟ هو ردّه ويجب أن يأخذ عقاب فعله. الكفار يوم القيامة يقولون (يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) لذا توقيعها (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) لا ينفع أن تفعل فعلاً ويمر بدون حساب. ردّ إبليس هو الذي ورّطه، كان يمكن أن يرد ويقول: يا رب أنا من الجن ولست من الملائكة أو يقول أنا كنت أتصور أن الأمر للملائكة فقط ولو أمرتني بالسجود لسجدت لكنه لما قال تعالى (ما منعك ألا تسجد) يعطينا مناط أن إبليس فهِم أن الأمر شمله وأعطى مبرر عدم سجوده وقالها باستكبار لذا توقيع سورة البقرة (إلا إبليس أبى واستكبر) وقال (أنا خير منه) وبغبائه قال (خلقتني من نار) كان يمكنه أن يبني الفعل للمجهول (خُلِقت من نار) فمن الذي خلقه؟ الله، ومن الذي أمره؟ الله، وهذا يجب أن يجعل هؤلاء المسلمين الذين يقولون هل يحتاج ربنا لسجودنا عليهم أن يصحوا من غفلتهم.
سؤال: كلام إبليس قال (أنا خير منه) هل يحمل في طياته أن الملائكة ليست خيراً من آدم؟
فيها الحسد القديم وفيها إستعلاؤه على الملائكة لأنه هو يعتبر أن النار أفضل من الطين وأفضل من النور لكن نسأله هنا من خالق كل هذا؟ حتى لو كان إبليس هو النار نفسها فهو مخلوق فمن خلقه؟ المخلوق لا بد أن يسجد للخالق ولا بد أن يطيع الخالق.
سؤال: هل كان في شريعة إبليس أن الذي يُسجد له عموماً بإستثناء الله تعالى خير من الساجد؟
نعم فهو في منهجه هذا لكن أسأله بماذا؟ من أين جاءت الخيرية من وجهة نظر إبليس؟ من الذي خلق الطين؟ الله، ومن الذي حلق النار؟ الله، ومن الذي خلق النور؟ الله تبارك وتعالى ومن الذي أمر النار والنور بالسجود للطين؟ الله تعالى. فما هو مناط الخيرية؟ هناك حالة واحدة لا تُسأل فيها عما تفعل وهو أن تكون أنت الخالق ولذا فالله تعالى لا يُسأل عما يفعل سبحانه وتعالى. طوبى لمن يسأل نفسه لماذا نصلّي ويصلّي ولماذا نصوم ويصوم فهذه قمة الطلعة أن تقول سمعنا وأطعنا وعندما نطيع نقول الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، نحمد الله تعالى بتوقيع السمع علينا لأنه من الناس من يسمع ولا يسمع.
سؤال: قال تعالى ( فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها) ثم قال (اخرج) فمن أين يهبط؟
رجعنا لمسألة المكان والمكانة. أول مرة قال تعالى (فاهبط) والثانية (فاخرج). الهبوط لما قال اهبط ، لو انتبهنا للهبوط في هذه القصة. الضمير في قصة آدم (قلنا اهبطوا منها) وهنا (فاهبط منها) تبين أنه لم يأت بإسم صريح مكان الضمير، ألا يؤكد ذلك أن الهبوط قبل أن يكون من مكان فهو من مكانة؟ هذا اللفظ إحترنا فيه وبعض الناس يصرّون على أن الجنة هي جنة الخلد في السماء لكن ورد في القرآن في قصة نوح u (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) هود) ونوح كان في السفينة على الأرض فهبوط نوح هنا قطعاً هو نزول من السفينة إلى الأرض، من البحر إلى اليابسة. لكن في قصة آدم u فكل اهبطوا سواء (قلنا اهبطوا) أو (فاهبط) ليجعلك تعالى تتصور المكانة قبل المكان ولو سجد إبليس كان سيكون مع قمة الطاعة (لا يعصون الله ما أمرهم) فالمعصية ليست في معجم الملائكة لأنهم لا يعرفون المعصية. نحن لا نقدر أن نعصي الله تعالى أما الملائكة فهم لا يعرفون المعصية والأفضل من لا يقدر أن يعصي لأنه يكون لديه قدرة على المعصية لكن لا يريد أن يعصي. إبليس كان سيكون مع الذين لا يقدرون فيرتقي فوق من لا يعرف. (منها) تتركك للتصوّر: هل يهبط من المكان؟ من المكانة؟ من الفئة؟ لذا بعد أن تتصور يأتي قوله تعالى (فاخرج منها). قال (فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها) ما هي؟ ولمن؟ للطائعين الصالحين لا للعصاة المتكبرين. تكون الجنة درجة، مكانة ثم يحوّلها لمكان فيقول (فاخرج) حتى يوقع لك التصور الذي تصورته.
(فاخرج) طرد مكان بعد هبوط مكانة. المكانة تقودك للمكان فإذا كانت المكانة حسنة فإنها تقودك للمكان الحسن وإذا كانت المكانة سيئة فتقودك إلى المكان السيء. فالمكانة أهم من المكان والخروج يأتي بعد الهبوط ولا يمكن أن تجد واحداً يُعلن المعصية في الدنيا وتجده في الجنة.
سؤال: هل تصرف إبليس يستحق الطرد والخروج من رحمة الله تعالى؟
بالطبع والحكمة من كل هذا الحوار أن يقنع المؤمن بعطاء الله تعالى في الإيمان ويقول الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لأني أرى من جنسي من يرفض الهدى ويرفض الإيمان ويفلسف كما فلسف إبليس عدم سجوده. الناس إما أن يكونوا ألأولياء لله تعالى أو يكونوا أولياء للشيطان ولهذا علينا أن نتدارك ونلحق أنفسنا ونعود إلى حظيرة رب العالمين وإلى ما طُرِد منها إبليس. (فما يكون لك أن تتكبر) ما يكون لمسلم أن يتكبر ولا يحق له لواحد من أهل الجنة أن يكون له مسلك أهل النار. إذا كان الحِلم سيد الأخلاق فالكِبر سيد المفاسد. والكِبر يُخرج الإنسان من رحمة الله تبارك وتعالى وعلينا أن ننظر إلى المتكبرين بعين العطف والرحمة والشفقة لأن الرسول r أقسم أنه لن يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كِبر فأسأله تعالى أن ينجينا من هذه الصفة وعلينا أن نكون متواضعين فالتواضع صفة الرسول r الذي كان يدخل عليه الناس وهو بين أصحابه فيسألون أيكم محمد بن عبد الله؟ لأنه كان r لا يتميز عن أصحابه لتواضعه.
سؤال: ما معنى الصاغرين في الآية (إنك من الصاغرين)؟
حتى نشرح هذه الكلمة يجب أن نأتي بأساسها حتى نفهمها. معناها بشكل عام أنه كان لديك فرصة لا تُعوّض فضيّعتها.
اللهم اعصمنا من الكِبر ونجّنا منه واجعلنا من الطائعين العابدين الحامدين بفضلك وجودك وكرمك يا رب العالمين.
بُثّت الحلقة بتاريخ 26/6/2006م
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة 22 (مباشر)
سؤال: هناك فئة تحبّذ وجود الإسرائيليات لا سيما أنها لا تمسّ العقيدة كما يقولون فما رأيكم؟
تكلمنا في موضوع نقبل أو نرفض الإسرائيليات ونحن مع فريق رفض الموضوع برمّته، والذي يحصل أن الفريق الآخر يدافع عن معتقده وبدأ يزيّن في محاسن الإسرائيليات. الكلام الذي نسمعه يدل على خطأ وقع فيه الفريق الآخر. الذي نحن فيه هو لآننا نحن لم ننشر الوعي بين الناس لخطورة الإسرائيليات, تناقشت مع بعض هؤلاء أن الموضوع خرج من كونه قصة في كتاب الله تعالى فهم يقولون أنهم يتحدثون عن القصة وما فيها من دراما وتحبيشة معينة وهذا كلام للأسف قيل على المنابر! ويقولون أن الكلام في القرآن الكريم جامد (هذا كلام يقوله للأسف مسلم!) وإنما الإسرائيليات أعطت الصياغة الدرامية للواقعة والتحبيشة الفنية والموسيقى التصويرية وهذا كلام بُحّ صوتنا فيه. فكلمة قصص القرآن جملة من كلمتين يجب على المسلم الواعي أن لا يفصل بينهما فلا يقول قصص وحدها وإنما يربط بينهما مباشرة قصص القرآن لأن كلمة القصص في العصر الحديث تذهب بالذهن إلى الدراما والحبكة وغيرها وتعطي جذباً إعلامياً، ما هذا الكلام؟! نحن ننقل شيئاً جاء في كتابنا، في قرآن أنزل على محمد r. يجب أن نفهم هذا في القرآن. ساعة نسمع قوله تعالى (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر) يتبادر إلى الذهن وقع تمثيلي في الآيات والبعض يقول هل يقصد إنسان بعينه في قوله تعالى (ومن الناس)؟ حتى لو وجد شخص بعينه فالوضع الذي يجب أن نفهمه أن القصة في القرآن عندما نقرأ القرآن أن هذه القصة ساعة حدثت حدثت بأمر من الله تعالى فالقرآن الكريم لن يحكي لنا حكاية من تحت أمر الله تعالى. قصة آدم u ساعة حدثت حدثت بأمر من الله تعالى ونُقِلت إلينا بأمر الله تعالى وجاء نقلها إلينا بوحي من الله تعالى على رسول إصطفاه الله تبارك وتعالى على يد ملك إصطفاه الله تعالى فهذا القضية كلها بأمر من الله تعالى وهذه قصة لا دخل لي أنا بها فلا يمكن أن أضع فيها جزء درامي ثم أجذبك وأشوّقك ثم أقول: نلتقي في الحلقة القادمة!. ليس لنا التدخل في تلك القصة بالإضافة أو بالحذف. وقلنا أن القصة القرآنية واقع حدث بالفعل ولا يستطيع مخلوق إن كان مسلماً حقّاً أن يتدخل فيها لا بالإضافة ولا بالحذف.
إذا فتحنا الإسرائيليات نجد أنهم يمرون على محور مشروح في القرآن بتفصيل ووضوح ويقولون لا نذكره لأنه يسيء إلى الإسلام ولكنه في الواقع لا يسيء إلى الإلاسم ولا إلى الرسول r. فمثلاً قصة زيد بن حارثة (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) يقولون أن هذه القصة تسيء إلى الرسول r ولكن إذا تركوها فكأنهم تركوا آية في كتاب الله تعالى. هذه المسألة تؤكد أن هذا الكلام نزل وحياً على رسول الله r ولو كان محمداً هو الذي يقول القرآن من عنده لما عرضها. هم لا يفهمون القصة في القرآن: القصة في القرآن واقع حدث فعلاً لا يمكنني أن أضيف عليه أو أحذف منه إنما أعرضه كما جاء في القرآن والقرآن أغنانا عن سؤال غير الله تعالى. هم يجبرونا على أن نخرج من المنهج الذي وضعناه في عرض القصص. قلنا سابقاً لماذا جاءت قصة آدم في سورة الأعراف وسورة ص بعدما جاءت في سورة البقرة وسنجمع القصة بطريقة تبيّن عظمة هذا الكتاب وأن كل كلمة لها واقعة. وإذا رجعنا لسورة الأعراف نجد أن قصة آدم وردت فيها من الآيات 11 إلى الآية 25 وإذا نظرنا إلى بداية سورة الأعراف يجب أن نفهم السورة من بدايتها: لماذا جاءت الأحرف المقطعة في مطلعها؟ ما الحكمة في الآيات التي سبقت الآية 11؟ مطلع السورة (المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2))؟ ثم قوله تعالى (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3))؟ من دونه أي الإسرئيليات. الآية تدل على توجيه من الله تعالى : خُذ ما يأتيك من رب العالمين. توقيع (من دونه) تفيد الدونية. (ما أُنزل من ربكم) يعبر عن العلو وأي شيء من عند غير الله تعالى فيه تدنّي. في سورة الأعراف أمرٌ باتّباع كل ما جاء في القرآن وترك ما عدا القرآن والسُنّة الصحيحة بما فيها الإسرائيليات. ما دلالة (أولياء) (من دونه) (كتاب أنزل إليكم)؟ هذا منهج وكتاب ويجب أن نسير عليه ولا نأخذ بالواقع الدرامي للقصة وما إلى ذلك. نحن نعرض القصص كما جاءت في القرآن الكريم ونأخذ العبرة من قصة آدم u، نوح، لوط، عاد، ثمود. عندما نتكلم عن قصص القرآن يشمل قصص الأنبياء والمرسلين وهناك خطأ يقع فيه الذين يكتبون في القصص القرآني فيضعون كتاباً عنوانه قصص المرسلين وفي داخله يتحدثون عن قصص الأنبياء وهذا خطأ لأنه ليس كل رسول نبي وإنما كل نبي رسول.
أسئلة المشاهدين التي وردت خلال الحلقة:
سؤال: هل الحديث حول تخفيف الصلاة في رحلة الإسراء والعروج من خمسين إلى خمسة فيه إسرائيليات؟
هذا حديث صحيح في البخاري ومسلم والقضية أكبر من أن نتناولها في رد على سؤال لكن نلخص أمراً فيها: نحن نسلّم بصحة الحديث رغم ما فيه من مشكلات في تخفيف الصلاة فمرة ورد أنعا خففت من خمسين إلى عشرة ومرة من خمسين إلى خمسة ومرة كان يحط في كل مرة 5. نحن لن نشرح التعارض لكن نسلّم للحديث الصحيح ونتكلم في الحكمة من هذا الحديث: إستيقاف موسى u للرسول r هو عبارة عن خبرة موسى u في بني إسرائيل ولا توضح ما قاله البعض أن هذا فضل لموسى u على أمة محمد r. لكن خبرة موسى u مع بني إسرائيل أنهم لن ينفّذوا وتشير بأصابع التحسيد إلى أمة محمد r حيث سمعنا وأطعنا ويشير بأصابع الإتهام إلى بني إسرائيل الذين قالوا سمعنا وعصينا وهذا ما فعله الرسول r عندما سمع (افترضت عليك وعلى أمتك) فقال r سمعنا وأطعنا. إستيقاف موسى لمحمد r تدل على ما في بني إسرائيل من أمراض لأن كثرة الأنبياء تدل على كثرة أمراضهم. حدث الإستيقاف من موسى u وهذا صحيح رغم الإختلافات في الروايات.
سؤال: في الحديث عن ترك بعض القصص في القرآن لأنه يسيء إلى الإسلام والرسول r ما رأيكم في قصة سورة عبس؟
الدفاع عن الإسرائيليات نتيجة أننا لا نسمع التوجيه إذا وجّهنا أحد إلى خطئنا وإنما نقول ( هذا ما وجدنا عليه آباءنا) وديننا يقول (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) ما دون التواصي بالحق والصبر في خسر.
موضوع سورة عبس تتوجه باللوم للرسول r فلنحافظ على الرسول نتركها كما يزعمون. نحن عندما سنفسر هذه الآيات لن نجد فيها عتاباً للرسول r بالمعنى الذي يفهمه الناس. الرسول r إصطفاء الله تعالى من بين البشر. المولى عز وجل لتتم عملية النبوة ونقل منهج السماء إلى الأرض يتم إصطفائين: إصطفاءٌ للملك من بين الملائكة ليكون أمين الوحي وإصطفاءٌ من أهل الأرض ليختار الله تعالى واحداً من بني قومه في عصر يختاره للرسالة فالإصطفاء يكون على مراد الله تعالى وساعة يوجهه الله تبارك وتعالى لا نستغرب لأنه لما يوجهه يثبت بهذا التوجيه أن الرسول r ليس فوق التوجيه مع أنه مصطفى (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ) حتى كلمة (قُل) فيها توجيه من الله تعالى أيضاً وليست من عند الرسول r.
هناك أمر يجب التنبيه عليه وهو أننا عندما ندخل إلى المساجد نجد أمراً مؤثراً جداً مسألة وضع إسم الله تعالى، محمد، أبو بكر، عمر، عثمان، علي على جدران المساجد كلها مع بعضها ولكن الله تعالى لا يوضع على قدم المساواة مع بشر ولو كان محمداً r وكذلك أبو بكر لا يوضع على قدم المساواة مع محمد r وعندما نقول هذا الكلام يأتي من يقول لنا : ألسنا نقول في التشهد أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ فنقول لهؤلاء لا علاقة للشهادة بهذا الأمر الذي نتكلم عنه وحتى لو جاز لنا أن نضع إسم الله تعالى ومحمد فلا ينبغي أن يكونا مع بعض لأنه إذا وضعناهما على هذا النحو تستقر في عقيدة الناس وهذه مسألة فطِن إليها الرسول r فقال: لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم. لأن هذا قد يضيع القضية (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) و(وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ونحن نريد أن نخرج من هذه الدائرة إلى القليل الذي ينجو من هذا التوصيف.
سؤال: هناك حديث عن العقيقة يتحدث عن منع كسر عظم الشاة فهل هذا صحيح؟
هذا لم نقرأ عنه وهو من باب الأحاديث الضعيفة.
سؤال: لماذا تكررت القصص في القرآن في أكثر من موقع مثل قصة آدم r؟
القصة في القرآن وعلى سبيل المثال قصة آدم تعطي ملمحاً في سورة البقرة وملمحاً آخر في سورة الأعراف وآخر في الحجر وغيرها وكل موضع يعطي ملمحاً خاصاً مغايراً للملامح الأخرى بحيث أنه في النهاية إذا جمعنا الصورة كاملة تعطينا قصة كاملة عن آدم منذ بداية إلى خلقه ثم ظهور حواء ثم السُكنى ثم وسوسة إبليس لهما وأكلهما من الشجرة ثم خروجهما من الجنة إلى (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) فجأة في المائدة يعني ظهور أول أبناء آدم أي خليفة الخليفة.
سؤال: ما هي كتب التفسير البعيدة عن الإسرائيليات؟
هناك تفاسير كثيرة نذكر منها تفسير الشيخ عبد الجليل عيسى والمراغي وتفسير المنار وابن عطية وهناك تفاسير قوية جداً تبتعد عن الإسرائيليات.
سؤال: هل هناك نص صريح بتحريم مصافحة المرأة الأجنبية؟
هذه المسألة مسألة خلافية في الفقه وقضايا الفقه الخلافية تحتاج إلى شرح طويل وعميق زهذه الأمور تحدث مشاكل في بعض الأحيان. السائل يسأل هل المصافحة حلال أو حرام؟ القضايا الفقهية ليس فيها حلال أو حرام على وجه القطع وإنما فيها يجوز أو لا يجوز. نحن شخصياً لا نأخذ بمصافحة المرأة الأجنبية لكن نفترض أن إمرأة كبيرة في السن مدّت يدها لتصافحك فصافحها ولكن أظهِر لها أنك لا تصافح بأن لا تقبض على يدها فهي ستعلم أنك لا تصافح، ضع يدك على صدرك قبل أن تمد يدها فتعرف أنك لا تصافح. للأسف فقه الواقع مسألة غابت عن الأمة ويجب أن يتكلم فيها كل الدعاة زيجب أن نوضح المسألة ولا نبدأ بشرح الإسلام من مصافحة المرأة هناك أمور أولى بالشرح ولكن هذه المسألة تعتبر بالنسبة للمسلمين في البلاد الغربية على هامش المسألة. لا بد وأن يكون هناك ذكاء في عرض الدين، أين تتكلم، فيم تتكلم، مع من تتكلم. وللأسف أن بعض الناس تأخذ التديّن من منطلق عدم مصافحة النساء وتراهم لا يصلّون ولا يصومون.
سؤال: موضوع المهدي المنتظر؟ وموضوع المسيح u هل مكث في الأرض قبل أن يرفعه الله تعالى وفي بعض الكتب أنه تزوج وأنجب ولداً فهل هذا صحيح؟
هذا الموضوع سبق وسُئلنا عنه من إخوة في الأردن وإن شاء الله تعالى أنا ذاهب إلى الأردن قريباً وسأتكلم عن هذا الموضوع بتفصيل لأن مثل هذه الأمور يجب أن نتكلم فيها بتفصيل.
سؤال: كيف كانت صفة صلاة الرسول r بالأنبياء في بيت المقدس؟
إذا أخذنا الحديث أنه r صلّى بهم قبل العروج فتكون الصلاة على ملّة إبراهيم u وهذه صلاة خاصة بالأنبياء والرسول r. وإذا كانت الصلاة بعد العروج فتكون كصلاتنا. وهنا يطرح البعض سؤالاً أن الصلاة فُرِضت في العروج والرسول r كان يصلي قبل الإسراء والعروج فكيف كان يصلي؟ فنقول أنه r كان يصلي صلاة خاصة به وبالأنبياء وهو كنبيّ وكرسول كان يصلي صلاة إسمها صلاة مقام الرسالة لكن كيف هيأتها؟ لا نعلم. فإذن إذا صلى بالأنبياء قبل العروج فتكون صلاة مقام الرسالة وهي خاصة بالأنبياء والمرسلين.
سؤال: كيف تقضى الصلوات الفائتة لمن لم يكن يصلي خاصة إذا لم يعلم كم عدد الصلوات الفائتة؟
نحن اخترنا أكثر من رأي فالبعض يقول صلّي سُنناً فتجبر الصلوات الفائتة ونحن أخذنا بالرأي الغالب الذي يقول أن يصلي الإنسان مع كل فرض فرضاً مما عليه وإذا نسي العدد يحسب كم عمره وكم من السنوات لم يصلي فيها ويبدأ بالنيّة أنه ينوي قضاء ما فاته من الصلوات فإذا مات قبل أن يتم قضاءها فالله تعالى سبحانه بكرمه يحاسبه على نيّته وإذا لم يمت فيدوام على صلاة فرض مع كل فرض ويستمر على ذلك.
سؤال: ما هو الكتاب المحفوظ؟
إختلف المفسرون في توقيعه. المحفوظ هو المكنون. أناس قالوا الكتاب هو الكتاب لكن المحفوظ هو الذي حفظه الله تعالى من كل عبث وتدخّل وتحريف. أهو القرآن أم هو اللوح؟ الكتاب أُطلِقت وأريد بها اللوح أو مجموع القرآن؟ هذا سنشرحه في التفسير.
سؤال: أين خُلِق آدم في جنة السماء أو على الأرض؟
نحن اخترنا أنها الجنة التي إختُبِر بها آدم على الأرض.
سؤال: قرأت في كتاب أن موسى u كان أبيض اللون ولكن نعام أن موسى أسود بدليل (أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء)؟
ماذا يهم إن كان موسى u أبيضاً أو أسمر البشرة؟ أما يد موسى أنها تخرج بيضاء فهذه آية وليست لوناً.
سؤال: هل هناك كتب للأحاديث القدسية؟ وهل دخلت الإسرائيليات في الأحاديث القدسية أيضاً؟
الأحداديث القدسية يشوبها الضعف والوضع وتأخذ حكم الأحاديث النبوية من حيث السند لأن فيها الضعيف وفيها الضعيف جداً وفيها الموضوع. هناك كتبا بعنوان صحيح الأحاديث القدسية وكاتبه إسمع عصام ولا أذكر إسمه بالكامل وهو يعتبر من أصح الكتب في مسألة الأحاديث القدسية.
سؤال: هل تفسير الصابوني خالٍ من الإسرائيليات؟
تفسير الصابوني فيه قليل من الإسرائيليات لكنه لا يعتمد عليها.
سؤال: أين هي مؤلفات الدكتور محمد هداية؟
إن شاء الله تعالى ستكون في الأسواق في شهر 9 أو 10 وسنحاول أن يكون مع كل أول إصدار نسخة على الأقل باللغة الإنجليزية للإخوة في أوروبا وأميركا.
سؤال: هل يجوز تفسير القرآن لغوياً؟
سؤال: مشاهدة إتصلت من الأردن تقول أنه عندهم يأخذون ما يسمى ضريبة الدخل من الراتب فهل هذه تعتبر زكاة مال؟ وهل إذا دفعت الزكاة على أقساط شهرية جائز أو أنه يجب أن تدفع دفعة واحدة سنوياً؟
سؤال: من هم يأجوج ومأجوج؟ وهل هم فعلاً قوم موجودون خلف السد وسيظهرون قبل يوم القيامة؟
سؤال: كيف كان خلق حواء؟
سؤال: خلق الله تعالى الإنسان من طين والجن من نار فمم خُلِقت الحيوانات؟
سؤال: هناك بعض الأحاديث التي ينسخ بعضها بعضاً مثل حديث (القاتل والمقتول في النار) وبعده (حديث المبشرون بالجنة ومنهم مقتول) وحديث (لا عدوى ولا طيرة) وحديث (فِرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد). وهناك بعض الأحاديث الضعيفة لكن ثبت صحتها طبياً مثل حديث العرق دسّاس وقد ثبت علمياً أنه فعلاً العرق دساس إلى سابع جيل. فهل يجوز أن نأخذ بهذه الأحاديث الضعيفة؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 10/7/2006م
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

حلقة 23
سؤال: مسألة خلق حواء، مم خُلِقت؟ وكيف ننفي الإسرائيليات التي دُسّت في التفسير لهذا الموضوع؟
موضوع خلق حواء من الأمور التي كشفت - لمن يريد أن يعرف – عيوب الإسرائيليات. عندما نستعرض كُنه الإسرائيليات وخطورتها وماذا فعلت والآثار الجانبية لهافلا نجد أكثر من منطقة خلق حواء. كيف؟ عندما نقرأ القرآن لا نجد ذكراً لحواء أبداً (الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) لم يستعرض خلق حواء كما أفرد لخلق آدم في سبع سور وكل سورة فيها إختلاف وقد قمت بعمل خريطة لهذا الأمر لنبيّن قيمة هذا الكتاب مع أنه لا يحتاج منا لذلك لأن عظمة القرآن واضحة. ليس في القرآن شيء عن حواء وأنا كمسلم المفروض أن أسلّم بهذا الكتاب وسبق أن نبّهنا الناس أنه يجب أن لا نقول: كان المفروض أن يكون كذا ولماذا لم يقل كذا ولماذا قال كذا؟ وهذه الألفاظ تُخرِج عن مناط الإسلام الصحيح. المسلم الحق يأخذ القرآن نبراساً ويأخذه مثالاً والقرآن هو الذي يبقى وليس أنا الذي أحدد ماذا يقول، هذا الكلام غير منضبط.
ماذا فعلت الإسرائيليات؟ إذا وجدوا أنك تشتكي من شيء معين فهم يأخذوك ويصطادوك ويتلقفون من يريد سماع قصة، حكاية لذا نحن لفتنا سابقاً أن كلمة (قصص القرآن) يجب أن تؤخذ على أنها كلمة واحدة. لكن الإسرائيليات يعملون من القصة حكاية والظروف خدمتهم في أن هنالك حديث للرسول r يقول فيه جملة - سأذكرها لاحقاً – لو كنت محققاً أو متدبراً أو واعياً يجب أن أعرف لماذا قال الرسول r هذا الحديث وما هو سببه وما هي مناسبته؟ هل كان يتكلم عن خلق آدم وحواء؟ أو كان يستعرض خلق آدم وحواء؟ يجب أن نعرف مناسبة الحديث وسببه ولماذا قاله r؟ في الوقت الذي يسألنا أحدهم: ما سبب نزول هذه الآية لأنه يتصور أن كل آية لها سبب نزول وإن كان للآية سبب فالعبرة تظل بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لأن السبب انقضى. نضرب مثلاً على ذلك قصة المجادِلة خولة بنت ثعلبة التي جاءت تشتكي زوجها أوس بن الصامت لرسول الله r، الحادثة إنتهت لكن بقي التشريع، إنتهت الواقعة لكن الآية بقيت وبقي التشريع فحتى لو كان للقصة سبب عندما أتكلم في الظهار الآن فليس لي علاقة بالقصة نفسها والفقيه الواعي يقول: قبل الإسلام كان الظهار يحرّم تحريماً مؤبداً وبالإسلام وليس بخولة صار للظهار مخرجاً فالذي يبقى إذن عموم اللفظ لا خصوص السبب وهذه قاعدة.
مناسبة حديث رسول الله r أن الرسول r يشجع الرجال على حُسن معاملة النساء ويضرب لهم مثلاً بطبيعة المرأة لا بخلقها فيقول r: " استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" أول الحديث يقول استوصوا بالنساء خيراً، إذن الرسول r يعلم أن طبيعة المرأة تجعل الرجل قد يسيء معاملتها لأنه لا يفهم حقيقة الأمر: فالذي قد لا يعجبني في المرأة في الواقع هو طبيعة المرأة، هو الميزة، لو تدبرنا الأمر، فيقول لنا الرسول r إستوصوا بالنساء خيراً فإن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل مع أنهما من جنس واحد وهذه الطبيعة التي لا تعجبك في المرأة هي الميزة وهي قمة الإستقامة. الحديث ليس له علاقة بالخِلقة إنما النقطة التي تكلم فيها الحديث هي التي تكلمت فيها آيات سورة الطلاق، المضمون العام (عسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) أنت كرهته لأسباب وليس فجأة لكن هذه الأسباب شاء الله لو أنت صبرت سيجعل الله تعالى فيه خيراً كثيراً. آيات الطلاق فيها توصيفات بديعة وفيها مضامين ليس لها علاقة بالطلاق ولكنها تبشر الصابر (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) ما علاقة هذه الآية بالطلاق؟ لكن إذا تدبرتها تجد أن الرجل المستعجل بالطلاق لو صبر يجعل الله تعالى له مخرجاً. إذن مضمون سورة الطلاق هو مضمون حديث الرسول r. إذا ذهب رجل ليطلق امرأته يقول له الحديث إنتبه أنت لم تفهم، إستوصي بالنساء خيراً المرأة خلِقت من ضلع. الإسرائيليات دخلت هنا وأخذت هذه الجملة فقط وقالت أن آدم كان نائماً ثم أُخِذ منه ضلع خلقت منه حواء، من أين جاءوا بهذا الكلام؟ كلمة ضلع أصلها بعيد عن ضلع العظم الذي في جنب الإنسان. العرب قبل القرآن كانوا يسمون المنحني من الأرض ضلعاً هذا قبل القرآن وقبل محمد r وقبل الحديث. ولما نفهم نحن هذا الأمر ما سُمّيَ هذا الجزء من الجسد ضلعاً إلا لأنه أعوج، كلمة ضلع هي الميزة التي في العظمو غاية إستقامة الأعوج أنه أعوج حتى يقوم بمهمته ولولا اعوجاجه لسقط القلب في الحشى وهذا تدبير إلهي. لذا قال تعالى (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) نفخ الروح هو آخر مرحلة في الخلق بعد تمام التسوية. سوّى واستوى لا تطلق إلا على الشيء المنضبط الناضج المكتمل في مهامه. الرسول r الأميّ لما نزل عليه الوحي قال له الملك: إقرأ، قال: ما أقرأ أو ما أنا بقارئ فقال الملك إقرأ باسم ربك الذي خلق فقرأ r. نقف عند هذا اللفظ ونعيه: الأمية هي التي عملت (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) فإن صح التعبير محمد r تدرّب على وحي السماء وتعلّم على وحي السماء فأصبحت مفردات كلماته عالية لغوية بليغة فقال : فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه. هذه تذكرنا بواقعة عيسى وآدم عليهما السلام (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم) ثم تكلم عن آدم خلقه من تراب. لغة الرسول r مستقاة من الوحي وتأثير الوحي جعل الرسول r يتكلم بلغة القرآن.
القرآن كلام الله تعالى وقال سبحانه (خلِق الإنسان من عجل) فهل هناك مادة إسمها عجل خلق منها الإنسان؟ حتى لو لم أعرف المجاز والكناية والاستعارة، وفي آية أخرى (الله الذي خلقكم من ضعف) نحن لما سمعنا أنا خلقنا من تراب ذهب ذهننا إلى التراب الذي نعرفه لكن لما نسمع من ضعف فهل هناك مادة إسمها ضعف؟ أو عجل؟ هذه الكلمات كناية أو مجاز أو غيرها. لكن نفهم من (خلق الإنسان من عجل) أنها كناية عن أن الإنسان بطبيعته يحب العجلة فكأنه مخلوق من مادة يوصَف بها. وكذلك كلمة من ضعف وكذلك كلمة من ضلع. من ضعف تساوي في الأداء من عجل تساوي عند الرسول r من ضلع.
سؤال: لو ربطنا الآية (خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) وحديث المصطفى r هل خلقت حواء في المراحل الأولى لخلق آدم أن بعدما خلق الله تعالى آدم وسواه ونفخ فيه من روحه بالهيئة التي وصفها لنا الرسول r؟
الشاهد في السؤال القرآن. الآية في مطلع سورة النساء الله تعالى خلقنا من نفس واحدة وخلق منها زوجها، سأسأل سؤالاً عن الآية في مطلع سورة النساء (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)) من نفس واحدة (آدم) النفس الواحدة خلق منها آدم بإتفاق العلماء وخُلِق منها حواء فهي لم تخلق من آدم وإنما من النفس. للأسف لا أحد ينتبه للتعبير الأدائي فنحن تصورنا أن الله تعالى خلق آدم من نفس ثم خلق حواء من آدم وهذا خطأ. في سورة الأعراف قال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)) وكأني بالله تبارك وتعالى يقول للعالمين إفهموا أنه ساعة ما أراد خلق آدم كأنه خلقكم أنتم وساعة ما صوّر آدم كأنه صوّركم أنتم لأنكم أنتم قد تحتاجون لأدوات إذا أردتم أن تفعلوا شيئاً وتحتاجون لزمن لهذا الفعل أما الله تعالى بنصّ القرآن الكريم (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)، فساعة ما يقول أنا سأخلق آدم ليعمل ذرية تكون الذرية قد عملت وانتهى الأمر. الآية صحيحة إلى يوم القيامة (خلقناكم من عهد آدم وخلق منها أي من نفس النفس التي خلق منها آدم خلق زوجها. آدم ليس هو النفس وإنما هو جاء منها وكما خُلِق آدم خُلِقت حواء لأن الله تبارك وتعالى يقول توقيعاً لهذه النقطة (ومن كل شيء خلقنا زوجين) يعني كلمة شيء إذا كانت موجودة في أي وقت أو زمان أو أي شيء يجب أن يكون فيه زوجان ذكر وأنثى لأن الخلق مثنى. حواء خلقت فوراً مع خلق آدم بدليل (ومن كل شيء خلقنا زوجين).
سؤال: إذا قلنا أن هنالك شيء إسمه نفس خُلِق منها آدم كيف نربط بين هذه النفس المعنوية وبين مراحل خلق الإنسان (تراب، طين، حمأ، صلصال)؟
أنت قلت مراحل خلق الإنسان والإنسان هو ذكر وأنثى لذا ليس فيها خلاف.
سؤال: عندما صدر الأمر بالسجود قال تعالى (اسجدوا لآدم) ثم قال (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعول له ساجدين) ولم يرد ذكر لحواء مطلقاً إلا ساعة دخول الجنة (اسكن أنت وزوجك الجنة) فلماذا؟
لا داعي لذكرها في الخلق لأنها من نفس خلق آدم. ساعة سجدت الملائكة لآدم هل كان السجود له أم للجنس؟ السجود كان للجنس إذن حواء كانت موجودة. السجود لآدم لم يكن سجوداً له ولكن سجوداً للجنس البشري ولذا قال تعالى على لسان إبليس (لأحتنكن ذريته) فهو مصمم على الذرية. لما يأتي أحد ويقول إنه يريد أن يُسلم ويشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله فأنت تقول على هذا الرجل أنه أتي ليُسلم أو يُعلِن إسلامه أو يُشهر إسلامه وهذا ما يقوله العلماء والدعاة وهذا خطأ لأن هذا الرجل إنما جاء ليجدد إسلامه لأنه هو بالفطرة مسلم بدليل الآية (وإذ أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى).
سؤال: وجود البشرية في عالم الذر هل كانوا موجودين قبل خلق آدم أو بعد خلقه أو في علم الله؟
من الآية نستدل أن آدم موجود تقديراً لأنه (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون). ونحن نقول أن هناك ضوابط لفهم القرآن. لو سمعنا كلمة (ظهورهم) في الآية وسألنا أيهما أجمل: ظهورهم أو أصلابهم؟ قد يقال من أصلابهم لكن القرآن الكريم إستعمل كلمة ظهورهم لأنك لن تكون أبداً قبل أبيك فكلمة ظهر لها مدلول. صحيح كلمة أصلابهم منطقية جداً لكن لن تعطي مفهوم الظهر أو الخليفة أو السلالة. فالظهر يعني خلف، خليفة لذا لما قال (إني جاعل في الأرض خليفة) لم يكن يقصد آدم وإنما الذرية، خليفة يخلف بعضهم بعضاً ولذا الشيخ عبد الجليل عيسى ترك خلافات العلماء وقال أن خليفة تعني على رأس ذرية يخلف بعضها بعضاً. والعجيب أن أحدهم أرسل لنا وقال أن إبن كثير قال خليفة الله مع أنه لم يقلها أبداً. لما شرحها قال على رأس ذرية واستشهد بآية (جعلناكم خلائف الأرض). هناك آيات لم نفهمها وضربنا مثالاً على ذلك بالذي يقول أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله نقول أنه أشهر إسلامه أو أعلن إسلامه ولكنه لا يعلن إسلامه لأنه في الحقيقة جاء ليجدد إيمانه لأنه مولود على الفطرة. الرجل الذي لم يفعل هذا نقول عنه كفر، بماذا كفر؟ كفر بالذي قاله قبلاً (ألست بربكم قالوا بلى) فلما أشرك أو نافق أو كفر نوصّفه على الذي مضى. وفي الحديث الشريف: "كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجسانه" لم يقل في الحديث يسلمانه لأنه هو مولود مسلم، فلما نصّروه أخرجوه من إسلامه ولما مجسوه أخرجوه من إسلامه ولما هوّدوه أخرجوه من إسلامه ولذا هناك مسألة متوقعة لا تحصل وهي: المفروض أن يقول آدم لآولاده جددوا العهد ويجب أن يفعل الجميع ذلك (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) البقرة) مسلمون على ما ولدتم عليه ولهذا يوقع الرسول r (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة) أي الإسلام.
الفطرة في الإسلام (أشهد أن لا إله إلا الله) ثم في أي عصر يأتي الشخص يأتي الشطر الثاني للشهادة، نوح رسول الله، إبراهيم رسول الله، موسى رسول الله، عيسى رسول الله، محمد r رسول الله. ولهذا نجد في نهاية حديث رسول الله r "وإن تركاه ظلّ على الفطرة) والفطرة هي الأساس الإسلام ولذلك (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) لأنهم عملوا شيئاً بأيديهم (يمجسوا، يهودوا، ينصروا) غيّروا الفطرة.
سؤال: ساعة خلق آدم خلق على الفطرة، حواء خلقت ورأت هذا المشهد وسمعت حوار إبليس؟
حواء كانت موجودة ولا نقول أن هناك آية تقول هذا الكلام لكن الدليل في القرينة (قلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) والدليل من القرينة (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) ومن قوله (ومن كل شيء خلقنا زوجين). حواء خُلِقت بنفس الكيفية التي خلق منها آدم. آدم يمثل الجنس البشري فعندما يقول تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) آدم يمثل الجنس البشري. آدم شيء والله تعالى يقول (ومن كل شيء خلقنا زوجين).
آية تبين موضوع (من نفس) عندما قال تبارك وتعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) فهل تعني أنه أخذ قطعة منهم خلق منها محمداً r؟ كلا وإنما هو توقيع مجازي يدل على أنه من طبيعتهم، من جنسهم، من أنفسهم، من نفس الخلقة، بشر مثلكم لأنكم لستم ملائكة ولو كنتم ملائكة لأنزل عليكم ملكاً رسولاً. كلمة رسالة تعني مرسِل وهو الله تبارك وتعالى ومرسَل وهو محمد r ومرسَل إليه وهم البشر.
سؤال: الله تعالى أطلق على آدم إسم آدم فمن أين جئنا بإسم حواء؟
من رسول الله r وهذه نقطة مهمة للقرآنيين الذي يقولون القرآن فقط. نحن دائماً نتكلم من القرآن والسُنّة. هذا يبين عظمة ما جاء به رسول الله r حديثاً لا قرآناً. كلام الرسول r إما وحي (قرآن) أو حديث. يقول r قرآناً وحياً عن الله تبارك وتعالى ويقول حديثاً قدسياً عن الله تعالى بأسلوبه ويقول كلاماً هو بإفعل ولا تفعل كرسول وهذا حديث ويتكلم كلام البشر في حياتهم اليومية مثل ماذا عندكم من طعام وما شابه. فالقرآن الكريم اللفظ والمعنى من لدن الله تبارك وتعالى والحديث القدسي المعنى من عند الله تعالى واللفظ من عند الروسل r والحديث اللفظ والمعنى من عند رسول الله r. هذه مصادرنا ولا نقول نأخذ من القرآن فقط. نقول لهؤلاء القرآنيين ماذا كان إسم زوج آدم من القرآن؟ يقولون القرآن صمت عنها فلا نتكلم فيها. أنا كمسلم تديني قائم على القرآن والسُنّة الصحيحة فما عند رسول الله r آخذه وآخذ منه الصحيح والرسول r قال في الحديث الصحيح " لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها". 3152 صحيح البخاري.
آدم جاء في القرآن والسُنّة وحواء جاءت في السُنّة. القول الفصل في خلق حواء أنها خلقت من نفس ما خلق منه آدم، من طبيعة ما خلق منه آدم.
بالمناسبة هناك شخص أرسل إلينا يقول أنكم أخطأتم في مراحل الخلق: تراب، ماء، طين، حمأ مسنون، صلصال، صلصال كالفخار قال إنها خطأ وإنما كان يجب أن نقول صلصال فقط. لكن نقول لهذا الأخ أن الصلصال من حمأ مسنون هو مرحلة غير مرحلة الصلصال كالفخار وهذا نراه عملياً عند من يقوم بعمل التماثيل فهو يترك الصلصال من حمأ مسنون حتى يجف في الهواء فيصبح كالفخار وذكرنا سابقاً أننا عرفنا مراحل الخلق من مراحل الموت لأن سهم الحياة هو عكس سهم الموت فساعة خروج الروح من الإنسان يتيبس فنكفنه وندفنه في الأرض فيتحلل إلى تراب.. ساعة ما قال عن آدم (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي) يقصد آدم بوصفه ممثلاً للجنس البشري ومعه حواء ولذا في سورة الأعراف (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) على رأسكم آدم تسجد له الملائكة.
إذن حواء خلقت إما مع آدم جنباً إلى جنب أو بعد إتمام خلق آدم وعلى أي حال فهي خلقت بنفس الكيفية ولا داعي لتكرار طريقة خلقها في القرآن. الإنسان لما خُلٌِ خلق والكون مستعد له وجاهز لاستقبال الجنس البشري (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)) ثم جاء قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) وفي الأعراف قال (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ).
سؤال: الشغل الشاغل للمشاهدين كيفية الإستفادة الحقيقية من القصص القرآني؟ ومسألة الإسرائيليات في قصص القرآن كما وردت في كتب التفسير والسيَر التي وصلت إلينا يقولون طالما أنها لا تمس أمراً من أمور العقيدة فلا بأس بها فلماذا تصرون على نزعها؟
هي أول ما تمس العقيدة وشغل الإسرائيليات كله في العقيدة يضربها ضرباً في الصميم. هي جاءت ليس في القصص القرآني فقط وإنما في التفاسير كلها. القرآن يعلمنا أن نأخذ من الله تبارك وتعالى أما ما دون الله تعالى لا نقترب منه لا بالحسنى ولا بالسيئة ولذلك في مطلع سورة الأعراف كأني بالله تبارك وتعالى ينقذني أنا وكل من يدافع عن هذه القضية. (المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)) الحروف المقطعة هذه مسألة فيها كلام كثير. الآية تخاطب الرسول r (فلا يكن في صدرك حرج منه) يجب أن ننتبه للتوقيع الذي بعده (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) من دونه أي من دون الله. لو تأملنا الآيتين: القرآن يقول ألمص كتاب أنزل إليك يقصد القرآن وكلمة أُنزِل تعطي معنى العلو والنزول من علو إلى سِفل وكلمة دونه تدل على الأسفل وعلى الجونية. فالذي ينزل هو الذي يؤخذ والذي من دونه لا يؤخذ كأن الله تبارك وتعالى يحذرنا من الإسرائيليات أولاً.
مفاسد بعض المتكلفين في التفسير هناك خطورة من الإسرائيليات وهناك خطورة ممن يريد تشويه التفسير ولهؤلاء نقول تدبروا ولا تتكلفوا. بعض هؤلاء قال لي هذه الآية هل يمكن أن يكون في صدر الرسول حرج من هذا القرآن؟ وقال أن النهي في الآية هم للحرج أن لا يدخل صدر الرسول وهذا تكلّف وهذا كلام نسمعه للأسف فهو قالوا أن النهي ليس للرسول r وإنما للحرج أن لا يدخل صدر رسول الله r. نقول لهم لو سلّمنا أن النهي للحرج فهل الحرج شيء مادي يؤمر ويُنهى؟ كلا. إذن الكلام غير منطقي ولو كان الحرد مادياً لكان الأمر يكون للحرج بعيداً عنا لأن الحرج غير مكلّف بالقرآن بينما نحن والجن مكلفون. الحرد غير مكلف ولو كان الأمر حقيقياً لكان الأمر خاصاً بالحرج. العلماء قالوا : فلا يكن في صدرك يا محمد ببشريتك العادية حرج كما حدث للأنبياء والمرسلين فما من نبي إلا وقيل عنه ساحر أو مجنون أو شاعر أو كذاب فهيئ نفسك لهذا لأن مهمتك في القرآن ستنذر به زهو ذكرى للمؤمنين. فالله تبارك وتعالى يعمل له صيانة إحتمال مما سيسمعه وهم فعلاً قالوا عنه ساحر وشاعر ومجنون فهذا إبداع القرآن (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) ليؤكد أنه فعلاً الرسول استوعب الأمر ونفّذه. ولذا قال تعالى (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) هذه تبين أن الأولى حصلت وأن الرسول r أوصل الرسالة بدليل كلمة (إتبعوا) وهذا توقيع لما أمر الله تعالى به في الآية السابقة (إتبعوا) جاءت من فم رسول الله r ومن الآية. وكان r ينقل الوحي كما أُنزل إليه بدليل (قل) في آيات القرآن مع أن فعل الأمر لما تقول لرسول من عندك قل لفلان كذا سيقول له كذا بدون قل لكن في القرآن الكريم سطّر (قل) لأنه كتاب أنزل إلى الرسول r فهو ينقله كما أنزل إليه بما في ذلك فعل الأمر (قل) للرسول r ولكن هذا وحي لا يمكن أن أحذف أو أضيف لذلك (إتبعوا ما أنزل إليكم) ولم يقل آيات وإنما قال أولياء لأن التدخل من غير المسلمين المؤمنين سيكون لتشويه القرآن حتى يشوه عقيدتك كمسلم فيعمل فيها مسائل وفِرَق فيقولون فلان على رأس فريق كذا وعلى رأس مذهب كذا ولذا قال تعالى (من دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون) وهذه حقيقة مثل (قليلاً ما تشكرون).
سؤال: مسألة خلق حواء من ضلع أو نفس قد يقول قائل ما المانع أن تكون خلقت من ضلع آدم وما المشكلة في هذا؟
حواء خلقت مما خُلٌِ منه آدم. ولو سلّمنا أنها من ضلع آدم، من ضعف، من عجل عليهم أن يفهموا أساليب العربية لذا قال تعالى (إنا أنزلناه قرآناً عربياً) اللغة العربية شأنها كبير جداً ولغة القرآن الكريم أكبر. اللغة العربية تختلف عن باقي اللغات فالقواعد في اللغات الأخرى يمكن أن يدرسها الإنسان في شهر أو سنة أو أكثر لكن اللغة العربية فليس لدراستها مدة محددة فقد نموت ولا ننتهي من دراسة اللغة العربية وقواعدها كلها. واللغة العربية مسألة ولغة القرآن مسألة أخرى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 17/7/2006
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

الحلقة 24:
سؤال: لماذا تتكرر القصة الواحدة على مدار بعض السور في آيات مختلفة وبمفردات مختلفة مع أن القصة واحدة فما فائدة التكرار؟
التكرار يعتبر من باب إما إعطاء ملمح جديد وإما لإعطاء نقطة في إستكمال الصورة: الصورة الكلية لخلق آدم، الصورة الكلية لأمر الله تعالى لإبليس بالسجود لآدم، الصورة الكلية لرفض إبليس السجود لآدم، ما هي ملامحها؟ ملامح الخلق تكتمل في الصورة الكلية. الصورة الكاملة سبعة ملامح كل ملمح يعطي صورة مستقلة لكنها هي جزء في الصورة الكلية. هي قصة واحدة لكن ملامحها سبعة وكل ملمح يمكن أن يعطيك صورة كاملة لو أردت أن تأخذها لوحدها وتستغني عن الباقي لا بأس وهذا عظمة الأداء القرآني لكن في الحقيقة يجب أن نأخذ الملامح السبعة. نحن سنأخذ السور السبع ثم نستعرض الملامح العامة واليوم سنضرب مثالاً على ذلك قضية أمر إبليس بالسجود ورفضه في السور السبع التي وردت فيها قصة آدم u حتى يكون واضحاً للمشاهدين. هذا مثال واحد، عندنا قصة آدم كعنوان ثم هناك إستعداد الكون لآدم، خلق حواء، الأمر بالسكن في الجنة، الأمر بالسجود، وسوسة إبليس، وغيرها خطوط عامة كلها ملامح كثيرة وكل ملمح من هذه يمكنه لوحده أن يعطيك القصة. في كل سورة سنجد ملمحاً جديداً ليس في السور الأخرى. الأداء القرآني بديع في أن الملامح السبع في هذه الواقعة التي سنعرض لها كل ملمح منها مبني على الذي قبله. عندنا قصة خلق آدم وردت في سورة البقرة، الأعراف، الحجر، الكهف، الإسراء،طه و سورة ص نجد كل سورة مبنية على التي قبلها مع أن وقت النزول كان ترتيب السور مختلفاً. ترتيب النزول كان له غاية وترتيب الجمع الذي بين أيدينا له غاية. وما دامت تغيرت المفردات في القصة إذن يكون هناك معنى جديد. بعض الناس تقول أن القرآن والكتاب بمعنى واحد فنسألهم من حيث ماذا؟ يجب أن لا نغفل بعض الأمور، البعض يقول جاء في كتاب الله كذا وجاء في القرآن كذا وهو يعتقد أنهما بنفس المعنى لكن نقول له إختلاف المبنى يدل على إختلاف المعنى. أحدهم سألني مرة في إحدى المحاضرات: لماذا تتعب نفسك وأنا أرى أن الكتاب هو القرآن؟ قلت له: تعال إلى قول الله تبارك وتعالى (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون) وقوله تعالى (كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً) فلو فتحنا القلب يكون للقرآن توقيع وللكتاب توقيع والحمد لله على هذه الآيات التي تؤكد كلامنا. فسكت الأخ السائل عندما واجهته بهذه الآيات.
هناك توقيعات كثيرة في كتاب الله تختلف في قوله تعالى (شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس) لم يقل الكتاب وإنما القرآن وهدى للناس هذه الآية في سورة البقرة وفي مطلع القرآن (ذلك الكتاب لا ريب فيه) وبعد ذلك قال تعالى (هدى للمتقين) فهو هدى للمتقين فقط. لما كان القرآن قرآناً كان هدى للناس فلما أصبح القرآن كتاباً اقتصرت هدايته على المتقين. القرآن يهدي الناس لأن الرسول r حيٌّ ويهدي الناس لكن لما مات r صار الكتاب هذا من أراد هدايته يتجه لمحطة التقوى يكون من المتقين. فالذي بين أيدينا كتاب والقرآن منه والقرآن جزء الكتاب. سورة البقرة قرآن وردت في الكتاب وهي جزء من الكتاب. الكتاب هو القرآن كله (ذلك الكتاب) يكون كله ونحن نسمّيه الآن المصحف. هناك توقيع آخر (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) نفهم أنه هناك نزولان: واحدة بالهمزة (أنزل) والأخرى بدون همزة (نزل). أنزلناه: الله سبحانه وتعالى هو الفاعل. الكتاب نزل إلى السماء الدنيا مجملاً جملة واحدة وتنزل من السماء الدنيا قرآناً مفصلاً منجماً وفق الأحداث.الأولى أنزل ولذلك (إنا أنزلناه في ليلة القدر) الكلام على الكتاب كله.
سؤال: الأقرب للتصور الذهني أنه طالما أن القرآن نزل منجماً بحسب الأحداث كان من الممكن أن تعالج بعض السور قصة خلق آدم كما نزلت يعني سورة البقرة لم تكن الأولى في النزول وبالتالي لم تكن الأولى في استعراض قصة آدم لكنها الأولى في الكتاب فما الحكمة في هذا؟
البقرة ترتيبها في النزول 87 وهي رقم 2 في الكتاب. أول سورة نزل فيها قصة آدم هي سورة ص. لماذا سورة ص رقم 7 في قصة آدم مع أنها الأولى في النزول؟ الذي أنزلها هو الله سبحانه وتعالى وعلمه سابق. إذا نظرنا إلى سورة ص نجد فيها مع سورة طه التي قبلها ختام الملامح يعطوك مع بعضهما ما جاء في سورة البقرة. هذا جدول بالسور يظهر حصر لما فعله إبليس في سبعة ملامح:

إسم السورة
الآية
البقرة
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
الأعراف
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ
الحجر
إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ
الإسراء
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا
الكهف
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا
طه
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى
ص
إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ
هناك 3 (أبى) إثنان منها مع توصيف (أبى واستكبر) (أبى أن يكون من الساجدين) وواحدة لوحدها في سورة طه (أبى)، (لم يكن من الساجدين) واحدة، (كان من الجن ففسق) واحدة، (إستكبر وكان من الكافرين) واحدة، (أأسجد لمن خلقت طينا) واحدة.
في سورة البقرة قال (أبى واستكبر وكان من الكافرين) وفي طه وص معاً أبى واستكبر وكان من الكافرين: طه فيها أبى لوحدها وص فيها استكبر وكان من الكافرين. لما نجمعهما مع بعض (أبى واستكبر وكان من الكافرين). نعود للبقرة (أبى واستكبر وكان من الكافرين) أبى أي رفض واستكبر هذا سبب رفضه، وكان من الكافرين عِلّتها.
في الأعراف (لم يكن من الساجدين) لأنه استكبر. إذا سألنا لماذا لم يكن من الساجدين؟ يرد عليك حال القرآن لأنه استكبر. والساجدون الذين هم الملائكة لم تستكبر قط ولا تنسى قولهم (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) هؤلاء لما أخطأوا خطأ صغيراً عملوا توبة إنابة مع ملاحظة أنه لما قالوا (أتجعل فيها من يفسد فيها) المولى لم يخطئهم وإنما أيدهم وقال أنه سيفعل أكثر من هذا (إني أعلم ما لا تعلمون) لكنه أمر عند الله تعالى وحكمته عنده تعالى. لما نسأل لماذا لم يكن من الساجدين؟ لأنه استكبر والساجدون الذين هم الملائكة لا يعرفوا الإستكبار بدليل لما أمرهم تعالى بالسجود سجدوا. أما ابليس فلكونه ليس منهم استكبر وكان من الكافرين، لأنه ليس من الملائكة. الأعراف ترشح البقرة وتؤكدها. لماذا لم يكن من الساجدين؟ لأنه استكبر التي في البقرة.
نذهب لسورة الحجر (أبى أن يكون مع الساجدين) لأنه لم يكن من الساجدين التي في الأعراف. هناك فرق بين أن يكون من الساجدين و مع الساجدين .من الساجدين غير مع الساجدين والمنّيّة غير المعيّة، كيف؟ نضرب مثالاً على ذلك من القرآن (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) استعمل (مع) لأنه لما نبحث عن كُنه الصدق نجد الصادق هو الرسول النبي والصادقين في توقيع القرآن هم الأنبياء والمرسلين مطلقة فلا يمكنك أن تكون منهم وإنما تكون معهم. فلا بد أن تكون معهم ولن تكون منهم أبداً. المنّيّة في هذا الأمر ليست لي فلو قال (كونوا من الصادقين) فلن يمكنني أن أفعلها.
مرة قال (إلا إبليس لم يكن من الساجدين) ولم يقل هنا (أبى) لأنها ليست في يده. فلما قال (أبى) قال (أبى أن يكون مع الساجدين) لأن هذه في يده هو. هو لم يكن من الساجدين بسبب أصل خلقته. كينونته جنّ والساجدون ملائكة هو ليس منهم بدليل: (إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) المنيّة ليست بيده لكن المعية كانت فرصة أمامه ولذا قال (أبى أن يكون مع الساجدين) فإباؤه مردود عليه. لو سجد لكان معهم وليس منهم وهو في جميع الأحوال ليس منهم حتى لو سجد كما قال الحسن البصري: لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين. لم يكن من الساجدين هذه ليست بيده لكن جاءت له فرصة أن يكون معهم فلما جاءت الفرصة أبى.
سؤال: هو امتنع عن السجود وكان يرد الحجة على الله تعالى بأن الله أراد له ذلك؟
لو كان الأمر هكذا كان عليه أن يقول: يا رب أنا من الجن وأنت أمرت الملائكة ولكنه بتصرفه أثبت أن الأمر شمله وأنه رفض هذا الأمر. أثبت أن الأمر له ورفض الأمر. (لم يكن من الساجدين ) من حيث الكُنه إستثناؤه ليس على أنه فهم وإنما على شمول الأمر له ولم يكن منهم إطلاقاً فالملائكة خلقت من نور وهو خلق من نار. المنيّة مستحيلة وليست بيده. عظمة الأداء: الآيتان وراء بعض مع أن الحجر فير الأعراف في النزول لكن في الجمع وفي الكتاب الأعراف، الحجر. لم يكن من الساجدين. وهنا أبى أن يكون مع الساجدين، الأولى ليست بيده ولا يُسأل عنها عندما نوقع الآيات أبى أن يكون مع الساجدين لأن طبيعته تختلف عنهم فهم طائعون متواضعون وهو مستكبر غلبته جبلّته وحقده على آدم، كل هذا أخرجه من طاعة مدّعاة. نسأل لماذا شمله الأمر؟ لأنه كان كلما صدر أمر للملائكة يعمله هو فيما عدا الأمر بالسجود؟ في حال تنفيذه لأوامر الله تعالى ما كان يعلم أنه سيكون هناك خلق لآدم وما ورد في الكتب أنه قرأ تحت العرش أنه سيكون هناك خلق هذا كله من الإسرائيليات. الأمور التي كان يطيع فيها لم يدخل فيها الحقد والغِلّ وإنما كان يتقرب إلى الله تعالى وعند النقطة المهمة رفض وقد يكون اغترّ بنفسه وبخِلقته وبعبادته ولذا نوجّه الناس دائماً إلى عدم الكِبر. أنت كبشر أحسن من الملائكة في أنك مخيّر وتطيع أما الملائكة فمجبولة على الطاعة فالبشر الطائع أفضل من الملائكة. في قرارة إبليس أنه لن يسجد لآدم لأنه في نظره خير من آدم ولهذا أول ملمح في سورة البقرة (أبى واستكبر وكان من الكافرين).
سؤال: هل الجن وقتها كان منهم المسلم والكافر؟
كلا لغاية تلك اللحظة لم يكن هناك كفر. (كان من الكافرين) الكينونة بما هو كائن ليس بما كان. كائن عند إبليس في الوضع العام وهو سيسُنّ صفة الكفر وسيبدأ الكفر بعد تلك اللحظة. لذا من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها. فالذي يفعل حسنة في الإسلام يأخذ أجرها وأجر من عمل بها (كالذي يبني مسجداً يكون صدقة جارية له) والذي يعمل سنة سيئة يأخذ وزرها ووزر من عمل بها (كالذي يبني سينما مثلاً تكون له سيئة جارية).
رفض إبليس السجود في الحجر (أبى أن يكون مع الساجدين) لماذا؟ لأنه لم يكن منهم، طبيعته غلبته مع أن الفرصة جاءته. سبق أن ضربنا مثالاً في حلقة سابقة عن تلميذ متخلف تعليمياً وضعناه في فصل للمتقدمين وأعطيتهم أمراً فلو نفّذ المتخلف يكون معهم، فإذا قلت له لماذا لم تجب على السؤال؟ فقال: أنا متخلف تقول له إرجع إلى فصلك وانتهى الأمر لكن إذا قال لك هل هذا سؤال يُسأل هذا كلام فارغ فيكون قد جاءته الفرصة ولم يعقلها. إبليس كان مخيّراً ولو كان مسيّراً لكان ملكاً لأن الملائكة مسيّرة. إجابته على هذا السؤال (ما منعك أن تسجد) أبى أن يكون مع الساجدين لأنه لم يكن من الساجدين هو يدّعي الطاعة فيما سبق إلا الأمر بالسجود والله تعالى يعلم خائنة الأعين وهو اللطيف الخبير توصيفان في غاية الروعة.
البقرة (أبى واستكبر)، الأعراف (إلا إبليس لم يكن من الساجدين)، الحجر (إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين).
في الإسراء قال (أأسجد لمن خلقت طينا) هذا ردّه على قول الحق تعالى (ما منعك أن تسجد).
ما هي أأسجد؟ هذا إستفهام إنكاري، إستفهام بإنكار كأن يقول هل هذا معقول أن أسجد أنا الذي من نار أسجد للمخلوق من طين؟ كأن هو الذي يعمل توصيف في دماغه هو ويضع قواعد أن النار أعلى وأفضل من الطين. وقال قبلها في الأعراف (خلقتني من نار وخلقته من طين) هذا تعليق عليها. كلمة (أأسجد لمن خلقت طيناً) نتيجة ماذا؟ توقيعها أنه استكبر. أأسجد لمن خلقت طينا ذلك أنه استكبر فردّ الأمر على الآمر سبحانه وتعالى وبهذا القول أثبت أن الأمر شمله وأثبت أنه رافض للأمر فقوله (أأسجد لمن خلقت طينا) هو الذي منعه أن يكون مع الساجدين. الاستكبار الذي في البقرة والكُنه الذي في الأعراف هو الذي منعه أن يسجد ويجعله يسأل هذا السؤال.
في الكهف (إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) هذا توقيع حقائق الإباء والاستكبار والتعالي فلأنه كان من الجن فسق كانت قالته توقيعاً لهذه الحقائق (أأسجد لمن خلقت طينا).
في طه، نجد عجباً (أبى) فقط. قبلها: أبى واستكبر، أبى أن يكون مع الساجدين. إثنان أبى وصّفوا وهذه أبى وحدها. ننتبه ماذا قال المولى بعدها؟ (قلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك) كأننا بالله تبارك وتعالى يقول: كان الإباء لوحده يكفيك يا آدم أن لا تسمع كلامه، لا استكباره ولا وسوسته. بدليل قلنا يا آدم لم تأت إلا بعد (أبى) وحدها. كأن المسلم الواعي لما يحصل له موقف من أحد هذا الموقف كفيل أن تعي فما بالك أن يحذّرك الله رب العالمين أن هذا عدو لك ولزوجك؟. كأننا بالله تبارك وتعالى يقول: لو لم أحذّرك يا آدم كان إباؤه فقط يكفيك ليحذرك منه فما بالك (أبى واستكبر) (لم يكن من الساجدين) وأنا حذّرتك منه. هذه جبلّة آدم ينسى (فنسي ولم يجد له عزما) وهكذا نحن. أحدهم يقول كيف يفعل آدم هذا؟ نقول له نحن نفعلها كل يوم. لا تتوقف القصة عند آدم وإنما تنسحب على ذريته إلى يوم القيامة، وهذا القصص (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن) يعني كل قصة في القرآن وحي من الله تعالى. هذه القصة ساعة ما حصلت حصلت بأمر من الله تعالى وساعة ما نزلت وحياً لمحمد r بأمر من الله تعالى وعملت لننتبه وما زلنا لا ننتبه.
سؤال: ماذا الذي حدث بين إبليس وبين طائفة الجن لاسيما أن هناك حوارات كثيرة في القرآن: (قال قرينه ربنا ما أطغيته) (إذ تبرّأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا)، هل حدث شيء بين إبليس كممثل لطائفة الجن وطائفة الجن أم أن طائفة من الجن اتبعته على كفره وعناده وما ذهب إليه؟
هذا الملمح ليقال أن المخيّر لا يلزِمه أحد. البعض يتصور أنه يمكن أن يقول يوم القيامة كانت لي ظروف. الخطباء يقولون أن عمر بن الخطاب عطّل حدّ السرقة في عام الرمادة ويترك كل ما فعله عمر ويمسك بهذه القضية. هذه نفس تريد أن ترتكن إلى شيء (بلى إن الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) هناك أناس تقول أنا لما سرقت كنت محتاجاً، لكن ليس كل محتاج يسرق وليس كل الناس وافقت عمر على حد السرقة فإذا أنت أعجبك رأي عمر قد لا يعجب غيرك وعمر ليس قرآناً. إختلف معه كثيرون، لكن البعض يكبّرها لأن في نفسه منها أمور. كأنني بالله تبارك وتعالى يقول للناس أن المخيّر لا يجبره أحد بدليل أنك أنت بشر وتقول الجن وسوس لي فما بال الجن الذي خالف إبليس؟ هذا من جنسه ولم يسمع كلامه. الجن كله مخير مثل الإنسان.
المخيّر لا سلطان عليه لأنها ضد مبدأ التخيير. (رب بما أغويتني) هو فعل هذا مرتين: مرة بالتصريح ومرة بالتلميح. أغويتني قالها هكذا وهذا القول منضبط بأصل الخِلقة (فألهمها فجورها وتقواها) وهذه النظرة ما زالت موجودة إلى الآن. هناك إلى الآن مسلمين يقولون (هذا ما وجدنا عليه آباءنا) وهذه كلمة اليهود ويقولون سندخل النار قليلاً ثم نخرج منها ويعتقدون أنها ستكون نزهة في النار أو فندق خمس نجوم! الصحابة كانوا إذا سمعوا اسم النار يغمى عليهم أسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان. وعندما نقول للناس أن هذا خطأ ما تفعلونه يقول لك تعودنا على ذلك وهذه كلمة اليهود (لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة). ولهذا كل القصص القرآني حتى يقول الناس من اليوم سأسمع الكلام لأن مبدأ التخيير لا يمكن أن أقول يوم القيامة أن فلاناً ضغط عليك. البشر يقولون هذا على الجن. والجن من طبيعته وخلقته فلا ينفع أن يعتذر أحد بهذا. فقوله تعالى (ربنا ما أطغيته) كلام مجازي يعني أنا ما غيّرت في طبيعته لكن هو ما إن وسوست له حتى نفّذ ولم أُجبره على الطغيان هذا معناها. هذه مسألة سيحاسب عليها ولذلك رد المولى تعالى قال (لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد).لا تختصما بالمعنى (المثنى في صيغة الجمع). (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) مبدأ الخصام نفسه غير مسموح به أمام رب العالمين. الرجل الذي سيختصم لأنه قدّم إلينا بالوعيد فلا حجة لك بالتخاصم. إبليس قال (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم).
مرة قال (رب بما أغويتني) صريحة ومرة قال (قال رب أنظرني إلى يوم يبعثون) يريد أن يهرب من الموت. لم يقل أنظرني إلى يوم أجلي لأنه يريد أن يعيش طيلة الحياة الدنيا والآخرة إلى يوم البعث يريد أن لا يموت. الرد جاء مرة (إنك من المنظرين) ومرة (إلى يوم الوقت المعلوم) لأنه كخلق له أجل (لكل أجل كتاب). آية ترشح آية، قال (إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) فلا حجة لأحد أن يقول أحد ضغط علي (ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي) . (إلا عبادك منهم المخلَصين) هؤلاء عباد خُلّصوا من يدي فردّ عليه المولى تبارك وتعالى (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) هذا ليس تفضّلاً من إبليس.
سؤال: عبادي طائفة محددة إذن الذين يخرجون من زمرة عباد الرحمن للشيطان عليهم سلطان؟
لكن نسأل هل هو سلطان قهر أو سلطان شهوة إتّباع؟ هو سلطان شهوة إتّباع. لم يشرح أحد للناس سلطان قهر أو سلطان شهوة إتباع؟ هو سلطان شهوة اتباع، ولا يوجد سلطان قهر عند التخيير. (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) هذه يجب أن نضعها عند كل مشعوذ ودجال ونصاب ومن يذهب إليهم ومن يدعون العلاج بالقرآن والذين يخرجون الجن وغيرهم. هل هناك علاج بالقرآن؟ ماذا يحصل إذا وضع أحدهم يده على رأس شخص ممسوس؟ ما هي الآلية التي تحصل؟ إذا كان هناك شخص يعاني من ألم ما يعطيه الطبيب حبة تسكن الألم ولكن لا تزيل الألم وهذا التوصيف الصحيح فهذه الحبة آليتها معروفة، الحبة مثلاً تذهب للمخ وتقول له إنس الألم مع أن الألم موجود.نحن نسأل هؤلاء المشعوذين ما هي الآلية التي تحصل عندما يضع يده على رأس الممسوس ويقرأ؟ إذا كان الذي يقرأ القرآن على الممسوس هو الطبيب فكيف سيخف المريض أو الممسوس وهو لم يفعل شيئاً؟! الذي يقرأ القرآن هو المعالِج وليس المعالَج. وأسأل هل إذا ذهبت مع شخص مريض إلى الطبيب ووصف له علاجاً فهل إذا أخذته الدواء أنا يشفى هذا الشخص؟ بالطبع لا. هؤلاء يتحججون بالآية (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) فنقول لهم أكملوا الآية (وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا) هنا الكلام عن العقيدة وليس في الطب وإلا كان قال لا يزيد الظالمين إلا مرضاً. هؤلاء يحتجون أيضاً بالحديث عن عمر بن الخطاب أنه وضع يده على مريض وقرأ عليه نسأل هل عالج الرسول r بالقرآن؟ لو لم يفعلها رسول الله r لكان قصّر وما قصّر r. ولنوضح جهل هؤلاء نقول كيف يشخّص أحدهم أنه عليه أن يقرأ سورة الكهف للمرض الفلاني والبقرة لمرض آخر وغيرها؟ وقد سبق أن تناقشت مع أحد هؤلاء المعالجين بالقرآن مع الدكتور عبد الله بركات وحاورناه ولم يقتنع فسأله الدكتور هل هي رمية بلا رامي فأجاب نعم هي رمية بلا رامي وهذا دليل أنه لا يفهم شيئاً. نسأل هل يمكن للدكتور أن يكشف على المريض ويعطي نفس الدواء لكل الأمراض ولكل المرضى؟ وحتى نفس المرض لا يمكن أن تعطي مرضاه نفس الدواء بنفس الكمية. لا يمكن. هؤلاء الذين يدّعون العلاج بالقرآن نصّابين والناس عندهم إستعداد للنصب كذلك يفعلون في الإسرائيليات.
إذن لا غواية من الله تعالى حيال إبليس إنما إبليس هو الذي أضلّ نفسه وأبى حتى يبيّن أنه مغلوب على أمره وهذه ضد التخيير بدليل (أبى). والدليل الآخر لما سأله المولى تعالى ما منعك أن تسجد لو كانت إجابته: رب أنت أغويتني أنا لست من الملائكة وإنما قال أأسجد لمن خلقت طينا.
عند سورة طه قال (أبى) فقط والعِلة أن المولى تعالى كأنه يقول لنا: كانت أبى وحدها تكفي لتحذر إبليس.
في سورة ص قال (إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين) لم يقل أبى لأنه استكبر والاثنان يعيدان للبقرة (أبى واستكبر وكان من الكافرين). في السبع سور أخذنا صورة في ص كاملة وكل ملمح كان كفيلاً يا آدم ويا أبناء آدم أن يبعدوكم عن إبليس وتحذروه لذا يجب أن نفهم أن سورة الأعراف قبل أن نتركها وكما أخذنا أولها بالحروف المقطعة مع بدايتها مه نهايتها علينا أن لا نغادرها إلا عندما نسمع فيها أربع نداءات (يا بني آدم) لأنه ليس من فراغ قال (يا بني آدم) كأنه يريد أن يذكركم بما حصل مع آدم (وليس غلطة آدم لأنها غُفرت له في حينها ولا تزر وازرة وزر أخرى) وبما وقع فيه آدم حتى لا تقعوا أنتم في مثله. كل هذا لأن القرآن منهج (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان).
سؤال: الله تعالى قادر على عصمة آدم فلم تركه يعصي؟
هذا مراد الله تعالى ولا معقّب عليه ولا يُسألأ عما يفعل والسؤال في حد ذاته خطأ. ومع هذا كله أنت تعصى آناء الليل والنهار. البعض يحتج بالآية (زُيّن للناس حب الشهوات) من الذي زيّن؟ تزيين كل شخص مختلف. زُيّن بُنيت لما لم يسمّى فاعله. لا نقول الله تعالى زيّن إلينا هذه الأشياء حاشاه وقلنا في قوله تعالى (فألهمها فجورها وتقواها) ألهمها أي بيّن لها الفجور ليجتنب قبل التقوى لتُتّبع.
بُثّت الحلقة بتاريخ 24/7/2006م
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

لحلقة 25
قصة آدم عليه السلام في سورة الأعراف:
النظرة العامة في سورة الأعراف أنها تتناول بعض التوقيعات للقصة. توصيف القصة بدأ في سورة البقرة من حيث الجمع لأن جمع القرآن أنتج هذا الكتاب. سورة البقرة أعطت كل من يقرأ صورة عامة للقصة ككل. في سورة البقرة التوصيف يقول (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)) فالذي يقرأ سورة البقرة يريد أن يصل بسرعة إلى آيات الخلق وقصة آدم فلا ينتبه للآيتين 28 و29 واللتان هما بمثابة تمهيد للقصة. كما في القصص العادية لها تمهيد ومقدمة قبل الإبتداء بالقصة وللأسف هناك من يضع كتاباً كاملاً ثم يكتب مقدمته بعد أن ينتهي منه وهذا نسميه مؤخرة وليست مقدمة لأن المقدمة يجب أن تكون تمهيداً للقصة قبل أن تُكتب وليس بعد الإنتهاء منها حتى يستفيد القارئ. فالآيات في سورة البقرة 28 و29 هما توصيف وتوقيعه في سورة الأعراف (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)).
سؤال: هل كنا مخلوقين ساعة خلق الله تعالى لنا هذه الأشياء في الأرض؟
أنت مخلوق بالتقدير. من ساعة قدّر الله تبارك وتعالى الخلق لأنه لا مفاجآت مع الله تبارك وتعالى. هذه القضية التي لا يفهمها الناس في موضوع (النفس) في آية سورة النساء (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) فحمّلوها ما ليس منها وساروا وراء ظاهر النص القرآني. المولى تبارك وتعالى يقول: آدم ساعة خُلِق خلقنا نحن أيضاً لكن كل واحد سيولد في عصره لكن عند المولى عز وجل الشيء كلّيٌ وليس جزيء. الطفل الذي سيولد يوم القيامة قدّره الله تبارك وتعالى من ساعة خلق آدم لأنه الله تعالى القادر (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) وقلنا أن الضمير (له) يدل على أن الشيء موجود. للأسف وحدة القرآن غابت عن المسلمين (إن الدين عند الله الإسلام) هو ليس ديننا نحن وحدنا وإنما هو الدين من عهد آدم u ومحمد r آخر الأنبياء. اليهودية والنصرانية نعترف بهم نحن كمسلمين حق كديانات وليس أديان كما يستعمل كثيرون هذا اللفظ ويسمون مقارنة الأديان والأولى أن يقال مقارنة الديانات. وحتى نحقق وحدة القرآن الكريم لا يوجد في القرآن الكريم ولا في الحديث الصحيح كلمة أديان مطلقاً. الديانة هي الشريعة وقال تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) لكن كلهم على شرع واحد والشرع لا يُجمع وإنما الشِرعة تجمع. الدين لا يُجمع إنما الديانة تجمع على ديانات. الله تعالى يخاطب أمة محمد r (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) الشورى) لو وضعنا هذه الآية لنفهم معنى (من). من تأتي للتبعيض وهذا الشائع فيها لكنها تأتي أحياناً لبيان التبعيض. لو كانت للتبعيض في الآية لقال تعالى : شرع لكم من الأديان. إذن (من) لو بمفهومنا نحن لكانت جاءت (من الأديان) لكنه تعالى (شرع لكم من الدين) فكأني بالدين وعاء يكتنف كل الأنبياء فهو وحدة. الذي أعطانا إياه وصّى به نوحاً ومحمد وابراهيم وموسى وعيسى، الأنبياء جمعهم الدين وفرّقتهم الديانات. (أن أقيموا الدين) هذا الخطاب للرسل الخمسة ثم يتفرقوا في الديانة كل واحد في عصره.
سؤال: في الآية الكريمة (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) التصور الأقرب أن يأتي ذكر محمد r في الآخر في ترتيب الآية، فما الحكمة من ترتيب أسماء الرسل على النحو الذي جاء في الآية؟
الله تبارك وتعالى يخاطب أمة محمد r ولو قال شرع لكم من الدين الذي أوحينا به لمحمد كان المنطق أحد أمرين: إما أن يبدأ به أو أن يختم به. البدء به إستثناء والمنطق أن يكون الترتيب: نوح، إبراهيم، موسى، عيس، محمد لكن الخطاب لآمة محمد r لو أجريت الإستثاناء ولا يمكن أن تبني قاعدة على إستثناء ولو لم يتكلم عن نوح لم يبيّن أن محمداً r هو في سلسلة الأنبياء والمرسلين وهي كلٌ لا يتجزّأ. لو اختتمت به أنت تخاطب أمته فالمولى عز وجل يعلّمنا القاعدة: يبدأ بنبي رسول يساوي آدم عند أهل المنطق لأن آدم نبي وليس رسولاً والله تعالى يتكلم عن رسالات وليس عن نبوءات (النبوة خاصة مستقلة ليس لها علاقة بالأمة وإنما بالأفراد) النبي له نبوءة من غير كتاب: بالوحي، بالإلهام أما الرسول فله كتاب. كل رسول نبي وليس كل نبي رسول لذا لما قال تعالى (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) قال خاتم النبيين ولم يقل خاتم المرسلين لأنه لو قال خاتم المرسلين لكان هناك إحتمال أن يكون وراءه نبي لكن قوله خاتم النبيين فلا يحتمل أن يكون وراءه لا نبي ولا رسول.
يتكلم عن نوح u فنحن سنأخذ الذي أخذه الرسل الأربعة على يد محمد r لكن نحن نختلف في نقطة وهي أن كل واحد من الأربعة موسى u على سبيل المثال دينه الإسلام وديانته اليهودية وكتابه التوراة ومعجزته تسع آيات. معجزته تعددت واختلفت عن كتابه وعن ديانته وعن دينه. وباقي الرسل الأربعة كذلك إلا محمد r دينه الإسلام وديانته الإسلام ومعجزته وكتابه القرآن فعنده توحّد لا يوجد عند الرسل الأربعة لأنه هذه الديانة التي ستختم لهذا لها مواصفات تختلف عن الآخرين لأن باقي الكتب سيحدث فيها تحريف. هذه حقائق ثابتة سنقر بها يوم القيامة لو لم نقر بها في الدنيا. اليهودية ديانة دينها الإسلام والنصرانية ديانة دينها الإسلام فلما أراد الله تبارك وتعالى أن يختتم الديانات لأهل الأرض إختار إسم الديانة الأخيرة بإسم الشرع : الإسلام. عقيدتنا في حياتنا ومن هنا يجب على المسلم أن لا تنفك معاملاته عن عباداته لذا في هذا الكتاب قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) الصف). عندنا آيات لو فهمناها تظهر هذه النقطة كما في آيات الطلاق وفي الخلافات الزوجية كلمات تخيف الرجل كما في قوله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) لم يقل إن افتريت على زوجتك سيتصدى لك أبوها أو أخوها وإنما يتصدى لك الله تبارك وتعالى.
سؤال: لماذا التمهيد في سورة الأعراف بالآية (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ)؟
لأنك خُلٌِت على التمكين. ما هو التمكين؟ هو أن أسلّم لك المكان كمكين دون أن يستطيع مخلوق أن يزحزحك عنه بمعنى أنه حتى في القانون الوضعي إذا كان هناك نزاع على مكان يصدر قرار تمكين وأهل القانون الوضعي يفعلونه دون أن يشعروا. (ولقد مكناكم) أي أنك لم تأت إلى الأرض طارئاً وإنما ممكناً.
(وجعلنا لكم فيها معايش): هذه مظاهر التمكين ودلالاته. كلمة معايش تعطي توقيعاً غريباً الناس تفعله. هذا اللفظ لا تجده عند الملائكة ولا ينفع أن نقول معيشة الملائكة لأن طبيعتهم تختلف. وسبق أن ذكرنا في حلقة سابقة أن كلمة عيش في بعض البلاد تعني الأرز وفي بلاد أخرى تعني الخبز، لماذا لم نسأل أنفسنا لماذا يسمونه عيش؟ لأن مناط المعيشة عندهم هكذا. المعايش هي مظاهر تمكينك في الأرض وهي كل شيء تبدأ بالأكل والشرب التي تعطيك قوام الحياة. انظر لرجل أضرب عن الطعام بعد أيام تجده نائماً فأول ما تعطيه ماء وسكراً ولحماً يقوم، الروح قوام حياته لكن ليس عنده قوامها وهي المعايش. حتى الحيوان يقال عشش حتى يعيش والإنسان أيضاً أما الملائكة فلا لأن قوام حياتهم ليس كقوام حياتنا نحن.
كلام القرآن على الإنس والجن باختلاف طبيعة الحياة. الجن له تمكين في الأرض يختلف عن تمكين الإنس. القرآن نزل للإثنين في التكليف لكن هذه الآيات في سورة الأعراف تتكلم عن البشر والجن طارئ على الأرض يسكن الأرض كونه طارئ مؤقت وليس مثلنا. الأرض خلقت لنا. الكلام في الآية عن آدم وذرية آدم. الجن له ذرية ويتناسل ولا يوجد تزاوج بين الإنس والجن كما يعتقد البعض من المدجلين.
سؤال: الآية في سورة الأعراف كلها تختص بالكلام عن آدم.فما دلالة الجمع في كلمة معايش؟ ولماذا لم يقل (اسجدوا لكم)؟
قال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) كلها بصيغة الجمع لكن لم يقل (اسجدوا لكم). لو فهمنا العملية صح لقال: اسجدوا لكم بضمير المخاطب لكن حصل إلتفات لأن هذا واقع أن ساعة خلق الله تعالى آدم خلق الكل وصوّر الكل (البشرية كلها) فقدرة الله تعالى مطلقة وكلام القرآن لا يعقّب عليه.
سؤال: لقد خلقناكم ثم صورناكم، ما دلالة التمكين قبل الخلق والتصوير؟
ليقول لك أنت مخلوق على راحة فلا تقلق أنت أتيت ممكناً. والنتيجة أن يكون الشكر كثير لكن (قليلاً ما تشكرون) هذه تجعلنا نبحث : هل الشكر قليل أم الشكر من العدد قليل؟ هل عدد الذين يشكرون قليل؟ أو العدد كثير لكن شكرهم قليل؟ الحالان مؤلمان. البعض قد يقول بسم الله في أول الأكل ثم ينسى أن يحمد الله في آخره فهذا شكر قليل. الرسول r علّمنا أن نشرب على ثلاث دفعات وفي كل مرة نسمي الله تعالى عند البدء ونحمده عند الانتهاء في كل مرة هذا ليدربك على الشكر. ولذا لما تسمع (قليلاً ما تشكرون) عليّ أن أعلّم نفسي كيف أشكر؟ يجب أن نقف عندها. الآية تلفت نظرك إلى ما كان يجب منك.
سؤال: هل الخطاب هنا موجه لأمة محمد r أم لكل البشر؟
عندما نقرأ الآية نجد الإجابة. التمكين كان للكل والتكليف بالشكر طالما هو في القرآن فهو لأمة محمد r. القرآن يتكلم عن الأمم السابقة لكن أي تكليف داخله هو لأمة محمد r فقط وهذا التكليف يجب أن أقبله بمنطق الشاكر لأني مُيّزت على الأمم بالقرآن. كما كلّفنا بالصيام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لازم معنى الآية أن الأمم التي لم يكن فيها محمد r كانت تصوم فلما نصوم نحن فصيامنا يجب أن يكون أعلى. التمكين للبشر كلهم، قليلاً ما تشكرون لأمة محمد r بالتوجيه. الناس قبل القرآن لم تتمتع بهذا الكتاب.
سؤال: الآية التي تليها تتحدث عن العبودية لله تعالى (خلقناكم، مكناكم،...) الأولى أن يقول: اعبدوني ولكننا نجد آيات خلق آدم فكيف نربط بين الآيات؟
الخلق حدث بعد التمكين. لم يخلقك الله تعالى إلا بعد أن مهّد الكون لك كما في سورة الرحمن (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) أحدهم قال أن القرآن خاص بأمة محمد r والآية تقول الرحمن علم القرآن خلق الإنسان فالإنسان مطلقة. لكن هذا الشخص لم يعرف مسألة المجاز ولازم المعنى والمعنى فهناك فرق بين العبادة بالقرآن والتدبر ولكل أجره. القرآن هنا في آية سورة الرحمن مثال المنهج، هذا لازم معناه كأننا بالله تبارك وتعالى يقول: أنا لم أخلق أحداً إلا على منهج ولم أترك عبادي هكذا وإلا فما قيمة الأنبياء والمرسلين؟ دأب البشر أن يكذبوا رسولهم لكن الحقيقة أن الله تعالى قالها حتى نفهمها أنه ما ترك خلقه ولكنهم جاءوا على منهج فإذا كانت كل الأمم تشكر الله تعالى مرة فعلى أمة محمد r أن تشكر الله تبارك وتعالى ألف مرة لأن الرسول أعظم.
قال تعالى مكناكم ثم قال خلقناكم مع أن المنطق أن يكون الخلق قبل التمكين لكن الأجمل أن يكون التمكين قبل الخلق. ومثال على ذلك أنت تحضّر أغراض ولدك الذي ما زال جنيناً في بطن أمه قبل أن يأتي إلى الدنيا.
سؤال: كيف نفهم سياق آيات التمكين والمعايش ونربطها مع الخلق؟
بعض الألفاظ جعلت الناس يعتقدون أن جنة آدم في السماء لكن الله تعالى أخبرنا أن التمكين كان في الأرض ولذا فجنة آدم في الأرض.
سؤال: ما دلالة (لقد) في تأكيد الفعل في (ولقد مكناكم)؟ وهل إذا قال تعالى (مكناكم في الأرض) سيُشكّ في الكلام؟
الله تعالى في صياغته للقرآن يؤكد أن المشكلة عندنا نحن. الإنسان يشهد بالكَبَد على نفسه والله تبارك وتعالى يقول (ولقد خلقنا الإنسان في كبد) والإنسان أصل خِلقته كذلك. بعض الأمور في القرآن الكريم جاءت بالقسم المنفي وهي ما تحتاج إلى قسم (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) وقال بعدها (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) مع أنه نفاه. نحن نشهد بالتمكين لكن للتأكيد.
سؤال: الخلق والتصوير ألا يدل على شيء واحد؟ وهل التصوير أولاً أم الخلق؟
الخلق أولاً بدليل (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) هذا التصوير كيف يتم؟ الجنين في بطن أمه يبدأ بالتشكّل. التصوير لصورة كاملة وليس للوجه وحده فلما يقول تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) لو دخلنا بطن الأم الحامل نجد الخلق يمشي مع التصوير. الخلق هو الإيجاد والتصوير هو تكوين المخلوق (هو الذي يصوركم في الأرحام) الخلق جنباً إلى جنب مع التصوير.
سؤال: عندما تصبح النطفة علقة ثم مضغة، إلخ، هذه مراحل الخلق. فما دلالة ثم في قوله تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)؟
ثم في اللغة تفيد الترتيب والتراخي لأن الآية تتكلم عن آدم، عنكم كمخلوقين من شاعة خلق آدم لكن حتى يتم الخلق على أنه ممثل للجنس البشري سيتم من تراب ثم من طين ثم من حمأ ثم من صلصال، إلخ، ونحن من علقة ثم من مضغة، إلخ. نحن مكناكم جميعاً لما مكّنّا آدم لكن ساعة خلق آدم كان خلق لكم وساعة تصوير آدم كان تصويراً لكم لكن خلق آدم كان بطريقة يكون فيها تراخي ليحدث تزاوج.
(ثم جعلناه نطفة) جعلناه من آدم لكم سيكون هناك فترة على أن تحمل حواء. لكن لما قال تعالى (آدم) المقصود آدم وحواء لأن آدم لا يعطي خلقاً وبشراً لوحده (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) نحن لم نأت من نفس واحدة وإنما من آدم وحواء فكل ذكر لآدم المقصود به آدم وحواء والبشرية كلها كانت في تقدير الله تبارك وتعالى.
القدر هو ما قدّره الله تبارك وتعالى في علمه والقضاء هو تحقيق القدر.
سؤال: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا) ما دلالة أستعمال الفاء في (فسجدوا)؟
ثم فيها تراخي فترة زمنية بين خلق آدم والجنس البشري كله، هل هذا الوقت معلوم؟ لا هذا الوقت غير معلوم وما سكت عنه القرآن نسكت عنه.
(فسجدوا) لم يقل ثم سجدوا لأن الملائكة دأبهم الطاعة فهم نفّذوا الأمر بسرعة أما إبليس فلم ينفّذ (إلا إبليس لم يكن من الساجدين).
في معظم آي القرآن الكريم يستثنى إبليس دائماً لأنه ليس من الملائكة أصلاً. هو اسمه إبليس وما يشاع في الإسرائيليات عن أسماء عزرائيل وعزازيل عن ملك الموت فهذا لا أساس له وإنما إسمه عندنا ملك الموت. معنى إبليس: هو إسم أعجمي وهناك قاعدة في القرآن أن الكلمة التي لا تعرف أن تضع لها مقابلاً عربياً عرّبها.
سؤال: لماذا قال تعالى (لم يكن من الساجدين) ولم يقل لم يسجد مثلاً؟
إبليس ليس ملكاً أو طاووس الملائكة كما تذكر الإسرائيليات. لو قال إلا إبليس وحدها سنفهم أنه لم يسجد لكن في الآية (إلا إبليس لم يكن من الساجدين) نفهم أنه لم يسجد ونفهم طبيعته ونفهم سبب امتناعه عن السجود. هو لم يكن من الساجدين لأنه لم يكن من طبيعتهم، من خلقتهم. ساعة صدر الأمر من الله تبارك وتعالى للملائكة بالسجود كان إبليس وحده موجوداً وليس ذريته. والأمر صدر من الله تبارك وتعالى للملائكة على الأرض.
الجنّ كان كله مسلماً إلى هذه اللحظة وما كان هناك كافر لأن الكفر ابتدأ بأول معصية من الشيطان. وهنا يجب أن ننبه الناس أن أول معصية على الإطلاق هي معصية إبليس برفضه السجود آدم وأول معصية من البشر كانت معصية آدم.
سؤال: هل سجود الملائكة لآدم كان سجود عبادة أو طاعة أم ماذا؟
سجود الملائكة لآدم ومعهم إبليس الذي أبى هو طاعة لله تبارك وتعالى وهو ليس إختباراً بقدر ما هو إظهار لكُنه إبليس وما خلقه الله تعالى لأجله. والأمر الثاني علينا أن نفهم أن كل شيء بأمر الله تبارك وتعالى وعلينا أن نشكر الله تبارك وتعالى أن جعلنا مسلمين. نحتاج إلى تدبر هذا السؤال فأولاً هي طاعة لله تعالى وبهذا أقفل الباب أمام من يقولون كلاماً بمنتهى الغرابة ويقولون أن إبليس لم يسجد لأن عنده قاعدة أنه لا سجود إلا لله تبارك وتعالى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 31/7/2006م​
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

لحلقة 26:
حينما يصدر الأمر من الله تبارك وتعالى لابد على المأمور أن ينفذ وحينما يتكلم الخالق لابد على المخلوق أن يرتضع لكلام الله تبارك وتعالى وحينما يأمر البارئ المصور لابد على الذي خلق من قبله أن يرضخ وأن يرتدع وأن ينزجر وحينما يقام حوار بين الخالق وبين المخلوق لابد أن تكون هنالك منطقية تجمع هذا الحوار في بوتقة واحدة ولا يكون هنالك تكبر أو غطرسة أو كبرياء،إبليس سمع الأمر من الله تبارك وتعالى صادر من قبله للملائكة فامتنع عن السجود ترى ما علته ما ذنبه؟ هل كان مجبراً على الامتناع؟ هو مخير أم مسير؟ كان في سابق علم الله سبحانه وتعالى أن إبليس لن يسجد ولن يسجد أم تراه سوف يسجد؟ ولماذا امتنع عن السجود؟ هل الكبر؟ كيف تسرب الكبر إليه؟ هل الكبر مخلوق لله سبحانه وتعالى تسرب إلى نفس إبليس؟ ولماذا هو الوحيد الذي رفض الأمر بالسجود ورد الأمر على الآمر؟بل السؤال الوجيه الذي يطرح نفسه الآن هذا المشهد حدث أمام أبينا آدم وحذر من قبله وحذر من إبليس ومن عداوته من قبل الله سبحانه وتعالى وكانت الطامة الكبرى أن نسي آدم ما أمر به بعدم الأكل من الشجرة بل الطامة الأكبر والأدهى والأمر أن ينسى بنو آدم هذا التحذير وأن يتعاموا عنه لصالح من هذا النسيان؟ هذا ما سوف سنتحدث فيه مع حضراتكم في هذه الحلقة،ونتصور أن هذه الأسئلة تعتمل في ذهن كل شخص وبالتالي كانت تعتمل في ذهن إبليس آنذاك واعتملت في ذهن آدم وهذا ما خلق له أبونا آدم من أن يحذر ذريته من هذا الصراع المرير الذي نشب بينه بين إبليس بدون سابق إنذار وبدون سابق معاملة فإبليس لم يعامل آدم حتى يكرهه أو حتى يحقد إليه فلم تكن هناك أدنى معاملة أو أدنى معاشرة بينهما حتى يتجسد هذا الغضب والحقد والكراهية من لدن إبليس لآدم وذريته. اختتمنا اللقاء المنصرم معكم بعدم الرضوخ لأمر الله سبحانه وتعالى من قبل إبليس للسجود لآدم لأن إبليس ربما يتذرع بأنه لا يسجد لغير الله؟ فكيف نوصف هذا الموقف؟
هنالك أشخاص نصبوا أنفسهم للدفاع عن إبليس وقالوا إن إبليس لم يسجد لآدم لأنه عنده قاعدة أو هو لا يسجد لغير الله تبارك وتعالى وهو بذلك محق رغم أن إبليس لم يقل هذا فهو عندما سئل (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ 12 الأعراف) أو (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ 75 ص) وفي الاثنين (إِذْ أَمَرْتُكَ 12 الأعراف) فإبليس لم يقل يا ربي أنا لا أسجد لغيرك إنما قال (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ﴿61﴾الإسراء) أو قال (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ 12 الأعراف) ففي الإجابتين لم يجيب الإجابة التي يدّعونها-أنه لا يسجد لغير الله-والخوف هنا على الشباب الذي يسمع هذا الكلام ويؤمن به بأن إبليس لم يرضى بأن يسجد لغير الله وهذا كلام غير صحيح. أولاً السجود لآدم طاعة لله أولاً ولو أن ما يدعون صحيح لفعلت الملائكة فعل إبليس ولكن الملائكة سجدوا فوراً (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ 73 ص) فوراً من غير تفكير أو لحظة تفكير فلا يوجد تراخي في هذا الأمر لأنه صادر من الله تبارك وتعالى فأمر الله لا يُرّد إلا من كافر ولذلك نقول أن أول معصية على الإطلاق كانت برفض إبليس السجود لآدم والسجود لآدم تكريم وليس عبادة. ومعصية إبليس تعتبر أول معصية على وجه الإطلاق في الأرض وهي معصية كما قال الشيخ الشعراوي رحمه الله في القمة، والجن كانوا في الأرض قبل الإنسان وفسقوا وكانت المعاصي موجودة ولكن معصية إبليس تعتبر أول معصية بعد خلق آدم فهي أول معصية في وجود الخلق في وجود آدم عليه السلام أول معصية على الإطلاق وكما قال الشيخ الشعراوي رحمه الله معصية في القمة فمعصية إبليس ليس أنه فقط لم ينفذ الأمر ولكنه رد الأمر على المولى عز وجل ورد عليه قولاً. وسؤال الله تبارك وتعالى(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) لكي يبين للبشر والاستفهام هنا ليس للمعرفة وإنما استفهام لإظهار الأمر للبشر لكي ترى فكر إبليس وإظهار ما عند إبليس لكن المولى سبحانه وتعالى يعلم فالمولى يعلم حتى قبل أن يأمر أنه لن يسجد فعِلم الله سابق وسؤاله لإبليس ليس على سبيل المعرفة أو الاستفهام-حاشا لله-ولكن لكي يظهر للبشر الذي لدى إبليس لكي لا يفعلون فعله ويقيم الحجة على إبليس وما فعله إبليس يُفعل الآن من البشر فمنهم من يتكلم عن الحج ويرفضه ويقول أنه وثنية وعلى شاشات التلفزيون وهم مسلمون.
( مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) القرآن الكريم يستخدم أساليب الاستفهام بصياغات مختلفة يقول مثلاُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿2﴾ الصف) وهنا (مَا مَنَعَكَ) نفهم من كلمة ما منعك أنه همّ بتنفيذ الأمر ثم حدث شيء منعه لأنك عندما تسمع ما منعك تدل على أن هنالك نية لتنفيذ الأمر على أقل تقدير،هذه النية متوفرة في أنه يعيش مع الملائكة ويفعل مثلهم فهو سوف يطيع أو المفترض أنه سيطيع لأنه أطاع فيما سبق ولذلك جاءت كلمة ما منعك أي أن هنالك شيء منعه. المنع له مانع والمانع إما داخلي أو خارجي فإجابة إبليس أنهت القضية برمتها (مَا مَنَعَكَ) قال (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) فالمانع ليس خارجياً ولكن داخلي لديه هو فإبليس تصور أمراً وما ظلمه الله تبارك وتعالى لأن الشاهد من القصة أنه لا يجب لمخلوق أن يتصور أمور والخالق قد ترك له كتاباً وقد أعد له رسولاً فإذا استعصى عليك أمر لا تطلق العنان لفهمك لكي تصل له ولكن اذهب واسأل ولذلك لا خاب من استشار،أما إبليس فقد تصور أمر في داخله وسار خلفه بأن الطين أقل من النار وأنا من نار وهو من طين فلا يصح أن أسجد له وكيف أسجد له ولماذا؟ ونسي أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يأمر والله تبارك وتعالى غني عن المناقشة ومنزّه.
من الذي وسوس لإبليس؟ ليس هنالك من وسوس لإبليس فالأمر داخلي من نفسه فلو أنه قال عندما سأله المولى عز وجل (مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) أنه وسوس لي فلان أو حدث يا ربي كذا ولكن لم يحدث هذا إنما هو أمر تصوره من نفسه، والوسوسة ممكن أن تكون من الشيطان أو من النفس والنفس قبل الشيطان ولو رجعنا لكلام امرأة العزيز (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ 53 يوسف) فهي لم تقل الشيطان وهذا صدق والإنسان يستطيع أن يفرق بين وسوسة الشيطان ووسوسة النفس، فالشيطان عندما يوسوس للبشر لا يهمه نوع المعصية فهو يريد أن يأتي بك في أي معصية سرقة أو كذب أو زنا أو قتل فهو يريد أن يملأ صفحتك بالمعاصي إنما النفس البشرية تهمها نوع المعصية فهي تشتهي فتزين لك معصية بعينها كالمدمن على الخمر هو يريد هكذا ومن نفسه وليس من شيطان والنفس تعطيك مبررات للمعصية وتزينها لك كأن تأمرك بالسرقة بحجة أن الحكومة ظالمة رغم أن الحرام لا يحلله أي شيء وهذه قاعدة عامة فالحكومة هي نحن، ولذلك قالت (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) فالنفس أمارة بالسوء قبل الشيطان، فلو أننا اشتغلنا بالآيات بما يرضي الله ونفذنا ما طلبه الله منا بالتدبر نجد أن الشيطان لا يسلك مع نفس طائعة وهو نفسه استثنى والمولى أكد، فيقول هو (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴿40﴾ الحجر) أي أن هؤلاء لن أستطيع غوايتهم فهو دائرة شغله في أشخاص معينين ولكنه يغير الطريق مع أشخاص معينين آخرين. ولهذا جاء وصف القرآن لكيد الشيطان بأنه ضعيف (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴿76﴾ النساء) وهنالك من يقلد الشيطان من البشر ويطلق العنان لنفسه ففي أثناء شرحنا لهذه الآية (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) فقام أحد الناس وقال أن هذا الكلام غير صحيح فكيف يكون كيد الشيطان ضعيفاً؟ ونحن كنا نقول شرح القرآن فليس نحن من قال هذا ولكنه الله تبارك وتعالى هو الذي يقول ويجب أن يتوقف الإنسان عند قوله تبارك وتعالى ولا يناقشه ولكن هذا الشخص أطلق العنان لنفسه وقال أن هذا غير صحيح وهو بذلك يفعل فعل إبليس، ولذلك القرآن استعرض هذه القصة وجاء بسبع ملامح لها وذكر لك الأسباب وحتى السؤال (مَا مَنَعَكَ) استوقفني فهنالك احتمال أن يكون هنالك مانع وقد يكون المانع خارجاً عنه كما أنكم تدافعون عنه وتقولون أنه لم يرض أن يسجد لغير الله رغم أنه لم يقل هذا وحتى عندما سأله المولى أعطى حيثية أخرى تماماً قال (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) أعطى الخيرية لنفسه. فالقرآن عرض هذه القضية وقال (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴿32﴾ النجم) حتى القرآن شرح لك الأمر في سبع ملامح ثم أعطاك توقيعها في آية ثانية أنك لا تزكي ونفسك وتقول أنك أصبحت صالحاً ولكن اترك الأمر للناس ليحكموا إن كنت صالحاً والحكماء قالوا: الرضا عن النفس من فساد العقل فأن ترضى عن نفسك من فساد العقل لأنك بذلك ستركن وهذا ما فعله إبليس ابتداءً فهو زكى نفسه وأعجبته للغاية وأطلق العنان لنفسه في هذه النقطة وهذا بالضبط كما لو امرأة جميلة وتتباهى بجمالها رغم أنها لم تفعل هذا الجمال فمن المنطق أن يتباهى الإنسان بما فعله لا أن يتباهى بما ليس له،فهذا الجمال ليس من صنعك وليس لك ولذلك هنالك الحجاب وغيره وكل هذه الأمور كأني بالله تبارك وتعالى يقوم بمعالجات كثيرة جداً للنفس (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿21﴾البقرة) فهنالك أمور في القرآن كثيرة جداً لعلاج هذه النفس فمثلاً سورة الفجر عالجت موضوع نحن نعانيه منه في مجتمعاتنا وهو الاغترار بالأمر سواء بالسلب أو الإيجاب فالفقير يقول سيحاسبني على ماذا وهو لم يعطني شيئاً؟ وهذا لا يليق والآخر يقول مادام أنه أعطاني فهو لن يحاسبني وأنا فوق السؤال، واستعرض القرآن هذا في قوله تعالى (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴿15﴾ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴿16﴾ كَلَّا (17) الفجر) فهو يريد أن يقول في قوله (إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ) أن الغنى ابتلاء والفقر ابتلاء، ( فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) فهم جعلوا من الحسنة والإكرام سيئة فيقول ربي أكرمن ويركن على هذا الأمر واطمئن ولا يقدم جديداً، ( وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) والمولى رد على الاثنين وقال (كَلَّا) وسكت، فكلّا هنا تفيد أن لا الأولى صح ولا الثانية صح وحل القضية يكون في موضع آخر بتوقيع آخر (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ 13 الحجرات) لا هذه إكرام ولا تلك إهانة، فالتقوى هي المناط وإياك أن تغتر بها أيضاً ولذلك نرى ذكاء أهل الجنة وهم في الجنة داخلها لم يقولوا الحمد لله الذين هدانا لهذا بأعمالنا وتعبنا ولكن كان قولهم (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ 43 الأعراف) فلم يقولوا أنا،
الله سبحانه وتعالى لم يهدي إبليس لأن هذه هي إرادته وحكمته لا يسأل عنها، هنالك كثير من الناس لو سئلوا ماذا سيغيرون لو عاد بهم الزمان للوراء تكون إجابة معظمهم أنهم سيفعلوا مثل الذي فعلوه ولا يغيروا شيئاً وهذا يعتبر كبر فهم لا يريدون أن يقول أنهم أخطئوا رغم أنهم قد أخطأوا والشاعر يقول:
ولو تبيّن ما في الغيب من حدثٍ لكان يُعلم ما يأتي ويُجتنب
لو راجع الإنسان نفسه لوجد أنه أخطأ ولكن تزيين الشيطان وتزيين النفس والكبر يجعلهم يقولون هذا، والدافع وراء هذا الكبر ما الدافع وراء كِبر إبليس؟
وكبر إبليس هو النفس المريضة، ولو أن هناك دواعي للكبر المسلم الواعي لا يأخذ الكبر لأنه مؤمن فالتواضع سمة الأذكياء لأنه يوجد مناط كبر. والمولى عز وجل عندما قال في الحديث القدسي (الكبرياء ردائي والعز إزاري) توقيعه في الحديث (فمن نازعني) فالذي يتكبر ينازع الله تبارك وتعالى ويقوم بشيء ليس مناطه على الإطلاق فهو مخلوق. و الرسول صلى الله عليه وسلم قال (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) فهي محرمة عليه.
سؤال: هل كان إبليس يعلم كل هذه التعريفات؟ وما هي الرسالة التي كانت في عالم الجنّ؟
التخيير ميزة وليس عيب فالتخيير لا يزعج الإنسان ولكن إجباره على شيء هو الذي يزعجه ويضايقه والحسنة لا تكون سيئة أبداً كأن تأخذ شخصاً إلى مكتبة فيها كتب تاريخ ودين ولغة وعلوم وقانون سيكون لديه حرية اختيار ما يريد ولكن إذا أخذته إلى غرفة وأعطيته كتاباً واحداً فقط هذا هو الذي سيضايقه. وإبليس كان مخيراً فهو خلقة مخيرة والله تبارك وتعالى لم يبين للملائكة وفي زمرته إبليس الغرض من السجود لأنه بذلك لن يكون أمر. هنالك قضاء ديني وقضاء كوني القضاء الكوني الإنسان مسير فيه والقضاء الديني مخير فيه، إبليس مخير ولكنه حشر نفسه مع المسيرين وهم الملائكة والتسيير كان في طاعة وليس في شيء سيء، عند الأمر بالسجود المفروض أن المخير لا يناقش الأمر فما بالك بالمسير؟ فالمخير يجب ألا يناقش الأمر لأن هنالك فرق بين الأمر التخييري والأمر المطلق والسجود أمر مطلق وأوامر القرآن كلها مطلقة لأن المولى عز وجل يريد أن يختبرك فالإيمان ليس قولاً فقط أن يقول الإنسان يا رب أنا آمنت بك فلكل قول حقيقة وترى هذه الحقيقة في العبادات فالمؤذن يؤذن للفجر كم واحد يذهب للصلاة وكم يبقى نائماً؟ ورمضان يأتي فكم يصوم وكم لا يصوم؟ والمعاملات فالقرآن منهج ويجب أن أتبع كل ما فيه فلا يجوز أن أختار منه ما يوافق هوى نفسي واترك ما لا أريد فبذلك أنا لا أكون مؤمن فهذا عند المخير فما بالك بالمسير إبليس ضم نفسه للمسيرين الذين لا يعرفون التفكير ولا الاختيار ولذلك البشر الطائع أفضل عند الله تبارك وتعالى من الملك لأنه مخير ومع ذلك يطيع أما الملك فهو مسير لا يعرف أن يعصي فهو مجبول على هذا والآخر لديه جبلة أخرى ورغم هذا يذهب للطاعات ولذلك يثاب الجنة (ألا إن سلعة الله غالية) فالمكافأة عالية،
سؤال: لماذا استعملت صيغة السؤال: (مَا مَنَعَكَ) وليس لماذا لم تسجد؟
لأنه هنالك فرق بين أن تقول لشخص لماذا لم تفعل كذا؟ وأن تقول ما الذي منعك من أن تفعل كذا؟ لأن في السؤال الأول تنتظر أن تسمع التبرير لعدم فعلك الأمر ولكن في السؤال الثاني ما الذي منعك من أن تفعل كذا؟ رغم أنه كان ميسراً لك أن تفعل وبالتالي لا عذر مقبول أما في السؤال الأول قد أقبل العذر إنما في الثاني- ما منعك- أي المفروض أنك فعلت الأمر فما منعك جاءت في أمر ما كان يجب لك ألا تعمل ولكان من الواجب أنك عملته. ومن كلمة ما منعك نفهم أن إبليس همً بالفعل ولكن غلبت عليه نفسه، ولذلك دائماً نقول هنالك أمور فطرية طبيعية في النفس وأمور مكتسبة فيجب على الإنسان أن يقوم بتدريب للطاعة للأمور المكتسبة كأن يقول شخص أنه لا يقدر أن يصلي-دون أي عذر شرعي-هذا ليس عذر فهو المخطئ وهو يجب أن يدرب نفسه على الصلاة لأن ليس هنالك ما يمنعه غير غلبة نفسه عليه ويوم القيامة (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴿14﴾ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴿15﴾ القيامة) فالإنسان يجب أن يدرب نفسه على الطاعات والشيطان يوقعك في المعاصي لأنه ينسيك العقاب والسؤال فمن آمن العقاب لم يحسن الفعل فمن لا يقوم لصلاة الفجر نسأله إذا كان عنده موعد طائرة أفلا يقوم؟ وهذا هو ما يلعب عليه إبليس الشيطان بالنسبة لبني آدم فهو ينسيه دائماً السؤال والعقاب يوم القيامة وهو دائماً ما ينجح في هذا الأمر وإبليس لديه مهمة وهو ناجح في هذه المهمة بنسبة 100% إلا ما رحم الله ودليل نجاحه الوضع الذي فيه الكون وليس فقط الأمة الإسلامية.
من المهم تدبر أسئلة القرآن فمرة يقول الله تعالى ( مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) وفي موقع آخر (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) وفي الأولى ألا عبارة عن أن لا، فـ ألا تعطي النفي ولكن الله تبارك وتعالى لم يقل ما منعك ألا تسجد في المرتين؟ لأن في الأولى ملمح والثانية ملمح والقضية كلها في لا، إبليس لم يسجد ولكن لماذا لم تكن الصياغة: قال يا إبليس ما جعلك لا تسجد؟ ولكن هكذا سيكون الفعل ليس من عند إبليس فالجعل لا يأتي من المجعول، فالجعل يكون من الخارج شيء جعلك وأجبرك. ولكن المنع يتحمل الأمرين من الداخل أو من الخارج فاستخدام المنع تقربك أنها من عنده والإجابة تؤكد هذا الأمر، فالجعل لا يأتي من داخل المجعول أبداً ولكن يجب أن يكون من خارجه والمنع تحتمل المعنيين من الداخل أو من الخارج. وعندما يقرأ الإنسان ما منعك؟-ولو أن الذين يقولون إبليس لا يسجد لغير الله تصورهم سليم- هذا كان سيكون طريق لإبليس لكي يصحح وضعه ولكن هذا يبين لك أن الكبر يضل صاحبه ويضيعه والكبر آنذاك في إبليس لم يكن وليد اللحظة بل متمكن منه ولذلك كثيراً ما أفرح إذا رأينا إنسان كان لديه كبر ونحن نعرف هذا ويتنازل عنه طاعة لله عندما يشتغل ويؤثر فيه القرآن، والإنسان يدعو إلى الله فقط ولا ينصب نفسه حكماً على الناس. فالكبر يضيع صاحبه حتى في مجال الدعوة فهنالك بعض الدعاة الذين لديهم كبر فهو يغتر بما عنده وبما لديه من علم فالكبر دليل على وجود الشيطان والشيطان لن يتركه إلا إذا أدى مهمته على أتم وجه وينهيه ولذلك يجب أن ينزل الإنسان عن الكبر ويمنعه من التسرب إلى نفسه فلا تغتر بجاه ولا بمال ولا بسلطان ولا بأي شيء سلم الأمر لله وكن مسلماً كما يجب أن يكون ولذلك إذا قابلت شخص لديه جاه أو ذو سلطان متواضع تفرح كثيراً لأن لديه مناط الكبر ومقوماته ولكن الله قد هداه وتفرح أكثر بمن كان لديه كِبر وعاد عنه. وفي الحديث - المشكوك في صحته - (أحب ثلاثة وحبي لثلاثة أشد وأكره-أو أبغض- ثلاثة وكرهي-أو بغضي- لثلاثة أشد، أحب الشيخ الطائع وحبي للشاب الطائع أشد) لأن الشاب لديه مقومات الفتوة والمغريات أما الشيخ المسن الذي يطيع ليس لديه شيء ولكن الله يحبه لأن هنالك شيخ لم يطع ولكن حبه للشاب أشد (وأحب الفقير المتواضع وحبي للغني المتواضع أشد) فهو يحب الفقير المتواضع لأن هنالك فقير لم يتواضع ولكن حبه للغني المتواضع أشد لأن الغني عنده مقومات الكبر ولكن تواضع (وأحب الغني الكريم وحبي للفقير الكريم أشد) لأن الغني لديه ما يجود به ولكن الفقير ليس لديه ولكنه يعطي. وعندما نأتي للكره أو البغض نفس الموضوع فالمولى يقول (أكره الشاب العاصي وكرهي للشيخ العاصي أشد وأكره الفقير البخيل وكرهي للغني البخيل أشد) لماذا تبخل وأنت لديك؟ أما الفقير فقد يكون بخله نتيجة الوضع أما الغني فما عذره؟ (وأكره الغني المتكبر وكرهي للفقير المتكبر أشد) فعلى ماذا يتكبر؟ وإبليس كان من يندرج تحت صنف الكبر فقضية إبليس التي افتعلها لم يفعل منها شيء فليس هو الذي خلق نفسه من نار ولا آدم من طين، وإذا كانت النار لها فضل على الطين فما فضل إبليس؟ فهو ليس الذي خلق نفسه من نار فالتوقيع القرآني والسؤال بهذه الطريقة والملامح الكثيرة لكي يتعلم الإنسان ويبتعد عن الكبر ويلتزم التواضع.
سؤال: قال الله تبارك وتعالى (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) وفي الآية التي قبلها (ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا) فلم لم يقل هنا ما منعك أن تسجد إذ أمرت الملائكة وأنت فيهم وأنت حاضر معهم؟
لكي يبين أن الأمر شمله وهذه فرصة الإجابة لو أنه فهم الذي أنتم تدافعون به عنه لقال يا رب أنا من الجن وأنت أمرت الملائكة ولكن هو قاصد ألا يسجد وفهم القضية وعلم أن الأمر يشمله.
أما ما ورد في الأثر من أن آدم حينما خلقه الله سبحانه وتعالى في مراحله الأولى كان مجوفاً فدخل فيه الشيطان..إلخ فهذا من الإسرائيليات لكن في الحديث الصحيح إبليس استعرض الخِلقة وقال أنه خلق لا يتمالك. والحقد تولد داخل إبليس ساعة تكريم آدم بخلق الله تبارك وتعالى له بيديه ولم يُكرّم الجن بهذا يقول الله تبارك وتعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ 70 الإسراء) فقط فهذا التكريم ولّد الحقد لدى إبليس وهو قال (هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ 62 الإسراء) فهو أخذ الأمر على نفسه والملائكة لم تفعل هذا فهو اعتبر التكريم هذا ضده. الخالق هو الله تبارك وتعالى ولو أن إبليس آمن به على الوجه الذي يجب أن يكون منا نحن المخلوقين لله أنه لا يُسأل عنا يفعل فالمخلوق يسلم لله في كل معطياته وكل موانعه وإبليس يفهم هذا الكلام جيداً بدليل رده (أَأَسْجُدُ). في هذه الكلمة استفهام استنكاري فإبليس تكبر أن يسجد لآدم بهذا الأسلوب العجيب ويجب علينا كمسلمين عندما نقرأ القرآن أن الأسلوب هذا يستفز فينا التواضع لأننا رأينا ماذا فعل الكبر في صاحبه فقد طرد إبليس قبل آدم وطرد من رحمة الله. سؤال: كيف كانت ماهية الحوار بين إبليس والله تعالى فهل كان يراه أو من وراء حجاب؟
ولم يثبت لدينا أن إبليس رأى الله الثابت أنه كان هنالك حوار هل من وراء حجاب هل مباشرة؟ لا نقدر أن نثبت هذا أو ننفيه والمفروض أننا نسكت فيها ولا نتكلم فيها لأنه لو كان لها هدف يفيد من القصة كان ذكر في القرآن.
سؤال: عندما سئل إبليس (مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) كان المنطق أو الأقرب للتصور والعقل البشري أن يقول أنا خير منه وتنتهي القضية ولكن لماذا قال (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) وكل هذا الحشو؟
هذا ليس حشواً وإنما يعطيك حيثيات الخيرية عنده هو تصور أن النار أفضل من الطين ولو قسنا هذا بقوله (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴿17﴾ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى ﴿18﴾ طه) فمن المفروض أنه قال هي عصاي فقط ولكنه قال كلاماً كثيراً لا يحتمل الإجابة على التساؤل ويفيض ويزيد في الإجابة على التساؤل المفسرون يقولون له وجه في هذا وهي وجه طيبة، هنا إبليس تطوع بالزيادة على الإجابة وقال (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) لماذا؟ أولاً يجب أن نفرق بين أمرين الأول سؤال الله تبارك وتعالى لموسى يختلف عن السؤال لإبليس فلو ضربنا مثالاً-ولله المثل الأعلى-عندما تسأل شخص ما الذي في يدك؟ فيجيب كذا أو كذا وكذا وكذا غير السؤال لشخص لماذا لم تفعل كذا؟ فالأول ليس متهم ولكن الثاني مُتّهم وفي الحالتين ننزه الله سبحانه وتعالى عن عدم علمه هنا أو هنا فبلا شك نحن مسلّمين بهذا. وأنا أحب كلام علمائنا وأساتذتنا لكن ليس معنى هذا أنني أقف عنده وأعتمد عليه فأنا آخذه وأؤيّده وأفكر فيه هذا هو منهجي فكلام العلماء في موسى أن موسى تكلم كثيراً لأنه أحب أن يطيل الحوار مع الله تبارك وتعالى ولكن أنا لا أرى الحوار طويل فلو أنا أردت أنا أطيل الحوار لقلت يا ربي هي عصاي معمولة من الخشب والخشب من..الخ لو أنني أردت أن أطيل الحوار وهذا تصوري أنا لكن أبداً ومع احترامي للعلماء كلهم القرآن هو كلام الله حتى وإن جاء على لسان موسى فهذه قاعدة يجب أن لا نغفل عنها. فلو أخذنا (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) هذا كلام إبليس لكن لا أحد يستطيع أن ينكر كلامي لو قلت قال الله تعالى وأفتح القوس وأقول وأنا أشرح لا أحد يستطيع أن ينكرها عليّ لأن القرآن كلام الله كله حتى لو جاء على لسان إبليس لعنة الله عليه وهذه قاعدة. وإبليس قال حرفاً أنا خير منه ولكننا لم نكن نعرف هذه القصة لغاية محمد صلى الله عليه وسلم وقد يكون موجود في التوراة والإنجيل ولكن أنا لست مكلفاً بهما فلولا هذا الكتاب ما عرفنا القصة ولو افترضنا فرض جدلي أن القرآن لم ينزل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ونحن أتينا بعد التوراة بفترة طويلة هل كان أحد منا سيبحث عن التوراة؟ فنحن لولا هذا الكتاب ما عرفنا التوراة فلو أن التوراة حرفت واندثرت- وهذا فرض جدلي أيضاً- لولا هذا الكتاب ما كنا عرفناه فمن أين نعرف هود وغيره؟ لولا هذا الكتاب الذي يجعلك تفتح فالكتاب أمرك أنك لا تأخذ غيره والحمد لله أنها جاءت في الأعراف لكي لا ترجعوا للإسرائيليات لأن هذا الكتاب وفي هذه السورة التي تضمنت القصة بالتفصيل، بتفصيل ملامح البقرة بعمق أكبر مما جاء في البقرة وقال (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ 3 الأعراف) اللهم لك الحمد لله.
(أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) متعبد بتلاوتها رغم أنها كلمة أنكرها القرآن على قالها وطردت صاحبها من رحمة الله لكن يجب أن نفرق بأن هذا قرآن يتعبد بتلاوته وإن كان الذي قيل على لسان إبليس لعنة الله عليه ويظل القرآن هو كلام الله تبارك وتعالى، (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) أنت أنكرتها على صاحبها لكن يجب أن نفهم أن لولاها ما كنت عرفت لماذا طرد صاحبها وماذا حدث له لكي تتفادى أنت كمسلم الذي عمله إبليس لعنة الله عليه فالقرآن نافع في كل وقت وفي كل زمان وبكل آية منه ولذلك نحن نحلل الآية ولا نقف عند المعنى ولكن نذهب إلى لازم المعنى والمدلول والعلة والسبب لكي نصل إلى مراد الله تبارك وتعالى الذي لن يصل إليه أحد أبداً ولكنك تأخذه من ظاهر الآية وتحاول. فشخص ما سيقرأ الآية (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴿11﴾ الأعراف) فقط وآخر ستستوقفه كلمة للملائكة فيتساءل هل إبليس من الملائكة؟ ويبدأ يفتح قضية هو منهم أو ليس منهم؟ فعندما يقرأ بعد هذا في بقية الملامح وبقية السور (وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ﴿27﴾ الحجر) وهنا لم يقل من نار السموم بل قال (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فلماذا لم يقل السموم؟ وما هي السموم؟ وهل تضيف شيئاً للنار؟ وهل هذا الشيء جيد أم سيء؟ وهكذا.
سؤال: من أخبر إبليس أن الخيرية للنار؟
هذا شيء افترضه إبليس و سلم العنان لهذا الافتراض وكم من البشر من يفعل هذا فهنالك من يفترض شيء ويبني عليه فرضية كهذه الكتب التي ظهرت الآن نتيجة فرضيات بعض الناس وإطلاق العنان لأنفسهم كالذي يقول يوم القيامة سنة2238 وكتب الإعجاز العددي التي لا منهج ولا صحة لها ومن يقول أن الإسراء من الهرم وما جاء في القرآن (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى 1 الإسراء) يقول أنه تأويل وأن المسجد الأقصى هو جامع الأزهر فهؤلاء أشخاص يطلقون العنان لأفكارهم مثل إبليس، ومن يتكلمون عن الإعجاز العددي أولاً محمد صلى الله عليه وسلم ما قصر في شيء ولم يترك شيئاً إلا علمنا إياه وهو صلى الله عليه وسلم لم يعلمنا أن نوجد منهجاً لكي نخرج إعجازاً عددياً من عدد الحروف. وحتى منهجهم لا صحة لهم فهم يعتمدون على الجمع ولكن لماذا لم يجربوا الطرح أو القسمة أو الضرب؟ ولو فتحنا هذا العنان لهذا الأمر لن ينتهي وهذا كله كلام لا أساس له من الصحة. الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه القرآن فيعلمه الصحابة كما نزل. لم يفسّر الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن كثيراً. لا يمكن أن أعدّ حروف كلمة وأبني عليها نظرية فهؤلاء بنوا نظرياتهم على افتراضات لا صحة لها كما فعل إبليس نظرية الخيرية وأعطاها لنفسه فهو وضعها وأطلق العنان فيها ويقول لك مقومات هذه النظرية وحيثياتها فهو مقتنع بهذه النظرية.ولذلك يجب على كل من اتبع هذا الطريق أن يرجع للحق فالاعتراف بالحق فضيلة فالتوبة عبارة عن رجوع للحق فآدم تاب ولم يتب إبليس والحمد لله على توبة آدم لأن من الذي جعل آدم يتوب غير الله فساعة يهديك الله للتوبة لا أحد غيره يهديك لها فالله هداني بداية بتشريعها عند آدم وأنا أقول هذا الكلام لمن يقول لولا معصية آدم كنا بقينا في الجنة، وهو نسي أن الله قال (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً 30 البقرة) فالإنسان لم يُخلق للجنة ولكن للأرض وعلمنا التوبة ونسأل الله أن نكون من التائبين.
بُثّت الحلقة بتاريخ 7/8/2006م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيح​
 

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
رد: حلقات برنامج قصص القرآن مع الدكتور محمد هداية

تم بحمدالله وعونه
اللهم اجعله عملا خالصا لوجه الكريم
اللهم صلي وسلم وعلى
سيدنا وحبيبينا الرسول الكريم
 
أعلى