تحليل - محمد جمال عرفة:
لم يصدق أكثر المتفائلين أن يظهر الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه داخل قفص الاتهام .. ولم يصدق أكثر المتفائلين أن يعيشوا ليروا هذا اليوم الذي يحاكم فيه رئيس عربي بتهمة قتل
شعبه ، وهم يرون الحكام العرب – وأخرهم الرئيس السوري بشار الأسد - يستبيحون دماء شعوبهم ويقتلونهم بالدبابات والطائرات ويلقون جثثهم في الانهار (!).. ولذلك عقدت المفاجأة أفواه الجميع ولم يصدق البعض أن من يرقد أمامهم علي سريره الطبي داخل قفص الاتهام هو الرئيس السابق بكل جبروته .. فشكك أحد المحامين في وجوده وطلب تحليل الحامض النووي لمبارك والتأكد منه نظرا لما قيل عن وفاته منذ أربع سنوات !.
والحقيقة أن محاكمة القرن لمبارك تعطينا أكثر من درس وترتب دلالات عديدة أبرزها :
1- أن محاكمة أول رئيس وأول حاكم مصري في التاريخ منذ عهد الفرعون تؤكد أن النظام السياسي المصري في طريقة للتغير الجذري .. وأن نظرية الفرعون أو الحاكم الأله أو الذي تؤلهه بطانة السوء المحيطة به قد انتهت بدخول مبارك القفص الحديدي .. فمحاكمة مبارك كأول رئيس عربي تؤرخ لنهاية عصر الفرعون في مصر بعدما أرخت ثورة 25 يناير لنهاية عصر القمع والقهر والفاسد والظلم ، وهي ترقي لأن تكون معجزة إلهية وعبرة للظالمين ولحظة تاريخية غير مسبوقة .. فقد قام الحكم الفرعوني للمصريين على اساس ديني وكان ينظر الي فرعون مصر على انه اله بين البشر على الاقل ممثل له .. ونتيجه لهذه العقيده الدينيه تمتع الملك فرعون بسلطه مطلقه تركز على سلطه الحق الالهي واصبحت الملكيه وراثيه .. وحتي عندما جاءت الجمهورية لم يتردد الرئيس في الشعي لتوريث نجله الحكم .
2- أن محاكمة مبارك كأول رئيس عربي يقف حيا في قفص الاتهام - بعدما سجل من قبل سابقة أنه أو رئيس عربي يتنحي سلميا عقب ثورة شعبية ضده - ستكون لها تداعيات عربية ودولية كبيرة .. وتدشن سابقة جديدة من نوعها لمحاكمة الحكام العرب ، فضلا عن أنها تسجل لمصر رقما قياسيا جديدا في العدالة بعدما سجلت رقما عالميا في الثورة الشعبية النبيلة .. وربما لهذا وصف "اوجو باربا" رئيس الشؤون الدولية بوكالة الانباء الايطالية ، المحاكمة بانها "لحظات تاريخية تمثل للشرق حدثا فاصلا ، يماثل تبعات الحادى عشر من سبتمبر، ليس على مستوى الخراب ولكن على مستوى شدته المزلزلة التى سوف تمتد الى أعتاب الدكتاتوريات التى تعانيها الشعوب العربية والافريقية ايضا " .
3- أن الحالة التي ظهر عليها الرئيس السابق وهو على سرير نقال مجهز،فى كامل وعيه، ولا يظهر عليه آثار المرض الشديد ، وظهوره متبسما تارة وهو ينظر في ساعته تارة أخري متضايقا من طول إجراءات المحاكمة .. تشير لأن كل ما ذكر من تقارير طبية عن المخاوف علي حياته لو انتقل للمحاكمة غير صحيحة .. وهي تقارير لوحظ أنه بدأ التراجع عنها مع بدء العد العكسي للمحاكمة عندما أكد أطباء المستشفي أن الوظائف الحيوية لحالته الصحية جيدة بالنسبة لسنه (83 عاما) .
4- أن حضور مبارك المحاكمة بعد التقارير العديدة التي أكدت صعوبة حضوره بسبب حالته الصحية يشير لأن ضغوطا مورست عليه لحضور .. وضوء أخضر من المجلس العسكري لنقله للقاهرة ومحاكمته ووضعه في المركز الطبي العالمي بطريق القاهرة الاسماعيلية التابع للجيش ضمانا لحمايته لحين انتهاء المحاكمة .. بسبب تزايد الاحتقان في الشارع المصري (كما أشار لهذا وزير الداخلية) وتزايد الشكوك في محاكمته ما دفع المجلس العسكري لحسم امر المحاكمة وإحضار مبارك ولو محمولا علي نقالة لمحاكمته ، بعدما هددت الاحتجاجات باستمرار الفوضي في مصر وتعطيل كل خطط المجلس العسكري للتهدئة والاستعداد للأنتخابات المقبلة .. وفي كل الاحوال فهي تؤكد جدية المجلس العسكرى فى الالتزام بمطالب الثوار وتقديم رأس النظام للمحاكمة.
5- أن محاكمة مبارك بتهمة قتل الثوار – كما هي التهمة الرئيسية له كما تلتها النيابة - هي أكثر نقاط القضية ضعفا بسبب عدم وجود أي أدلة قوية تدينه - مثل الاوراق الموقعة في مراسيم جمهورية –بإصداره أوامر إطلاق النار ، ولذلك قال مبارك ونجليه فى جملة واحدة عبارة "أنكرها كلها تماماً" على اتهامات النيابة العامة لهم بالقتل العمدى للمتظاهرين مع سبق الإصرار والترصد، والتربح من رجل الأعمال حسين سالم، والإضرار العمدى بالمال العام ، وقد تؤدي لتبرئته .. بعبارة أخري فإن أساس المحاكمة يبدو هشا حيث يحاكم بتهمة ليس عليها أدلة ملموسة وقرائن موثقة في حين أنه كان من الأفضل – كما يقول د. عبد الله الاشعل أستاذ القانون - أن يحاكم وحده منفردا في محاكمة سياسية بتهمة انتهاك الدستور والخيانة العظمى وبالعمالة لأمريكا وإسرائيل .
6- أن حصر الاتهامات في هذه القضية في قتل المتظاهرين قد تؤدي لنتائج كارثية في حالة الحكم ببراءته مثلا وقد تؤدي لمشاجرات وصراعات ضخمة بين الموالين والمعارضين لمبارك .. فقبل المحاكمة أصيب قرابة 53 من مؤيدي ومعارضي مبارك في اشتباكات محدوده ، فكيف لو صدر حكم ببرءاته أو حكم لا يشفي غليل اسر الشهداء والثوار !؟ .
7- أن التهمتان الوحيدتان الثابتتان أقتصاديا علي مبارك – بعد صعوبة التحصل علي أدلة علي نهب أموال في الخارج حتي الان - هما التربح من حسين سالم بالحصول علي 5 فيلات وملحقات لها بلغت قيمتها 39 مليونا و 759 الف جنيه بموجب عقود صورية تم تسجيلها بالشهر العقاري .. و الثانية هي أنه "اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة " في "إسناد أمر بيع وتصدير الغاز الطبيعى المصري لدولة إسرائيل إلى شركة البحر الأبيض المتوسط للغاز التي يمثلها ويستحوذ على أغلبية أسهمها المتهم حسين سالم " .. وهما تهمتان مثبتتان وبموجبهما قد يتم الحكم علي مبارك بالسجن مع التخفيف بحكم السن وأن يتم السجن في مستشفي الشرطة أو شرم الشيخ لأن مستشفي طره لم يجهز حتي الأن طبيا .
8- محاكمة مبارك كشفت حجم التاثير الذي تركه النظام الفرعوني القديم في المصريين وكذا جحم التعاطف مع الحاكم حتي ولو كان ديكتاتورا وفق نظرية الحاكم الذي لا يخطئ أو صاحب السلطة الأبوية .. وقد تمثل هذا في مطالبة كثيرين بالعفو عن مبارك رغم جرائمه وظهور مؤيدين له خارج المحاكمة يركزون علي فكرة ضرورة عدم محاكمته .
9- قد يستدرج الظالم – كما يقول الشيخ يوسف القرضاوي - ويملي الله له سنين، حتى يتوهم أن الله قد نسيه وقد يأخذه في لمح البصر أو هو أقرب،وقد يغيث الملهوف، وينفس عن المكروب، من حيث لا يحتسب هو ولا يحتسب الناس من حوله..!
لم يصدق أكثر المتفائلين أن يظهر الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه داخل قفص الاتهام .. ولم يصدق أكثر المتفائلين أن يعيشوا ليروا هذا اليوم الذي يحاكم فيه رئيس عربي بتهمة قتل
شعبه ، وهم يرون الحكام العرب – وأخرهم الرئيس السوري بشار الأسد - يستبيحون دماء شعوبهم ويقتلونهم بالدبابات والطائرات ويلقون جثثهم في الانهار (!).. ولذلك عقدت المفاجأة أفواه الجميع ولم يصدق البعض أن من يرقد أمامهم علي سريره الطبي داخل قفص الاتهام هو الرئيس السابق بكل جبروته .. فشكك أحد المحامين في وجوده وطلب تحليل الحامض النووي لمبارك والتأكد منه نظرا لما قيل عن وفاته منذ أربع سنوات !.
والحقيقة أن محاكمة القرن لمبارك تعطينا أكثر من درس وترتب دلالات عديدة أبرزها :
1- أن محاكمة أول رئيس وأول حاكم مصري في التاريخ منذ عهد الفرعون تؤكد أن النظام السياسي المصري في طريقة للتغير الجذري .. وأن نظرية الفرعون أو الحاكم الأله أو الذي تؤلهه بطانة السوء المحيطة به قد انتهت بدخول مبارك القفص الحديدي .. فمحاكمة مبارك كأول رئيس عربي تؤرخ لنهاية عصر الفرعون في مصر بعدما أرخت ثورة 25 يناير لنهاية عصر القمع والقهر والفاسد والظلم ، وهي ترقي لأن تكون معجزة إلهية وعبرة للظالمين ولحظة تاريخية غير مسبوقة .. فقد قام الحكم الفرعوني للمصريين على اساس ديني وكان ينظر الي فرعون مصر على انه اله بين البشر على الاقل ممثل له .. ونتيجه لهذه العقيده الدينيه تمتع الملك فرعون بسلطه مطلقه تركز على سلطه الحق الالهي واصبحت الملكيه وراثيه .. وحتي عندما جاءت الجمهورية لم يتردد الرئيس في الشعي لتوريث نجله الحكم .
2- أن محاكمة مبارك كأول رئيس عربي يقف حيا في قفص الاتهام - بعدما سجل من قبل سابقة أنه أو رئيس عربي يتنحي سلميا عقب ثورة شعبية ضده - ستكون لها تداعيات عربية ودولية كبيرة .. وتدشن سابقة جديدة من نوعها لمحاكمة الحكام العرب ، فضلا عن أنها تسجل لمصر رقما قياسيا جديدا في العدالة بعدما سجلت رقما عالميا في الثورة الشعبية النبيلة .. وربما لهذا وصف "اوجو باربا" رئيس الشؤون الدولية بوكالة الانباء الايطالية ، المحاكمة بانها "لحظات تاريخية تمثل للشرق حدثا فاصلا ، يماثل تبعات الحادى عشر من سبتمبر، ليس على مستوى الخراب ولكن على مستوى شدته المزلزلة التى سوف تمتد الى أعتاب الدكتاتوريات التى تعانيها الشعوب العربية والافريقية ايضا " .
3- أن الحالة التي ظهر عليها الرئيس السابق وهو على سرير نقال مجهز،فى كامل وعيه، ولا يظهر عليه آثار المرض الشديد ، وظهوره متبسما تارة وهو ينظر في ساعته تارة أخري متضايقا من طول إجراءات المحاكمة .. تشير لأن كل ما ذكر من تقارير طبية عن المخاوف علي حياته لو انتقل للمحاكمة غير صحيحة .. وهي تقارير لوحظ أنه بدأ التراجع عنها مع بدء العد العكسي للمحاكمة عندما أكد أطباء المستشفي أن الوظائف الحيوية لحالته الصحية جيدة بالنسبة لسنه (83 عاما) .
4- أن حضور مبارك المحاكمة بعد التقارير العديدة التي أكدت صعوبة حضوره بسبب حالته الصحية يشير لأن ضغوطا مورست عليه لحضور .. وضوء أخضر من المجلس العسكري لنقله للقاهرة ومحاكمته ووضعه في المركز الطبي العالمي بطريق القاهرة الاسماعيلية التابع للجيش ضمانا لحمايته لحين انتهاء المحاكمة .. بسبب تزايد الاحتقان في الشارع المصري (كما أشار لهذا وزير الداخلية) وتزايد الشكوك في محاكمته ما دفع المجلس العسكري لحسم امر المحاكمة وإحضار مبارك ولو محمولا علي نقالة لمحاكمته ، بعدما هددت الاحتجاجات باستمرار الفوضي في مصر وتعطيل كل خطط المجلس العسكري للتهدئة والاستعداد للأنتخابات المقبلة .. وفي كل الاحوال فهي تؤكد جدية المجلس العسكرى فى الالتزام بمطالب الثوار وتقديم رأس النظام للمحاكمة.
5- أن محاكمة مبارك بتهمة قتل الثوار – كما هي التهمة الرئيسية له كما تلتها النيابة - هي أكثر نقاط القضية ضعفا بسبب عدم وجود أي أدلة قوية تدينه - مثل الاوراق الموقعة في مراسيم جمهورية –بإصداره أوامر إطلاق النار ، ولذلك قال مبارك ونجليه فى جملة واحدة عبارة "أنكرها كلها تماماً" على اتهامات النيابة العامة لهم بالقتل العمدى للمتظاهرين مع سبق الإصرار والترصد، والتربح من رجل الأعمال حسين سالم، والإضرار العمدى بالمال العام ، وقد تؤدي لتبرئته .. بعبارة أخري فإن أساس المحاكمة يبدو هشا حيث يحاكم بتهمة ليس عليها أدلة ملموسة وقرائن موثقة في حين أنه كان من الأفضل – كما يقول د. عبد الله الاشعل أستاذ القانون - أن يحاكم وحده منفردا في محاكمة سياسية بتهمة انتهاك الدستور والخيانة العظمى وبالعمالة لأمريكا وإسرائيل .
6- أن حصر الاتهامات في هذه القضية في قتل المتظاهرين قد تؤدي لنتائج كارثية في حالة الحكم ببراءته مثلا وقد تؤدي لمشاجرات وصراعات ضخمة بين الموالين والمعارضين لمبارك .. فقبل المحاكمة أصيب قرابة 53 من مؤيدي ومعارضي مبارك في اشتباكات محدوده ، فكيف لو صدر حكم ببرءاته أو حكم لا يشفي غليل اسر الشهداء والثوار !؟ .
7- أن التهمتان الوحيدتان الثابتتان أقتصاديا علي مبارك – بعد صعوبة التحصل علي أدلة علي نهب أموال في الخارج حتي الان - هما التربح من حسين سالم بالحصول علي 5 فيلات وملحقات لها بلغت قيمتها 39 مليونا و 759 الف جنيه بموجب عقود صورية تم تسجيلها بالشهر العقاري .. و الثانية هي أنه "اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة " في "إسناد أمر بيع وتصدير الغاز الطبيعى المصري لدولة إسرائيل إلى شركة البحر الأبيض المتوسط للغاز التي يمثلها ويستحوذ على أغلبية أسهمها المتهم حسين سالم " .. وهما تهمتان مثبتتان وبموجبهما قد يتم الحكم علي مبارك بالسجن مع التخفيف بحكم السن وأن يتم السجن في مستشفي الشرطة أو شرم الشيخ لأن مستشفي طره لم يجهز حتي الأن طبيا .
8- محاكمة مبارك كشفت حجم التاثير الذي تركه النظام الفرعوني القديم في المصريين وكذا جحم التعاطف مع الحاكم حتي ولو كان ديكتاتورا وفق نظرية الحاكم الذي لا يخطئ أو صاحب السلطة الأبوية .. وقد تمثل هذا في مطالبة كثيرين بالعفو عن مبارك رغم جرائمه وظهور مؤيدين له خارج المحاكمة يركزون علي فكرة ضرورة عدم محاكمته .
9- قد يستدرج الظالم – كما يقول الشيخ يوسف القرضاوي - ويملي الله له سنين، حتى يتوهم أن الله قد نسيه وقد يأخذه في لمح البصر أو هو أقرب،وقد يغيث الملهوف، وينفس عن المكروب، من حيث لا يحتسب هو ولا يحتسب الناس من حوله..!