( يـــوم يــأتـــي تـــأويـلـــه )

الاميرة جورية

{سبحان الله وبحمده ..!
( يوم يأتي تأويله )
الأعراف 53

مما ذكره بعض المفسرين في تأويل تلك الآية من سورة الأعراف أن هناك أموراً مستقبلية تقع وهي مما أخبر عنه الله تعالى ورسوله لا يتصورها الإنسان الذي كان في العصر الذي نزلت فيه الآية الكريمة أو قيل فيه الحديث النبوي أو لا يُدرك معناها الحقيقي إلا عندما تقع فعلاً ، وعند ذلك ينحسم معناها ويتجسد على الواقع .

ويشبه ذلك ما أنشده بعض الصحابة أثناء فتح مكة :


خلوا بني الكفار عن سبيله *** خلوا فكل الخير في سبيله


اليوم نضربكم على تأويله *** كما ضربناكم على تنزيله


ضرباً يزيل الهام عن مقيله *** ويذهل الخليل عن خليله

ذلك أن الله وعد رسوله وأصحابه بأن يدخلوا المسجد الحرام ويطوفوا به آمنين ، وسنحت فرصة لذلك في عمرة الحديبية ، إلا أن هذه الفرصة تضاءلت بعدما وقَّع المسلمون معاهدة يرجعون بموجبها إلى المدينة ، وكان لذلك وقع مزلزل للبعض حتى ليكاد يدخله ما يدخله في إيمانه .

وأخبار علامات الساعة ، من الأمور التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عنها وذهب الناس في تفسيرها كل مذهب ، ومع اقترابنا من الساعة أكثر فأكثر أخذ بعض هذه العلامات يلوح تأويله بشكل أكثر حسِّية ، وسنتعرض في مقالنا هنا لواحدة من هذه العلامات وهي الدجال ، ولا عبرة لزعم من زعم أن الدجال ليس شخصاً حقيقياً ،
وأنه كناية عن التلفزيون ذي العين الوحيدة أو رمز لجماعة أو دولة أو شعب لأن كل ذلك يتنافى مع حرفية النصوص التي تؤكد أنه شخص ذو علامات مميزة شبهه الرسول برجلٍ كان معروفاً عند الصحابة هو ( عبد العزى بن قطن ) ومما جاء في وصفه في حديث النواس بن سمعان الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه قلنا : يا رسول الله وما إسراعه في الأرض قال : كالغيث استدبرته الريح ، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرىً وأسبغه ضروعاً وأمدَّه خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيءٌ من أموالهم ، ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك)
والذي يقرأ بحث المعجزة في علم التوحيد يقرأ أن خوارق العادات التي تحدث في زمن الدجال ليست من هذا القبيل مما سيأتي على شرحه آنفاً .

إن ما نشاهده في عصرنا هذا من أمور توضح تأويل ما تقدم ، يؤكد أن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم يقترب أكثر فأكثر ومن ذلك :

1 ـ موضوع السرعة : سرعة انتقال الناس وسرعة انتشار الأخبار والثورة المعلوماتية وتشبيه ذلك بالغيث الذي تدفعه الرياح تشبيه ملموس ومحسوس .

2 ـ الإسراع في الأرض والتجول فيها دون حاجز مانع يدل عليه العولمة التي أخذت بإزالة الحواجز الاقتصادية أولاً من خلال منظمة التجارة العالمية ، ثم حاجز السيادة الوطنية حيث نشاهد هذا المفهوم يتهاوى تحت تأثير ما يسمى بالمجتمع الدولي والمنظمات الدولية ( بلا حدود ) ولم تعد دولة تستطيع تأديب العصاة والمطالبين بالانفصال فيها فالتدخل الأجنبي ومحكمة الجنايات لها بالمرصاد .

3 ـ الأمم المنساقة في التيار : تقدم لها المساعدات والتسهيلات من الناحية المالية والتكنولوجية ، ومن الأمور التي تقدمها التطور العلمي نتيجة الأبحاث الزراعية والحيوانية ، وبالتالي تجد تلك الأمم ثمرات مادية لتبعيتها واستجابتها لما يُملى عليها .

4 ـ الأمم المجابهة والمعاندة : تُحجب عنها المساعدات ويُمنع تصدير التكنولوجيا إليها بل وثمرات التكنولوجيا تحت بند الحصار أو العقوبات وإيقاف التحويلات المالية ، ونحن نعلم أنه باسم مكافحة الإرهاب صار هناك قيود مشددة على التحاويل لتعرقل كل نشاط اقتصادي ، ناهيك عن أن اتخاذ الدولار كعملة دولية يتبادل بها الناس ويدخرون في وعائها ، وشيوع الائتمان المصرفي ، وتركز ذلك في عواصمهم يجعل سلب أموال الناس من أسهل الأمور ، ويمكن ذلك بخفض قيمة الدولار أو اختلاق أزمات تفلس فيها المصارف أو يجري تجميد ودائع دولة مارقة ويصل الأمر إلى اعتراض سفنها وإلى اعتقال مسؤوليها وإلى منع مواطنيها من التجول في العالم .

5 ـ استخراج كنوز الأرض : لقد ساعدت تقنيات الاستشعار عن بعد ووسائل التحري الجيولوجي وما أشبهها في التعرف على كنوز الأرض ، ثم إن الوضع السياسي السابق الذكر جعل الدولة التي تحوي تلك الكنوز تحت التأثير المباشر والاستهداف من قبل كبار المسيطرين على الاقتصاد العالمي ، صحيحٌ أن الأمر حالياً ما زال في طور التنازع بينهم ، إلا أنه يتجه بخطى حثيثة نحو جعل ذلك مركزاً في يد واحدة وبالتالي يصبح لديها الامتياز الأوحد لاستخراج واحتكار تلك الكنوز والتحكم بها فيعطى منها من يشاؤون ويُمنع من لا يريدون .

6 ـ التقدم في العلوم البيولوجية : إن أبحاث الخلايا الجذعية والربوتات النانوية وموضوع الاستنساخ كلها مؤشرات على قدرات هائلة في التحكم بنمو الأحياء وتوجيهه .

لقد كان حمل السيدة مريم بالمسيح عليه السلام من المعجزات ، ولكن أصبح الآن على ضوء التقنيات الحديثة متصوراً وسيصبح ممكناً في القريب العاجل ، فما كان معجزة في السابق لن يعود في زمن الدجال كذلك ، وهذا سيجعل موقف الفريقين المؤمنين والكافرين يزداد إصراراً كلٌ على رؤياه ، فالمؤمنون يتأكدون بذلك من أن ما أخبروا به عن معجزات الأنبياء حقٌ لأن أقوامهم في السابق كذبتهم وزعمت أن ما يقومون به سحرٌ وليس له مصداقية ،
فتحقق ذلك بوسائل علمية يعزز الإيمان ، أما الكافرون فيغترون بما وصلوا إليه ويستهينون بالأنبياء والأديان فيزيدهم العلم طغياناً وكفراً ويستخدمون ثمرات ذلك في الضغط على المؤمنين والتسلط عليهم بقوة الحس ،
وما يذكره هذا الحديث موضوع اعتصام المسلمين قرب قيام الساعة بالمساجد وكفايتهم من الله بالذكر له ، إن ما نشاهده الآن في غزة من حصار للمؤمنين ومنع لمواد الغذاء والدواء والطاقة عنهم بهدف تركيعهم وتألب الدول ذات القوة عليهم ، كل ذلك يقرب إلى أذهاننا ما وعده الرسول صلى الله عليه وسلم

في أحاديث علامات الساعة للمؤمنين بأنهم سيجدون مدداً من الله حتى يأتيهم الفرج بنزول عيسى عليه السلام حيث ترجح كفة المؤمنين من الناحية المادية ويرتفع عنهم الضغط المادي .

هذه الأشياء الحاضرة إرهاصات للأمور التي لا محالة واقعة ، نسأل الله الثبات والعون للمؤمنين خلالها .
.................................................. ....
بقلم الشيخ مأمون جويجاتي
 
أعلى